ملخص
تحرج إسرائيل وترفع الوعي بحقوق الفلسطينيين وتل أبيب تتهم الأمم المتحدة بالانحياز
منذ بدء الحرب بين إسرائيل و"حماس"، ومع تصاعد القصف الإسرائيلي في غزة، عاد للظهور دور لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، والتي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1975، ففي حين دانت اللجنة عقب هجوم الحركة على البلدات الإسرائيلية مقتل وإصابة مئات الإسرائيليين واحتجاز الرهائن، ودعت إلى إطلاق سراح جميع الأسرى والسجناء من الطرفين، إلا أن دور اللجنة الرئيس على مدى تاريخها ينصب على مناصرة القضية الفلسطينية، فما هذه اللجنة؟ ولماذا أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ وما الذي تفعله الآن في ظل الأجواء المشحونة التي ترافق مقتل آلاف الفلسطينيين في غزة؟ وكيف تنظر إليها الولايات المتحدة وإسرائيل؟
كيف تأسست اللجنة؟
عقب انتهاء ولايتها على فلسطين بتوكيل من عصبة الأمم، طلبت المملكة المتحدة عرض قضية فلسطين، لأول مرة، رسمياً على الجمعية العامة للأمم المتحدة في أبريل (نيسان) 1947، وقررت الجمعية العامة في القرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة عربية، وأخرى يهودية، مع الاحتفاظ بمركز دولي خاص للقدس، وعلى رغم الإعلان عن استقلال دولة إسرائيل فـي 14 مايو (أيار) 1948، ظلت قضية فلسطين تناقش في الأمم المتحدة إما كجزء من النزاع الأعم الدائر في الشرق الأوسط أو من حيث جوانبها المتعلقة باللاجئين أو بحقوق الإنسان.
لكن نتيجة لحرب يونيو (حزيران) 1967، واستمرار الاحتلال العسكري من جانب إسرائيل لما تبقى من الولاية على فلسطين، لم تدرج قضية فلسطين مرة أخرى على جدول أعمال الجمعية العامة كقضية وطنية، إلا في نوفمبر عام 1974، أي بعد عام واحد من حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي يبدو أنها حركت المياه الراكدة وأعادت قضية فلسطين بقوة إلى الساحة الدولية، بما في ذلك إعادة تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف مثل الحق في تقرير المصير من دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، وحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا عنها واقتلعوا منها.
وفي القرار 3376 الصادر في 10 نوفمبر 1975، قررت الجمعية العامة إنشاء اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف، وطلبت إليها أن توصي بوضع برنامج تنفيذي من أجل تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف، وتعد هذه اللجنة هي الهيئة الوحيدة داخل الأمم المتحدة التي تعنى حصراً بقضية فلسطين، وتجدد الجمعية العامة ولاية اللجنة كل سنة، وصدر آخر تجديد لها في 30 نوفمبر 2016 وفقاً لموقع الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت.
وتتألف اللجنة من 25 دولة أعضاء في الأمم المتحدة منها دولة عربية واحدة هي تونس وسبع دول ذات غالبية إسلامية هي تركيا وباكستان وأفغانستان ومالي وماليزيا وإندونيسيا والسنغال، فضلاً عن دول أفريقية ولاتينية وأوروبية أخرى. ووفقاً لقراري الجمعية العامة لعامي 74 و76 دعيت منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثلاً للشعب الفلسطيني إلى المشاركة في مداولات اللجنة بصفة مراقب مع مجموعة من 24 مراقباً تمثل السعودية ومصر والجزائر والمغرب والعراق والأردن والكويت ولبنان وليبيا والإمارات وسوريا وموريتانيا وقطر واليمن ومنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.
دور اللجنة
تسعى اللجنة جاهدة إلى رفع مستوى الوعي الدولي بجميع جوانب قضية فلسطين وتعزيز الدعم والمساعدة الدوليين المقدمين إلى الشعب الفلسطيني، وتشير النشرة الإخبارية لموقع اللجنة، والصادر آخرها في صيف عام 2021، إلى الدور الذي تقوم به، وهو التواصل مع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية ومجلس الأمن والمجموعة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط لتبادل الآراء حول سبل دعم جهود عملية السلام، كما تعقد اللجنة أنشطة لدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ووفقاً لتقرير أخير للجنة، فإنها تعمل على تعبئة الأوساط الدبلوماسية بقضية فلسطين لدعم التوصل إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي بدأ عام 1967، ولتحقيق حل الدولتين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، وتتعاون اللجنة مع المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية وكيانات منظومة الأمم المتحدة، وتبذل جهوداً لمناصرة القضية الفلسطينية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي برنامج عملها الأخير أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن لجنة ممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف تقدم إليها وإلى مجلس الأمن تقارير دورية حول الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة لاطلاع المسؤولين على ما ينجم عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية على أفراد الشعب الفلسطيني.
