ملخص
كيف ربطت هوليوود أسطورة الزومبي بقضايا جنسية شائكة مثل زواج القاصرات والعجز الجنسي لدى الرجال؟
تحوي حكاية "الزومبي" الشهيرة على مفارقات سينمائية عديدة، ومنها الـ"هيكي"، أو علامة "العضة الجنسية"، التي صارت تعرف بـ"قبلة الموت"، نظراً إلى خطورتها على الشريك في بعض الأحيان، لذلك حملت هذه العلامة المعاصرة التي تشير إلى رغبة الحبيب في امتلاك حبيبه، جانبين متناقضين، هما الجانب الرومانسي، الذي أخذ صورة الفانتازيا السينمائية، بوصفه العلامة التي توضع على رقبة المحبوب، رمزاً لكسر كل الحواجز في العلاقة الجنسية الحميمية من جهة، أما الجانب الثاني فهو كون العلامة العنيفة، والتي تؤدي إلى الوفاة أحياناً، أنتجت ثقافة جنسية كاملة صارت تعرف باسم ثقافة العنف الجنسي "بي دي أس أم" الذي يرمز إلى السادية واستخدام جميع الأدوات الطبيعية والصناعية التي يحتاج إليها الشريك لإخضاع الحبيب وتأديبه وصولاً إلى استعباده وإذلاله في كثير من الأحيان.
عنف وإغراء ورعب
بعد انتهاء زمن الرومانسية القديم الذي يقيم العلاقة بين الرجل والمراة على أساس أخلاقي بحت، بحثت هوليوود عن معطى جديد لهذه الحالة الشاعرية. وجاءت فكرة العنف والإغراء والرعب معاً لتحل هذه المعضلة. فعلامة الـ"هيكي" حملت دلالات شاسعة معرفياً وتاريخياً، كونها مستمدة من قصة الزومبي، والتي تمتد جذورها إلى حضارات قديمة في بلاد ما بين النهرين، وتعود إلى سنوات قبل الميلاد، لكن ما نتج منها من ثقافة غربية معاصرة، ركزت على أبعادها الغامضة والعنيفة المسلية، على الجانبين النفسي والجسدي، فسمحت بدخول فكرة الحب العنيف الآمن، التي اجتاحت الشاشات، فوصلت إلى الدراما المحلية والعربية والآسيوية في سنوات قليلة.
في السينما العالمية
من خلال هذه العلامة الرمزية (هيكي) وصل مفهوم رفض التمييز الجنسي على أساس النوع أو أي حاجز اجتماعي آخر إلى السينما حديثاً، إذ عرضت هوليوود منذ مطلع الألفية الثالثة، وتحديداً منذ عام 2008 لمجموعة من الأفلام الصادمة، التي نقلت غالباً من روايات أدبية، وتروي قصصاً خيالية، نشأت خلالها علاقات عاطفية بين أشخاص من أجناس مختلفة، ومنها فيلم الشفق (Twilight)، الذي وثق قصة زواج مصاص دماء بفتاة أميركية. ونال الفيلم شهرة واسعة وحقق إيرادات تجاوزت ثلاثة مليارات دولار على رغم إنتاجه بموازنة صغيرة بلغت 37 مليون دولار. وفي عام صدر فيلم "أجساد دافئة" (Warm Bodies) بصيغة "كوميديا الزومبي"، وصولاً إلى عام 2015 وسلسلة أفلام (Fifty shades of grey) التي صدرت في ثلاثة أجزاء حتى عام 2018، والذي عبر بدوره عن فكرة السادية الجنسية (بي دي أس أم) بشكل حرفي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الشفق
كان عمر "بيلا سوان" الطالبة الجامعية المراهقة 17 سنة، حين التقت "إدوارد كولن"، وذلك بعد انتقالها للعيش مع والدها، لكن إدوارد الشاب العصري الوسيم الذي أدى دوره الممثل الشهير "روبرت باتينسون"، ليس إلا مصاص دماء بلغ عمره الحقيقي 108 أعوام، وذلك لأنه ولد (أي تحول إلى مصاص دماء) في عام 1918. ووفق الرواية الأدبية التي أخذت منها حكاية، للكاتبة الأميركية "ستيفاني ماير"، فإنه لم يتبق من عمر "كولن" سوى 17 سنة، إذ قرر مصاص الدماء أن يعيش بقية حياته مع الفتاة المراهقة، بعد أن صارحها بحقيقته وقام بحمايتها من بقية أفراد أسرته. المفارقة أن حكاية "الشفق" ذاتها دون عرض لوجود أسطورة الزومبي التي ما زالت غير مقبولة شرقياً، هي في صميمها حكاية تطرح عربياً تحت عنوان مغاير تماماً، وهو "زواج القاصرات" لأنها حكاية تدور في جوهرها حول رجل عجوز تجاوز عمره 100 سنة ولم يتبق من حياته سوى سنوات قليلة، لذلك قرر أن يقضي هذه السنوات مستمتعاً بشباب الآخرين.
أعمال أخرى
من جهة أخرى، يكشف فيلم "أجساد دافئة" (Warm Bodies) عن علاقة حب (الهيكي الرومانسي) بين زومبي وفتاة بشرية قررت كسر حاجز الاختلاف النوعي بينها وبين شريكها. ويلعب الزومبي في هذا العمل دور "الميت الدافئ"، وهو ما تسميه الثقافة العربية "الثري العاجز جنسياً"، والذي يتحلى بصفات أخرى مثل الحنان، أو القدرة على إسعاد الشريك من خلال أدوات خاصة تهمش دور العلاقة الجنسية المادية، ومنها الثروة والكفاءة المالية أو صفات أخرى تجدها بعض الفتيات جاذبة في الرجل، فتشكل دافعاً لكثيرات منهن للتضحية بشبابهن والارتباط بهذا الشخص. ويقول لسان حال الثقافة الغربية من خلال هذه الأفلام إن "مثل هؤلاء الرجال، سواء كانوا شرقيين أو غربيين، ما هم سوى وحوش أو مسوخ، استغلوا قصور بعض الإناث في مجتمعاتهم ليمارسوا هذا النوع من الانتهاكات العاطفية العنيفة والسادية".
50 ظلاً لغراي
يدور هذا الفيلم حول فكرة الـ"هيكي" بشقها العنيف والصاخب، لكنه يقدم الفكرة من منظور مادي وبصورة أوضح قليلاً، وهو منظور شرعية استخدام الأدوات (العنيفة) التي تساعد الرجل في إشعال جذوة الحب من جديد. وهو ما يسمى غربياً "بي دي أس أم"، وهي مجموعة من الأغراض التي تصنع خصيصاً لتعذيب المحبوب وإخضاعه وإذلاله أحياناً، دون إيذائه وبهدف زيادة الإثارة. البطل هنا شاب وسيم، لكنه شخص طبيعي هذه المرة، وليس زومبي أو مصاص دماء، وهو فاحش الثراء، لذلك كان قادراً من خلال ثروته وممتلكاته على إبهار الفتاة الطموحة "أناستازيا" التي تخرجت في الجامعة حديثاً، وتبحث عن فرصة عمل، وتتقدم لاختبارات وظيفة في واحدة من الشركات التي يملكها.
أخيراً تكمن أهمية هذه الأعمال في كونها ساعدت في فهم محدودية الدراما الشرقية في التعامل مع القضايا الشائكة، والتي انفردت هوليوود في التعبير عنها من خلال معالجة فكرة التمييز والعنف الجنسي عبر رموز ثقافة مرعبة هي ثقافة الزومبي، مما يعكس صورة أخرى عن الحضارة الشرقية الذكورية التي تعاملت مع أفكار العنف الجنسي نفسياً وجسدياً لعقود طويلة بطريقة مبطنة، ومن خلال ثقافة المسكوت عنه، إذ أشارت العديد من الأعمال العربية محلياً، إلى قصص تعرض كثير من الشباب (ذكوراً وإناثاً) للتمييز الجنسي بشكل سطحي، ركز على جدلية استعانة كثير من الأثرياء بأدوات طبية ووسائل خارجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قدراتهم الجنسية وتفادي الوقوع في صورة العاجز جنسياً بأي ثمن من الأثمان.