ملخص
تاريخ تشكيل زجاج الصحراء الغريب المتميز بلونه الأصفر النادر يعود إلى 29 مليون عام، إلا أنه لم يكن من الواضح تماماً كيف وجدت هذه المادة على رغم وجود فرضيتين أساسيتين
سلط بحث علمي حديث الضوء من جديد على نوع من الأحجار الكريمة النادرة تتناثر في مساحة صغيرة ومحددة من صحراء ليبيا الشرقية، شفافة وبراقة وتشبه الزجاج ومنها اشتقت اسمها الذي تشتهر به "زجاج الصحراء الليبية".
يبدو هذا الكلام بداية عادياً وعن نوع عادي من أحجار الصحراء العجيبة، لكن التعمق قليلاً في تركيبة هذه الأحجار وطبيعتها يكشف أنها نوع نادر وباهظ الثمن، وترجح دراسات علمية متطابقة أنها تشكلت جراء سقوط نيزك في منطقة وجودها قبل ملايين السنوات.
بحث جديد
أحدث بحث علمي يظهر القيمة الباهظة لهذا الحجر الزجاجي النادر، نشره موقع the conversation الأسترالي الإثنين 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وبين فيه أن "هذا الزجاج الغريب وصف للمرة الأولى في ورقة علمية عام 1933، لجماله وندرته النسبية وغموضه". لافتاً إلى "اكتشاف قلادة في مقبرة الفرعون المصري توت عنخ آمون مصنوعة من هذا الزجاج".
هذا الزجاج الطبيعي بحسب الموقع العلمي الأسترالي، لا يقتصر فقط على مصر وليبيا، بل يوجد في أماكن أخرى من العالم، مثل فوهة ريس في أوروبا والتكتيت في ساحل العاج، ولكنه ليس غنياً بمادة "السيليكا" مثل زجاج الصحراء الليبية، ولا يوجد بهذه الكتل والكميات الكبيرة.
كما أوضح الموقع أن "تاريخ تشكيل زجاج الصحراء الغريب المتميز بلونه الأصفر النادر، يعود إلى 29 مليون عام، إلا أنه لم يكن من الواضح تماماً كيف وجدت هذه المادة على الأرض، على رغم وجود فرضيتين أساسيتين هيمنتا على أبحاث العلماء".
أصل محير
عالم الجيولوجيا والكواكب في جامعة كورتين بأستراليا، آرون كافوزي، قال إن "أصل هذا الزجاج كان موضوع نقاش مستمر حول ما إذا تشكل بفضل تأثير نيزك أو انفجار جوي (عندما تنفجر الأجسام القريبة من الأرض)، وتسرب الطاقة في الغلاف الجوي للأرض".
وأفاد الموقع بأن "فريق البحث، بقيادة كافوزي، فحص الحبوب الصغيرة من معدن الزيركون الموجود في عينات زجاج الصحراء الليبي، وأظهر الاختبار أدلة على وجود معدن آخر يسمى (reidite)، الذي تشكل أثناء ضغط وحرارة مرتفعة ويرتبط عادة مع تأثيرات النيازك وليس مع الانفجارات الجوية".
كافوزي خلص إلى أنه "يمكن لآثار النيازك والهجمات الجوية أن تسبب انصهار المعادن، ومع ذلك، فإن تأثيرات النيزك فقط هي التي تنشئ موجات صدمية تشكل معادن عالية الضغط"، لافتاً إلى أن "وجود معادن أخرى يشير إلى أنه نشأ نتيجة لتأثير نيزك".
نادر وباهظ الثمن
هذه ليست المرة الأولى التي تبرز فيها تقارير دولية قيمة وأهمية زجاج الصحراء الليبية، إذ سبق لرئيس قسم العلوم والتاريخ الطبيعي لدى دار "كريستينز" البريطانية الشهيرة للمزادات، جيمس هيسلوب، أن تحدث عن أصل زجاج الصحراء الليبية، في مقابلة مطولة نشرها موقع الدار على الإنترنت، في 17 فبراير (شباط) من العام الماضي، واصفاً إياه بأنه "كنز يصل سعر قطعة واحدة منه إلى 20 ألف دولار أميركي".
هيسلوب قال "نتيجة اصطدام كويكبات بالأرض منذ ملايين السنين تبلورت أجسام على شكل زجاج الصحراء الليبي، الذي شهد في الآونة الأخيرة ارتفاعاً في قيمته، هذا النتاج أتى لتأثر الصخور الأرضية بالنيازك العملاقة أو المذنبات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح رئيس قسم العلوم والتاريخ الطبيعي لدى دار كريستينز، أن "هذه الصخور تحطمت بعد ذلك وذابت، فيما يمكن أن تؤدي التأثيرات الأكثر نشاطاً إلى معادن جديدة بما في ذلك الماس"، مبيناً "إمكانية العثور على أثر الصدمات على أرضية فوهة الارتطام أو تحتها أو في الحافة أو على شكل مادة مقذوفة من الحفرة بعد الاصطدام".
