عديد من البلدان والمنظمات والأفراد يحاولون تلميع حركة "طالبان" والترويج أنها ليست كما كانت عليه الحال في التسعينيات، وأن الأمن مستقر في أفغانستان بشكل كامل. يتناسى البعض أن سبب انعدام الأمن خلال الحكم الجمهوري السابق كان نشاط "طالبان" ومع عودتها إلى السلطة من الطبيعي أن ينتهي انعدام الأمن.
كما لا يتطرق الداعمون لـ"طالبان" إلى انهماكها بتهريب مادة "مت آمفتامين" المخدرة ويبرزون اهتمامها بمنع زراعة الأفيون، لأن الاتجار بمادة "مت آمفاتين" مربح أكثر من الأفيون.
ويقول الداعمون للحركة إن إجراءاتها ضد المرأة تعود إلى عدم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي وإذا ما تم الاعتراف بها ستنتهي هذه التصرفات. هذه المواقف التي تدعي تغيير سلوك "طالبان" لا تنطبق مع الواقع، إذ إن الحركة تتصرف بأسلوب مرعب ويخشى كثير من البلدان استمرار هذه التصرفات.
من أهم الالتزامات التي تعهدت بها "طالبان" أمام المجتمع الدولي مقابل العودة إلى الحكم هي القتال ضد تنظيم "القاعدة". هذا الالتزام ورد في اتفاق الدوحة 2020. لكن من الخطأ التصور بأن "القاعدة" لم تنشط في أفغانستان بسبب هذا الالتزام.
كتبت صحيفة "جيوبوليتكل مونيتور" الأسبوع الماضي قائلة "في الواقع تعمل القاعدة منذ سنوات طويلة على تغيير استراتيجيتها من أجل تعبئة أعضاء جدد. بعد مقتل أسامة بن لادن وانتخاب أيمن الظواهري قائداً جديداً للتنظيم، انتبه الظواهري إلى أن أعضاء (القاعدة) ملاحقون بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، لذلك فكر بإيجاد تغيير في استراتيجية (القاعدة) من أجل التخلص من ملاحقة التنظيم".
خلال هذه السنوات عملت "القاعدة" على مجالين بشكل سري حتى لا تثير انتباه أحد.
1- إعادة بناء شبكة التنظيم والتعبئة العامة من أجل استقطاب قوات جديدة
في الوقت الذي كان تنظيم "داعش" ينفذ عمليات في أنحاء العالم وانضم عدد كبير من العناصر المنتمية إلى "القاعدة" في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا والهند إليه، فإن "القاعدة" قررت العمل تحت مظلة "طالبان".
كان أيمن الظواهري قد أرسل تعليمات إلى شبكة "القاعدة" عام 2013 للاهتمام بالانضباط الشخصي بشكل كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك أوضح لهم أن "القاعدة" لديها استراتيجية طويلة الأمد وأنها بحاجة إلى قاعدة من أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية، وكتب قائلاً إنه "في المرحلة الأولى نقاتل الحكومات المحلية، لكن يجب أن ندرك أن هذا القتال في الواقع جزء من الحرب ضد الصليبيين".
على رغم أن الظواهري اعتبر الحرب ضد الغرب أولوية لعمل "القاعدة" فإنه أكد الحاجة إلى مكان من أجل تعبئة القوات لكي يتمكن من تنفيذ استراتيجيته المبنية على العداء للغرب. لذلك انخرطت "القاعدة" في صفوف "طالبان" وشاركت في جميع حروبها ضد الحكومة السابقة والقوات الأجنبية في أفغانستان. لكن التنظيم رجح الابتعاد عن الأنظار لكي يمنح "طالبان" الفرصة من أجل ترميم صورتها لدى المجتمع الدولي ومنع أي ضربة ضدها في فترة تعمل لترسيخ حكمها في أفغانستان.
وكان انسحاب أميركا وحلفائها بشكل مفاجئ من أفغانستان قد مهد الطريق أمام الظواهري من أجل تنفيذ خططه. كانت "القاعدة" قد عملت على تأسيس قواعد لها من أجل النشاط على الأرض وكذلك من أجل العمل السيبراني من أفغانستان. هذه الشبكة لها حضور ونشاط في محافظات كنكر ونورستان وهلمند وزابول وننغرهار ولها منازل آمنة في كابول وهرات وفراه وهلمند كما لديها وسيلة إعلام نشطة في منطقة هرات.
