ملخص
يغيب مشهد وجود الألواح الشمسية عن معظم منازل العراقيين إذ يعتمد أبناء بلاد الرافدين على التزود بالكهرباء من خلال المنظومة الكهربائية الوطنية والمولدات الأهلية.
على رغم تمتعه بطاقة شمسية هائلة طوال العام، إلا أن خطوات العراق في استثمار الطاقة الشمسية تظل محدودة، في بلد يعاني نقصاً في الطاقة الكهربائية ويحتاج إلى مشاريع متكاملة الأهداف لاستثمار الطاقة المهدورة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وفي خطوة تشجيعية وبهدف مواكبة تقدم دول العالم في هذا المجال، خصص البنك المركزي العراقي في 2022 تريليون دينار (750 مليون دولار) لتأمين قروض لمن يريد تركيب منظومة الطاقة الشمسية في المنازل والشركات الخاصة بهدف توفير الطاقة الكهربائية الصديقة للبيئة.
ويعاني العراق نقصاً حاداً في الطاقة الكهربائية ويزداد الأمر سوءاً صيفاً مع ارتفاع درجات الحرارة ووصولها إلى 50 درجة مئوية، إذ تنتج محطات الطاقة الكهربائية 24 ألف ميغاواط فقط بينما تصل حاجة البلد إلى 32 ألف ميغاواط.
3 مشاريع للطاقة المتجددة
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الكهرباء بدء تنفيذ ثلاثة مشاريع للطاقة المتجددة بهدف إنتاج 2500 ميغاواط من الكهرباء، وتأتي هذه المشاريع في إطار برنامج تهدف مرحلته الأولى إلى توليد 7500 ميغاواط باستخدام الطاقة الشمسية.
وقالت رئيسة قسم إدارة الجودة في الوزارة ومقررة المبادرة الوطنية شيماء مظهر صادق في تصريح صحافي إن "الوزارة تسعى إلى تنويع مصادر إنتاج الكهرباء وتقليل الاعتماد على الغاز والوقود الأحفوري بهدف الحد من حجم الانبعاثات الملوثة"، معلنة "بدء تنفيذ المشاريع التي تهدف إلى إنتاج 2500 ميغاواط من الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى وزارة الكهرباء أن "هذه المشاريع ستقوم بدور كبير في تقليل الانبعاثات الملوثة التي تطلقها المحطات الكهربائية"، مشيرة إلى أن "فريق المبادرة الوطنية سيعمل على تبسيط إجراءات تنفيذ القرار 120 لعام 2018 الخاص بالإعفاءات الجمركية لمكونات وأجزاء المنظومات الشمسية بغية تشجيع الاعتماد على الطاقة المتجددة".
وتابعت، "مجلس الوزراء أصدر قانوناً يلزم المجمعات السكنية الاستثمارية الاعتماد على المنظومات الشمسية في توفير الطاقة"، منوهة بـ"ضرورة توجيه المجمعات العمودية نحو توفير الخدمات الأساسية مثل المصاعد والإنارة لضمان استدامتها".
وكان رئيس هيئة الاستثمار الوطنية حيدر مكية كشف في وقت سابق قرب الإعلان عن مشروع للطاقة الشمسية في العراق.
استغلال الطاقة الشمسية
في هذا السياق، يقول المتخصص في مجال الطاقة دريد عبدالله إن استغلال الطاقة الشمسية بصورة عامة يحتاج إلى خطط واستراتيجيات حكومية بالتوازي مع استقرار أمني نسبي لجذب الاستثمارات على افتراض أن قطاع الطاقة ربحي، مشيراً إلى أن الفكرة بدأت مبكراً منذ عقد الثمانينيات لكن الحصار الدولي بعد عام 1991 والاحتلال 2003 أجلا خطط التطوير.
وتابع أنه "بعد 2003 لم تكن الطاقات المتجددة ضمن أجندة الحكومات المتعاقبة حتى 2018 وما بعدها لأن قطاع الطاقة من القطاعات الخاسرة في العراق، وهذا يعني أن فتح المجال للطاقات المتجددة ومنها الشمسية سيضيف عبئاً أكبر على الحكومة كونها ستدعم الطاقة المنتجة منها بكلف أكبر مقارنة بالإنتاج من خلال الوقود الأحفوري، فكل العقود الاستثمارية لإنشاء محطات طاقة شمسية لم تتعدَّ بمجملها خمسة في المئة من الحاجة الفعلية للعراق خلال الأعوام الستة الأخيرة".
وحول الجهود لإشاعة ثقافة استخدام الألواح الشمسية في العراق، يقول عبدالله إن "إمكان تقبل المجتمع العراقي لفكرة استخدام ألواح الطاقة الشمسية في الوحدات السكنية الخاصة صعبة التحقيق في الأقل خلال الفترة الحالية، ومعظم الحملات باتجاه جذب الرأي العام العراقي نحو الطاقة الشمسية كانت ضعيفة التأثير وغير فاعلة لأن التفكير الجمعي يحتاج إلى فترة طويلة من الوقت للاقتناع بالفوائد المحققة، لذلك فالمجتمع العراقي يحتاج إلى حملات توعية مركزية مكثفة (حكومية وأهلية) بهدف عرض إيجابيات استغلال الطاقة الشمسية".
لكن هل ستكون الطاقة المتجددة البديل المناسب في ظل معاناة العراق أزمة الكهرباء، يجيب عبدالله أنها ليست أزمة بل أزمات، موضحاً أن "هناك أزمة إدارة قطاع الكهرباء وأزمة ضعف الوعي بترشيد الطاقة وأزمة دعم حكومي فاشل ومكلف وأزمة فساد وأزمة نقص تمويل حاد، لذلك فالمعاناة مستمرة منذ 21 عاماً وستتواصل بمستويات أسوأ حتى من المستوى الحالي لأن المشكلات التي سببت تلك الأزمة لم تحل أو حتى ليست في طريقها إلى الحل.
ويرى أنه لا بديل في العراق عن استخدام الوقود الأحفوري في الأقل خلال هذا العقد، وأنه بسبب إهمال الحكومات المتعاقبة للحاجة الماسة إلى الطاقات المتجددة سيجعل نسبة مساهمتها في إنتاج الكهرباء لن تزيد على أربعة في المئة حتى عام 2030.
ثروة غير مستغلة
من جهتها تقول الباحثة البيئية إقبال لطيف إن "الطاقة الشمسية في العراق هي ثروة غير مستغلة، إذ إن التغيير المناخي لدينا من ارتفاع درجات الحرارة طوال فترة النهار يمكّنا من الحصول على الطاقة الشمسية وتحويلها إلى طاقة كهربائية".
وطرحت لطيف إمكان تطبيق فكرة تحول المساحات والأراضي التي تعرضت للتصحر لنشر الألواح الشمسية واستثمارها في توليد الطاقة الكهربائية لأنها أرض مكشوفة وتتعرض لدرجات الحرارة وأشعة الشمس الحارقة.
ويغيب مشهد وجود الألواح الشمسية عن معظم منازل العراقيين، إذ يعتمد أبناء بلاد الرافدين على التزود بالكهرباء من خلال المنظومة الكهربائية (الوطنية) والمولدات الأهلية التي باتت جزءاً أساسياً من حياتهم على مدى عقدين من الزمن.
المواطن البغدادي أبو قاسم واحد من بين عدد قليل جداً ممن استعانوا بالألواح الشمسية لتوليد الطاقة الكهربائية على سطح منزله، يقول إن الفكرة كانت تدور في ذهنه منذ بضعة أعوام ونفذها أخيراً، وأشاد بها مضيفا أنها "تعمل في جميع الظروف وهي أفضل بديل لانقطاع منظومة الكهرباء الوطنية التي يعانيها جميع العراقيين، إذ جعلت منزلي يعتمد بصورة كاملة على الطاقة الشمسية التي تنتج في جميع الأوقات".