وعن الفوهات التي يشتبه أنها نتجت من اصطدام نيازك وتكونت نتيجة لها عينات الزجاج الصحراوي، "فهي محصلة ارتطامات نيازك وصلت إلى درجات حرارة عالية جداً، ومن ثم تم تبريدها بسرعة كبيرة مع وجود تركيز عال لمادة السيليكا لدرجة تكفي لتكوين زجاج أكثر من الصخور المنصهرة الصلبة".
الأكثر شهرة
الزجاج الأكثر شهرة من هذه الأنواع النادرة، بحسب هيسلوب، هو ذلك الموجود في الصحراء الليبية الذي يأتي من المنطقة الحدودية بين مصر وليبيا، حيث حدث قبل 29 مليون عام اصطدام هائل بكويكب، وانصهرت رمال الصحراء في شكل زجاج، فمن المعروف أنه يفترض أن تزيد درجات الحرارة على 1600 درجة مئوية لإذابة الرمال.
وأكد أنه "على رغم استعادة كمية كبيرة من زجاج الصحراء الليبي، إلا أن الغالبية العظمى من العينات صغيرة نوعاً ما وليست جذابة وهي غير شفافة، فالقطع الكبيرة والشفافة مطلوبة بشكل أكبر، ويمكن أن يختلف لون الزجاج من الأبيض الفاتح إلى الأصفر الغامق اعتماداً على تمعدن المادة المنصهرة، واليوم يستخدم كثير منه في المنحوتات، إذ يعتمد القائمون على صناعة المجوهرات المواد الملونة بشكل خاص".
استنزاف مستمر
تنامي شهرة زجاج الصحراء الليبية، بالتالي ارتفاع الطلب عليه، تسببا في استنزافه بسرعة وبات العثور عليه أصعب من ذي قبل، ويكشف هيسلوب أنه "نظراً لشعبيته فإن المصدر آخذ في النضوب وسيصبح من الصعب العثور عليه، أما أكبر عينة معروفة من زجاج الصحراء الليبي التي قدمت في الدار حتى فبراير 2021، تزن 26 كلغ و400 غرام، وتتمتع بجودة نحتية رائعة تبدو مثل معدن (كريبتونيت) الخيالي".
شهرة قديمة
ومع أن شهرة الزجاج الصحراوي الليبي في العصر الحديث زادت في العقد الأخير فقط، إلا أن قيمته العالية كانت معروفة قبل ذلك بزمن طويل جداً وتحديداً في عصر الفراعنة في مصر، وهو ما تأكد عندما بدأ عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر في البحث عن كنوز توت عنخ آمون عام 1922، وجد صفيحة مزخرفة تصور الإله الفرعوني "رع"، وفي وسط هذا الدرع مجسم جعل مستدير "رمز خنفساء"، الذي عادة ما يقطع من الأحجار الكريمة التي كان المصريون القدماء يحتفظون بها.
هذا الجعل تبين بعد إجراء الدراسات أنه صنع من زجاج الصحراء الليبية النادر والثمين، كما أكد ذلك عالم المعادن الإيطالي فينتشنزو دي ميشال عام 1998.
وعلى النقيض من الزجاج الأكثر شيوعاً، فإن الزجاج الموجود في الصحراء الليبية يعد على نطاق واسع "الأكثر روعة"، كما يقول دي ميشال، وبالنظر إلى أن الزجاج اخترع بشكل رسمي عام 1500 قبل الميلاد، فإنه ليس من المستغرب أن تكون المادة الشفافة البالغة 20 مليون سنة ثمينة بما يكفي لوضعها في وسط صدرة الملك المصري الشهير توت عنخ آمون.
تعتيم محلي
الغريب أنه بعد إجراء بحث بسيط على الإنترنت تبين لنا أن هذا الحجر الثمين النادر والباهظ الثمن يعرض للبيع في أشهر المواقع الدولية بأسعار مرتفعة، من دون أن يعرف أحد كيف وصل إلى هناك، خصوصاً في ظل غياب أي ذكر له في القنوات الرسمية الليبية أو المجامع العلمية، على رغم شهرته الكبيرة عالمياً، ما يثير شبهة وجود تجارة غير مشروعة، نقلت هذا الكنز الثمين إلى أشهر المزادات العالمية.