ملخص
تمثل المرأة أحد المجالات الرئيسة لانشغال الخطاب الصحوي، فكان لرموزه صوتهم العالي في مواجهة ما يسمونه تغريب المرأة، وتجييش المجتمع لحراسة الفضيلة بما يشبه الاستنفار الدائم.
درجت الأوساط السعودية على وصف عهد الصحوة الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته بعصر الكاسيت، لكون هذا الأخير أهم وسائل التيار الصحوي في إذاعة خطابه إلى الجماهير ونشره.
ومع أن المرحلة أنتجت آلاف العناوين من المحاضرات والدروس والخطب والأناشيد التي وزعت عبر ملايين الكاسيتات، فإن تسعة منها في تقدير المعايشين تلك الحقبة، كانت أشدها تأثيراً.
هادم اللذات
في أصله كان محاضرة للواعظ عبدالله بن حماد الرسي، تناول فيها الموت وسكراته، والقبر وأحوال الناس فيه وأهوال يوم القيامة، وانتشر هذا الشريط على نطاق واسع أواخر الثمانينيات داخل المملكة وخارجها.
وكانت ردود الفعل بشأنه على اتجاهين صحوي، اعتبره موقظاً للناس من غفلة دامت أزمنة طويلة، وهذا ما استدعى حفاوة شخصية مثل سلمان العودة في ذلك الوقت قائلاً على سبيل الاعتزاز "يكفيك أن تعلم أن شريط "هادم اللذات" بيع منه في أحد التسجيلات 30 ألف نسخة بل إن هذا الشريط قد تزيد مبيعاته في أنحاء المملكة على 200 ألف نسخة".
ما يعكس شهرته تجزئة مادته إلى بضعة مقاطع تفتتح بها المواد الصوتية وتُختم بها أخرى، كما نُسجت على منواله خطب ومحاضرات أخرى، واعتبره جمهور الصحويين من النذر التي آتت ثمارها.
أما الاتجاه الآخر النقدي، فرأى أن في طرح الرسي وتوجيه التيار الصحوي إياه مبالغة، إذ غلّب جانب الترهيب فصار أيقونة ومثلاً لخطاب الوعيد وإشاعة ثقافة الموت والسخط والإحباط، على حساب البهجة والتفاؤل وحب الحياة.
التوبة الصادقة
أصل هذا الشريط خطبة للداعية سعد البريك، مضمونها أن الأمة قد غرقت في المدة الأخيرة في وحل المعاصي والذنوب والسيئات، وليس لها مخرج من ذلك إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والتوبة إليه، وإن من دلالات صدق التوبة النصوح عدم الرجوع إلى الذنب الذي قد تاب منه العبد.
إلا أن ما أثار الجدل بشأن الشريط هو رواية الخطيب قصة مثالية لتائب معاصر زعم أن اسمه أحمد، قادته التوبة من علاقة غير شرعية إلى عذاب في الضمير، دفعه إلى عقد العزم على تسليم نفسه إلى السلطات ليحاكم، وأيضاً إلى أداء فريضة الحج، إلا أنه ظل في حالة ألم وضنى، حتى وافته المنية في أحد المساجد صائماً تالياً للقرآن.
وظل هذا الشريط الدرامي أيقونة صحوية أخرى أعيد إنتاجها بأكثر من أسلوب، قبل أن يتبيّن في عصر نقد الصحوة، أن القصة التي رواها الخطيب على أنها واقعة إنما هي في الأصل من محض خياله، وهذا ما زاد من حدة النقد والحنق على خطاب ديني كهذا، مبني على اختلاق الأكاذيب.
فستذكرون ما أقول لكم
كان عنوان محاضرة للداعية سفر الحوالي على خلفية حرب تحرير الكويت، فغزو الكويت على يد حزب البعث العراقي شكّل تحدياً جديداً لم يكن معهوداً للتيار الصحوي الذي يمثل المحاضر أحد رموزه، بالإضافة لتسارع الأحداث. وهذا ما سبب بعض الارتباك، والتباين في الآراء والتحليل والموقف الذي يجب اتخاذه من الأزمة، إذ لم يكن الحدث والموقف منه واضحين بصورة جيدة منذ البداية. ومن هنا دعت الحاجة إلى عقد مجلس هذه المحاضرة التي تعد أهم ردود فعل التيار الصحوي على الموقف الذي اتخذ من الأزمة.
