Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسرح السعودي يرتب أوراقه لمرحلة جديدة

مخرجون وكتاب وممثلون يخوضون غمار تجاربهم مع تذليل التحديات التي تواجه الفرق التي تقدم عروضها

من المسرحية السعودية "تنكيل" (ملف المسرحية)

انتقل المسرح السعودي بعد تأسيس "هيئة المسرح والفنون الأدائية" عام 2020 من مرحلة كان فيها الفن المسرحي يعاني من عدم الاعتراف الرسمي به، إلى أنشطة تدعمها وتشرف عليها الدولة مباشرةً. كان المسرح في السعودية يعتمد لسنوات خلت، على جهود هي أقرب إلى المبادرات الفردية، ولكن بعد تأسيس الهيئة تم تخصيص ميزانيات له من قِبل الدولة، وتقوم الهيئة اليوم بتنظيم الحراك المسرحي في المملكة. ويتكأ المسرح السعودي الراهن بالدرجة الأولى، على ما تنفذه هذه الهيئة من أنشطة مسرحية، مثل ورش تدريبية وعروض فنية.

يأتي هذا بالتعاون مع وزارة الثقافة السعودية التي أوفدت العديد من المسرحيين السعوديين للدراسة في الخارج، إضافة إلى تنفيذ العديد من العروض والأنشطة على مسارح في أرجاء البلاد كافة. هذا الحراك الكبير تواكبه منذ سنوات نخبة من الكتّاب والمخرجين والممثلين والمصممين السعوديين الذين عادوا إلى بلادهم بعد سنوات قضوها في ميدان الدراسة الأكاديمية.

الدكتور سامي الجمعان أستاذ المسرح في جامعة الملك فيصل يتحدث إلى "اندبندنت عربية" في لقاء خلال مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، فيقول: "المسرح السعودي اليوم أعاد ترتيب أوراقه من حيث الجانب التنظيمي. لقد كنا بحاجة إلى جهات واضحة المعالم ترعى المسرح بعد أن كانت مشتتة بين رعاية الشباب وجمعية الثقافة والفنون. الآن يوجد في وزارة الثقافة السعودية هيئة للمسرح، وأيضاً يوجد جمعية المسرح والفنون الأدائية، ويوجد الكثير من المبادرات التي تطلقها وزارة الثقافة السعودية، وهذا يعني أن ثمة استراتيجيات سوف تجعل المسرح السعودي يقفز قفزات نوعية خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن وجود دعم مالي كبير جداً للعروض، وهذا برأيي مهم للغاية".

لكن بعضاً من المسرحيين السعوديين يشتكي من عدم وجود بنية تحتية ملائمة في بعض المدن السعودية، فهناك فرق كثيرة اليوم متحمسة لتقديم أعمال جديدة، لكنها لا تملك مقرات أو صالات لإنجاز التدريبات. وعن هذا يعلق الكاتب والأكاديمي سامي الجمعان: "بالفعل بعض المدن السعودية لا توجد مسارح فيها، والآن وزارة الثقافة تسعى لسد هذه الثغرة، وتحاول التأسيس لعدد كبير من المسارح، والحقيقة أن هذه الخطوة تأخرت بعض الشيء، ولهذا أرى أن تبدأ الهيئات والجمعيات والوزارات بهذا التأسيس المهم، فمن دون وجود صالات يمارس المسرحيون فيها أعمالهم لا يمكننا الحديث عن مسرح أصلاً في تلك المدن، بالتالي نحن بحاجة ماسة وسريعة إلى هذه البينة التحتية التي تؤسس لحراك سعودي شامل".

