ملخص
يشعر صندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى بقلق إزاء هذه القروض وتسميها الصحف الأميركية "فخ الديون الصينية"
تتمتع باكستان بثروات طبيعية هائلة، لكنها دائماً تعاني مشكلات اقتصادية وسياسية وأمنية تجعلها في موضع لا تحسد عليه أمام دول العالم.
إحدى المشكلات التي تعانيها الدولة التي يقدر عدد سكانها بربع مليار مواطن هي علاقاتها الشائكة مع الدول الجارة والقوى الإقليمية، فموقع الدولة الجغرافي الذي يوصف بأنه استراتيجي أصبح مصدر قلق دائماً، إذ يحد الدولة من الجانب الشرقي خصمها التاريخي الهند، وخاضت ثلاث حروب معه، إلا أن الحدود الشرقية تكون عادة أكثر هدوءاً من تلك التي تشاركها باكستان مع أفغانستان وإيران.
الصين هي الدولة الإقليمية الوحيدة التي تعتمد عليها باكستان وتلجأ إليها في الأزمات، إذ تتمتع الدولتان بعلاقة رصينة وشراكة عسكرية واقتصادية تمتد لعشرات السنين، لكن القروض الصينية التي تتلقاها باكستان من حين لآخر تشكل مأزقاً اقتصادياً لها على المدى البعيد، بحسب بعض المراقبين.
ويمكن فهم علاقة الصين بباكستان كعلاقة أخ كبير ميسور الحال ينفق على أخيه الصغير كلما احتاج إلى المال والمساعدة في قضاء الحاجات، لكنه لم يشاركه في تجارته أو يساعده على تحقيق الاستقلال المادي حتى لا يضطر إلى السؤال بين الفينة والأخرى إلى أن أثقله بالديون وأجبره على بيع ممتلكاته وأصوله، ومنع عنه مزيداً من الديون لأنه لا يقدر على إرجاعها مرة أخرى.
باكستان هي الأخ الصغير في هذه المعادلة، والذي يعاني عدم قدرته على الاكتفاء الذاتي من جهة، ومن التزامه أيضاً بإعادة الديون مع الفائدة من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد يقول الناشط في الغرفة التجارية والصناعية لمدينة لاهور خالد عثمان في حديثه إلى "اندبندنت أوردو" إن العلاقة بين الصين وباكستان يقال عنها إنها أعلى من الجبال وأعمق من البحار، وإن الصين أعطت باكستان قروضاً مقابل شروط يسيرة كلما احتاجت باكستان إلى ذلك، لكن هذه القروض ضخمت مشكلات الأخيرة بدلاً من أن تحلها.
قروض مليارية
يقول خالد عثمان إن باكستان ثالث أكبر مستفيد من التمويل الصيني الذي يبلغ 70.3 مليار دولار، وخلال العقدين الماضيين تسلمت حكومة "حزب الرابطة الإسلامية" بين عامي 2013 و2017 أكبر قدر من الديون بقيمة 36.2 مليار دولار، فيما حصلت حكومة "حزب الإنصاف" (2018-2022) على 19.6 مليار دولار وحكومة "حزب الشعب" في فترة 2008-2012 على 10 مليارات دولار، إضافة إلى أربعة مليارات دولار حصلت عليها باكستان في حكومة برويز مشرف.
ويبين خالد عثمان أن النسبة الكبرى من هذه الديون، 28.4 مليار دولار، كانت لبناء وتشغيل مشاريع الطاقة في باكستان التي تعد الأكبر عالمياً، وتليها ديون مشاريع الطاقة لدولتي أنغولا وفيتنام، إضافة إلى أن الديون الصينية استخدمت أيضاً بصورة كبيرة في المشاريع التطويرية بعد عام 2012. وأضاف "لو نقارن الديون الصينية بالديون الأميركية نجد أن باكستان اقترضت من الصين 1.6 ضعف ما اقترضته من الولايات المتحدة في عام 2013، وهذه النسبة تصل إلى ثمانية أضعاف و21 ضعفاً في عامي 2016 و2021 بالترتيب، إضافة إلى أن الديون الصينية تكون أغلى من الديون الأميركية، وستضطر باكستان إلى اقتراض 600 مليون دولار إضافي من الصين لاستئناف برنامج صندوق النقد الدولي الذي يشترط الحصول على قروض من دول أخرى لصرف أقساط برنامجه". وأشار إلى انعدام الشفافية في استخدام القروض التي تحصل عليها باكستان وعدم وجود آلية رقابية تضمن توظيف القروض بطريقة فعالة ومفيدة.