تركز السياسة التدريبية لـ"القاعدة" على خمس محافظات هي كنكر وهلمند وننغرهار وزابول ونورستان ولديها معسكران في كنكر ونورستان وتعمل على تدريب انتحاريين فيها.
ترغب "القاعدة" تاريخياً بالنشاط شرق وجنوب أفغانستان على الحدود مع باكستان. هذا الأمر يعود لسببين: الأول، أنها تكون دائماً واثقة من عمق استراتيجي لها في الجبهات الخلفية لموقعها، كذلك النشاط في ذلك المكان يسهل لها التواصل مع فروع "القاعدة" في شبه القارة الهندية بخاصة أن هذه المناطق لديها مقومات في صد العمليات ضد الإرهابيين.
2- النفوذ العميق والواسع في هيكل "طالبان"
من أهم الخطط التي سار عليها تنظيم "القاعدة" هو النفوذ العميق والواسع في الهيكل التنظيمي لحركة "طالبان"، إذ إنه يصعب حالياً التمييز بين "القاعدة" و"طالبان". يعمل حالياً عدد من أبرز وجوه "القاعدة" مع نظام "طالبان" ويتولون مسؤوليات كبيرة منهم تاجمير جواد مساعد جهاز الاستخبارات في حركة "طالبان" وإحسان الله بريال وآقا محمد حكيم وهما من الأعضاء البارزين في "القاعدة" يتوليان إدارة شؤون اثنتين من المحافظات ولـ"القاعدة" نشاط في المحافظتين.
كما أن رئيس التدريب في وزارة الدفاع من أعضاء "القاعدة"، وتدرس الكراسات التعليمية التابعة لـ"القاعدة" في وزارة الدفاع. سراج الدين حقاني من أكبر شخصيات "طالبان" له علاقات مع "القاعدة"، ووضع وزارة الداخلية بشكل كامل تحت تصرف "القاعدة". والأهم من ذلك كان الملا هبة الله آخوند زاده قد طلب من "طالبان" حماية أعضاء "القاعدة" بشدة.
العلاقات والأواصر بين "القاعدة" و"طالبان" تحولت من النظرة المتشددة المشتركة إلى علاقات قرب وانتماءات داخلية واجتماعية، وهذه من ثمار خطط الظواهري التي يتمتع بها أسلافه في الوقت الحالي. تنمو "القاعدة" داخل حركة "طالبان" بشكل منسجم وتشكل طبقات مرتبطة وغير محسوسة في داخل الحركة، إذ إن "القاعدة" تعمل على أساس خطط الصبر الاستراتيجي من أجل تحقيق أهدافها.
يغض البعض الطرف عن التهديدات التي تشكلها "القاعدة" للعالم، لا شك أنها لا تشكل خطراً فعلياً للعالم لكنها لم تتخل عن سياسة التنظيم والتعبئة والتدريب وقد يتحول هذا النشاط إلى كابوس للغرب. وعلى رغم كل هذه التطورات يعجز كثر عن تقييم ميزان نفوذ "القاعدة" في حكومة "طالبان" في المستويات المحلية والعامة في أفغانستان.
تعمل "القاعدة" على إعادة نشاطها في ظل "طالبان" من خلال استقطاب عناصر جديدة والتدريب وتشكيل خلايا لها داخل "طالبان" وكذلك في المنطقة. لهذا السبب من الخطأ الاعتراف بموت "القاعدة".
هذا الموقف طرح مرات عديدة خلال العقدين الماضيين، وقد أعلن كل من الرؤساء الأميركيين الذين وصلوا الإدارة الأميركية بعد 11 سبتمبر (أيلول) الانتصار على "القاعدة"، لكن في الواقع كان قد حفر قبر لـ"القاعدة" لكن لم تدفن هذه الشبكة المرعبة، وإذا ما وضع جثمان في هذا القبر فإنه جثمان شخصياتها ويستمر هذا التيار بالحياة والنشاط.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"