ماذا يعني أن تشهد بيروت معرضين للكتاب خلال فترة شهر تقريباً؟ إلى أي جمهور أو قراء يتوجه هذان المعرضان في مرحلة عصيبة لبنانياً لا سيما مادياً أو إجتماعياً أولا، ثم ناهيك عن الحرب شبه المعلنة في الجنوب، الذي يرزح تحت القصف الإسرائيلي ويشهد حالا من النزوح البشري؟ ثم في مرحلة فلسطينية عصيبة حيال الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وينجم عنها ما يفوق التصور من قتل وضحايا وخراب؟
معرضان في مدينة منهكة، بالكاد تستطيع تحمل معرض واحد، إزاء استفحال الغلاء واضطراب الظروف السياسية والمالية، معرضان تصر الجهتان المنظمتان لهما على فرض نفسها، ولو على حساب الكتاب والنشر والقراء.
لم يبتعد المعرض الثاني الذي ينظمه النادي الثقافي العربي كعادته كل عام، والذي تحمل دورته الجديدة عنوان "أنا أقرأ بتوقيت بيروت" عن حسابات السياسة وشرذمتها، فهو يأتي بعد شهر من اختتام معرض لبنان الدولي للكتاب الذي نظمه اتحاد الناشرين اللبنانيين بدعم من وزارة الثقافة اللبنانية. الوزارة نفسها التي حشدت كل طاقاتها في المعرض المنصرم نجدها غائبة تماماً عن معرض بيروت، فلم يخصص لها جناح خاص ولم يذكر اسمها في الدعوات الموجهة للمشاركة في المعرض. غياب تام يطرح أسئلة عدة حول الصارع الناشب بين النادي الثقافي العربي المحسوب على رئاسة الوزراء واتحاد الناشرين المحسوب على رئاسة المجلس النيابي أو حركة أمل.
مغامرة الناشر والكاتب
يلفت سليمان بختي، مدير دار نلسن، في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إلى أن:" ليس هناك من أسباب دعت لإقامة هذه الدورة. هناك تقليد سنوي ينتظره الناشرون والجمهور وحركة النشر لبنانياً وعربياً، وبالتالي يجب ألا يغيب معرض النادي الثقافي العربي لأنه حاجة وضرورة ملحة، ولأن إنتاج الكتاب هو حركة مجتمع وصورة مدينة". ولدى سؤالنا عن فرضية وجود خلاف بين النقابة والنادي، يعقب بختي:" هذه الدورة هي الدورة ال٦٥ في تاريخ معرض الكتاب. ولا بد من إيجاد صيغة بعيداً عن المضاربة وقائمة على الحوار والتواصل. والنادي دأب على تنظيم المعرض سنوياً. وإذا كان هناك من خلاف فلا يحل إلا بالحوار وكل فريق يملك خبرته وأدواته. وفي النهاية إن أي تفكير في النيل من أي معرض للكتاب في بيروت، ينال من دور بيروت ومكانتها وعلاقتها الخاصة بالكتاب العربي".
وعن الجدوى من إقامة معرضين في مدينة منهكة كبيروت يجيب بختي:" بالمبدأ أنا مع فكرة معارض كثيرة في بيروت وحتى في المحافظات. ولكن المعرض الأخير الذي أقامته وزارة الثقافة بدا لنا غير مكتمل العناصر. وصادفته ظروف غير عادية لجهة حرب غزة. أنا بالتأكيد مع معرض موحد وفعال وقادر على مساعدة المدينة على استعادة دورها في الثقافة وفي تعزيز سبل التلاقي حول الكلمة والكتاب وبناء الإنسان". وفي أحوال القارئ العربي يختتم بختي:" الكتاب العربي اليوم هو مغامرة، جناحاها ناشر مجنون وكاتب حالم، هذه المعادلة تختصر القصة بأكملها".
إطلالة محلية
المعرض حتى الآن عبارة عن دورة بسيطة ومتواضعة، تغيب عنها دور نشر لبنانية أساسية ك"الساقي" و"هاشيت أنطوان" و"دار التنوير" ودار "الرافدين" التي جرى الحديث عن عدم رغبة المنظمين بمشاركتها في المعرض ومنع كتبها من المشاركة حتى عبر وكيل معين، نظراً إلى جهودها الأساسية في تنظيم المعرض السابق، إضافة إلى غياب المشاركات العربية أيضاً. من هنا يمكن القول إنها إطلالة محلية على عالم الكتاب في بيروت. ومما لا شك فيه أن حادثة الانقسام في معرضين تشكل ضربة للناشر اللبناني وحتى العربي المشارك، فالناشرون مجبرون بتكاليف حجوزات والمصاريف التي ينفقونها على مشاركتهم. في الوقت الذي يبدو واضحاً أن عدد القراء هو نفسه، لا بل قد يكون تضاءل مقارنة مع السنوات الماضية، علاوة على أحوال الضيق المادي التي تسود لبنان ومضاعفات حرب غزة.
من ناحيتها تجيب الناشرة نسرين كريدية المديرة التنفيدية لدار النهضة العربية قائلة أن:" المعرض الأخير كانت موفقاً وتجربته كانت رائعة وذات أثر، بحيث طغى عليها جو من الفخامة في التنظيم والترتيب والاهتمام الإعلامي". ولدى سؤالنا عن ضرورة قيام معرضين أكدت كريدية أن: "ليس هناك من خلاف بين الجهات المنظمة وإنما هناك اختلاف في الرؤى حول كيفية إقامة المعارض وحجم الدور المدعوة وعددها والصورة التي يجب تقديمها. وعلى الرغم من ذلك يبقى للنادي الثقافي العربي خاصيته وعراقته في احتضان هذه التظاهرة. ونتمنى طبعاً أن نصل إلى نسخة موحدة نجتمع كلنا تحتها كناشرين ونقدم أفضل ما لدينا".
وأضافت كريدية لدى سؤالنا عن الدعم الدي يمكن أن تتلقاه دور النشر حالياً: "الحقيقة أننا لا نتلقى أي دعم مادي من أحد. نعمل بجهدنا الخاص مثلنا مثل أي ناشر آخر. ونحن منفتحون على التعدد وإقامة معارض في كافة المناطق اللبنانية. شاركنا سابقاً في معرض تنوين في صور، وفي معرض إهدن وفي اللقاء الثقافي في بعلبك، هذه المشاركات في الوقت العصيب هذا، هي دليل سلامة وفأل خير ننتظره نحن".
على عكس معرض لبنان الأخير الذي رافقه ترويج إعلامي ضخم بوصفه الحدث الأول الذي يقام تحت هذا العنوان ومن تنظيم اتحاد الناشرين، يأتي معرض النادي الثقافي العربي بعدة بسيطة وتقليدية، على عراقتها ومكانتها، فهو "عميد المعارض العربية" ويعود تاريخه إلى عام 1956 وكان النادي الثقافي العربي هو دوماً منظمه والمشرف عليه. ولم تمنع الحرب الأهلية إقامته، ولم يغب عن بيروت سوى مرات قليلة نتيجة جائحة كورونا لسنوات ثلاث، وأيضاً في عام 2008 أيام الاحتجاجات المعروفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على هامش المعرض التقت "اندبندنت عربية" سوسن سلامة المديرة التنفيذية لمحترف أوكسيجين للنشر التي عرفتنا بهذا المحترف الذي "يأتي استكمالاً لتجربة مجلة أوكسجين الإلكترونية، وترسيخاً للأسس التي قامت عليها منذ أن أسسها عام 2005 الروائي والشاعر زياد عبدالله، وبالتالي فإن المحترف ينقل ممارساتها الإبداعية والتجريبية نحو الكتاب وعالم النشر الورقي".
وعن آخر الإصدارات وأبعاد المشاركة الأولى في معرض بيروت وآفاق الدعم تجيب سلامة:" تمويلنا ذاتي بالمطلق وليس لنا علاقة بأحد، ولا نكن بالولاء إلا للحياة والحرية والإبداع، ولا نعتمد في تمويلنا إلا على أنفسنا. نشرنا كتابين يوثقان لتجربة مجلة أوكسجين، ونرى أن أسماء مهمة عادت إلى النشر مع المحترف كما هو حال الشاعر العماني عبدالله الريامي من خلال مجموعته "جيش من رجل واحد"، كذلك الأمر مع المغربي عبد الإله الصالحي ومجموعته "سيرك الحب"، ورواية السوري علي عبدالله سعيد "سكّر الهلوسة"، والعماني محمود الرحبي "طبول الوادي" وعناوين وسلاسل أخرى لا يتسع المجال لتفصيلها بأكملها هنا".
أما الندوات والمحاضرات المرافقة للمعرض في دورته هذه، فبدت في معظمها هزيلة ومحلية جداً، وقد حاولت بعض الجهات استغلال حرب غزة وفلسطين لتنظم أمسيات ضعيفة تضم أسماء غير معروفة. ولعل أهم ندوة أقيمت هي التي تم فيها تكريم الصحافي الراحل طلال سلمان مؤسس جريدة "السفير" ورئيس تحريرها.