ملخص
اتفاق إنساني في جدة ونجاة مصفاة الخرطوم للبترول من كارثة
أعرب ميسّرو مفاوضات منبر جدة عن أسفهم لعدم تمكن القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" من التفاهم على اتفاقات لتنفيذ وقف إطلاق النار خلال هذه الجولة من المفاوضات، مؤكدين على عدم وجود أي حل عسكري مقبول لهذا الصراع.
وحض الميسرون كلاً من الجيش وقوات "الدعم السريع" على تقديم مصلحة الشعب السوداني أولاً، وإلقاء السلاح، والانخراط في المفاوضات لإنهاء هذا الصراع.
التزام إنساني
وأعلن البيان المشترك لكل من السعودية، والولايات المتحدة، والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) بصفتها ممثلةً للاتحاد الأفريقي، كونهم الميسرين لمحادثات جدة (2)، تأكيد الجانبين التزامهما اتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات بناء الثقة، في إطار المفاوضات الجارية بينهما.
وأشار البيان إلى أن "العمل في محادثات جدة يتركز على مواضيع محددة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتحقيق وقف إطلاق النار وغيره من إجراءات بناء الثقة تمهيداً للتوصل إلى وقف دائم للعدائيات". وأضاف بيان الوساطة، أنه "وعلى ضوء إعلان جدة لحماية المدنيين في السودان (تم التوصل إليه في 11 مايو/ أيار الماضي)، تلتزم كل من القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" الانخراط في آلية إنسانية مشتركة بقيادة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لمعالجة معوقات إيصال المساعدات الإغاثية، وتحديد جهات اتصال لتسهيل مرور وعبور العاملين في المجال الإنساني والمساعدات".
بناء الثقة
كذلك جاء ضمن التزامات الطرفين، أن "تنفيذ إجراءات بناء الثقة في ما يخص إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، واحتجاز الهاربين من السجون، وتحسين المحتوى الإعلامي لكلا الطرفين، وتخفيف حدة اللغة الإعلامية واتخاذ إجراءات حيال الأطراف المثيرة للتصعيد المؤججة للصراع، على أن يتم تنفيذ هذه الإجراءات بالتوازي". وأضافت الوساطة أن "هذه الالتزامات تمثل خطوةً مهمة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية مما يسهم في تخفيف معاناة الشعب السوداني، وفي هذا الإطار، يعود الأمر الآن لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الالتزام التام بمسؤوليتهما لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه".
ترحيب واسع
أما على صعيد ردود الفعل، فرحب القيادي بتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير بإعلان ميسري منبر جدة التزام الجيش وقوات "الدعم السريع" اتخاذ خطوات لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات بناء الثقة.
وأعرب الدقير عن أمله "في أن يسرع الطرفان الانخراط بالآلية المتفق عليها لضمان توصيل المساعدات الإنسانية لمحتاجيها نظراً للأوضاع الإنسانية المتدهورة بسبب الحرب، مع إعطاء أولوية لاستعادة فعالية النظام الصحي وإعادة تشغيل مرافق الخدمات الأساسية.
وأمل القيادي السوداني بالتزام الطرفين إجراءات بناء الثقة والعودة السريعة إلى طاولة التفاوض للتوافق على وقف إطلاق النار بما يتيح المجال لمعالجة قضايا الأزمة الوطنية بكل أبعادها عبر عملية سياسية شاملة.
كما رحب "التجمع الاتحادي" بالالتزامات التي تم التوصل إليها لتسهيل زيادة المساعدات الإنسانية وتنفيذ إجراءات بناء الثقة، حاضاً الطرفين على الالتزام التام بما تم الاتفاق عليه، ومطالباً الميسرين بمواصلة بإكمال سير المحادثات وصولاً لغاية الوقف الدائم لإطلاق النار.
من جانبه، رحب "المركز الحقوقي السوداني الموحد"، "بالتقدم الملحوظ الذي تحقق في مفاوضات جدة بين طرفي النزاع في الملف الإنساني وملف الفارين من السجون وآلية التنسيق بين الطرفين بقيادة الأمم المتحدة".
وعبر المركز في بيان، عن أسفه بسبب عدم وصول الطرفين لاتفاق لوقف العدائيات الأمر الذي من شأنه توفير الحماية اللازمة للمدنيين في ولايات السودان المختلفة مطالباً الطرفين المضي قدماً لإسكات صوت الرصاص إلى الأبد.
مخاوف الفشل
في السياق وصف أستاذ العلاقات الدولية، عبد الرحيم حسين، البيان المشترك للوساطة في منبر مفاوضات جدة بأنه "يمثل أضعف الإيمان كنتيجة لتفاوض استمر بين الطرفين لأكثر من 10 أيام، لا سيما بعد فشلها في إقرار وقف لإطلاق النار ولو موقتاً (هدنة طويلة الأمد)، ما يعني أن الحرب مستمرة". وأضاف حسين، "لطالما نص بيان الوساطة صراحة على فشل الطرفين في التوصل إلى وقف العدائيات وإطلاق النار وإن الاتفاق على القضايا الإنسانية ومرور المساعدات الإنسانية قد يصبح بلا جدوى في أي لحظة مع استمرار القتال".
وأشار الأكاديمي إلى أنه "من الواضح أن قوات الدعم السريع باتت تراهن على أوضاع الميدان، وتمددها في دارفور. كما أن تجاوزها لالتزاماتها في اتفاق جدة الأول بإخلاء منازل المواطنين والأعيان المدنية، يشير أيضاً إلى فشل ضغوط الوسطاء لفرض تنفيذ تلك الالتزامات، ما سيلقي بظلال ومخاوف من أن تلقى التعهدات الإنسانية الحالية مصير سابقتها".
واعتبر المتحدث ذاته أن "ما جاء ضمن إجراءات تعزيز الثقة بشأن احتجاز الهاربين من السجون واتخاذ إجراءات حيال المحرضين، مقصود بها قادة النظام السابق من الإسلاميين، ما يعد اختباراً لقيادة الجيش في ما يثار حول علاقتها وارتباطاتها بهم، الاتهام الذي تكرره وتصر عليه قوات الدعم السريع في كل خطاباتها وبياناتها".
كارثة المصفاة
ميدانياً، نجت مصفاة الخرطوم للبترول بمنطقة الجيلي شمال العاصمة السودانية أمس الثلاثاء من كارثة محققة نتيجة حريق هائل واشتعال النيران في مستودعات شركة النيل للبترول الضخمة داخل المصفاة، انتشرت معه سحابة ضخمة من الدخان الأسود في سماء مدينة بحري.
وتبادل الجيش و"الدعم السريع" الاتهامات بتحميل كل طرف الآخر مسؤولية الحريق الذي ظل مشتعلاً طوال اليوم على رغم تدخل فرقة الإطفاء بالمصفاة.
وأصدرت القوات المسلحة بياناً اتهمت فيه قوات "الدعم السريع" بالتسبب في الحريق بإدخالها "تانكر" (شاحنة وقود) لسحب الوقود دون التقيد بإجراءات السلامة القياسية المتبعة في مثل هذه المنشآت الحساسة، ما تسبب في الحريق وعرض المصفاة وما فيها لخطر التدمير.
وحمل البيان "الدعم السريع" مسؤولية "التبعات المدمرة التي يمكن أن تنشأ جراء هذا التصرف الهمجي الذي يعرض حياة سكان المنطقة والمنشأة الحيوية للخطر الشديد ويفقد البلاد أهم مقدراتها الوطنية التي هي ملك للشعب السوداني".
من جانبها، اتهمت قوات "الدعم السريع" في بيان مضاد، ما أسمتها "ميليشيات البرهان وأذرع النظام البائد" بقصف مصفاة الجيلي للبترول بالطيران الحربي وتدمير المستودعات الرئيسة.
ووصف البيان، "قصف الجيش لمصفاة الجيلي"، بأنه "جريمة حرب مكتملة الأركان تضاف إلى السجل الإجرامي للفلول وكتائب الظل التي مارست أبشع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب ومقدراته طوال ثلاثين عاماً من القهر والظلم والفساد".
تواصل الاشتباكات
في الأثناء، تواصلت المعارك والاشتباكات والقصف المتبادل بين الطرفين في مناطق عدة من العاصمة السودانية.
وأوضحت مصادر عسكرية أن "الجيش أفشل محاولة هجوم ليلي جديد على سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، كما كثف ضرباته المدفعية من قاعدة وادي سيدنا شمال مدينة أم درمان مستهدفاً تجمعات ونقاط تمركز قوات "الدعم السريع" في كل من مدينة الخرطوم بحري وجنوب غربي مدينة أم درمان".
وأشارت المصادر إلى أن "الجيش على وشك أن يبسط سيطرته على جسر شمبات الرابط بين مدينتي أم درمان والخرطوم بحري، والشريان الحيوي لإمدادات قوات الدعم السريع القادمة من شرق النيل في اتجاه أم درمان، وكذلك من غرب البلاد".
وذكر شهود عيان أن اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين في منطقة الخرطوم (3) في محيط نادي الأسرة. كما تجددت الاشتباكات بينهما في منطقة أم درمان القديمة (أحياء أبو روف وحي العمدة وود نوباوي).
قنابل الفوسفور
واتهمت مؤسسة الدفاع عن الحقوق والحريات السودانية، "ميليشيات "الدعم السريع"، باستخدام الفوسفور الأبيض في منطقة جبل أولياء.
وأشار تقرير للمنظمة إلى تحققها من مقاطع فيديو وصور تظهر انفجاراً لقنابل غاز الفوسفور الأبيض ذات سحب دخانية عالية كانت قد سقطت من الناحية الجنوبية لمنطقة جبل أولياء في أحياء الحلة الجديدة، والعباسية، ودار السلام.
وأكدت المؤسسة جمع أدلة ومخلفات وتوثيق استخدام "الدعم السريع" لغاز الفوسفور الأبيض في منطقة جبل أولياء، ما يعد جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي الإنساني، مطالبةً بفتح تحقيق دولي أمام المحكمة الجنائية الدولية.
هجمات دارفور
وتأكيداً لإعلان سابق لقادة في قوات "الدعم السريع" إصرارهم على السيطرة على مدينتي الفاشر عاصمة إقليم دارفور، والضعين بشرق دارفور، وأكدت مصادر أهلية تجدد الاشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" أمس الثلاثاء في مدينة الفاشر، ومهاجمة الأخيرة لحامية الجيش في محلية أم كدادة شرق المدينة، متسببة بموجة نزوح كبيرة. في غرب دارفور دان الحزب الاتحادي الديمقراطي و"التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية"، ما وصفاه بمذبحة ارتكبتها مليشيات "الدعم السريع" في حي "أردمتا" بمدينة الجنينة عاصمة الولاية، ودانت منظمة شباب من أجل دارفور (مشاد)، "مجزرة" قالت إن "قوات الدعم السريع ارتكبتها ضد المدنيين بمدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور".
واتهمت المنظمة قوات "الدعم السريع" باستهداف المدنيين في دارفور، وشن عمليات تطهير عرقي ضد المكونات السكانية الأصلية في الإقليم.
هجوم بابنوسة
وترقباً لهجوم على المدينة شهدت مدينة بابنوسة في غرب كردفان موجات من النزوح بحثاً عن مناطق وملاذات آمنة وسط الغابات المجاورة. وتعيش المدينة توتراً وقلقاً تحسباً لهجوم وشيك متوقع من قوات "الدعم السريع".
ورجحت مصادر قبلية وأهلية أن يتم الهجوم على مقر الفرقة 22 مشاة بابنوسة في وقت قريب جداً، بعد رصدهم تجمعات واستعدادات كبيرة لـ"الدعم السريع" حول المدينة، وإمهال الفرقة 22 مدة ثلاثة أيام للتسليم، مبينة أن قيادة الجيش هناك سحبت بعض الحاميات الطرفية من المناطق المجاورة إلى داخل مقرها، كما عززت الدفاعات في محيط الفرقة رافضة تسليمها.
إلى ذلك أصدرت القوات المشتركة للحركات الموقعة على اتفاق السلام بياناً جددت فيه حيادها وبذل أقصى جهودها في سبيل وقف الحرب، مؤكدة عدم انسحاباها، مخاطبةً سكان المدينة بالقول، "لا خير فينا إن صح انسحابنا دون مراعاتنا أمر أمنكم وسلامتكم"، مشيرةً إلى أن مدينة الفاشر هي "آخر مكابح فرملة الحياد". وجددت القوات المشتركة تحذيرها من استهداف المدنيين.