ركز مضمون المحاضرة على زعم وجود منكرات كثيرة لا بد من تغييرها، وأن اللجوء إلى الغرب خلل في مبدأ الولاء والبراء، موضحاً أن من أهم أهداف الحشود الأجنبية في منطقة الخليج ضرب الصحوة الإسلامية، مختتماً حديثه بالرد على الاستدلالات التي أوردها من يقولون بجواز الاستعانة بغير المسلمين في مثل هذه الأحداث، في إشارة إلى المؤسسة الدينية في البلاد التي أيدت خطوة الدولة في الاستعانة بأميركا والحلفاء لتحرير الكويت.
ففروا إلى الله
ألقى الدكتور سفر الحوالي محاضرته الشهيرة (ففروا إلى الله) في جامع الملك خالد بالرياض، وكان مضمون الشريط في غالبيته وعظياً، كما هو المعتاد في الخطاب الصحوي حينذاك، وفي بعض أجزائه كلام عن الاختلاف بين العلماء في القضايا الفقهية، ثم الإشارة الى أن من مصلحتنا أمام الغرب أن يكون لنا رأيان كما يوجد عندهم!
اشتهرت المحاضرة كأنها إعلان رفض علني لقدوم القوات الاميركية، وبعد هذه المحاضرة بدأت المواقف الصحوية تنكشف وتتمايز بشكل أوضح، وقيل في حينه ان اسم سفر الحوالي جرى تداوله في الصحافة الأميركية، وهذا ما جعل الأمر أكثر حساسية.
لم يتفهم الصحويون حجم هذا الإحراج، فبدأ بعضهم يثير تساؤلات وشكوكاً بشأن بيان هيئة كبار العلماء في ما يتصل بالاستعانة بالقوات الأجنبية. واعتبر الآخرون ذلك خروجاً غير مألوف عن مؤسسة لها صبغتها الدينية ومكانتها الرسمية، وهذا ما أعطاها هيبة وحصانة لدى الجميع.
هكذا تنامى التحريض على خطوات الدولة والمحسوبين عليها حتى بلغ ذروته عام 1994 - 1995م . فكان لا بد من اتخاذ موقف يحد من هذا الخطر الذي يزداد شيئاً فشيئاً، فأصدرت هيئة كبار العلماء القرار المشهور بتوقيف سفر الحوالي وسلمان العودة.
البث المباشر: حقائق وأرقام
يعتبر موضوع البث المباشر من النوازل التي شهدها زمن الصحوة، لذلك اهتم به رموزها لما له من أهمية كبرى، وأشهر من تكلم فيه وقدم عنه دراسة وافية بإحصاءات وأرقام دقيقة هو الداعية ناصر العمر في محاضرته المعنْوَنة بالبث المباشر قبل بداية التسعينيات، فمهّد بخطورة موضوع المحاضرة، وأسباب اختياره، وأنه اعتمد في مادتها على ما كتب وألقي بشأن نتائج التلفزيون والأفلام، ثم استخدم معه (قياس الأولى)، وبدأ بأهمية الإعلام في الحياة المعاصرة، ذاكرا إحصاءات مَهُولة بشان تأثير التلفزيون، وأنه لا يقارن بأي وسيلة في زمانه، وأن الهدف من التفصيل في هذا الجانب معرفة طُرق الشر خشية الوقوع فيه ولتحذير الناس منه، وعرّف بالبث المباشر ومرتكزات بثّه، وتطور الأقمار الصناعية، ثم ذكر الجديد في البث المباشر وآثاره، مبيّناً أنها لا تنفصل عن آثار الإعلام الخارجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحقق هذا الكاسيت صدى أذهل حتى العمر نفسه، حين قال "دعيت إلى إلقاء محاضرة عن الموضوع 1409هـ فشمّرت واجتهدت، وجمعت المصادر والمراجع، واستمعت إلى ندوة عقدت بشأن الموضوع، ثم ألقيت المحاضرة، ولم أكن أتصور بعدُ أنني كمن ألقى حجراً في ماء راكد، حيث أحدثت المحاضرة صدى كبيراً، وتوالت الأسئلة والاستفسارات، ودُعيت لإلقاء المحاضرات في الموضوع داخل المملكة وخارجها فألقيت ثماني محاضرات وألقيت ندوتين ... وكانت هناك رغبة في إخراج هذا الموضوع في رسالة أو كتاب ...".
وما زاد من رواج المحاضرة تلك الفتاوى التي صدرت من بعض كبار العلماء بعد ظهور البث المباشر بتحريمه، وأن من مات وقد تركه في بيته فهو غاشّ لرعيته، فعَدّ بعض المراقبين أمثال هذه الفتوى من نتائج المحاضرة وآثارها أو – في الأقل – انتصارا كاسحا لمن يتبنى خطابها.
وكان بين الذين ردوا على ما تضمنته المحاضرة من تجييش وترهيب من "الدش" كما يطلق عليه السعوديون الراحل الدكتور غازي القصيبي، وهذا ما جعل التيارالصحوي يصنفه أحد أعدائه البارزين.
صانعو الخيام
محاضرة لسلمان العودة تحدث فيها عن أخطار التنصير على المسلمين وعلى الجزيرة العربية خصوصاً، وعرض لبعض الوثائق والمخططات التي يقوم بها المنصِّرون المزعومون، والتي يهدفون من خلفها إلى تنصير السعوديين، وركز من خلال حديثه على شركة أرامكو وما يدور فيها من المؤامرات على حد زعمه!
وأثارت الاتهامات التي اطلقها العودة لغطاً كبيراً يومذاك، إذ يتناقض ما روى عن كل الذي عرفت به البلاد من حراسة الإسلام والتزام قيمه.
لكن الداعية عندما حوصر بالانتقادات تلو الأخرى، علق في محاضرة أخرى بالقول: "لقد فاتني في المجلس السابق أن أذكر لكم في محاضرة "صانعو الخيام" أن المحور السابع للتنصير هو حرب الصحوة الإسلامية بالتحالف مع العلمانيين!".
لسنا أغبياء بدرجة كافية
تمثل المرأة أحد المجالات الرئيسة لانشغال الخطاب الصحوي، فكان لرموزه صوتهم العالي في مواجهة ما يسمونه تغريب المرأة، وتجييش المجتمع لحراسة الفضيلة بما يشبه الاستنفار الدائم.
وجاءت محاضرة "لسنا أغبياء بدرجة كافية" في هذا السياق للداعية سلمان العودة على خلفية تظاهرة لمجموعة من السعوديات يطالبن بقيادة السيارة يوم الثلاثاء السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) 1990 في مدينة الرياض.
وكان رفض عمل المرأة في مجال التمريض، والهجمة على قيادة المرأة السيارة، لب الشريط الذي ألهب تحريضه في الجموع الحماسة والغضب. مشيراً إلى أن الهدف من موضوع قيادة المرأة ارباك العلماء وطلبة العلم وجعلهم في حيرة من أمرهم حتى لا يقر لهم قرار، وتحدث عن غزو منظم يحاك ضد السعودية وأهلها.
الشريط الإسلامي ما له وما عليه
بعدما أصبح "الكاسيت" سلعة رابحة ووسيلة تأثير غير عادية، استحق دعماً خاصاً من منظر الصحوة الأبرز في حينه سلمان العودة، إذ تطرق لأهمية مناقشة هذا الموضوع، وأسباب الحديث عنه، ثم تحدث عن ميزات الشريط الإسلامي، وأسباب انتشاره، وعن المعوقات التي تعرقل انتشاره وتأثيره ، ثم أفاض في ذكر السلبيات التي تؤخذ على الشريط الإسلامي، ذاكراً المقترحات التي من خلالها يمكن استخدام الشريط وسيلة دعوية، ثم تطرق إلى ما قامت به بعض الصحف من هجوم على الشريط الإسلامي، وهو ما بدا أنه "بيت القصيد" في الكاسيت الذي أصبح مرجعاً لكل من أراد السجال من الصحويين في سبيل الدفاع عن وسيلة إعلامهم المثلى.
وجاء الشريط في معرض الرد على غازي القصيبي الذي كتب مقالاً انتقد فيه سوق الشريط تحت عنوان "يوميات كاسيت"، إذ كانت زاويته في "الشرق الأوسط" حينذاك موجعة للصحويين لدرجة جعلت كل واحد منهم يخصص له سهماً من التهم في محاضراته وخطبه دون أن يسميه.
