ملخص
رئيس لجنة "يهودا والسامرة" الذي كان زعيماً لخلية إرهابية طلب من وزير الأمن الإسرائيلي منع الفلسطينيين من جني ثمار الزيتون في حقولهم المحاذية للمستوطنات.
فيما العالم منشغل بالحرب بين إسرائيل وقطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أغلق الجيش الإسرائيلي جميع الطرق المؤدية إلى المناطق الفلسطينية الزراعية القريبة من المستوطنات بالسواتر الترابية، مما حرم آلاف الفلسطينيين من جني محاصيل ثمار الزيتون هذا العام، وهو الموسم الزراعي الأهم بالنسبة إليهم.
ولم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من إجراء تنسيق مع الجيش الإسرائيلي لتمكين المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم القريبة من المستوطنات وخلف الجدار.
وبمجرد أن نالت الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو ثقة الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، وضعت تعزيز الاستيطان بالضفة الغربية في طليعة ملفاتها، حتى أخذ تزايد وتيرة اعتداءات المستوطنين منحى جديداً وباتت تتصدر المشهد اليومي، بينما يكثف قادة المستوطنين جهودهم للمطالبة بسن قوانين وتشريعات من شأنها إحكام الخناق على الفلسطينيين وتقويض حقهم في الوصول إلى أراضيهم القريبة من المستوطنات.
وفقاً لتوثيقات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية (حكومي)، فإن نحو 430 مليون متر مربع من أراضي المزارعين في الضفة الغربية مزروعة بالزيتون باتت مهددة، إذ يملك الفلسطينيون 134 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية قريبة من المستوطنات، و295 مليون متر مربع من الأراضي واقعة خلف جدار الضم والتوسع، حيث يمر زارعوها عبر البوابات للوصول إليها.
وبينت الهيئة أن مساحة نفوذ المستوطنات تقدر بنحو 519 كيلومتراً مربعاً، في حين تقدر مساحة المستوطنات نفسها بقرابة 155 كيلومتراً مربعاً. وشهد النصف الأول من العام الحالي تجريف وتخريب 8232 شجرة زيتون على يد الجيش والمستوطنين مقارنة بـ10291 شجرة زيتون طوال العام الماضي.
مناطق مطهرة
وطلب تسفي سوكوت بعد ساعات من تنصيبه رئيساً لـ"لجنة يهودا والسامرة" المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن، وهي لجنة أساسية قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بالضفة الغربية، من وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، منع الفلسطينيين من جني ثمار الزيتون في حقولهم المحاذية للمستوطنات، لأنها تتم قرب المستوطنين والطرق الرئيسة وقواعد الجيش الإسرائيلي. وقال سوكوت إن "موسم قطف الزيتون يمنح الفلسطينيين إمكانية الوصول إلى الأماكن التي يمنعون عادة من الوصول إليها لاعتبارات أمنية". وأضاف "بما أن العمال الفلسطينيين عملوا في مستوطنات غلاف غزة على جمع المعلومات ووثقوا السابع من أكتوبر الماضي، فإن موسم قطف الزيتون يجب أن يقتصر على المواقع التي تشكل خطراً أقل"، بحسب زعمه.
ووفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فإن سوكوت الذي يبلغ 32 سنة كان زعيماً للخلية الإرهابية اليهودية الأولى التي أضرمت النار بمسجد في قرية ياسوف قرب سلفيت بالضفة الغربية في ديسمبر (كانون الأول) 2009، وخطت على جدرانه شعار "جباية الثمن"، وأثارت القضية حينها إدانات ومطالبة بأن تعمل الشرطة وجهاز الأمن العام "الشاباك" ضد اليمين المتطرف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت حركات إسرائيلية مثل "إخوان السلاح" و"السلام الآن" بحسب ما أوردته صحيفة "جيروزاليم بوست"، إن تعيين عضو الكنيست تسفي سوكوت "يمثل خطراً على الأمن القومي"، في حين اعتبرت حركة "السلام الآن" في بيان، أن تعيين "المهووس بإشعال الحرائق في مثل هذا المنصب الرفيع والسري يعد خطوة تضر بالأمن القومي وطعنة لشركائنا الأميركيين".
وعلى رغم الاعتراضات على تعيين سوكوت، وما جاء في رسالته المستعجلة لحماية المستوطنين، دعم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مطلبه ودعا إلى المسارعة "بخلق مساحات أمنية مطهرة (أي خالية تماماً من الفلسطينيين) حول المستوطنات ومنع العرب من دخولها، بما في ذلك لغرض الحصاد".
وأوضح في رسالة وجهها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إقامة مناطق أمنية مطهرة مهم لأمن المستوطنين لمنع استخدامها من قبل العرب لشن هجمات، ولإشعار المستوطنين من النساء والأطفال بالأمان جراء تجنيد عديد من رجالهم في الاحتياط وتركهم بمفردهم، ولمنع الاحتكاكات التي قد تؤدي إلى اشتعال الصراع والتسبب بأضرار. وأضاف "لأشهر عدة صرخت في مجلس الوزراء وتم الرد عليَّ بالازدراء والصمت. كلنا ندفع الثمن اليوم، ولن أسمح بإراقة مزيد من الدماء".
