Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخدمات الصحية البريطانية مستنزفة وغير ممولة ولكن غير مبالية أيضا

وسط إضرابات الموظفين وقوائم الانتظار الطويلة والمتزايدة، تتعامل الهيئة اليوم مع المرضى كما لو أنهم مصدر إزعاج. هذا النقص المنهجي في الشعور بالتعاطف يزيد من بؤس الذين يعانون من حالات صحية مزمنة، ويفاقم التحديات التي يواجهونها في الحصول على العلاج

لاحظت بنفسي الفشل في التواصل داخل مرافق هيئة الخدمات (رويترز)

ملخص

هيئة الخدمات الصحية البريطانية تحتاج إلى التعاطف أكثر مع المرضى الذين ينتظرون طويلاً للحصول على مواعيد وتلقي العلاج.

كان روري سيلان جونز، وهو مراسل "بي بي سي" الأسبق لشؤون التكنولوجيا، والذي يعاني اليوم من مرض باركنسون، يسير في شارع خافت الإنارة وسط أمطارٍ غزيرة، عندما تعثّرت خطاه فوق غصن شجرة اقتلعته العواصف الأخيرة وجرفته إلى الرصيف، فهوى بقوّة على الأرض. وقد شقّ طريقه إلى قسم الحوادث والطوارئ في أحد المستشفيات، فيما كان ينزف من إصابته، لتبدأ هناك محنةٌ من نوع آخر.

فقد اضطُر للانتظار ساعاتٍ طويلة ومرهقة مستلقياً على إحدى عربات المستشفى، وتحمّل تأخيراً كبيراً في الحصول على علاج لمرفقه الذي تعرّض لكسرٍ بالغ، وما رافق ذلك من كابوس احتمال الخضوع لجراحة، ليقال له بعد ذلك إن العملية قد ألغيت بشكلٍ غير متوقّع بعد الاستعداد لها، ما جعله يقبع على سريرٍ لفتراتٍ طويلة من دون أيّ سبب واضح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول سيلان جونز إن "الحصول عن معلومات تتعلّق بعلاج المريض يبدو أشبه بسباق العقبات، يكون فيه نظام الرعاية الصحّية متقدّماً عليه دائماً. ويبدو أن التواصل بين الطاقم الطبّي داخل المستشفيات وفي ما بينها، هو غير كافٍ على الإطلاق، مع اتّساع حدة الفجوة بشكلٍ خاص بين الأطبّاء والممرّضات".

لقد لاحظتُ بنفسي الفشل في التواصل داخل مرافق هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية"، وتحقّقتُ أيضاً من الإخفاق ليس فقط في الوفاء بالمعايير الأساسية للرعاية، بل أيضاً في بعض الأحيان في إبداء التعاطف مع المريض.

خلال فصل الصيف، دخلت حالة المناعة الذاتية لديّ (مرض "السكّري من النوع الأول"Type 1  Diabetes) في منعطفٍ غير متوقّع، بعدما تسبّب ارتفاع درجات الحرارة في زيادة مستويات السكّر في الدم. وفي إطار التكيّف مع خطّةٍ علاجية جديدة تشمل استخدام جهاز استشعارٍ مثبّتٍ على ذراعي، واعتماد نظام غذائي جديد، طلبتُ المشورة من عيادة في "مستشفى ويبس كروس" في شرق لندن، كما طُلب منّي.

ومع ذلك، تبيّن أن محاولتي للتواصل عبر البريد الإلكتروني كانت خاطئة. فلم تُجرَ معاودة الاتصال بي. وفي الوقت نفسه، كنتُ أتخبّطُ في معمعة العمليّات المعقّدة في محاولتي الحصول على قبول دخولي مستشفى آخر، هو "المستشفى الملكي الوطني لجراحة العظام"  Royal National Orthopaedic Hospital في ميدلسيكس، حيث كان من المقرّر أن أتلقّى العلاج المتعلّق بالآثار الدائمة الناجمة عن حادثةٍ دهسٍ تسبّبت بها لي شاحنة نقل.

