ملخص
يرى مراقبون أن إسرائيل قد تواجه أعمال تمرد في غزة مشابهة لما حدث في العراق وأفغانستان
قال مسؤولون أميركيون وعرب ودبلوماسيون وباحثون إن إسرائيل تدخل في مخاطرة تنطوي على مواجهة تمرد طويل ودموي إذا ألحقت الهزيمة بحركة "حماس" واحتلت قطاع غزة من دون خطة ذات صدقية للانسحاب، والمضي قدماً نحو إقامة دولة فلسطينية في فترة ما بعد الحرب.
وذكر مسؤولان أميركيان وأربعة مسؤولين من المنطقة وأربعة دبلوماسيين مطلعين على المناقشات أن كل الأفكار التي طرحتها إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية حتى الآن لإدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة، لم تحظ بتأييد على نطاق واسع، فيما تثار مخاوف من أن الجيش الإسرائيلي قد يستنزف في عملية أمنية طويلة الأمد.
دروس العراق وأفغانستان
وبينما تُحكم إسرائيل سيطرتها على شمال غزة يرى مسؤولون في واشنطن وعواصم أخرى أن إسرائيل تتجاهل الدروس المستفادة من الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان عندما أعقبت الانتصارات العسكرية السريعة أعوام من العنف والتطرف.
ويقول دبلوماسيون ومسؤولون إنه إذا تمت الإطاحة بالحكومة التي تديرها "حماس" في غزة ودمرت بنيتها التحتية واقتصادها، فقد تؤدي نزعة أصولية متطرفة بين السكان الغاضبين إلى انتفاضة تستهدف القوات الإسرائيلية في شوارع القطاع الضيقة.
وتتفق إسرائيل والولايات المتحدة على ضرورة الإطاحة بـ "حماس" بعد هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن لا يوجد إجماع على بديل يحل محلها.
وقالت الدول العربية وحلفاؤها في الغرب إن السلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية هي المرشح الطبيعي للعب دور أكبر في غزة البالغ عدد سكانها حوالى 2.3 مليون نسمة.
لكن صدقية السلطة التي تديرها حركة "فتح" بزعامة الرئيس محمود عباس (87 سنة) لحق بها ضرر شديد بسبب خسارتها السيطرة على غزة لمصلحة "حماس" في صراع عام 2007، وبسبب فشلها في وقف انتشار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية واتهامها بالفساد وعدم الكفاءة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مطلع الأسبوع إن السلطة الفلسطينية بصورتها الحالية لا يجب أن تتولى مسؤولية غزة، وذكر أن الجيش الإسرائيلي هو القوة الوحيدة القادرة على القضاء على "حماس" وضمان عدم عودة الإرهاب، وأصر مسؤولون إسرائيليون عقب تصريحات نتنياهو على أن إسرائيل لا تنوي احتلال قطاع غزة.
مرحلة ما بعد "حماس"
وقال محمد دحلان الذي كان مسؤولاً أمنياً في غزة إلى حين فقدت السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع لمصلحة "حماس"، واقترح اسمه لتولي حكومة ما بعد الحرب هناك، إن "إسرائيل مخطئة إذا اعتقدت أن تشديد سيطرتها على غزة من شأنه أن ينهي الصراع"، مضيفاً من مكتبه في أبوظبي حيث يعيش الآن أن "إسرائيل قوة احتلال وسيتعامل معها الشعب الفلسطيني على أنها قوة احتلال".
واعتبر أن "قادة ’حماس‘ ومقاتليها لن يستسلموا بل سيفضلون تفجير أنفسهم على الاستسلام".
وقال إنه لا يوجد أحد لإدارة غزة في فترة ما بعد الحرب، ولا حتى هو نفسه يرغب في تولي حكم منطقة محطمة ومدمرة من دون وجود مسار سياسي واضح في الأفق.
وأشار دحلان إلى غياب التصور لمستقبل غزة عند كل من إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي، داعياً تل أبيب إلى وقف الحرب والبدء في محادثات جدية حول حل الدولتين.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن نتنياهو الأربعاء الماضي من أن احتلال غزة سيكون "خطأً كبيراً"، ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرون حتى الآن أية خريطة طريق واضحة المعالم من إسرائيل في شأن استراتيجية الخروج من غزة باستثناء الهدف المعلن المتمثل في القضاء على "حماس"، بينما يضغط المسؤولون الأميركيون على إسرائيل من أجل تقديم أهداف واقعية وعرض خطة لكيفية تحقيقها.
عدد القتلى المدنيين
وتقول الأمم المتحدة و"الهلال الأحمر" إن العملية التي شنتها إسرائيل في غزة رداً على هجوم السابع من أكتوبر أدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف شخص حتى الآن وتشريد أكثر من مليون.
وبينما يصر بعض المسؤولين الأميركيين على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها فإنهم يشعرون بالقلق من أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين قد يؤدي إلى تطرف مزيد من الفلسطينيين ويدفع مقاتلين جدداً إلى أحضان "حماس" أو جماعات مسلحة ستظهر لتحل محلها في المستقبل، وفقاً لمصدر مطلع على عملية صنع السياسات الأميركية.
وقال سكان من قطاع غزة أجرت "رويترز" مقابلات معهم إن الغزو الإسرائيلي يولد جيلاً جديداً من المسلحين، وذكر أبو محمد (37 سنة)، وهو موظف حكومي في مخيم جباليا للاجئين، أنه يفضل الموت على الاحتلال الإسرائيلي، وقال لـ "رويترز" رافضاً الكشف عن اسمه بالكامل خوفاً من الانتقام، "أنا لست عضواً في ’حماس‘ لكن في أيام الحرب كلنا شعب واحد، وإذا قضوا على المقاتلين فسنحمل البنادق ونقاتل، وقد يحتل الإسرائيليون غزة لكنهم لن يشعروا أبداً بالأمان ولا ليوم واحد".
أمل ضعيف في إحياء المفاوضات
وقال مسؤولان أميركيان تحدثا شرط عدم نشر اسميهما، إن مناقشات الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية وأطراف فلسطينية أخرى وحلفاء آخرين عن خطة لما بعد الحرب في غزة لا تزال في مراحلها الباكرة.
وبينما أصر بايدن على ضرورة أن تنتهي الحرب برؤية لحل الدولتين الذي سيجعل من قطاع غزة والضفة الغربية دولة فلسطينية، لم يقدم هو أو كبار مساعديه أي تفاصيل عن طريقة تحقيق ذلك ولم يقترحوا حتى استئناف المحادثات.
ويرى خبراء أن أي جهد لإحياء المفاوضات أمر بعيد المنال لأسباب من بينها على الحال المعنوية السيئة للإسرائيليين بعد الفظائع التي ارتكبتها "حماس" في السابع من أكتوبر، وكذلك الحال المعنوية للفلسطينيين بعد الانتقام الإسرائيلي في غزة.
وقال جوناثان بانيكوف، وهو مسؤول كبير سابق في المخابرات الأميركية متخصص في شؤون الشرق الأوسط ويعمل حالياً في مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية إن "من المآسي العدة للهجوم الإرهابي الذي نفذته ’حماس‘ أنه قوض القضية الفلسطينية بصورة أساس وتسبب في انتكاسة في ما يتعلق بمسعى إقامة دولة مستقلة ذات سيادة".
ووفقاً لمصدر مطلع فقد يتخذ بايدن قراراً في شأن مبادرة أكثر تواضعاً يمكن أن تشمل مساراً لاستئناف المفاوضات في نهاية المطاف، إذ يدرك مساعدو بايدن أن نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية المتطرفة التي ترفض فكرة إقامة دولة فلسطينية ليس لديهما رغبة كبيرة في استئناف المحادثات.
وبينما يسعى بايدن إلى إعادة انتخابه رئيساً العام المقبل فقد يتردد في خسارة الناخبين المؤيدين لإسرائيل الذين سيرون أنه يضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوط واشنطن الحمراء
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في طوكيو خطوط واشنطن الحمراء في غزة، قائلاً إن الإدارة تعارض التهجير القسري للفلسطينيين من القطاع أو أي تقليص لمساحته أو احتلاله أو محاصرته من قبل إسرائيل، وقال أيضاً إن غزة لا يمكن أن تصبح منصة للإرهاب.
وذكر بلينكن مراراً أن واشنطن ترغب في رؤية السلطة الفلسطينية بعد تنشيطها تدير قطاع غزة في نهاية المطاف بصورة موحدة مع الضفة الغربية.
وتضاءلت قدرة السلطة الفلسطينية في عهد عباس الذي يديرها منذ عام 2005، مع انحسار الأمل في مسار يقود إلى تحقيق حل الدولتين المنصوص عليه في "اتفاقات أوسلو" للسلام عام 1993.
ويقول مسؤولون أميركيون إن هذه الآليات تحتاج إلى تغيير، كما صرح دبلوماسيون بأن تغيير القيادة داخل السلطة الفلسطينية قد يكون ممكناً مع بقاء عباس في منصب شرفي.
وقال دبلوماسي أوروبي كبير إن هناك خطوة أخرى قيد المناقشة وهي منح السلطة الفلسطينية دوراً رئيساً في توزيع المساعدات خلال فترة ما بعد الحرب في غزة لإحياء شرعيتها.
حكم غزة
ورداً على سؤال عن هذه المناقشات قال مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية إن عودة السلطة لغزة هي السيناريو الوحيد المقبول وسيناقش مع الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى، رافضاً التعليق على اقتراح تولي دحلان أو غيره قيادة حكومة فلسطينية.
وقال مسؤولون فلسطينيون بارزون من بينهم رئيس الوزراء محمد اشتية إن السلطة الفلسطينية لن تعود لحكم غزة على ظهر الدبابات الإسرائيلية، وذكر دبلوماسيون أن شركاء غربيين وبعض دول الشرق الأوسط تقدموا باقتراح لتشكيل إدارة انتقالية من التكنوقراط في غزة لمدة عامين تكون مدعومة من الأمم المتحدة وقوات عربية.
لكن الدبلوماسيين قالوا إن هناك مقاومة من حكومات عربية رئيسة مثل الحكومة المصرية خوفاً من الانجرار إلى ما تعتبره "مستنقع غزة".
وتخشى القوى الإقليمية من أن تضطر أي قوات عربية تنتشر في غزة إلى استخدام القوة ضد الفلسطينيين، ولا ترغب أي دولة عربية في وضع جيشها في هذا الموقف.
لا اتفاق على القيادة
وعلى رغم أن عباس لا يحظى بشعبية كبيرة بين كثير من الفلسطينيين إلا أنه لا يوجد اتفاق على من سيحل محله في المستقبل.
ومن المرجح أن يحظى دحلان بقبول مصر وإسرائيل، ولكن على رغم عمله بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة خلال فترة توليه مسؤولية الأمن في غزة، قال مصدر أميركي إنه ستكون لدى واشنطن شكوك في شأن عودته للسلطة، إذ إن هناك عداء طويل الأمد بينه وبين عباس ودائرة المسؤولين الداخلية في السلطة الفلسطينية ومع أنصار "حماس" أيضاً.
وقاد دحلان موجة من الاعتقالات والقمع ضد كبار قادة "حماس" عام 1996 بعد سلسلة تفجيرات انتحارية ضد إسرائيل.
ويحظى مروان البرغوثي، وهو أحد قادة "فتح" ومسجون في إسرائيل منذ عام 2002 بتهمة القتل، بشعبية كبيرة بين كثير من الفلسطينيين، لكن بعض من في واشنطن يعتبره اقتراحاً غير عملي لأن الحكومة الإسرائيلية لن ترغب في إطلاق شخص تتهمه بأن "يديه ملطختان بالدماء".
وقال مسؤول أميركي إن اختيار زعيم لغزة سيكون معقداً لأن كل لاعب إقليمي لديه شخصياته المفضلة ومصالحه الخاصة، وستدعم الولايات المتحدة في نهاية المطاف أي زعيم يحظى بتأييد الشعب الفلسطيني والحلفاء في المنطقة إضافة إلى إسرائيل.
وذكر مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست آر. هلترمان أنه "من الواضح أن هناك حاجة ماسة إلى تجديد شباب القيادة الفلسطينية، لكن الدخول في غمار ذلك مرة أخرى أمر صعب للغاية"، وقال إن "الدول العربية يمكنها استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي مرشح لا يعجبهم، وستفوز ’حماس‘ التي تصور نفسها على أنها قائدة النضال من أجل الاستقلال الفلسطيني في أية انتخابات على الأرجح".
وهناك أخطار كبيرة من احتمال امتداد الصراع إلى الضفة الغربية وخارج إسرائيل، ويقول مسؤولون ودبلوماسيون عرب إنه لم يظهر مثل هذا القدر من القلق من انتشار العمل العسكري في أنحاء الشرق الأوسط منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ومهما كانت قرارات بايدن الدبلوماسية فإن مساعديه يقولون إنه ليس لديه مصلحة في جر الولايات المتحدة إلى دور عسكري مباشر في الصراع ما لم تهدد إيران أو وكلاؤها الإقليميون المصالح الأمنية الأميركية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي للصحافيين هذا الشهر إنه "لا توجد خطط أو نيات لنشر قوات عسكرية أميركية على الأرض في غزة، سواء الآن أو في المستقبل".