وتدعم اللجنة تاريخياً جهود السلام بشكل واضح، إذ رحبت بعقد مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، وكذلك بإعلان المبادئ الصادر في عام 1993 وبالاتفاقات اللاحقة التي توصلت إليها إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما أيدت اللجنة بقوة الهدف الذي أكده قرار مجلس الأمن رقم 1397، لعام 2002، المتمثل في وجود دولتين، إسرائيل وفلسطين، جنباً إلى جنب ضمن حدود آمنة ومعترف بها، ورحبت اللجنة بخريطة الطريق التي وضعتها المجموعة الرباعية، وكذلك بمبادرة السلام العربية، ودعت الطرفين إلى تنفيذها.
ماذا فعلت بعد السابع من أكتوبر؟
بعد 10 أيام من هجوم حركة "حماس" المفاجئ في السابع من أكتوبر الماضي على بلدات إسرائيل في غلاف قطاع غزة، والذي دانته وانتقدت قتل المدنيين واختطاف الرهائن بما يتسق مع موقف الأمم المتحدة، دانت اللجنة، في 17 أكتوبر، مقتل وإصابة آلاف المدنيين الفلسطينيين في غزة واستهداف البنية التحتية، وحملت إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال مسؤولية حماية المدنيين وعن الكارثة الإنسانية، كما دانت الغارات الجوية الانتقامية من جانب إسرائيل ضد القطاع، واعتبرت أن الهجمات على المرافق الطبية جرائم حرب بشعة، ودانت أوامر الإخلاء الإسرائيلية والنقل القسري للسكان إلى جنوب القطاع، كما طالبت اللجنة برفع الحصار الكامل على غزة والسماح بدخول الأغذية والمياه والكهرباء واللوازم الطبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي 24 أكتوبر الماضي، ألقى رئيس اللجنة الحالي السفير شيخ نيانغ كلمة أمام مجلس الأمن الدولي ذكر فيها الأعضاء بالتحذيرات الدائمة من اللجنة بأن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والقدس الشرقية لا يطاق في غياب أية آفاق سياسية، وأنه لا يوجد حل عسكري للصراع، مؤكداً موقف اللجنة المطالب بوقف إطلاق النار والدعوة لبذل جهود دولية تؤدي إلى سيادة دولة فلسطين على أساس خطوط عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً للقانون الدولي وقرارات المنظمة الدولية.
شعبة حقوق الفلسطينيين
تماشياً مع ولاية الجمعية العامة، تم توسيع نطاق برنامج عمل اللجنة تدريجاً على مر السنين، وأنشأت الجمعية العامة أيضاً وحدة دعم في الأمانة العامة للأمم المتحدة، في عام 1978، والتي أعيدت تسميتها لاحقاً بوصفها شعبة حقوق الفلسطينيين، ويشمل برنامج عملها عقد اجتماعات ومؤتمرات دولية، بما في ذلك عقد اجتماعات مع المجتمع المدني في جميع مناطق العالم، تشارك فيها شخصيات سياسية وممثلون للحكومات ومنظمات حكومية دولية ومسؤولون في الأمم المتحدة وبرلمانيون، فضلاً عن الأكاديميين وممثلي وسائل الإعلام.
وهناك تعاون مستمر مع شبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني تعمل على مختلف جوانب قضية فلسطين، وتنظم برنامج تدريب سنوياً لموظفي السلطة الفلسطينية، ومن أجل إحياء ذكرى قرار الجمعية العامة الذي قسم فلسطين عام 1947، اعتبر يوم 29 نوفمبر يوماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، إذ تحتفل فيه اللجنة باجتماعات خاصة سنوية وفعاليات أخرى في مقر الأمم المتحدة، في مكتبي الأمم المتحدة في جنيف وفيينا، تحت رعاية اللجنة.
هل من تغير على الأرض؟
اقترحت اللجنة في تقريرها الأول المقدم إلى مجلس الأمن في يونيو 1976، خطة ذات مرحلتين لعودة الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم، وجدولاً زمنياً لانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة بحلول الأول من يونيو 1977، مع نشر قوات موقتة لحفظ السلام لتيسير العملية، إذا دعت الضرورة، ووقف بناء المستوطنات، وإقرار إسرائيل بتطبيق اتفاق جنيف الرابعة على الأراضي المحتلة إلى حين انسحابها منها، والإقرار بالحق الطبيعي للفلسطينيين في تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنيين في فلسطين.
