أعلنت الحكومة التونسية أمس الجمعة عن نتائج مراجعة اتفاق التجارة الحرة بين تونس وتركيا، وصادقت رئاسة الحكومة على مقترحات لجنة الشراكة بين البلدين، وهي اللجنة التي كلفت مراجعة الاتفاق قصد تطويره بعدما عبرت تونس عن تحفظها إزاء العجز التجاري المتفاقم مع تركيا، مطالبة منذ عامين بتعديل الميزان التجاري عن طريق الرفع من حجم الصادرات التونسية باتجاه السوق التركية والنظر في جملة من السلع التركية غير الأساسية المتدفقة إلى تونس.
إلى ذلك وافقت الحكومة التونسية على تنقيح الاتفاق، خصوصاً قائمة المنتجات الصناعية الواردة من تركيا ولها مثيل مُصنّع محلياً، على غرار المواد الاستهلاكية في قطاعات منتجات التنظيف والبلاستيك والعجلات المطاطية والملابس الجاهزة بإخضاعها للرسوم الجمركية واستثنائها من الإعفاء الجمركي الذي تمتعت به منذ عام 2005، على أن يتم تطبيق ذلك في إطار قانون المالية لسنة 2024.
في المقابل ستمنح صادرات تونسية من المنتجات الغذائية والفلاحية (الزراعية) امتيازات في السوق التركية وتحديد حجم هذه الصادرات في صورة حصص سنوية معفاة تماماً من الرسوم الجمركية، إضافة إلى تنظيم ملتقى استثماري اقتصادي للترويج للسوق الاستثمارية التونسية خلال الربع الأول من 2024 الذي ترنو تونس من خلاله إلى تشجيع المؤسسات التركية على الاستثمار لديها لخلق التوازن في إطار الشراكة بين الطرفين، ودعت رئاسة الحكومة جميع الوزارات المعنية إلى تفعيل مجالات التعاون الثنائية المختلفة لتكريس مصالح تونس الاقتصادية.
يشار إلى أن القرارات انبثقت من مجلس وزاري ترأسه رئيس الحكومة أحمد الحشاني وحضره وزراء المالية والتجارة والصناعة وتنمية الصادرات والفلاحة والنقل ومحافظ البنك المركزي التونسي وممثل عن وزير الخارجية وينتظر عرضها على البرلمان ثم رئيس الجمهورية للمصادقة عليها، ومن المرجح ألا تلقى معارضة من قبل السلطات المذكورة.
مفاوضات وشروط
وجاءت مقترحات القرارات نتيجة لمفاوضات معقدة امتدت لأشهر بين الجانبين التونسي والتركي أتت بعد مطالبة السلطات التونسية بمراجعة الاتفاق الذي وقع في الـ 25 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 ودخل حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) 2005، وتجسد في خلق منطقة تجارة حرة بين الطرفين أضحت بمقتضاها جميع السلع الصناعية معفاة بالكامل من الرسوم الجمركية، إلى جانب إعفاء بعض المنتجات الفلاحية في حدود سقف معين.
وكانت وزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب قزاح التقت في يونيو الماضي، سفير تركيا لدى تونس كاغلار فهري شاكيرالب، وطلبت منه مراجعة اتفاق التبادل التجاري الحر للعمل على تعديل الميزان التجاري الذي يتميز بعجز كبير لفائدة تركيا، داعية الطرف التركي إلى ضرورة دعم الصادرات التونسية وتسهيل نفاذها إلى السوق التركية وتكثيف الاستثمارات التركية في تونس، لا سيما ضمن الشراكة في قطاعات عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأنهت الوزيرة بهذا اللقاء فترة من الاحتقان الذي خلقه المصنعون التونسيون على خلفية ما وصفوه بإغراق السوق التونسية بالسلع التركية وإلحاقها الأضرار بالمنتج المحلي، بذلك المؤسسات الوطنية، مما أدى إلى إغلاق عشرات آلاف المصانع والشركات أبوابها، كما تسعى وزارة التجارة من خلال هذه المراجعات إلى تقليص العجز التجاري المتفاقم مع تركيا.
903 ملايين دولار عجز الأشهر الماضية
وتجاوزت قيمة العجز التجاري مع تركيا 4 مليارات دينار (1.29 مليار دولار) عام 2022، وبلغت قيمة الواردات التركية خلال الأشهر الـ10 الأولى من العام الحالي 3.34 مليار دينار (1.07 مليار دولار) بتراجع قدر بمليار دينار (322 مليون دولار) مقارنة بقيمتها في الأشهر الـ10 الأولى من 2022 ، إذ ناهزت 4.34 مليار دينار (1.4 مليار دولار)، في حين لم تتعدَّ الصادرات 538 مليون دينار (173.5 مليون دولار) حتى أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي و982 مليون دينار (316.7 مليون دولار) في الفترة نفسها من 2022 ، مما خلق عجزاً مقدراً بـ 2.8 مليار دينار (903 مليون دولار) إلى حدود أكتوبر من 2023 و3.35 مليار دينار (1.08 مليار دولار) في الأشهر الـ10 الأولى من عام 2022، مما يسهم في تفاقم عجز الميزان التجاري في المجمل والذي بلغ 15.8 مليار دينار (5.09 مليار دولار) ويعود للعجز المسجل مع عدد من البلدان إضافة إلى تركيا، وهي الصين فيناهز 7 مليارات دينار (2.25 مليار دولار) وروسيا التي وصل العجز معها إلى 6 مليارات دينار (1.9 مليار دولار) والجزائر إلى 3.5 مليار دينار (1.12 مليار دولار) وأوكرانيا 941.7 مليون دينار (303.7 مليون دولار) ومصر 751.3 مليون دينار (242.3 مليون دولار)، بينما تسجل المبادلات التجارية للسلع فائضاً مع فرنسا وإيطاليا وليبيا.
وقال المدير العام للتعاون الاقتصادي والتجاري في وزارة التجارة التونسية لزهر بنور في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" إن "تونس تعمل على التأسيس لأسلوب جديد من الاتفاقات الثنائية التجارية تربط العلاقات التجارية بالاستثمار والتنمية المستدامة"، مضيفاً أن "المراجعات لن تتوقف على الاتفاق مع تركيا بل ستمتد إلى جميع الاتفاقات التي لا توفر لتونس الفائض المالي المطلوب ولا تسير في إطار التنمية المستدامة".
وكشف عن أن اتصالات جارية مع الشريك الصيني الذي أظهر استعداداً وتفهماً لتطوير الاتفاق التجاري في اتجاه مراعاة المصالح المشتركة بغية خلق التوازن المفقود.