ملخص
محللة روسية ترى أن دول الغرب أرادت إحداث خفض في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 30 في المئة سنوياً وآمالهم لم تتحقق
روسيا نجحت في الإفلات من العقوبات عبر دعمها الروبل ورفع الفائدة وتجاهل سعر سقف النفط وتعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية وتحويل دفوعاتها إلى اليوان
من الواضح أن الاقتصاد الروسي أظهر قوة ومرونة في التكيف مع التحديات الاقتصادية الراهنة التي خلقتها العقوبات الغربية على روسيا، التي تم تصميمها بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 لشل اقتصاد البلاد، وإضعاف قدرة موسكو على تمويل الآلة الصناعية العسكرية، إذ أظهرت تقديرات هيئة الإحصاءات الحكومية "روستات" أن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا نما بنسبة 5.5 في المئة في الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، عندما انكمش بنسبة 3.5 في المئة، وهو نمو تجاوز في واقع الأمر اقتصادات الدول التي فرضت الحصار على روسيا وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.
روسيا وباعتراف الغرب نجحت في تجاوز الآثار التي كان يمكن أن تكون مدمرة لاقتصادها والتكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية والتحديات السياسية، ومع ذلك، يتبقى أن يتعامل الاقتصاد الروسي مع تحديات مستقبلية، بخاصة مع توجهات الغرب لفرض مزيد من العقوبات، مما يستدعي متابعة التحليل والرصد لفهم كيف ستتطور الأمور، بخاصة في ظل التغيرات المستمرة في العلاقات الدولية والديناميات الاقتصادية العالمية.
روسيا استعدت للعقوبات الغربية منذ ضم القرم
وقالت المستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، إلينا سوبونينا، في تصريحات لــ"اندبندنت عربية"، إنه على رغم العقوبات الغربية يظهر الناتج المحلي الروسي المتوقع بنسبة 5.5 في المئة لهذا العام ارتفاعاً ملحوظاً، وهو ما يعكس مرونة الاقتصاد الروسي في التكيف مع الظروف الراهنة.
هذا يعني على حد قولها، أن العقوبات الغربية التي فرضت لم تؤثر في روسيا كما أريد لها. وتضيف سوبونينا أن دول الغرب أرادت إحداث خفض في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 30 في المئة سنوياً، ولكن هذا الهدف لم يتحقق، ولكن على العكس تماماً روسيا تحقق اليوم نمواً اقتصادياً.
وتدرك سوبونينا بوجود بعض الصعوبات الاقتصادية، قائلة إن هناك نقصاً في بعض البضائع، ووجود صعوبات في التحويلات المالية في التبادلات التجارية، ولكن بشكل عام الأمور جيدة، كما تصفها. من جانب آخر، تشير إلى أن المواطن الروسي لا يشعر بوجود آثار ضارة ناجمة عن العقوبات، ويمكن أن تفهم هذه التصريحات على أن السياسات الاقتصادية والتكيف الحكومي تستهدف تقليل التأثير السلبي المحتمل للعقوبات على المواطنين والاقتصاد الروسي بشكل عام.
تظهر تصريحات سوبونينا، تفاؤلاً كبيراً حيال قوة الاقتصاد الروسي وقدرته على التكيف، ويعكس توضيحها الصعوبات البعيدة عن التحليل العام للوضع الاقتصادي الروسي، إذ تشير إلى نقص في بعض السلع وصعوبات في بعض التحويلات المالية.
وتبين تصريحات المستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية أن هناك عديد الأسباب تفسر قدرة ونجاح روسيا في مواجهة الضغوط التي فرضتها العقوبات الغربية، ويمكن تلخيص تلك الأسباب في التحضير المبكر، إذ بدأت روسيا التحضير لمواجهة العقوبات منذ عام 2014 عندما ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، بناءً على الاستفتاء الشعبي هناك. وأشارت سوبونينا إلى أن موسكو كانت تدرك إمكانية فرض عقوبات عليها من قبل أميركا وحلفائها في أوروبا في ذلك العام، وهو ما حصل بالفعل، وتزايدت وتيرة العقوبات تدريجاً عاماً بعد عام، لتصل إلى ذروتها بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في عام 2022.