كيف تخرج باكستان من المأزق؟
وعن كيفية الخروج من مأزق الديون الصينية قال إنه يستحيل على باكستان حالياً الخروج من هذا المأزق لأن احتياط الدولة سبعة مليارات دولار، بينما تبلغ قيمة الديون الصينية التي تشكل أكثر من نصف إجمالي الديون على باكستان ما يزيد على 68 مليار دولار. وأضاف "يقال إن باكستان تمتلك ثروات تقدر قيمتها ستة تريليونات دولار، هذا صحيح لكن هذه الثروات لا يمكن أن تستخدم في أداء القروض، أو حتى جزء يسير منها".
من جانبه، قال الأمين العام لاتحاد شركات الصرافة الباكستانية ظقر براتشا للنسخة الأوردية إن التخلص من الديون الصينية يمكن في حالة واحدة، وهي أن الصين تحول الديون إلى منح بموجب اتفاق جديدة تشترط رفع معدل النمو وضمان الاستقلال الاقتصادي للدولة.
ويرى براتشا أن الصين هي المستفيد الأكبر في علاقة الدولتين، إذ إن باكستان قدمت "معروفاً كبيراً للصين" من خلال الموافقة على الممر الاقتصادي بين البلدين، وهو ما تستفيد منه الصين، إضافة إلى حصولها على فوائد القروض التي منحتها باكستان ضمن مشاريع "الممر الاقتصادي"، وأن باكستان تدفع ثمناً باهظاً لعلاقاتها الجيدة مع الصين من خلال إفساد علاقتها بالولايات المتحدة والهند.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يقول وزير المالية السابق والمتخصص في الشؤون الاقتصادية حفيظ باشا خلال حديثه إلى "اندبندنت أوردو" إن الحل الوحيد والأمثل أمام باكستان هو محاولة إعادة جدولة القروض الصينية بالتعاون مع البنك وصندوق النقد الدوليين. وتابع "هذا ما يحدث في جميع لأنحاء العالم وهذا ما شاهدناه في نادي باريس، المؤسسات المالية العالمية تعيد جولة الديون وباكستان أيضاً استفادت منها سابقاً، لكن الصين لم توافق على هذه الفكرة إلى الآن".
وذكر باشا مثال سريلانكا التي أعادت جدولة قروضها الأخرى بعد الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي عقب إفلاسها، إلا أن الصين تهربت من إعادة جدولة قروضها لعام كامل على رغم أن قروضها لسريلانكا لم تكن أكثر من خمسة مليارات دولار. واختتم "يمكن إعادة جدولة القروض المتبادلة مع الصين فقط لأنها لن ترضى بتقديم أية تسهيلات لباكستان فيما يتعلق بالقروض التجارية أو تلك التي استخدمت في تمويل مشاريع الطاقة".
من جهته يقول بابر علي الذي يشغل منصب نائب مدير لأحد البنوك التجارية في باكستان وعمل سابقاً في مشاريع "الممر الاقتصادي" والديون الصينية، في حديثه إلى "اندبندنت أوردو" إن الصين وبنوكها التجارية منحت قروضاً كثيرة لباكستان، لكن المشكلة الأساس تكمن في القروض التي حصلت عليها باكستان ضمن برنامج التمويل الخارجي أو لتقليل عجز الموازنة وزيادة احتياطات النقد الأجنبي، ويشعر صندوق النقد الدولي والمنظمات الأخرى بقلق إزاء هذه القروض وتسميها الصحف الأميركية فخ الديون الصينية".
وعن إمكانية الخروج من هذا "الفخ" يقول بابر، "لم تخرج أية دولة من فخ الديون الصينية إلى الآن، لكن الحكومة الباكستانية لو قررت ذلك سيحتاج الأمر إلى 50 عاماً للتخلص منها بصورة كاملة".