ملخص
تعتبر عادة تقديم "الزريق" للضيف، من الظواهر المسجلة بأحرف من ذهب في التراث الشعبي الصحراوي
تتنوع العادات والتقاليد في الجزائر، فالشرق ليس كالغرب، والشمال يختلف عن الجنوب، بل تتغير المجتمعات القبلية في المنطقة الواحدة بصورة لافتة، وهي الحال التي لا تخرج عنها منطقة الجنوب الغربي للبلاد التي تستقبل ضيوفها بـ"الزريق"، فما قصة هذه العادة؟
ترحيب المرأة بضيوف الصحراء
وتعتبر عادة تقديم "الزريق" للضيف من الظواهر المسجلة بأحرف من ذهب في التراث الشعبي الصحراوي، لاسيما في الجهات الجنوبية الغربية من الجزائر، إذ لا يمكن أن تستقبل عائلة ضيوفها بغير "الزريق"، هذا المشروب المعد بطريقة تقليدية عبر خلط اللبن والماء والسكر، الذي لا يزال يحافظ على ريادته أمام مختلف أنواع العصائر والمشروبات.
ويقدم "الزريق" بارداً، سواء أمام باب البيت عند الدخول أو لدى الجلوس بين أفراد العائلة، وهي خطوة تعبر عن الترحيب بالضيف والسعادة بقدومه، ويستحسن أن يقدم في إناء خشبي يسمى "القدحة"، أسطواني الشكل مصنوع يدوياً من خشب الجداري ومن مادة تمسى "يطا"، مزين بالزخارف على جوانبه، بصورة تجعل منه تحفة فنية.
ومن بين أهم المناطق التي تشتهر بهذا المشروب وعادة تقديمه للضيوف إكراماً لهم، محافظة تندوف الحدودية مع المغرب والصحراء الغربية وموريتانيا، إذ تتفنن المرأة هناك في إعداد "الزريق" الذي يعرف باسم "الشنين" أيضاً، إذ قلما تجد خيمة أو منزلاً لا يقدم أهله قدحاً منه للضيف.
كلمة من اللهجة الحسانية والمصدر من السودان الغربي
ويقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر حبيب بريك الله، أصيل مدينة تندوف بغرب صحراء الجزائر، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن الزريق كلمة من اللهجة الحسانية وتعني إكرام الضيف ببعض المشروبات المعروفة محلياً، وهي القادمة من السودان الغربي أو موريتانيا، مثل مشروب "كهمني" و"تاجماخت" و"دغنو" و"لمريس" و"بيسام" الذي يعرف أيضاً بمشروب "الكركديه"، وغيرها من أنواع المشروبات الأخرى، مضيفاً أن المصطلح خاص بثقافة "البيضان"، وهو مجال صحراوي شاسع يضم القبائل الحسانية الصنهاجية الأمازيغية التي تتحدث اللهجة الحسانية، التي تتربع على حيز جغرافي يمتد من تندوف في جنوب الجزائر إلى حواضر موريتانيا وصولاً إلى أفريقيا الغربية"، وأشار إلى أن هذه القبائل "تمتاز بثقافة خاصة".
ويواصل بريك الله أن "الزريق" هي من العادات التي نشأ عليها مجتمع "البيضان" بين أفراد الأسرة الواحدة حتى بعدم وجود الضيف، حين يشتد العطش أو يشتهي أي فرد من العائلة نوعاً معيناً من المشروبات التي ذكرناها آنفاً، فتقوم الأم أو إحدى نساء البيت بتحضير المشروب. وقال إنها عادة قديمة تاريخياً، وإن "الزريق" يقدم بارداً في وعاء من خشبي جميل مزخرف احتفاء بالضيف، أو في وعاء حديدي مزخرف، وغالباً يقدم فور دخول الضيف لإكرامه، وأوضح أنه سمي بـ"الزريق" لأنه يزرق أي يخلط بين وعائين اثنين حتى تخرج منه الرغوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين الجزائر وموريتانيا طريقة التحضير تختلف
وليست المناطق الجنوبية الغربية للجزائر وحدها التي تشتهر بـ"الزريق"، وإنما يعرف انتشاراً واسعاً في موريتانيا أيضاً، إذ يطلق عليه اسم "المذق"، غير أن عادة تقديمه للضيوف في صحراء الجزائر ليست كذلك في بلاد شنقيط، إذ إنه يظهر بصورة لافتة خلال شهر رمضان بسبب أنه يساعد في تقليل الشعور بالعطش، بحسب معتقدات الموريتانيين، وفي المناسبات الخاصة السعيدة أيضاً، لكن طريقة تحضيره تختلف عن "الزريق الجزائري"، إذ يتم خلط الحليب واللبن الرائب والماء وقليل من السكر، ثم توضع كلها في إناء يسمى "القداح"، وتترك لتبرد قبل التقديم.
ويعود السبب وراء تحضير هذا المشروب إلى الطبيعة المناخية التي لا تتوفر على أشجار الفاكهة، من أجل تحضير عصير الفواكه الطازجة، كما أن المناخ الجاف يدفع السكان إلى "الزريق" الذي عادة ما يوضع في إناء خشبي لكي يحافظ على برودته.
اقتداء بما فعله الأنصار عند قدوم المهاجرين
إلى ذلك يرى عبدالوهاب حفيان، أحد سكان جنوب الجزائر، أن "الزريق" مصدره صحراء موريتانيا والصحراء الغربية، وهو مشروب مكون من لبن الإبل يضاف له قليل من الماء ويحلى ليقدم إلى الضيوف تعبيراً عن السعادة بقدومهم، لافتاً إلى أن العادة لا تزال مستمرة لكن استبدل لبن الإبل في الحواضر باللبن الصناعي.
ويتابع حفيان، رداً على سؤال حول أسباب تقديم المشروب للضيوف دون غيرهم، أن "الرواية المتداولة تقول إن الأمر يأتي اقتداء بما فعله الأنصار عند قدوم المهاجرين خلال الهجرة النبوية"، وأوضح أن طبيعة المجتمعات في المنطقة تفرض على المرأة القيام بواجب الضيافة نظراً إلى اشتغال الرجل بالأعمال اليومية، مما يجعل تقديم هذا المشروب سهل التحضير من صميم مهمات المرأة، مبرزاً أن الكلمة لا علاقة لها بالأمازيغية بل هي حسانية خالصة، أي عربية قبائل موريتانيا.
ويعتبر تقديم مشروب "الزريق" عادة صحراوية وعلامة مسجلة لدى سكان الإقليم بما فيه موريتانيا والصحراء الغربية وصحراء تمبتكو.