مما ذكره العودة في ذلك الشريط قوله على سبيل التهكم والسخرية: "من زمن حين ثارت قضية الحداثة نُشِرَ في جريدة اليوم في عددها رقم خمسة آلاف وثلاثمائة وتسعة وتسعين مقال بعنوان: فوضى الكاسيت، وتحدث المتحدث في هذا المقال، فجمع بين جلسات الطرب وجلسات الوعظ على حد سواء، وقارن الأغاني الغربية بالخطب العصماء على حد تعبيره، وأبدى امتعاضه من الرواج الكبير التي تلقاه الأشرطة الدينية كما يقول، وذكر أنها أصبحت نوعاً من التجارة الرابحة لدى الباعة الذين لا يريدون خيراً من وراء تسويق هذه الأشرطة كما يقول، وإنما هي متاجرة بالدين لا تليق بمسلم".
وأبدى غضبته من أن الكاتب وصف المتحدثين في تلك الأشرطة بأنهم "لا يعلم إلا الله مدى تمكنهم من الحديث والطرح الجاد لصالح الإسلام والمسلمين، فهو ينتقد أصحاب التسجيلات، وينتقد بعد ذلك الذين يتحدثون في تلك الأشرطة الدينية والخطب العصماء كما يسميها، ووصف ما يجري بأنه نوع من العبث، وأنه خطر داهم لا يمكن الاستهانة به، بل لا بد من التعامل معه بحزم حفاظاً على ماذا؟ ليس حفاظاً على سمعته الشخصية ولا على مكتسباته الحداثية، وإنما يقول: حفاظاً على نقاء الدين الإسلامي الحنيف، تبارك الله! هذه الغيرة الكبيرة ما عهدناها إلا حين جاءت قضية الشريط الإسلامي!" .
سهام في عين العاصفة
عنوان خطبة جمعة للداعية عائض القرني، حمل فيها على من سماهم العلمانين وحربهم على أهل الحق، حسب قوله.
وشكلت الخطبة فصلاً مهماً من مراحل المعارك والسجالات الدائرة بين القصيبي ورموز الصحوة في تلك الفترة من خلال السياق الذي جاءت فيه، لذلك لم يتأخر القصيبي في الرد عليها برسالة نشرها في كتابه الذي طبع في ما بعد بعنوان "حتى لا تكون فتنة "، وجّهها للشيخ عائض ونقض فيها الخطبة جملة جملة، ثم ختمها بنصح الشيخ ودعوته إلى لزوم الجماعة والكف عن الدعوة إلى تجريد السيوف.
ومما ورد في الرسالة: "مؤخراً وصلني شريط اسمه "سهام في عين العاصفة". ويتضمن هذا الشريط منوعات من الهجوم البذيء علي، من أخي الكريم عايض القرني الذي جبن عن ذكر اسمي الصريح، وبقيّته هجوم لأشخاص لم تُذكر اسماؤهم، ولهذا فسأهملهم، فما تعودت الحديث مع الأشباح وسأركز كلامي على ما قاله أخي الكريم عايض القرني فأبين ما ورد في كلامه من سقطات وزلات وأختم كلامي بنصيحة أرجو أن ينتفع بها وينتفع المسلمون".
وأضاف: مضيت تقول وعندي له قصاصات وملفات ووثائق!
أما القصاصات ففهمناها ، ولكن ماذا عن "الملفات والوثائق" ألم ينهك الله عز وجل عن التجسس؟! ألم يبلغك حديث النبي صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله اخواناً" إلى غير ذلك من السجال المدون.
وهنالك العديد من الأشرطة المتداولة في ذلك الحين وما جاء بعده، مثل شريط "شهيدة العصر" الذي رثى فيه محمد الهبدان رئاسة تعليم البنات، وصور دمجها في وزارة التعليم الخاصة بالذكور مؤامرة كبرى، وهذا ما جعله يدعو في خطبته التحريضية يومذاك إلى الاحتجاج ورفض القرار بشدة. كما أن هنالك أشرطة الداعيين محمد العريفي وإبراهيم الدويش وخطب الأول، إلا أنها لم ترقَ في تأثيرها إلى مستوى الصقور الكبار إبان حرب الخليج، وما قبلها.