الحراك المسرحي

وزارة الثقافة السعودية ارتأت أن تقوم شركات بإدارة الحراك المسرحي السعودي، لكن بعض المسرحيين في المملكة يشتكون من أن القائمين على هذه الشركات ليسوا من المسرحيين، وبالتالي لا يمكنهم التعامل بدقة مع هموم وهواجس الفنان المسرحي. يعقب المخرج والكاتب سامي الجمعان على ذلك بالقول: "هذا نظام وضعته وزارة الثقافة السعودية، بألا تقوم الحكومة والمؤسسات السعودية بالتنفيذ، إنما هي تنظم وتخطط وتضع استراتيجيات، ومن يقوم بإدارة الحراك المسرحي هي شركات متخصصة في هذا المجال، وهذا الخيار جاء طلباً للجودة، لأنه لا يمكن للمسرحي بأن يقوم بأعمال إدارية بحتة، فالمسرحي فنان وليس إدارياً، وبالتالي فعلاً هذه الشركات لم تعجب الكثير من المسرحيين السعوديين، خصوصاً ما طُرح من مبادرات لإقامة مهرجان الرياض المسرحي، شخصياً أرى بأنه ليس خطأً أن تقوم الشركات بهذا الدور، لكن على أن يكون دور الشركات هنا لوجستياً وليس دوراً فنياً أو في مسائل تتعلق بالفن المسرحي نفسه، وربما هذا ما يقصده الزملاء في طرحهم، وعلى الهيئات المسرحية في وزارة الثقافة أن تعي أن المسرح فن لا يمكن أن يديره إداريون فقط، بل يديره فنانون يعرفون ولديهم دراية بالشروط الفنية للمسرح، والفنان أيضاً يجب ألا يستغني عن الإداري المتخصص، وأن تكون العلاقة بين هذا وذاك علاقة شراكة متبادلة، وألا تكون هناك قطيعة بين الإداري والفنان".

وسط كل هذا التطور الشامل في الحركة المسرحية السعودية هل هناك نية لافتتاح أكاديمية لتدريس المسرح في السعودية: نسأل ويجيب الأكاديمي سامي الجمعان: "وزارة الثقافة السعودية تتجه الآن لتأسيس أكاديمية فنون شاملة لتدريس المسرح والسينما والفن التشكيلي، ونحن حقيقة سعداء بهذه الخطوة، وعلى حد علمي هناك خطوات كبيرة جداً تبذل في هذا المجال، وأعتقد أنه في نهاية عام 2024 ستعلن وزارة الثقافة عن افتتاح العام الدراسي الأول لهذه الأكاديمية".

100 عرض لمهرجان الرياض

في الفترة الأخيرة وعلى مدى شهر كامل تم إطلاق 100 عرض مسرحي في المدن السعودية، ودخلت هذه العروض في مرحلة التصفيات استعداداً لمهرجان الرياض للمسرح في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسيتم اختيار عشرة عروض منها لتشارك في الدورة الأولى من المهرجان. واستطاعت هيئة المسرح والفنون الأدائية أن تسهم في تنشيط المسرح السعودي من خلال هذا الدعم، وهذا العدد من العروض يعتبر جيداً لبث الروح في الحركة المسرحية في البلاد. الكاتب المسرحي السعودي عباس الحايك يتحدث عن هذا التطور في لقاء معه في مهرجان القاهرة، ويسجل ملاحظاته عليه: "لدي بعض التحفظات على توقف النشاط المسرحي المستقل في المملكة. لن أقول المستقل تماماً، لكن توقفت جزئياً العروض التي تنفذها الفِرق المسرحية، والتي كانت تابعة لفروع وجمعيات الثقافة والفنون، وهذا برأيي ما قلل النشاط المسرحي في المملكة في الآونة الأخيرة، وحسناً فعلت هيئة المسرح والفنون الأدائية حين أطلقت مهرجان الرياض المسرحي بطريقته المختلفة والمتفردة، حيث أن الهيئة تدعم اليوم العروض المسرحية، وتهيئ لها الظروف لكي تقدم في مدن سعودية مختلفة، بحيث تفتح الفرق شباك التذاكر لتقديم عروضها لاحقاً".

المسرح السعودي كان يواجه العديد من التحديات التي أثّرت في حراكه، ليكوّن حالة تتوازى مع مثيلاتها في الخليج والعالم العربي، منها الاعتراف به، والعناية بنشاطه من قبل الجهات الرسمية، وعدم وجود جهة ناظمة ذات صفة اعتبارية؛ عدا عن غياب البنية التحتية من صالات مسارح ومقارّ للفرق المسرحية. ومع هذا ناضل المسرحيون السعوديون طويلاً ليكونوا فاعلين ويقدموا إبداعاتهم متجاوزين كل التحديات، حيث قدموا أعمالاً حصدت جوائز في مهرجانات عربية، واقتنصوا فرص المشاركة في مهرجانات أخرى.

مهرجانات محلية

كان المسرح السعودي قائماً في ما مضى على ما تقدمه فروع جمعية الثقافة والفنون الأربعة عشر، وهي الجمعية التي تأسست في عام 1973 لرعاية كل أشكال الفنون ومنها المسرح، إضافة إلى أندية المسرح في الجامعات والفِرق الأهلية التي تنشط أكثر في المواسم الترفيهية؛ حيث تقدم أعمالاً كوميدية جماهيرية. جمعية الثقافة والفنون السعودية كانت المبادرة دائماً لإقامة مهرجانات محلية بموازنات ضئيلة، فآخر مهرجان محلي رسمي نظمته وزارة الثقافة والإعلام كان في عام 2008.

النقلة الحقيقة للمسرح السعودي إلى مرحلة الاعتراف والتنظيم الرسمي الفعلي، كان مع انطلاق رؤية وزارة الثقافة السعودية، والتي وضعت المسرح والفنون الأدائية ضمن قطاعات الوزارة، وفعّلت ذلك بتأسيس هيئة المسرح والفنون الأدائية، وإطلاق مبادرة المسرح الوطني، فأصبح للمسرح فيها كيانه الخاص، وقد قدمت الهيئة بعد إطلاقها عدداً من الورش المسرحية ومسابقة للتأليف المسرحي، ويبدو أن لدى الهيئة والمسرح الوطني برنامجاً مكثّفاً يتضمن عروضاً وورشاً واستراتيجية كاملة لتنظيم العمل المسرحي.

يتطلع العديد من المسرحيين السعوديين هذه الأيام من خلال هيئة المسرح والفنون الأدائية إلى أن تتأتى الظروف بشكل مناسب لكل الفرق المسرحية ولأندية الهواء الطلق التي انتشرت أخيراً في كل أرجاء المملكة، ويصل عددها اليوم إلى ما يقارب 70 نادياً مسرحياً، وثمة 14 فرعاً من فروع جمعية الثقافة والفنون، إضافةً إلى وجود فرق مستقلة تطمح إلى تقديم عروض مسرحية من خلال دعم وزارة الثقافة. يتابع الكاتب عباس الحايك ويقول: "نتوقع تسهيلات إضافية من قِبل وزارة الثقافة، فنحن اليوم نسير في الطريق الصحيح، فإلغاء الرقابة المسبقة على النصوص المسرحية أخيراً بموافقة من ولي العهد سوف يعطي الكاتب حريةً بسقفٍ عالٍ، وسيعمل على تذليل العقبات والتحديات التي تواجه الفرق التي تقدم عروضها، إذ يعمل القائمون عليها لتحريك الساكن في المسرح السعودي، وأن يواكب عمل الهيئة حركة نشر لكتب ومجلات ومطبوعات تعنى بالشأن المسرحي السعودي والعالمي، وأن تطبع الهيئة كتباً نقدية مواكبة للحراك المسرحي الكبير الذي تشهده كل أرجاء المملكة".

المخرج والممثل السعودي إبراهيم الحارثي تحدث بدوره في لقاء أيضاً في مهرجان القاهرة، عن واقع المسرح في السعودية: "كنا استقبلنا تدشين المسرح الوطني، استقبلناه كما لم يستقبله أحد، أتذكر كيف أن العالم بأسره هنّأ وبارك انطلاقة هذه المبادرة، والتي ترأسها المسرحي عبدالعزيز إسماعيل، فانطلقت المبادرة بالعمل، وتهيأت بأدواتها لتنطلق من طور التخطيط لدور التنفيذ، التنفيذ المدروس والمتقن والمنطلق من توجهات حقيقية لرؤية ثقافية شاملة ومكتملة".

قوة إعلامية

ويضيف الحارثي: "صارت للمسرح السعودي قوة ضخ إعلامي جيدة جداً محلياً، فصارت الجهات تتشارك في إبراز كل العطاءات الحقيقية، وأعتقد أن صناع الحالة المسرحية، وبناة الاتجاهات الفكرية في المملكة اعتمدوا كثيراً على زاوية مهمة لمسابقة أطلقتها وزارة الثقافة لتكون بمثابة معيار، ومقياس حقيقي لقراءة واقع النص المسرحي السعودي، ولترفد الوزارة نفسها بعدد من النصوص التي تتلاءم مع جودة المخرجات، فتحركت وزارة الثقافة تجاه المسرح بفهمٍ عميق، وتوقف شديد عن بعض المفاصل للمراجعة وللانتقال إلى مرحلة التمكين التي ينتظرها المسرحيون السعوديون".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 ويوضح: "المسرح السعودي بات الآن يمتلك توجهاً حقيقياً ومرسوم المعالم، وصار يقف بقدمين ثابتتين، وله خطوات واضحة، وأُخرى مؤجلة، لذا يفترض بنا الآن ومع وجود كل الخبرات المسرحية والطاقات الرائعة، والمكتسبات التي يحتفظ بها المسرحي السعودي لنفسه أن يتجه مسرحنا ليكون علامة فارقة ومختلفة وبالغة الدهشة، لا سيما وأن المسرح بات الآن يعد ضرورة مهمة، ليكون مرآة ترى فيها الشعوب نفسها، وتعرف أي أفق يمكن أن نرسم الكاتب السعودي الكبير فهد ردة الحارثي تحدث بدوره لنا عن واقع المسرح في المملكة، إذ قال: "واقع المسرح السعودي اليوم ينتظر الأجمل وفق رؤية طموحة تشمل كل نواحي الحياة وجودتها، إذ يتم العمل وفق سياسة مشروع مسرحي وطني شامل له منطلقاته الواضحة، وذلك عبر تأمين مسارح ومقرات للفرق ومشاريع ومعاهد وأكاديميات، وبناء حقيقي لعمل وفق سياسة المشروع والاستراتيجية، فهناك من يعمل عليه ويخطط لمهرجان الرياض المسرحي بكل جدية وعملية".

الكاتب والمخرج فهد الحوشاني يؤكد أن "المسرح السعودي مبشّر، وهو ضمن استراتيجية واعدة لوزارة الثقافة، وهناك جهود كبيرة من هيئة المسرح والفنون الأدائية للنهضة بالمسرح السعودي من خلال العروض والمهرجانات المسرحية، إضافة للدورات والورش. جهود متنوعة لإيجاد مسرح يخدم الحركة الثقافية والرؤية في المملكة العربية السعودية. أيضاً هناك جهود من هيئة الترفيه، وبعض الجهات الأخرى. كلها تصب في مصلحة المسرح السعودي". يبدو طموح المسرحيين السعوديين أكبر مما هو يجري الآن، وهذا أمر طبيعي ومستحق- يضيف الحوشاني ويقول: "تطلعات المسرحيين لا حدود لها في إيجاد تكثيف للأعمال المحلية، إضافةً للأعمال الجماهيرية والاجتماعية، وخدمة الفرق المسرحية المنتشرة في أنحاء المملكة، كل هذا من تطلعات المسرحيين السعوديين المستحقة، والتي أتوقع أنها سوف تتحقق في الفترة المقبلة".

"أما بالنسبة لمهرجان الرياض المسرحي فيتوقع الكاتب فهد الحوشاني أنه يمشي بخطوات واثقة، ورؤية واضحة، إذ بدأت الفِرق بالعمل، وإن كان هناك تعثر في إيجاد أماكن للتدريبات لبعض الفرق التي ناهز عددها المئة. لكن هناك زحام مسرحي شديد"، يقول الحوشاني ويضيف: "نمر في اختبار لقدراتنا ولقدرات هيئة المسرح على تنظيم فعالية بهذا الشكل وهذا الحجم، ومهما كانت المصاعب والمعوقات سوف تكشف بعض النقص الموجود سواء في إعداد المخرجين الممثلين والفنيين، وهي ستكشف النقص في البنية التحتية التي تتطلبها الحركة المسرحية السعودية، والتي من الأهمية بمكان أن تسعى هيئة المسرح في السعودية لإيجاد مسارح صغيرة ومتوسطة كي تستثمرها الفرق المسرحية وتعمل فيها بأريحية من دون اللجوء لبعض الجهات الخاصة التي بدأت اليوم برفع أسعار إيجارات مسارحها وقاعاتها".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة