ملخص
البلدة الساحلية التي كانت بالأمس تضج بالحركة، هي الآن مقفرة منذ العاشر من نوفمبر، يوم انشقت الأرض ودفعت جميع قاطنيها، أطفالاً ومسنين، للرحيل، غير عالمين بما تُخبئه لهم الأيام وما إذا كانوا سيرون ديارهم مرة أخرى
شعورٌ بالخوف يخيم على ركاب الحافلة أثناء اجتيازهم للحاجز الذي أقيم على الطريق لمنع الناس من العودة إلى بلدة غريندافيك الأيسلندية وسط تحذيرات من ثوران بركاني "وشيك".
مع ذلك، يجب على قوات الإنقاذ التطوعية، المتمركزة في مهمة الحراسة وسط رياح شديدة تبلغ سرعتها 32 ميلاً في الساعة، الالتزام بالتوجيهات الدقيقة لوزير السياحة الأيسلندي. وسط التبادلات الساخنة والسريعة باللغة الأيسلندية، تمكنا في النهاية من العبور.
تقل الحافلة ممثلي وسائل الإعلام العالمية الذين يدخلون المنطقة للمرة الأولى منذ أن لفت الزلزال الأولي الذي ضربها وبقوة 5.2 درجة اهتمام العالم. فبعد أيام من الجمود وفي ظل المخاوف من انهيار الاقتصاد الأيسلندي وانتشار إشاعات عن إمكان اندثار البلاد بأكملها تحت المحيط الأطلسي، سمحت الحكومة على مضض للصحافة بزيارة الموقع المنكوب.
في الطريق، تمر الحافلة عبر مساحة شاسعة من الطبيعة البركانية الخلابة. هنا وهناك، تتناثر منازل فريدة للجان مبنية في الصخور [ينسب البعض في أيسلندا صفة غامضة إلى هذه الأبنية الصخرية، وغالباً ما يعتبرونها أماكن يمكن أن يعيش فيها الجان، وهم كائنات أسطورية في الفولكلور]. في الماضي، دفعت هذه الهياكل الفريدة المخططين الحكوميين إلى إعادة توجيه مسارات الطرق.
أخبرني أحد السكان المحليين أن المرة الأولى التي حاول فيها أحدهم نقل مسكن الجان من مكان إلى آخر اندلع حريقٌ في منزله. وفي المرة الثانية، ماتت زوجته.
"ولكن ماذا حدث في المرة الثالثة؟" أسأل ولا ألقى جواباً. لربما يكون زلزال غريندافيك عقاباً كافياً في هذا البلد الذي يخشى السحر وابتلاءاته.
وبتحذير شديد البساطة: "انتبه لخطواتك"، تم تنبيهي إلى مدى خطورة الوضع. قطعة من الطوب، كانت في السابق جزءاً من تقاطع طريقي أوستورفيغور ورانارغاتا، تنهار تحت قدمي وتختفي في هوةٍ سوداء واسعة.
وفي غريندافيك، يبدأ الصدع بشكل سطحي عند مستوى العشب، وهو مجرد شظية تسمح للمرء بالانتقال بسهولة من صفيحة تكتونية إلى أخرى.
يتجنب الصدع الكنيسة اللوثرية بصعوبة ثم يبدأ في الاتساع تباعاً مع استمرار تصاعد البخار من حجرة الصهارة، مصدر الاضطرابات على بعد كيلومتر واحد من سطح الأرض.
يمكن اتّباع مسار الهوة إلى حيث مزقت ملعباً للأطفال قبل أن تتوقف بالقرب من معبد وثني يزخر بمنحوتات شبيهة بتلك المكتشفة في ستونهنج. يبدو أن بركات الفايكينغ حلت أخيراً على المنطقة!
البلدة الساحلية التي كانت بالأمس تضج بالحركة، هي الآن مقفرة منذ العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني)، يوم انشقت الأرض ودفعت جميع قاطنيها، أطفالاً ومسنين، للرحيل، غير عالمين بما تُخبئه لهم الأيام وما إذا كانوا سيرون ديارهم مرة أخرى.
لا تزال الزينة المبكرة لعيد الميلاد مضاءة وهناك ترى دراجات الأطفال المتروكة للصدأ في فناء منزلٍ تشقق جانبه بشكلٍ هائل – هي ببساطة كانت قد تواجدت على خط الصدع الزلزالي المرتعش الذي امتد من الجبال وعبَر البلدة الصغيرة وصولاً إلى المحيط الأطلسي.
وفي أحد شوارع غريندافيك، مالت المنازل وأصبحت آيلة إلى السقوط كما أن شقاً ضخماً ظهر في دار المسنين الوحيد فيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، وإلى اليوم، لا تزال اللوحة الإعلانية المبهرجة مرفوعة على مطعم السمك والبطاطس المقلية ولا تزال أبوابه مفتوحة لتقديم فترة راحة غريبة من العواصف الثلجية الشديدة التي تضرب الرجل الإنكليزي اليائس كل ثلاث دقائق.
لم تكن عملية إجلاء 3 آلاف و700 شخص بالأمر السهل والذين طُلب منهم قطع التيار الكهربائي عن منازلهم وإغلاق كافة النوافذ. يستطيع المرء رؤية العلامات ترفرف في الهواء في إشارة إلى أن المنازل قد أُفرغت بنجاح.
ويستذكر عمال الإنقاذ، الذين ما زالوا مترددين في العودة إلى البلدة، اللحظة التي طلبوا فيها من الناس الخروج من المنازل التي وُلدوا وترعرعوا فيها وترك كل شيء وراءهم.
وفي حديثٍ مع "اندبندنت"، قال جورديس غومينسدوتير من إدارة الحماية المدنية في أيسلندا: "كان علينا أن نشرح لهم بسرعة ما يحدث ثم الطلب منهم التحرك وتحديد وجهة لهم. كل ما أردناه هو تقديم يد العون لهم".
وأضاف: "لا يزال الوضع خطيراً هنا. ولهذا السبب، لا نسمح للأشخاص العاديين ووسائل الإعلام بدخول البلدة. لم أرَ في حياتي شيئاً مثل هذا. عادةً ما نُعطي بضع دقائق إنذار للفرار، لكن في ظل الطقس الحالي، فليس لدينا حتى هذا الوقت... لقد كان يوماً صعباً للغاية، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون هنا. نحن نفكر بهم دائماً ونأمل في أن يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم عما قريب. لكننا لا نعرف متى سيكون لهم ذلك".
وفي طريقنا للخروج، نرى عمال الحفر وهم يبذلون جهوداً جبارة في سبيل حفر خنادق الحمم البركانية وتوفير الحماية لمحطة سفارتسينغي للطاقة الحرارية الأرضية.
ففي حال حدوث ثوران بركاني، والذي يبدو أقل احتمالاً يوماً بعد يوم، أشك في أن يتمكن أي شخص من العودة إلى غريندافيك. لكن الواضح والأكيد أن مدينة الميناء الجذابة والمناسبة للعائلات لن تعود أبداً إلى سابق عهدها.
© The Independent