غير أن مجلس الأمن الدولي لم يعتمد توصيات اللجنة بسبب تصويت أحد الأعضاء الدائمين فيه ضدها، ولهذا فهي لم تنفذ، ومع ذلك، حصلت هذه التوصيات على تأييد الغالبية الساحقة في الجمعية العامة التي تقدم لها اللجنة تقارير سنوية، حيث أكدت الجمعية العامة من جديد أنه لا يمكن تحقيق حل عادل ودائم في الشرق الأوسط من دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه غير القابلة للتصرف، وطلبت الجمعية العامة من اللجنة أيضاً أن تبقي الحالة المتعلقة بقضية فلسطين قيد الاستعراض، وأن تقدم تقارير واقتراحات في شأنها إلى الجمعية العامة أو مجلس الأمن، بحسب الاقتضاء، وأن تشجع نشر المعلومات المتعلقة بتوصياتها على أوسع نطاق ممكن.
موقف إسرائيل من اللجنة
وتنظر إسرائيل إلى اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف بكثير من الانزعاج والقلق، وتعتبر أن تشكيل هذه اللجنة ترافق خلال الجلسة نفسها التي أعلنت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، وهي خطوة تراجعت عنها الجمعية في عام 1991، غير أن ما يثير ضيق إسرائيل أن اللجنة تعقد بشكل دوري اجتماعات ومؤتمرات بالتنسيق مع المنظمات غير الحكومية المناهضة لإسرائيل لتعزيز الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة الذي تعتبره إسرائيل تعبيراً ملطفاً للتدمير الديموغرافي لإسرائيل، كما أن هذه الاجتماعات والمؤتمرات غالباً ما تأخذ شكل إدانات معادية لإسرائيل.
ومن الأحداث المزعجة بالنسبة إلى إسرائيل أنه في عام 2001 دعت الاجتماعات التي عقدت تحت رعاية اللجنة إلى المقاطعة والحظر وفرض العقوبات ضد إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفي حدث يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني عام 2012، اتهم ناشط المقاطعة والموسيقي روجر ووترز إسرائيل بالفصل العنصري والتطهير العرقي، وهو ما اعتبرته تل أبيب نوعاً من الأكاذيب والدعاية والهجمات على إسرائيل تحت رعاية الأمم المتحدة، وهيئة حفظ السلام العالمية التي تزعم إسرائيل أنها بذلك تكون غير محايدة، لأن اللجنة تجعل إسرائيل تواجه مستوى من التدقيق والعداء لا تواجهه أية دولة أخرى، وبذلك تمنح الأمم المتحدة الشرعية للمنظمات والناشطين الملتزمين بتدمير الدولة اليهودية أو الإضرار بها، بحسب وجهة النظر الإسرائيلية.
كيف تنظر أميركا إلى اللجنة؟
على رغم عدم صدور مواقف بارزة من الإدارات الأميركية حيال اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، فإن لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي أصدرت تقريراً في يونيو الماضي أوضحت فيه اعتراضها على اللجنة التي اعتبرت أنها اللجنة الوحيدة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة لشعب واحد، وهو الشعب الفلسطيني، وأن وظيفتها الأساسية تتمثل في تعزيز الرواية الفلسطينية عن الضحية وتحيز الأمم المتحدة ضد إسرائيل.
وأشار التقرير إلى أن اللجنة تضم دولاً معادية علناً لإسرائيل، مثل باكستان وفنزويلا، وأن شعبة حقوق الفلسطينيين التي تعد بمثابة أمانة الأمم المتحدة للجنة المذكورة تمنح منظمة التحرير الفلسطينية إدارة كاملة للأمم المتحدة لا يملكها أي شعب آخر، وأوضح التقرير أن عمل شعبة حقوق الفلسطينيين يأتي بنتائج عكسية على عملية السلام، وبدلاً من بناء جسور السلام يسعى إلى تنظيم مقاطعة ضد إسرائيل، كما أن المنظمات غير الحكومية التي ترفض تعهد الولاء لأجندة شعبة حقوق الفلسطينيين، تحرم من الاعتماد في فعالياتها.
وخلص التقرير إلى التحذير من إساءة استخدام الهيئات الرئيسة التابعة للأمم المتحدة بشكل متعمد ومنهجي من خلال حملة منظمة لشيطنة إسرائيل والشعب اليهودي، ونزع الشرعية عنهما على اعتبار أن المبادئ النبيلة مثل حقوق الإنسان والمساواة والسلام يتم تقويضها من خلال التمييز الصارخ والتسييس والتحيز ضد إسرائيل، بحسب وصف تقرير لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي.
أما لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي فقد أصدرت بياناً في سبتمبر (أيلول) 2022 اعتبرت فيه أن هناك ثلاث منظمات تابعة للأمم المتحدة متحيزة خصوصاً ضد إسرائيل، وهي قسم حقوق الفلسطينيين بالأمانة العامة، ولجنة التحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف.