ملخص
يمتلك السودان 6 سدود رئيسة على نهر النيل شيدت لأغراض متنوعة مثل توليد الكهرباء والري وحماية الأراضي والناس من الفيضانات واستخدمت في مشاريع متنوعة
منذ حوالى قرن، كان نظام الحكم الثنائي الإنجليزي- المصري في السودان يحاول إبراز قوته السياسية والاقتصادية من خلال تعزيز مركزية السدود على نهر النيل وروافده واستغلالها في مشاريع التنمية المختلفة، ومرت بعده عهود وطنية مختلفة، خصوصاً الأنظمة العسكرية التي حاول قادتها صياغة علاقة بين هذه السدود وسلطتهم السياسية، وعلى رغم أن بعضها رأى النور في عهد نظام الرئيس السابق عمر البشير، إلا أن الدراسات التي أعدت لتنفيذها سبقت مجيئه بعقود.
صادف عقد التسعينيات بحث النظام عما يرسخ به وجوده، لا سيما في ظل الجدل الدولي حول الأضرار التي تحدثها السدود بالبيئة والتي تلحق بالمجتمعات المحلية، مع عدم إغفال أهدافها وأهميتها المتمثلة في توليد الطاقة وتقليل خطر كوارث الفيضانات الموسمية. ونسبة لإمكانات السودان المتعددة لتوليد الطاقة الكهرومائية، فإن السدود وفرت من ناحية أخرى فرصة كبيرة للاستثمار في البنية التحتية، بينما حاولت النظم الحاكمة، خصوصاً النظام السابق، إعادة إحياء الاقتصاد السياسي من خلال التركيز على هويته.
يمتلك السودان ستة سدود رئيسة على نهر النيل، شُيّدت لأغراض متنوعة مثل توليد الكهرباء والري وحماية الأراضي والناس من الفيضانات، واستخدمت في مشاريع متنوعة مثل مزارع الأسماك في بحيرات السدود، وعليه فإن تشييد السدود السودانية بأهدافها المختلفة، يصدق عليها الوصف السائد بأنها "إعادة رسم المشهد الطبيعي بتكثيف خلق الريع".
سد سنار
أنشأ المستعمر البريطاني سد سنار في 1925 واستغرق بناؤه أربعة أعوام، وهو سد كهرومائي في مدينة سنار على مجرى النيل الأزرق، ويبعد من العاصمة الخرطوم حوالى 300 كيلومتر، وكان إنشاؤه بغرض ري الأراضي الزراعية في مشروع الجزيرة ومد العاصمة الخرطوم بالكهرباء، ويستفاد حتى الآن من التخزين في توليد الطاقة الكهربائية الهيدروليكية التي تقدر إنتاجيتها بحوالى 14 ميغاواط وتغطي أكثر من 80 في المئة من استهلاك الولاية ويغطي العجز من الشبكة القومية للكهرباء في السودان.
وصمم السد الذي يُعد أقدم السدود المائية التي أقيمت في البلاد، المهندس الإنجليزي ستيفن روي شيرلوك، واستلزم إنشاؤه موافقة مصر مقابل موافقة السودان على قيام خزان جبل أولياء لمصلحة مصر.
تبلغ سعة بحيرة السد نحو 390 مليون متر مكعب من المياه وتمتد لمسافة تزيد على خمسة كيلومترات جنوباً، وتبلغ طاقته 15 ميغاواط، ويضم 80 بوابة تصريف ذات مستوى منخفض لتنظيم مخزون السد، ويحوي قنوات للري عند المصب، ويوفر خزانه مياه الري الانسيابي لمشروع الجزيرة والمناقل الذي يُروى بواسطة شبكة مكثفة من القنوات بطول 10 آلاف كيلومتر، ويرفع منسوب المياه اللازم لمشاريع الري بالمضخات بالنيل الأزرق في الأراضي الواقعة أمام الخزان وخلفه. وكذلك تُروى المشاريع التابعة له بواسطة الري بالجاذبية باستخدام المضخات، وهي مشاريع شركات النيل الأزرق الزراعية ومشروع السوكي وامتداد المناقل ومشروع سكر غرب سنار ومشروع الرهد الزراعي.
لسد سنار آثار اقتصادية كبيرة، فأسهم في إنتاج المحاصيل الرئيسة مثل القمح والفاصولياء والقطن الذي كان يُصدر إلى مصانع "لانكشير" في بريطانيا وبعض المصانع الأوروبية، ولم تكن له آثار اجتماعية سلبية بسبب صغر حجم البحيرة وقلة السكان حولها.
سد جبل أولياء
أُنشئ سد جبل أولياء الحجري على النيل الأبيض عام 1937على بعد 44 كيلومتراً جنوب العاصمة الخرطوم، وكان غرضه الأساسي سد حاجة مصر من المياه في فترة الجفاف وتقديم الدعم المائي لها، ورفع مناسيب المياه خلف جسم الخزان وأمامه لري مشاريع النيل الأبيض الزراعية ومشاريع المضخات شمال الخزان، فطلبت مصر من المفوض السامي البريطاني إنشاءه وكُلفت ببنائه شركة "جيبسون بولينغ" مع عدد من شركات الاستشارات الهندسية.
وافقت بريطانيا ولم تمانع بأن يكون خزان جبل أولياء تحت إدارة القاهرة وإشرافها من دون تدخل من حكومة السودان الإنجليزي- المصري، وأن تكون مياهه لاستخدام مصر بحسب اتفاق مسبق برغبة الإدارة البريطانية في إنشاء سد سنار الذي اعترضت عليه مصر حينها، فاقترحت الإدارة البريطانية تعويضها بسد جبل أولياء.
وبعد إنشاء السد العالي عام 1963، تم تسليم إدارة سد جبل أولياء إلى السودان في 1977. يبلغ طول السد حوالى خمسة كيلومترات ما بين جبل أولياء وجبل مندرة، ويصل ارتفاعه إلى 22 متراً، وتقدر طاقته التخزينية بحوالى 3.5 مليار متر مكعب، وتبلغ طاقته الإنتاجية القصوى من الكهرباء نحو 30 ميغاواط، ويبلغ عدد بوابات التصريف ما يقارب 40 باباً أساسية و10 بوابات احتياطية.
وفي 2003، نفذت الحكومة السودانية مشروعاً لتوليد الكهرباء من السد بطاقة 30 ميغاواط، ورفع السد مستوى المياه ليروي المشاريع الزراعية على النيل الأبيض من حوله في مناطق أبو قوتة والفطيسة والحشبة وأم جر والدويم عبر المضخات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسهم السد وخزانه في توفير المياه لمشاريع السكر والمشاريع الزراعية وتعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة جبل أولياء، كما يعمل على إعاقة مرور الأعشاب الضارة عبر النهر. ويُذكر أن مصر دفعت تعويضات لسكان المنطقة الذين اضطروا إلى النزوح وهجر منازلهم بسبب إغراق أراضيهم الزراعية بمياه بحيرة السد.
برز اتجاه يدعو إلى إزالة الخزان الذي تنتج من بحيرته الكبيرة نسبة عالية من التبخر تقدر بحوالى ملياري ونصف مليار متر مكعب من المياه سنوياً، ولكن هناك اتجاهاً آخر رفض مقترح الإزالة لأنه يساعد في احتجاز أعشاب النيل حتى لا تنتقل عبر مجراه إلى سد مروي شمالاً، إضافة إلى المخاوف القانونية من ملاك أراضي السد القدامى الذين نالوا تعويضات عليها.
سد خشم القربة
أنشئ سد خشم القربة الخرساني على نهر عطبرة، على بعد 560 كيلومتراً شرق الخرطوم ونحو 80 كيلومتراً غرب مدينة كسلا. وبعدما أعدت شركة "سوجريا" الفرنسية تصميمه الهندسي، تولت شركة "تورنو" الإيطالية أعمال البناء عام 1961 واكتمل في 1964، وكان الغرض منه توفير مياه الري لمشروع خشم القربة الزراعي الخاص بتنمية منطقة خشم القربة وحلفا الجديدة التي أُنشئت لإعادة توطين سكان وادي حلفا الذين تضرروا من بناء السد العالي في مصر، بعد أن غمرت بحيرة السد التي يُطلق عليها اسم "النوبة" في السودان و"ناصر" في مصر، قراهم ومناطقهم الزراعية، وكذلك لتوليد الطاقة الكهربائية لخدمة المنطقة ودعم شبكة الكهرباء.
بلغت طاقة السد التخزينية حوالى 1.3 مليار متر مكعب، ثم انخفضت بسبب الطمي، ويبلغ عدد الأبواب الرئيسة لصرف مياه الفيضان سبعة، وتشمل أبواب الراحة وأبواب السطح إضافة إلى أربع مضخات تعويضية للعمل عندما يكون منسوب بحيرة السد أقل من مدى سحب المضخات. ولكن مجمع سدي أعالي عطبرة وستيت أسهما في دعم هذه الطاقة. ونسبة إلى كبر حجم الترسيب في نهر عطبرة وللمحافظة على سعة الخزان التصميمية، تتم عملية غسيل سنوية لإزالة الأطماء المترسبة أمام الخزان. ويروي خزان خشم القربة حوالى 1820 كيلومتراً في مشروع حلفا الجديدة الزراعي، امتدت إلى خارج مناطق المُهجّرين من وادي حلفا لأن السد يحوي قنواتٍ للري عند المصب، ويروي أيضاً جميع المشاريع التابعة له بواسطة الري بالجاذبية باستخدام المضخات، مما أسهم في اتساع الرقعة الزراعية واستقرار المنطقة، وساعد مشروع السكر في مدينة حلفا الجديدة على زيادة تنمية المنطقة.
سد الروصيرص
شُيد سد الروصيرص وهو سد خرساني كهرومائي في مدينة الروصيرص على نهر النيل الأزرق عام 1952، وانتهت المرحلة الأولى في 1966 وتم ربط محطة كهرومائية بها، وأنجزت وحدة تنفيذ السدود المرحلة الثانية وهي تعلية السد عام 2013، وكانت هذه المرحلة تطلبت إعادة توطين المتضررين منه وتعويضهم عن ممتلكاتهم التي خسروها وعن إعادة توطينهم. ويبعد السد حوالى 550 كيلومتراً من العاصمة الخرطوم، والغرض منه تخزين مياه النيل الأزرق بزيادة طاقة خزان سنار للاستفادة منها في الري وتوسيع المحاصيل الشتوية التي تحقق عوائد اقتصادية عالية.
ونمت طاقة تخزين السد من ثلاثة إلى 7.3 مليار متر مكعب مع ارتفاع منسوب مياه السد من 68 إلى 78 متراً، مما انعكس على مشاريع النيل الأبيض ليتم ريّها عبر قناة كنانة والرهد من سد الروصيرص، إضافة إلى تعويض الإنتاج الكهربائي.
وعندما أغلقت إثيوبيا بعض بوابات التصريف الخاصة بسد النهضة في فبراير (شباط) الماضي، كانت الكمية التي وصلت إلى الخزان قليلة، مما أدى إلى انخفاض مخزون السد، واستمر هذا الوضع حتى سبتمبر (أيلول) الماضي، فلم يعمل السودان على تفريغ السد مثلما يحدث كل عام استعداداً للموسم الجديد. ويُتوقع أن تواجه البلاد نقصاً مائياً إذا لم تفتح أديس أبابا البوابة الرئيسة بحسابات دقيقة، بينما يخشى مراقبون أن فتح البوابة بكامل طاقتها قد يؤدي إلى فيضانات وسيول مدمرة.
سد مروي
شُيد سد مروي على نهر النيل الرئيس عند جزيرة مروي، وهو سد ركامي ذو واجهة خرسانية، ويقع على بعد 346 كيلومتراً شمال الخرطوم و330 كيلومتراً من الحدود السودانية مع مصر، وبلغت طاقته الإنتاجية 1250 ميغاواط. وبينما يصل طول السد إلى تسعة كيلومترات، تبلغ مساحة السطح للبحيرة التي كوّنها السد نحو 800 كيلومتر مربع.
نفذته شركة "هاربن لهندسة الطاقة" الصينية عام 2009، بينما قامت "وحدة تنفيذ السدود" الحكومية بتنفيذ المشاريع المرافقة له التي شملت الطرق والجسور والمساكن وكلية ومستشفى ومحطة قطارات ومطاراً، كما أسست أربعة مشاريع زراعية للمتضررين من بناء السد في مناطق الحامداب الجديدة وأمري الجديدة والمناصير الجديدة وكحيلة شرق.
تبع إنشاء السد معارضة قوية من الأهالي المتضررين منه، خصوصاً بعد فيضانات طاولت وادي النهر في منطقة الشلال الرابع، وأدت إلى نزوح حوالى 70 ألف شخص وغرق التراث الثقافي الذي يعود لمملكة مروي. وانضم إلى الأهالي معارضون سياسيون لنظام "الإنقاذ"، وبعض المنظمات الحقوقية العالمية ولجنة أوروبية- أميركية لحماية البيئة بغرض حماية النيل الرئيس من إنشاء سدود أخرى.
سدا أعالي عطبرة وستيت
هما سدان كهرومائيان بنواة طينية وبحيرة تخزين مشتركة على نهر عطبرة بطاقة تخزين تبلغ 3688 مليار متر مكعب وارتفاع 52 متراً. ويتكون المجمع من فرعين، الأول سد أعالي نهر عطبرة وهو سد ترابي يبلغ طوله 13 متراً وله مفيض خرساني يشتمل على مفرغ للقاع ومحطة لتوليد الكهرباء طاقتها 120 ميغاواط وقناة ترابية مفتوحة. أما الثاني، فهو سد نهر ستيت وهو سد ترابي يبلغ طوله 13 متراً ويشتمل على مفيض خرساني ومحطة صغيرة لتوليد الكهرباء تبلغ طاقتها الإجمالية حوالى 15 ميغاواط.
نفذت المشروع شركة "سوجريا" الفرنسية عام 2015 وتشمل الأعمال المصاحبة لمجمع السدين إنشاء مشروع زراعي وطرق وجسر للعبور بين ضفتي النهر، إضافة إلى تشييد مطار في مدينة الشواك القريبة من مجمع السدين والذي يسهم في نقل واردات المشروع وتصدير المنتجات الزراعية والحيوانية في المنطقة.
وتوجد بحيرة مشتركة بين السدين تبلغ مساحتها من جهة سد أعالي عطبرة 150 كيلومتراً مربعاً، ومن ناحية سد ستيت 90 كيلومتراً مربعاً، وتبلغ طاقتها التخزينية من المياه 2.7 مليار متر مكعب.
وأنشئ المجمع بغرض توفير المياه اللازمة لري أراضي مشروع حلفا الجديدة الزراعي التي تقلصت نتيجة لانخفاض السعة التخزينية لبحيرة خزان خشم القربة نتيجة ترسب الأطماء في البحيرة، وكذلك لتخزين مياه الشرب والري طوال العام لاستهلاك المواطنين في المنطقة.
سدود السيول
إضافة إلى السدود الرئيسة على نهر النيل بروافده، هناك سدود صغيرة شُيدت لاستيعاب مياه السيول والفيضانات، وهي سدود الكنجر والسليت والكباشي في محلية بحري، والمنصوراب وشمبات ووادي سيدنا في محليتي أم درمان وكرري.
وكانت هيئة الطرق والجسور ومصارف المياه شيدت 12 سداً تتوزع على مناطق ومجاري السيول في محليات شرق النيل وبحري وأمبدة وأم درمان وكرري، ونجحت في تحقيق حماية كبيرة لولاية الخرطوم من السيول المنحدرة من الولايات المجاورة وتعزيز الاستقرار للمناطق حول السدود ومساعدة مواطني تلك المناطق في الزراعة والرعي.
في خضم أزمة سد النهضة، أعلن النظام السابق عام 2017 عن إنشاء سبعة سدود على النيل وهي كجبار والشريك ودال ودقش والسبلوقة وعطبرة وستيت في ولايات القضارف وكسلا والولاية الشمالية بكلفة 1.2 مليار دولار تمول بواسطة عدد من المؤسسات العربية، على أن تقوم ببناء السدود شركات صينية، مما أثار قلق مصر من أن يؤثر في حصتها من مياه النيل ويخرق اتفاق 1959. وبدأ العمل ببعض هذه المشاريع، وتعثر بعضها بعد اندلاع الانتفاضة عام 2018 وانهيار عدد من المؤسسات الإنشائية.