ذرائع أمنية
في المقابل، يرى منسق الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان جمال جمعة أن حرمان المزارعين من الوصول إلى أراضيهم بذرائع أمنية يمهد لمصادرتها وضمها إلى مناطق نفوذ المستوطنات. وقال "ما يطالب به المستوطنون بحجة الحماية والأمن والأمان، هو سياسة ممنهجة تهدد وجود الفلسطينيين في أراضيهم لإجبارهم على هجرها قسراً، فالأرض عندما تترك من دون رعاية ستصبح عرضة لوضع اليد عليها من قبل المستوطنين أو أن تحول بعد سنوات لأراضي دولة".
وبين جمعة أن نصف المستوطنات تم بناؤها على أراض صنفتها إسرائيل "أراضي دولة"، ونصفها الآخر بنيت على أراض فلسطينية ذات ملكية خاصة، مشيراً إلى أن مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرة تبلغ نحو 40 في المئة من مجمل مساحة الضفة الغربية.
ووفقاً لتقرير "الأونكتاد" لعام 2022 تكلف نقاط التفتيش وحدها اقتصاد الضفة الغربية ما لا يقل عن ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يفقد الفلسطينيون بسبب القيود المفروضة على تنقلهم 60 مليون ساعة عمل سنوياً، أي ما يعادل 274 مليون دولار.
بدورها، قالت منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية، إن سياسات السلطات الإسرائيلية بخصوص حماية المستوطنات "لها أثر هدام، وتؤدي إلى انتهاكات جسيمة في حق سلامة الفلسطينيين وأمنهم، والحق في الملكية وحرية الحركة والمساواة، إلى جانب انتهاك الحق الجمعي على ثرواتهم الطبيعية".
في حين أكد مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في المناطق المحتلة "بتسيلم" أن نحو 1.2 مليار متر مربع مصنفة "أراضي دولة" موجودة في مناطق "جيم"، وهي تشكل 36.5 في المئة من مناطق "جيم" و22 في المئة من مجمل أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى نحو 200 مليون متر مربع مصنفة "أراضي دولة" تقع ضمن مناطق "أ" و"ب" التابعة للسلطة الفلسطينية.
حالة طوارئ
لم يكتف سموتيرتش بدعم سوكوت، بل أصدر أوامره بتحويل فوري لمبلغ 50 مليون شيكل (13 مليون دولار) من موازنة الإدارة المدنية بغرض توفير تغطية كاملة لشركات الهواتف الخلوية الإسرائيلية على كامل أرجاء الضفة الغربية. وكشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن أن الجهات الأمنية والعسكرية والإدارة المدنية التابعة للجيش يجمعون على أن حقيقة وجود فجوات في الاستقبال الخلوي، وفي بعض الحالات على وجه التحديد في الضفة الغربية، تشكل خطراً على حياة المستوطنين.
وقالت الإذاعة "هناك مناطق مهددة للغاية، حيث وقعت عمليات في الماضي، ولا يوجد استقبال خلوي على الإطلاق، من ثم أثناء وقوع حادثة أمنية خطرة لا يمكن طلب المساعدة". وأضافت "الآن سيتم إعداد الهوائيات وتركيبها بسرعة، ما من شأنها حل الفجوات في التغطية الخلوية".
تزامناً مع ذلك، أكد فلسطينيون أن المستوطنين ومنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، سارعوا إلى تكثيف وجودهم في مستوطنة "حومش"، و"أفيتار" شمال الضفة الغربية، إلى جانب تسع بؤر استيطانية أخرى كانت شرعنتها الحكومة الإسرائيلية في مارس (آذار) الماضي.
وأشار مراقبون إلى أن البناء الاستيطاني في "حومش" منذ أكتوبر الماضي تضاعف بنسبة 200 في المئة، بزيادة 60 بيتاً متنقلاً ومنشآت أخرى وبوابة عسكرية. ووفق بيان لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن تصعيد البناء الاستيطاني خلال أكتوبر ترافق مع تكثيف المستوطنين اعتداءاتهم وبخاصة الترحيل القسري للمواطنين، وإلى جانب 2070 اعتداء خلال الشهر الماضي، تقول الهيئة "إن المستوطنين قتلوا تسعة فلسطينيين وهجروا 100 عائلة فلسطينية من تجمعاتهم البدوية، لا سيما في شرق رام الله وبالأغوار الفلسطينية".
وبحسب جهات رسمية، رسخت "حالة الطوارئ" التي فرضتها إسرائيل منذ بدء الحرب السياسات الاستيطانية الرامية لتفتيت ما تبقى من أراضي الضفة الغربية، لعزل سكانها في مناطق مقطعة، حيث أدت سياسات تطوير المستوطنات وتوفير الأمن لها، إلى القضاء على فرص الفلسطينيين في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية، وعرقلت قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة.