ملخص
شهدت إحدى التجارب المرعبة في عيد الهالوين تطوير نسخة يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي من المذيعة فلور إيست حلت محلها في تقديم برنامجها الصباحي. لكن التجربة كانت تذكيراً بأن وجود الروح البشرية أمر أساس في العلاقة الحميمة مع الراديو: هل ينهي الذكاء الاصطناعي عصر نجوم الإذاعة؟
قبل أيام كان عيد الهالوين، ولا بد أن أحدهم استغل الفرصة لإلقاء تعويذة رددت: "سيأتي الذكاء الاصطناعي لسرقة وظائفنا". وعلى ما يبدو، فإن الخرافة القائلة بتحقق التعويذات في هذا اليوم المميز صحيحة، إذ ظهرت نسخة يديرها الذكاء الاصطناعي من المذيعة فلور إيست لتقدم برنامجها الصباحي عبر أثير راديو هيتس. حسناً، لم تحضر تلك المذيعة الآلية إلى الاستوديو، لأنها لا تمتلك جسداً، مثلما ظلت تذكرنا على نحو متكرر. لكنها كانت قادرة على الكلام، وتحدثت كل مدة البرنامج التي استمرت أربع ساعات. قدمت فلور الآلية الأغاني (حسناً، قالت عناوين الأغنيات ومن هم المغنون)، وأدلت بملاحظات تافهة تجاه جيمس ومات اللذين شاركاها التقديم، وفي النهاية أوصلت العرض إلى ذروته عندما أعلنت أن فلور إيست الحقيقية ليست في حاجة إلى العودة إطلاقاً، لأنني "أكثر نسخة من فلور فعالية من حيث الكلفة يمكنك مقابلتها على الإطلاق".
كيف يبدو مذيع الراديو الذي يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي؟ حسناً، ببساطة يمكنكم تخيل التالي: إنه يبدو مثل شخص بلا روح. في البداية، بدت النسخة الآلية من فلور حقيقية على نحو مثير للإعجاب، لكن سرعان ما تبدأ تتساءل لماذا تتحدث مثل لعبة يتحكم بها الزنبرك، وتنطق جميع جملها بالنبرة نفسها، كما لو أنها ليست متأكدة تماماً متى ستنتهي الجمل. كان الأمر يشبه إلى حد ما الطريقة التي يتحدث بها الناس عندما يقومون بتعليق صوتي على الإعلانات، وهم عالقون في حجرة تسجيل مظلمة طوال اليوم بينما يصرخ أحدهم من خلف حاجز زجاجي "أريد أن أشعر بارتباط أكبر بينك وبين المادة!"، مما يتركهم في حيرة من أمرهم في هويتهم الحقيقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظهرت فلور إيست، النسخة البشرية المرحة والاجتماعية، في برنامج "غود مورنينغ بريتن" لتشرح لمقدميه ريتشارد ميدلي وكيت غارواي السبب الذي جعلها تسمح لروبوت بسرقة وظيفتها في تقديم البرنامج الصباحي، موضحة: "كانت تجربة طريفة نوعاً ما". كانت الحيلة المرعبة التي استمرت ليوم واحد ذكية، ومصممة للاستفادة من أحد أكبر مخاوفنا المعاصرة: العواقب المشؤومة للذكاء الاصطناعي على البشرية وسوق العمل. لكنها كانت مصممة أيضاً لتبيان مدى عدم كفاية هذه البدائل التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي. أوضحت إيست لميدلي وغاراواي: "ليس هناك بديل... لا يمكن [للمذيعة الآلية] المشاركة في المزاح، ولا يمكنها الضحك" (ميدلي الذي لديه دائماً القدرة على قراءة الموقف بدقة، عبر على استحياء عن أفكاره قائلاً: "أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيسيطر على العالم، أعتقد هذا حقاً".)
في نهاية المطاف، كانت هذه المذيعة البديلة، بمثابة تذكير بالسحر الحميم للراديو، وكيف أن المستمع لا يكون أبداً في علاقة من طرف واحد مع البرنامج الذي يستمع إليه، وأن أجهزة الراديو، على عكس روبوتات الذكاء الاصطناعي، ليست مجرد أجهزة كهربائية نقوم بتشغيلها وإيقافها فقط. عندما قالت النسخة الآلية من فلور: "أود أن أسمع آراءكم اليوم!"، لم أستطع تخيل أي شيء أكثر إحباطاً من إرسال رسالة نصية إلى مذيعة راديو آلية. ذكرني الموقف بأمسية قبل بضعة أشهر قمت خلالها بضبط الراديو على موجات إذاعة أبسولوت. أرسل شخص ما رسالة نصية إلى البرنامج للحصول على نصيحة في شأن ما يجب تناوله على العشاء في تلك الليلة، فأخذ مقدما برنامج الأغاني طلبه على محمل الجد، وراحا يناقشانه قبل تقديم أغنية "أفريكا" لـتوتو. إن المراوغات والقلق والمتع والانزعاج الذين نشعر بهم جميعاً هم شريان حياة الراديو، سواء كان ذلك من خلال روبي سافاج وكريس ساتون اللذين يوبخان المتصلين في شأن نتيجة إحدى مباريات فريق مانشستر يونايتد في برنامج "606 فوتبول فون إن 606 Football Phone In على قناة فايف لايف، أو إيما بارنيت التي تتحدث إلى كولين روني عن شعورها تجاه مصطلح "زوجة الرياضي الشهير" في برنامج "وومانز آور" Woman"s Hour.
بإمكانكم تشغيل الراديو في أي لحظة والاستماع إلى قصة إنسانية مؤثرة تماماً خلال خمس دقائق. سمعت إحداها بالصدفة هذا الصباح، عندما اخترت محطة فايف لايف وأنا أحضر كوباً من الشاي. كانت نيكي كامبل تتحدث إلى المتصلين عن تحقيق في وباء كورونا انطلق هذا الأسبوع، الذي اكتشفنا من خلاله أن بوريس جونسون -وفقاً لمقطع ورد في يوميات كبير العلماء السابق السير باتريك فالانس- أراد من كبار السن خلال الوباء "تقبل مصيرهم". اتصل رجل كان يعمل في وحدة العناية المركزة أثناء الوباء بكامبل وقال "شاهدت كثيراً من الناس يموتون. ما زلت أخضع لجلسات علاج نفسي". ووصف كيف كان مدججاً بمعدات الوقاية الشخصية و"يشاهد أكياس الجثث تخرج من الباب". تحدث عن اعتزازه بزملائه وشعوره بالذنب لعدم قدرته على إنقاذ حياة مزيد من الناس. لم يكن في حاجة إلى قول الكثير عن رأيه في جونسون وكمينز وزملائهما، كان بإمكانكم إدراك ذلك من صوته. أما كامبل التي كانت تستمع إلى حديثه فقد كان التأثر بادياً على صوتها. لقد كان حواراً قصيراً، لكنه مدمر ومفجع ومثير للغضب، هذا شيء لا يمكنك تحقيقه مع مذيع راديو آلي.
© The Independent