ملخص
نفد الأوكسجين عن الخدج وانقطعت الكهرباء عنهم فلفهم الأطباء بورق القصدير ووضعوهم قرب الماء الساخن
بيديه أمسك الطبيب الرضيعة أزهار وأخرجها من الحضانة الطبية، وعلى سرير كان ينام عليه مجموعة كبيرة من الأطفال الخدج وضعها تستنشق الأوكسجين الملوث برائحة البارود المنتشر في أرجاء مجمع الشفاء الطبي، نتيجة تواصل الغارات الإسرائيلية على غزة ومحاصرة المستشفى.
ولدت أزهار في فترة الحرب قبل اكتمال نضجها في رحم أمها، إذ خضعت والدتها لعملية قيصرية وهي في الأسبوع الـ36 من مدة الحمل، بعد تعرضها لإصابة بشظية قنبلة إسرائيلية سقطت على محيط منطقة سكنها.
يبلغ عمر أزهار نحو أسبوعين، وبعد فحصها تبين أنها تعاني التهابات شديدة في الرئة، ونتيجة الولادة المبكرة ومرضها صنفت الرضيعة من الأطفال الخدج، ووضعت في حضانات طبية داخل مستشفى الشفاء لتتلقى الرعاية الصحية.
عاشت أزهار في الحضانة بعيدة من والدتها التي غادرت المستشفى لتفسح المجال لمصابين جدد جرحوا نتيجة الغارات الإسرائيلية، وبقيت الرضيعة تحت رعاية الأطباء، الذين زودوها الأوكسجين من طريق التنفس الاصطناعي.
وعندما وصلت القوات الإسرائيلية لمستشفى الشفاء وانقطعت الكهرباء عن المرفق الصحي تدهور وضع أزهار، إذ توقف عنها الأوكسجين واضطر الأطباء إلى إخراجها من الحضانات.
ورق قصدير
كانت أزهار تعاني البرد والجوع معاً، ولتدفئتها لفها الأطباء بورق القصدير وبعض البطانيات والشراشف ووضعوها قرب ماء ساخن، وحضروا لها رضعة حليب بالماء الملوث لإشباعها، وزادت هذه العوامل من مضاعفات مرض الرضيعة الخديجة.
حال أزهار هذا ينسحب على 31 طفلاً خدجاً، يقول عنهم رئيس العناية المركزة للمواليد محمد سلامة إنهم "كانوا موجودين في حضانات طبية داخل مجمع الشفاء الطبي، وانقطع عنهم الأوكسجين، فسارع الأطباء إلى نقلهم يدوياً لأقسام أخرى في محاولة للحفاظ على حياتهم، وأصبحوا مكشوفين".
ساءت حالة الخدج، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن ستة أطفال توفوا نتيجة توقف الأوكسجين عنهم، وبات 11 منهم في حالة حرجة، فيما يعانون جميعهم عدوى خطرة نتجت من قصور الإمدادات الطبية واستحالة مواصلة تنفيذ تدابير مكافحة الأمراض في مستشفى الشفاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هؤلاء 31 طفلاً خدجاً، بينهم أربعة أمهاتهم قتلوا بقصف إسرائيلي أو خلال عمليات الولادة القيصرية المتعثرة التي تمت في ظروف صعبة.
لم يعد مستشفى الشفاء مناسباً لأزهار، وكان الحل الأمثل نقلها إلى مستشفيات جنوب غزة، علها تحصل هناك على رعاية صحية أفضل، وبالفعل بدأت منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الشريكة في إصدار مناشدات تطالب بنقلهم على وجه السرعة إلى أماكن أخرى خارج المستشفى.
استجابت إسرائيل التي تعمل قواتها العسكرية داخل مجمع الشفاء لهذا النداء. يقول المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري "نسقنا لنقل الخدج لمستشفى في إسرائيل، لكن رفض هذا الطرح، فقلنا إننا مستعدون للعمل مع أي طرف موثوق به للوساطة لضمان نقل الأطفال خارج مجمع الشفاء".
فكرة إجبار أزهار على النزوح جنوباً ليست بالأمر السهل، إذ لا تتوفر مقومات نقلها ولا ضمانات أمنية لإجراء ذلك، كما أن رحلة الخدج طويلة جداً بالنسبة إليهم، وكل دقيقة تمر عليهم خارج الحضانات تعرض حياتهم للخطر.
النزوح الأول
يقول المتحدث باسم الهلال الأحمر الفلسطيني عبدالجليل حنجل "نقل الخدج تحدٍّ كبير، وهو أمر مستحيل عملياً، لكننا مجبرون على إجلائهم نحو الجنوب ليتحولوا إلى نازحين هاربين من القصف، لعلهم يجدون الرعاية الصحية".
يفتقر الهلال الأحمر للتجهيزات اللوجيستية التي تمكن من نقل أزهار، ولا يوجد لديه سيارات إسعاف مجهزة بوحدة عناية مركزة وحاضنة جاهزة، وهذا عقد المهمة كثيراً، لأنه من دون هذه المقومات ستموت أزهار خلال لحظات.
نسقت منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" لهذه المهمة، وخرجت أزهار وباقي الخدج إلى سيارات الإسعاف الستة التي تنتظرهم على بوابة مستشفى الشفاء ملفوفين بالبطانيات ويزودهم الأطباء الأوكسجين بالتنفس الاصطناعي اليدوي.
يضيف حنجل "جهزنا وحدة عناية مركزة وحاضنة في الإسعاف، ورافقنا ثلاثة أطباء، وممرضون، وتحركت سيارات الإسعاف نحو الجنوب لإجلاء الخدج. كانت لحظات قاسية، وتساقطت دموع جميع من شاهد العملية".
طريق خطر
ستقطع أزهار 11 كيلومتراً، لكن في طريقها سيكون هناك دبابات تنتظرها على بوابة مستشفى الشفاء، ومعدات عسكرية في شارع صلاح الدين الذي ستمر منه، وستسير في شوارع غير مؤهلة ومدمرة وينتشر فيها الركام والجثث والسيارات التالفة.
نجحت فرق الإسعاف في إجلاء أزهار والخدج إلى المستشفى الإماراتي في رفح جنوب غزة، وكان هذا نزوحها الأول في حياتها، ومن دون أن يرافقها والداها، لكن هذا التشريد هو المحطة الأولى لعلاج الرضيعة.
يقول رئيس العناية المركزة للمواليد محمد سلامة "وصل الخدج وهم يعانون انخفاضاً في درجات الحرارة، ومن سوء التغذية، ولديهم جفاف، وتدنٍّ في ضغط الدم والسكر وصعوبة في التنفس".
النزوح الثاني
نزوح أزهار للمستشفى الإماراتي هو مجرد مرحلة انتقالية، يضيف سلامة، "عمل الأطباء على استقرار وضع الخدج، وهذه خطوة أولى، لأنهم سينزحون إلى مصر في رحلة طويلة خطرة".
ما إن استقرت حالة أزهار جهزها الأطباء للنزوح الثاني خارج غزة وباتجاه مصر، واستعدت لذلك وحدها، إذ لم يتعين لأمها المصابة ولا أبوها المنقطع الاتصال به مرافقتها في هذا التهجير.
وكما نقلت من مستشفى الشفاء جرى نقلها من المستشفى الإماراتي إلى مصر بالطريقة نفسها، لكنها هذه المرة نامت في حضانة طبية ورضعت في جنوب غزة حليباً غذائياً بماء صحي نقي.
يقول المسؤول في منظمة الصحة العالمية أحمد المنظري "من المؤسف أن هؤلاء الخدج لم يكن لديهم من يرافقهم من ذويهم، نظراً إلى محدودية المعلومات المتوافرة عنهم لدى وزارة الصحة التي باتت غير قادرة على العثور على أفراد أسرهم المقربين في ظل حالة النزوح الكبيرة وسوء تغطية شبكات الاتصالات". ويضيف "قاد بعثة الخدج عدد من كبار موظفي منظمة الصحة العالمية، وممثلون عن (يونيسيف)، ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، و(الأونروا)، وموظفون طبيون من الهلال الأحمر الفلسطيني".