وفي الواقع، واجهتُ على مدى العقد الماضي تحدّياتٍ كبيرةً في التعامل مع هذه الأمور، كالتنقّل بين عياداتٍ مختلفة، وتحديد مواعيد يتمّ تحديدها وإلغاؤها، وقضاء ساعاتٍ لا نهاية لها على الهاتف، وكتابة عددٍ لا يُحصى من رسائل البريد الإلكتروني والخطابات، ومن ثمّ انتظار الردود بصبرٍ نافد، وتحمّل القلق الذي يرافق كلّ ذلك. لديّ رسالة واحدة أقولها لسيلان جونز: إن الضغط الناتج من التعامل مع هيئة الخدمات هائل ويمكنه تحطيم أيّ شخص.

لقد لازمني الخوف بشكلٍ دائمٍ منذ تعرّضي لحادثة الدرّاجة الذي كاد أن يودي بحياتي. إنه ينهشك من الداخل. ولا تزيد من حدّته الظروف الطبّية التي أعاني منها أو الجسم الذي لم يعد يعمل كما كان من قبل، بل الاحتمال المخيف المتمثّل في التعامل مع هيئة الخدمات، التي أصبحت أكثر فتوراً وأقلّ مبالاة. والأصعب من كلّ ذلك أن هذا الاتّجاه يزداد تفاقماً بشكلٍ لا لبس فيه.

وقد استمرت المشكلة لبعض الوقت. فقبل أعوام، كنتُ في موعدٍ مع اختصاصية في تقويم القدمين - وهي خدمةٌ باتت الآن تتطلّب دفع مبلغ خاصّ كي تحظى باهتمامٍ فوري لمعاينتك - حين بدأ الهاتف في عيادتها يرنّ بشكلٍ متواصل. وبعد انتظار طويل، قالت لي: "أنا آسفة، امنحني لحظة، ينبغي أن أجيب على المكالمة".

ولدى عودتها، أعربت لي عن حنقها قائلة: "لا أكفّ عن التأكيد للعاملين باستمرار بأنه يجب الردّ على هذه المكالمات. وبصراحة، لا أعرف الجهة التي تعطيها هيئة الخدمات الأولوية، لكنني متأكّدة من أنها ليست المرضى".

من المؤكّد أنها ليست المرضى على الإطلاق. وهذا الواقع يعود إلى ما قبل فترة تفشّي فيروس "كوفيد" والتقشّف المالي، وأزمة التوظيف الراهنة.

لكن على الرغم من تلك التحدّيات، تمكّنتُ من التعامل مع مشكلاتي الصحّية بشكلٍ جيّد. وفي أعقاب حادث الدرّاجة الذي تعرّضتُ له، عدتُ إلى العمل في غضون أشهر، متحدّياً التوقّعات التي قدّمها الأطبّاء لعائلتي حول احتمال مكوثي ما يصل إلى سنة في المستشفى. وخلال تلك الفترة، تعيّن علي التعامل مع مرض السكّري لأعوام، ولم أحظَ سوى بالحدّ الأدنى من اهتمام الاختصاصيّين، واعتمدتُ بدلاً من ذلك على اثنين من الأطبّاء العامّين الجديرين بالثقة. وأفضّلُ ببساطة مواصلة المضي قدماً.

إلى ذلك، أصبح تأمين المواعيد في عيادة الطبيب العام أمراً صعباً للغاية. وعندما يتعيّن عليك مناقشة إصدار وصفاتٍ طبّية جديدة، ودمج التقنيات الطبّية الجديدة، ومعالجة المشكلات الصحّية القائمة، يمكن أن تتصاعد الأمور وتصبح العملية مرهقة ومعقّدة. إن ما يحتاجه المريض حقّاً هو جرعة من التعاطف.

عندما أعبّر عن مخاوفي في رسائل بشأن الرعاية غير الكافية التي أتلقّاها، عندها يصبح الوضع مثيراً للاهتمام.

فقد جاء في رسالة الردّ التي تلقّيتها من "المستشفى الملكي الوطني لجراحة العظام" أن المؤسّسة أصغت لي وهي تولي اهتماماً لمخاوفي. والأهم من ذلك، أنه أتيحت لي الفرصة للمشاركة في محادثة مع أحد المدراء الذي استمع إلى شكواي، وبدا أنه يأخذ بوجهة نظري. هذه التجربة منحتني بعض الطمأنينة. والأهم من ذلك أنها جدّدت إيماني بأنه لا تزال هناك مساحة للتفاهم والتعاطف داخل خدمة الرعاية الصحّية. إنه احتمال لا يزال قائماً.