142 مليار دولار في صندوق الرعاية الوطنية
ووفقاً للمستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، اتخذت روسيا عديد الإجراءات لدرء تأثير العقوبات، الأولى، رفع رصيد صندوق الرعاية الوطنية إلى 142 مليار دولار أميركي، وهو صندوق تم تأسيسه عام 2008، وهذا الرصيد يستخدم اليوم من قبل الحكومة الروسية لتقديم المساعدات الاجتماعية والمالية للأفراد الذين يحتاجون إليها، إضافة إلى تكريم الضباط والجنود والعمال الذين أسهموا في العمليات الروسية في أوكرانيا، وثانياً، قامت روسيا بإنشاء نظام مالي خاص بها، إذ توقعت فصلها من نظام "سويفت" العالمي، الذي يسهل انتقال الأموال بشكل سريع عبر الحدود، واستجابت روسيا بهذا السيناريو بإنشاء نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS) الخاص بها، كبديل لنظام "سويفت"، وبدأت باستخدامه في التبادل المصرفي، ويعتبر هذا الإجراء استراتيجياً للغاية لضمان استمرارية التداول المالي في ظل العقوبات. وقالت سوبونينا، إن روسيا اخترعت هذا النظام المصرفي قبل العملية العسكرية في أوكرانيا، وهو يستخدم داخل البلاد وأيضاً في تجارة موسكو مع دول أخرى في العالم وبخاصة مع الصين، وهو ما يؤكد أن روسيا لا تتكيف فقط مع التحديات الراهنة بل وتبتكر حلولاً ذكية تعزز استقلالها المالي والاقتصادي.
وقالت سوبونينا، إن تطوير العلاقات الدولية لروسيا يمثل جانباً مهماً في تعاملها مع التحديات الحالية، إذ لدى روسيا شبكة علاقات واسعة مع عديد الدول، ومن بين هذه العلاقات يمكن التركيز على العلاقات مع تركيا والصين ودول الخليج.
وتحدث سوبونينا بشكل خاص عن العلاقات الروسية الصينية القوية، قائلة إن عام 2014، شهد توقيع روسيا لعقد مهم جداً مع الصين في مجال الغاز، واعتماداً على هذا العقد بني أنبوب للغاز يمتد من موسكو إلى بكين في عام 2019، وبدأ العمل به ويتوقع أن يضخ 38 مليار متر مكعب من الغاز، وتخطط لبناء أنبوبين جديدين للغاز مع الصين أحدهما سيكون مباشراً من روسيا للصين، والآخر سيكون عبر منغوليا. وتقول سوبونينا إن الدعم السياسي الصيني في تطوير العلاقات التجارية بين البلدين لعب دوراً كبيراً على رغم العقوبات الغربية.
وتقول سوبونينا، إن ثمانية أعوام منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014، كانت كافية جداً لتفكر وتخطط روسيا في البحث عن بدائل وإجراءات لمواجهة العقوبات الغربية التي كانت تتوقعها، وترى أن بلادها نجحت في هذا الأمر، قائلة إن موسكو تعمل اليوم على تكوير وتعزيز إنتاجها المحلي كي تحل محل بعض البضائع المستوردة، وهو أيضاً عامل لعب دوراً مهماً في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
وختمت سوبونينا حديثها بالقول، إن الدول الغربية لا تزال تشتري الغاز الروسي على رغم العقوبات التي تفرضها على روسيا ولكن من طريق الوسطاء، في إشارة إلى أنه لا غنى للغرب عن النفط الروسي، وهو ما أكدته أزمة الغاز التي اجتاحت أوروبا في فصل الشتاء في الأعوام القليلة الماضية.
وما يؤكد حديث سوبونينا، عن شراء الغرب للنفط الروسي عبر وسطاء، ما كشفت عنه صحيفة "واشنطن بوست"، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في تقرير مطول يرصد تفاصيل وصول المنتجات النفطية الروسية المكررة إلى البنتاغون عبر مواصلة المنتجات النفطية الروسية التدفق إلى مصفاة موتور أويل (هيلاس) على بحر إيجه في اليونان، وهو ما أظهره فحص لبيانات الشحن والتجارة.
وكشفت الصحيفة عن اتخاذ هذه الشحنات للتو طريقاً جديداً، على بعد مئات الأميال من الطريق عبر منشأة لتخزين النفط في تركيا، وهي رحلة حجبت بصمة روسيا إذ انتقلت ملكية المنتجات مرات عدة قبل وصولها إلى اليونان.
ونقلت الصحيفة عن مصمم نماذج مصافي التكرير ومحلل سوق الوقود المكرر في شركة الأبحاث "آر بي أن إنيرغي"، روبرت أويرز، والذي فحص نتائج الصحيفة، قوله "لا أرى أي استنتاج محتمل آخر سوى أن الوقود الروسي يذهب إلى شركة موتور أويل هيلاس، والشركة وهي أحد الموردين الرئيسن للبنتاغون".
وأظهرت بيانات التعاقدات الفيدرالية أن البنتاغون وقع عقوداً جديدة بقيمة مليار دولار تقريباً مع المصفاة اليونانية منذ دخول الحظر الأميركي حيز التنفيذ في مارس (آذار) من العام الماضي.
ومنذ فبراير الماضي، ذهب أيضاً أكثر من مليون برميل من وقود الطائرات من شركة "موتور أويل" (هيلاس) إلى مشترين حكوميين وشركات في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا، وفقاً لسجلات الشحن.
العقوبات حصنت روسيا أكثر
وقالت مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي"، في تقرير لها صدر في مايو (أيار) الماضي، إن الكرملين حطم كثيراً من الأرقام القياسية أخيراً، فمنذ الهجوم الروسي على أوكرانيا العام الماضي، أصبحت روسيا خاضعة لأكثر من 13 ألف قيد وهذا أكثر من إيران وكوبا وكوريا الشمالية مجتمعة. وتعتقد "كارنيغي" أن تلك العقوبات غيرت بشكل جذري طريقة عمل الكتلة الاقتصادية للحكومة الروسية، وإن كانت بطريقة غير جيدة، كما تقول.
وأضافت أنه على رغم نظام رأسمالية الدولة المعمول به في روسيا، قبل الحرب، فقد كانت سياستها الاقتصادية تركز إلى حد كبير على التطور التكنولوجي، وتنويع الصادرات بعيداً من اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري، وحرية حركة رأس المال نسبياً، والآن كما تقول تم استبدال هذه العناصر بضوابط رأس المال، وتصنيف الدول على أنها صديقة أو معادية، وتحويل المدفوعات إلى اليوان، وعسكرة الإنفاق في الموازنة، مستبعدة احتمال حدوث أي تغيير في الخطط الروسية لفترة طويلة قادمة. وترى أنه من عجيب المفارقات أن العقوبات الغربية على روسيا أدت إلى تعزيز حصن روسيا في الأمد القريب من خلال عزلها عن الصدمات العالمية، في حين أضعفتها في الأمدين المتوسط والطويل.
وسارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أعقاب الحرب على أوكرانيا إلى إطلاق موجات جديدة من العقوبات رداً على ذلك، مما أدى إلى تجميد احتياطات روسيا من النقد الأجنبي والذهب والحد من قدرة البنك المركزي الروسي على استخدام الدولار واليورو.
عمليات شراء كبيرة للذهب
حصنت روسيا نفسها أيضاً بالذهب، الذي يعتبر الملاذ الأمن في الأزمات، فبحسب آخر تقرير لمجلس الذهب العالمي، اشترى البنك المركزي الروسي ثلاثة أطنان من المعدن في الربع الثالث من هذا العام، وفي أوائل أغسطس (آب) الماضي، استأنفت روسيا شراء العملات الأجنبية والذهب، ولكن لم ترد أي معلومات أخرى حول حجم أو توقيت أي مشتريات للذهب في المستقبل وفق ما قال المجلس.
وبحسب شركة البيانات "سي آي أي سي" تم الإبلاغ عن احتياط الذهب الروسي عند 148.680 مليار دولار أميركي في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ويمثل هذا زيادة عن الرقم السابق البالغ 140.499 مليار دولار أميركي لشهر سبتمبر (أيلول) 2023، ووصلت قيمة تلك الاحتياطات إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 148.680 مليار دولار في أكتوبر الماضي، مقارنة بأدنى مستوى قياسي عند 2.327 مليار دولار أميركي في يونيو (حزيران) 1995.
العقوبات لم تقطع الإمدادات عن روسيا
ولكن ماذا عن تداعيات العقوبات على خطوط الإمداد التجارية الروسية؟ لقد وجد تقرير حديث بعنوان "تحت الرادار: كيف تتغلب روسيا على العقوبات الغربية بمساعدة جيرانها"، الذي تم إعداده لصالح برنامج أبحاث الجريمة المنظمة الخطرة وأدلة مكافحة الفساد (SOC ACE)، بتمويل من وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في بريطانيا، أن البيانات المتاحة تظهر وجود تحولات غير متوقعة في أحجام التجارة مع دول محيطة بروسيا. وتحدث التقرير عن خرق للعقوبات المفروضة على روسيا، التي تعد مشكلة كبيرة، إضافة إلى تقارير منشأ البضائع والمعلومات المرسلة والتي تفتقر إلى الدقة، مما يسهم على حد قول التقرير، في تعقيد رصد ومراقبة تحركات التجارة الدولية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول التقرير، إن هناك استنتاجات حول وجود تحولات غير متوقعة في أحجام التجارة مع دول محيطة بروسية، ويعترف بوجود مشكلة كبيرة في خرق العقوبات المفروضة على روسيا، وإلى وجود نقص في الشفافية في تقارير منشأ البضائع والمعلومات المرسلة، مما يعقد على حد قول واضعي التقرير عملية رصد ومراقبة حركات التجارة الدولية. وأشار التقرير إلى أن الاستنتاجات التي خرج بها تسلط الضوء على التحديات التي تواجهها جهود فرض العقوبات، داعياً إلى ضرورة تعزيز الشفافية في مجال التجارة الدولية.
وقال التقرير الممول من وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في بريطانيا، "أظهر بحثنا أن العقوبات لم تقطع الإمدادات عن روسيا ولكنها بدلاً من ذلك مكنت شبكات التجارة والوسطاء من مختلف الأنواع من خلال خلق مصادر دخل إضافية لهم"، مشيراً إلى أنه "في بعض الحالات، من المحتمل إعادة تصدير البضائع العابرة إلى روسيا بموافقة ضمنية من المنتجين الغربيين الذين التزموا رسمياً القيود التجارية الجديدة، فيما تغض الدول المجاورة لروسيا الطرف أو تتستر بشكل نشط على عبور العلامات التجارية والخدمات الخاضعة للعقوبات عبر أراضيها.
ووجد الباحثون في التقرير أيضاً أن جورجيا وكازاخستان كانتا تسهلان عبور وإعادة تصدير المنتجات الروسية الخاضعة للعقوبات إلى دول ثالثة، بما في ذلك النفط والخشب والقمح، مما كان يساعد في تمويل الجيش الروسي بينما أثبتوا زيادات كبيرة في الدخل لبلدانهم.
وفي التقرير، يقدم الأكاديميون سلسلة من التوصيات للمساعدة في مكافحة نظام التهرب من العقوبات، بما في ذلك تشجيع الشركات في الغرب على بذل مزيد من العناية الواجبة الشاملة تجاه الكيانات الشريكة في البلدان المجاورة لروسيا، مما يزيد من أخطار سمعة العلامات التجارية في مساعدة العقوبات، وكذلك التصدي للتهرب، والتعامل مع الحكومات في القوقاز وآسيا الوسطى لتعزيز التدقيق في التجارة التجارية وإعادة التصدير.
المركزي الروسي رفع الفائدة
تسببت العقوبات الغربية على روسيا في خفض الروبل ومع استمرار هذا الخفض، رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة أربع مرات منذ أغسطس الماضي، ليصل إلى 15 في المئة، ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق من الشهر نفسه، مرسوماً يجبر 43 شركة على بيع بعض عائداتها من العملات الأجنبية في السوق المحلية.
قيود روسية لدعم الروبل
وعندما بدأ الروبل يضعف في يوليو (تموز) الماضي، بسبب تداعيات العقوبات الغربية على روسيا، فرضت السلطات للمرة الأولى قيوداً على الطرق التي يمكن للشركات الخارجة من البلاد أن تأخذ معها عائدات البيع وفقاً لوثيقة نشرتها اللجنة الفرعية الحكومية المعنية بالاستثمارات الأجنبية.
وعرض على الشركات الغربية خياران عند بيع أصولها بالعملات الأجنبية، تحويل الأموال إلى حساب مقيد للغاية من النوع "C" في أحد البنوك الروسية أو تحويل العائدات إلى حساب في الخارج، وفي هذه الحالة يتم سداد المبلغ على عديد من الأقساط، وبدلاً من ذلك، يمكن للبائع صرف الأموال بالروبل وتسلم المبلغ بالكامل على الفور في حساب مصرفي روسي عادي.
ومنعت موسكو الشركات الغربية التي تبيع أصولها في روسيا من سحب العائدات بالدولار واليورو، وفرضت ضوابط إضافية على العملة بحكم الأمر الواقع في محاولة لدعم الروبل الضعيف، إذ سيكون على الشركات الغربية التي تخرج من روسيا أن تتفق على سعر البيع بالروبل، وفي حال أصر البائعون على تلقي العملات الأجنبية، فسيواجهون تأخيرات وحتى خسائر في المبالغ التي يمكن تحويلها إلى الخارج.
تحويل المدفوعات باليوان
وشكل اليوان الصيني مخرجاً للمدفوعات الروسية بعدما تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في إعاقة وصول موسكو إلى النظام المالي العالمي. ووفقاً لدراسة حديثة للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ارتفعت الواردات الروسية التي يتم سداد فواتيرها باليوان الصيني إلى 20 في المئة في 2022 مقابل ثلاثة في المئة قبل عام، وبحسب الدراسة البحثية للبنك، مثلت المدفوعات باليوان 63 في المئة من الواردات من الصين بنهاية عام 2022، ارتفاعاً من نحو الربع في عام 2021.
وبحسب تصريحات النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، أندريه بيلوسوف، خلال اجتماع اللجنة الحكومية الصينية الروسية للتعاون الاستثماري، الذي انعقد في بكين نوفمبر الجاري، فإن 95 في المئة من جميع التعاملات التجارية بين البلدين تتم بالروبل واليوان.
وتضغط روسيا أيضاً من أجل استخدام العملات الوطنية في التجارة مع الدول الأخرى في إطار سعيها لإنهاء الاعتماد على اليورو والدولار.
36 مليار دولار من الاحتياطات الدولية
وواصلت روسيا أيضاً تحصين نفسها عبر تعزيز احتياطاتها من العملات الأجنبية، التي بلغت 569.6 مليار دولار حتى 20 أكتوبر الماضي، وبحسب ما أفاد البنك المركزي الروسي، ووفقاً للجهة التنظيمية، ارتفع حجم الاحتياطات الدولية بمقدار 3.6 مليار دولار أو 0.6 في المئة، في الأسبوع الذي بدأ في 13 أكتوبر الماضي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى "إعادة تقييم السوق بشكل إيجابي". ووصل المخزون إلى مستوى تاريخي بلغ 643.2 مليار دولار في 18 فبراير 2022.
ومع ذلك، جمدت ما يقارب نصف الممتلكات من قبل البنوك المركزية الغربية في مارس الماضي، كجزء من العقوبات المتعلقة بأوكرانيا.
وإضافة إلى تجميد الأموال، حظرت الدول الغربية العمليات المتعلقة بإدارتها، أما الأصول المتبقية المكونة من الذهب والعملة الأجنبية، وكذلك اليوان الصيني، فهي موجودة داخل البلاد.
وفي العام الماضي، ساعدت الضوابط الكاسحة على رأس المال، والارتفاع الطارئ لأسعار الفائدة، والزيادة السريعة في إنتاج الأسلحة والصواريخ والدبابات التي سيتم استخدامها ضد أوكرانيا، الاقتصاد الروسي على تحدي التوقعات بوصول الناتج المحلي الإجمالي لرقم ثنائي.
سعر السقف الغربي سيفقد تأثيره
واليوم يكاد يجمع الغرب أنفسهم على أن الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي، وقدره 60 دولاراً، الذي وضعه الغرب لحرمان موسكو من وسائل تمويل حربها في أوكرانيا، قد بدأ يفقد تأثيره بشكل متزايد. وتشير الأدلة الأحدث إلى أن هذا التأثير ينعكس في تضاعف إيرادات ضرائب النفط والغاز في الموازنة الروسية في أكتوبر مقارنة بسبتمبر الماضيين، إذ ارتفعت بأكثر من الربع مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، مما يعكس تحولاً صارخاً عن بداية العام عندما تراجعت إيرادات الطاقة.
وكان من المتوقع أن يحقق سقف الأسعار، الذي فرض على روسيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، هدفين مزدوجين، ضمان تدفق النفط الخام الروسي إلى الأسواق العالمية من ثم إبقاء أسعار البنزين منخفضة، ومن ثم خفض عائدات موسكو عن كل برميل يتم بيعه.
وقالت، إن الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على ناقلتين في أكتوبر الماضي، لانتهاكهما قواعد العقوبات للمرة الأولى، كاشفة عن قيام الولايات المتحدة بالتحضير لتحركات إضافية مع حلفائها لضمان امتثال التجار للقواعد.
ويساعد تدفق الإيرادات الأخير من صادرات النفط في تقليل العجز في موازنة روسيا، ويعتقد الاقتصاديون حالياً أن الحكومة الروسية قد تصل إلى هدف العجز المستهدف البالغ اثنين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل ذلك على تخفيف الضغوط على حاجات التمويل الحكومية ويقلل من الحاجة إلى استنزاف المدخرات وإصدار سندات بكلفة عالية، وإضافة إلى ذلك، يعمل التحسن في الوضع التجاري لروسيا على تقليل بعض الضغوط الهبوطية على قيمة الروبل مقابل الدولار.
معظم الشركات الروسية تكيفت مع العقوبات
ويبدو أن معظم الشركات الروسية نجحت في تجاوز الأسوأ في تلك العقوبات، وأعادت إنتاج نفسها، ودفعتها الحرب لأسواق جديدة مجزية في العالم، إذ تشير نتائج استطلاع الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال (RSPP)، الذي شمل آراء 150 شركة روسية عاملة في مختلف قطاعات الاقتصاد في البلاد، أن غالبية الشركات الروسية نجحت في التكيف مع الظروف المحيطة بفعل العقوبات الغربية.
ووفقاً للاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال، نجحت معظم الشركات في استبدال الموردين الغربيين بمصنعين محليين أو منتجين من "دول صديقة". ويشير مصطلح "الصديقة" إلى الدول التي لم تفرض عقوبات على روسيا في ما يتعلق بالصراع الأوكراني.
ويظهر هذا التكيف أن الشركات الروسية تعتمد على الأسواق المحلية وعلى العلاقات مع الدول التي لم تشارك في فرض العقوبات للتعامل مع التحديات الناجمة عن العقوبات الغربية، ويعكس ذلك جهود الشركات للبحث عن حلول بديلة ومستدامة في ظل تغيرات السوق الدولية.