Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم يعرقل تونس عن خفض أسعار الفائدة فما الأسباب؟

من غير المنتظر لجوء "المركزي" إلى هذه الخطوة قبل عودة معدل الأسعار لمستويات أقل من 8 في المئة

يتوقع أن يرتفع حجم الدين العمومي مع نهاية 2023 إلى 40.22 مليار دولار مقابل 36.32 مليار دولار في 2022 (رويترز)

ملخص

تسعى الحكومة التونسية إلى خفض مستوى عجز الموازنة إلى 6.6 في المئة في 2024 بعد أن بلغ 7.7 في المئة في 2023

واجهت تونس أخطاراً مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية في النصف الأول من العام الحالي وفي 2022 أدت إلى تباطؤ النمو مع تصاعد التضخم وتوسع عجز الميزان الجاري وسط تواصل عجز المالية العمومية في مستوى مرتفع مع صعوبات في مجال تعبئة الموارد الخارجية.

ولم يرتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي سوى بنسبة 2.4 في المئة في 2022 مقابل 4.3 في المئة في عام 2021، واستقر عند 1.2 في المئة في النصف الأول من 2023، وإن عرفت نسبة البطالة انخفاضاً بتراجعها من 16.2 في المئة في 2021 إلى 15.6 في المئة حالياً، فقد تصاعد التضخم ليصل في فبراير (شباط) 2023 الماضي إلى 10.4 في المئة، قبل أن يتراجع إلى 8.6 في المئة في الوقت الراهن، وقد تدخل البنك المركزي التونسي ليرفع في نسبة الفائدة الرئيسة ثلاث مرات عام 2022 لتستقر عند ثمانية في المئة واختار الحفاظ على هذه النسبة على رغم التراجع المذكور في نسبة التضخم في الأشهر القليلة الماضية، مما أدى إلى مزيد من إثقال مالية المتعاملين الاقتصاديين في القطاع العام والخاص.

واعتبر متخصصون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" أن مراجعة مؤسسة الإصدار لنسبة الفائدة نحو التخفيض تظل مرتبطة بنسق التضخم ومدى تواصل النجاح في كبحه مستقبلاً، وترتبط أيضاً بالمعطيات العامة وأسعار المواد الأولية والطاقة في السوق العالمية، وبخاصة النفط بحكم نسبة التضخم المستورد من إجمالي نسبة الضغوط التضخمية.

معضلة عجز الموازنة

وتسعى الحكومة التونسية إلى خفض مستوى عجز الموازنة إلى 6.6 في المئة في 2024 بعد أن بلغ 7.7 في المئة في 2023 ما يساوي 12.2 مليار دينار (3.8 مليار دولار) مقابل تقديرات أولية في حدود 5.2 في المئة، و7.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في 2022.

وأدى ارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية في الأسواق العالمية إلى تسليط ضغوط إضافية على المالية العمومية، في ظل سياق متسم بصعوبات تعبئة الموارد الخارجية على خلفية تراجع الترقيم السيادي لتونس.

وعلى هذا الأساس تم تمويل عجز الموازنة من خلال اللجوء إلى السوق الداخلية، إذ قامت الدولة بتعبئة 16.06 مليار دينار (خمسة مليارات دولار) من البنوك في 2022، وذلك في شكل سندات خزانة و2.97 مليار دينار (939 مليون دولار) من طريق القرض الوطني. وأدت هذه التطورات تزامناً مع ازدياد تداين المؤسسات العمومية إلى زيادة تعرض البنوك للأخطار السيادية لتصل إلى مستوى 20.7 في المئة من مجموع الأصول في 2022 مقابل 19.2 في المئة عام 2021.

وتقدر موارد الاقتراض لتمويل موازنة 2023 بـ21.9 مليار دينار (6.9 مليار دولار)، وقدرت موارد القروض الخارجية لدعم الموازنة لكامل عام 2023 بنحو 8.5 مليار دينار (2.68 مليار دولار) من مجموع 10.5 مليار دينار (3.3 مليار دولار)، وبلغت موارد القروض الخارجية لدعم الموازنة حتى سبتمبر (أيلول) 2023 نحو 3.07 مليار دينار (971 مليون دولار) وهي قروض لكل من البنك الدولي بنحو 60 مليون يورو (64.2 مليون دولار)، والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بـ438 مليـون دولار، وقرض من السعودية بـ400 مليون دولار واليابان 74 مليون دولار وقرض الوكالة الفرنسية للتنمية بـ10 ملايين يورو (10.7 مليون دولار)، أما قروض دعم الموازنة المتبقية فهي في حدود 5.4 مليار دولار وهي قروض صندوق النقد العربي بـ37 مليون دولار والبنك الدولي بنحو 55 مليون يورو (58.8 مليون دولار)، وقرض من الجزائر بـ450 مليون دولار وآخر إيطالي بـ50 مليون يورو (53.5 مليون دولار) وقرض ياباني بنحو 11 مليون دولار ومن البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بـ462 مليون دولار وقروض أخرى بنحو 650 مليون دولار.

في حين قدرت موارد الاقتراض الداخلي لكامل عام 2023 بـ11.3 مليار دينار (3.57 مليار دولار) بين رقاع خزانة تبلغ 5.1 مليار دينار (1.61 مليار دولار) و1.8 مليار دينار (569 مليون دولار) وقرض وطني بـ3.2 مليار دينار (مليار دولار) وقرض بنكي بـ1.1 مليار دينار (348 مليون دولار).

وبناءً على ذلك يتوقع أن يرتفع حجم الدين العمومي مع نهاية 2023 إلى 127.1 مليار دينار (40.22 مليار دولار) مقابل 114.8 مليار دينار (36.32 مليار دولار) في 2022.

مجاراة الأزمة وتحديات المستقبل

لا تقتصر الصعوبات على تمويل الموازنة وفق المتخصص المالي عبدالقادر بودريقة، بل تتعداه إلى عدم مردودية الاستثمار على رغم ما أظهره من صمود، إذ لم تزد مساهمته في الناتج المحلي عام 2022 عن 16 في المئة، وهو ما يمثل أحد التحديات الكبرى على المستوى المالي، علاوة على تقلص نسب الادخار، لكن في المقابل أظهرت العملة المحلية استقراراً في سعر الصرف العام الحالي الذي يفسر امتلاك تونس قدرات لمجاراة الأزمة.

ستواصل البلاد مواجهة الصعوبات المترتبة عن ارتفاع الأسعار وهي مطالبة بالتغلب على هذه الضغوط بسبب ما أحدثته من اختلال في الموازنة.

وحذر بودريقة من أخطار التمويل المباشر للحكومة من قبل البنك المركزي وقال إن 64 بلداً حول العالم تمنع التمويل المباشر، وإن التمويل المباشر من البنك المركزي في الوضعية العادية هو أمر غير ممكن وغير مجد ويفتح الباب أمام تداعيات كبرى، منها تداعيات تضخمية، وعلى رغم أن هناك وضعيات خاصة تدخلت فيها البنوك المركزية لتمول مباشرة، فإن ذلك يجب أن يحدد بالموازنة حتى تتجنب الانحرافات، مضيفاً "في حال التمويل المباشر الظرفي، فإنه من الممكن التنصيص عليه في الموازنة فقط دون نص قانون خاص"، مشيراً إلى أنه يفضل التضخم على التعثر في سداد الديون.

نحو سياسة نقدية توسعية

في المقابل رأى المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم أن مستوى العجز بالموازنة الذي يظل عالياً يطرح عديداً من التحديات، فهو يقلص القدرة على دفع الاستثمار العمومي الذي طال انتظاره، ويصطدم تمويل هذا العجز بصعوبات النفاذ إلى التمويلات الخارجية بسبب تخفيض الترقيم السيادي، في المقابل يواصل البنك المركزي التونسي سياسته النقدية في التعامل مع الأزمة بحكم أولوياته وهي مواجهة التضخم وتخفيض الأسعار، وحافظ التضخم على نسقه التنازلي ليصل إلى 8.6 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ولم يعمد المركزي التونسي إلى تخفيض الفائدة الرئيسة على رغم ذلك بحكم استمرار نسبة الفائدة الحقيقية سلبية. وأضاف "ظل مؤشر التضخم عند 8.6 في المئة مرتفعاً مقارنة بنسبة الفائدة الرئيسة وهي ثمانية في المئة مما يؤدي حتماً إلى نسبة فائدة حقيقية سلبية، وهو ما تعطيه كافة البنوك المركزية الأهمية القصوى، على ألا يتم التخفيض في الفائدة الرئيسة قبل التوصل إلى نسبة فائدة حقيقية إيجابية بانحصار التضخم في مستوى أقل من نسبة الفائدة، من ثم من غير المنتظر اتخاذ البنك المركزي التونسي قراراً بتخفيض الفائدة قبل خفض التضخم إلى مستويات أقل من ثمانية في المئة، ويبقى ذلك مشروطاً بالحفاظ على النسق التنازلي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير المعطيات بالسوق العالمية إلى خفض أسعار المواد الأولية والطاقة والأغذية على خلفية الركود النسبي، وهي مؤشرات تؤيد توجه البنوك المركزية لتخفيض الفائدة، وترجح إجراءات توسعية من البنك المركزي التونسي من قبيل تخفيض نسبة الفائدة عكس السياسات النقدية التشددية الناجعة التي انتهجها في السابق. وبخصوص الاقتراض قال سويلم، إن إجمالي القروض التي منحتها البنوك للقطاع الخاص يزيد على 105 مليارات دينار (33.2 مليار دولار)، بينما لا يزيد إجمالي اقتراض الدولة من السوق المالية الداخلية عن 24 مليار دينار (7.59 مليار دولار) ما يساوي 15 في المئة من الناتج المحلي، وهي نسبة ضئيلة للاقتراض من السوق المحلية علماً أنها مثلت الآلية الوحيدة للحصول على التمويلات للخزانة بحكم عجز الخروج للسوق الخارجية. وتابع "تبلغ نسبة المديونية 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي غير مرتفعة مقارنة بنظيرتها في المغرب ومصر والأردن وتشيلي والبرازيل التي تزيد فيها على 90 في المئة، لكنها وإن بدت غير منفلتة مقارنة بمتوسط نسب المديونية في العالم فهي مقلقة بالنظر إلى نسبة المديونية في تونس قبل 12 عاماً حين لم تزد آنذاك على 40.7 في المئة بقيمة 25 مليار دينار (7.9 مليار دولار) في 2010.

ويشير تنامي المديونية إلى فشل السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعت منذ عام 2011، ونجمت عن الترفيع في الموازنة التي يخصص بها 60 في المئة لخدمة الدين والدعم والأجور في ظل تجاهل الاستثمار الضامن لخلق الثروة، ويتحتم على الحكومة الضغط على النفقات ووضع موازنة مدروسة تدعم الاستقرار المالي باتباع سياسات مالية واقعية ورشيدة وتفادي عجز الموازنة الذي أدى تراكمه إلى التفاقم واستفحال المديونية، وفق سويلم.

اقرأ المزيد