ومع ذلك، فإن التباين مع "مستشفى ويبس كروس" - وهو جزء من مجموعة مستشفيات "بارتس هيلث أن أتش أس تراست"  Barts Health NHS Trust - كان مختلفاً بشكلٍ لافت. هذا المستشفى كانت لي معه تجربةٌ طويلة وصعبة. فبعد الحادث الذي تعرّضتُ له، تحمّلتُ ساعاتٍ عدّة من الألم الشديد عندما تمّ نقلي إليه. وفي مناسبةٍ أخرى، قامت إحدى الممرّضات بتوبيخي لاستخدامي زرّ الاتصال، عندما كنت أتألّم وفي حاجةٍ ماسّة لحقنة مورفين.

وجاء الردّ من "ويبس كروس" وكأنه يوحي على نحوٍ مهذب، بأن "تدبّر أمرك". ووفقاً لإدارة المستشفى، كان ينبغي عليّ استخدام خط هاتف المستشفى الخاص، غير المُدرج على موقعه، وعدم استخدام البريد الإلكتروني "غير العاجل" بهم. وقد جرى تجاهل رسائل البريد الإلكتروني التي بعثتُ بها لاحقاً للمتابعة والتوضيح، وقوبلتُ بالصمت. أما بالنسبة إلى الردّ على مكالماتي الهاتفية، فدعك منه هو الآخر، لأنه لم يكن بأفضل حالاً.

وللعلم، أرسلت إليّ المجموعة المسؤولة عن "مستشفى ويب كروس" بياناً جاء فيه الآتي: "لقد حقّقنا في شكاوى السيّد مور، وقدّمنا له اعتذاراً عن الأخطاء التي ارتكبناها في رعايته، والتي تفاقم بعضها بسبب التحدّيات التي فرضتها جائحة "كوفيد". نحن ملتزمون دائماً منح المرضى تجارب أفضل، وهذا النوع من ردود الفعل، كالملاحظات التي أبداها السيّد مور، تساعد في تحسين جميع خدماتنا وتواصلنا على حدّ سواء".

إن أفراداً مثل روري سيلان جونز، الذين يخوضون رحلة مليئةً بتحدّياتٍ مماثلة لتلك التي تحمّلتها لأعوام، ينبغي ألا يُضطروا إلى مواجهة الخوف. على العكس، يجب أن يكون هو ومئات الآلاف من المرضى الذين يعانون من مواقف مشابهة، قادرين على الوثوق في أنهم سيكونون في أيدٍ أمينة داخل مرافق "الخدمات الصحّية الوطنية".

في المقابل، ينبغي عدم دفع المرضى إلى اكتساب مهاراتٍ جديدة في الدفاع عن قضاياهم، كإتقان فنّ كتابة رسائل الشكاوى، أو تعلّم أفضل السبل للتعامل مع البيروقراطية المعقّدة حيث تكون المساءلة معدومة، ما يؤدّي إلى تعريض مستويات الرعاية للخطر.

وفيما نسهم جميعاً بتمويل قطاع "أن أتش أس"، فإن ما نحصل عليه ليس بالخدمة المتوقّعة. ومع ذلك، ما زال هناك أمل بإصلاحه. إن انقطاع التواصل وعدم التعاطف في بعض الأحيان مع المرضى، لا يعكسان فقط مشكلةً تتعلّق بعدم كفاية الموارد، على رغم أن القيود المالية تظل مصدر قلقٍ كبير للخدمة.

إن معالجة هذه القضايا تتطلّب وجود إرادة سياسية، ما يستلزم التحوّل من المساعي الأيديولوجية وتصدّر العناوين الرئيسية، إلى التركيز على الواقعية وإيجاد حلولٍ عملية قابلة للتطبيق. لكن ذلك يحتّم على هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" نفسها أن تظهر بعض العزيمة في بذل الجهود اللازمة لتحقيق هذه الأهداف.

ويتعيّن على الهيئة الإصغاء لاختصاصية تقويم القدمين التي قابلتها خلال الأعوام الماضية، وفهم السبب الذي جعلها - وهي فرد مهتمٌ وملتزم - تجد العمل في مجالها محبطاً للغاية. إن الكلمات المعسولة حول وضع المريض في مقدّم الاهتمامات يجب أن تتحوّل إلى أفعال. وفي الوقت الراهن، إن كثيرين منّا يتمّ التعامل معهم على أنهم مصدر إزعاج، علماً أننا جميعاً نستحقّ معاملةً أفضل.

 

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات