"تحيا سوريا"... هي العبارة التي رددتها ميادة الحناوي إبان إطلالتها على جمهورها الذي غصّت به القاعة الكبرى في دار الأوبرا السورية، لتتبادل "مطربة الجيل" التحيات مع الحضور مرات عدّة، ومرات مع كل من إلهام شاهين، وبوسي، وعفاف راضي، نجمات مصر اللواتي حضرن الحفلة في الصفوف الأولى، مرسلةً لهن من على خشبة المسرح قبلاتها وأشواقها لمصر: "وحشتوني يا حبايبي... ما هي أم الدنيا اللي طلّعتني..."، إشارةً لانطلاقتها الفعلية من القاهرة أواخر سبعينيات القرن الفائت، وذلك عبر أغنيات حققها لها عمالقة التلحين في العالم العربي.
وفي إطلالتها هذه مساء أول من أمس، ردت ميادة على الإشاعات التي سرت أاخيراً عن أنها مريضة بعدما ألغيت حفلتها التي كانت مقررة في بلدة حراجل في لبنان، وبعد العارض الصحي الذي تعرضت له خلال حفلتها في مهرجان صفاقس الدولي فوقعت أرضاً ثم نهضت، لكنها أكملت الحفلة جالسة على كرسي.
ميادة التي أدت في هذه الحفلة أبرز أغنياتها برفقة "الفرقة الوطنية للموسيقى العربية" بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، افتتحت بأغنية "فاتت سنة" من ألحان بليغ حمدي على مقام الراست، معيدةً روائع الغناء الكلاسيكي العربي إلى أذهان جمهور الأغنيات الطويلة، لتليها أغنية "هي الليالي كده" من مقام البيات لملحنها عمار الشريعي، فتفاعل الجمهور مع المطربة التي تنحدر بأصولها من أسرة حلبية عريقة، كانت قد تربت على سماع القدود والموشحات والأدوار الغنائية ذات البناء اللحني المركّب وأدائها.
صاحبة "أشواق" أطلت على جمهورها الدمشقي بعد سنوات من الغياب عن مسارح سورية. "كوكب الشام" تابعت وصلتها اللافتة على مسرح الأوبرا بأغنية "سيبولي قلبي وارحلوا" للشريعي أيضاً، متغلبةً على الطبقات العالية من الأغنية بمساندة من كورال الفرقة الوطنية للموسيقى العربية، فبرّرت الحناوي هذا بخطابها للجمهور أكثر من مرة: "اعذروني يا حبايبي... أصلي مبحوحة شوية"، مشيرةً بمرح إلى حنجرتها، ليعقب ذلك تصفيق حار من الجمهور الذي بدا متعاطفاً مع مطربته الكبيرة، ومن دون أن يسبب ذلك تعديلاً على فقرات أغنية "كان ياما كان" لبليغ حمدي، إذ الأداء من طبقة الجواب ظلّ دوماً بمساندة من الكورس، لتكون الخاتمة مع أغنية "أنا بعشقك" لحمدي أيضاً، وليشدو صوتها على مقامَيْ الصبا والبيات، مستعيداً ذكريات الزمن الجميل لأغنية اعتبرتها الحناوي "نشيد الحب" في مسيرتها الفنية قبل حوالى نصف قرن من العطاء المتواصل، تجاوزت فيه هذه الفنانة قوالب الأغنية الطويلة، لتنضم إلى موجة مطربي الأغنيات القصيرة والفيديو كليب مع مطلع الألفية الثالثة، التي كان أبرزها ألبومَيْها: "أنا مخلصالك" و"وما تجربنيش" وغيرها الكثير.
الجمهور بدوره ردد مع مطربته مقاطع من أغانيها، مُلحاً عليها بإعادة مقاطع كاملة منها، إذ تمكنت الحناوي من التواصل مرةً تلو مرة في حديثها المباشر مع الجمهور، وسؤاله عما يود سماعه، فتميزت الأمسية بأريحية بين الصالة والمسرح، منذ دخول الحناوي بفستانها الأبيض، وحتى اللحظة الأخيرة التي صعدت فيها الفنانة إلهام شاهين، فعانقتها وقدمت لها باقة من الورود الحمراء، لتكون تحية الختام مشتركة بين كل من شاهين والحناوي ووسط هتاف من الحضور بمعاودة الغناء، والدعاء لسورية بانتهاء الحرب فيها وحلول السلام في ربوعها.
حفلة الحناوي التي نفدت بطاقاتها بلمح البصر من شباك تذاكر الأوبرا بعد يومين فقط من إعلان بدء بيعها، تأتي في سياق برنامج فني كبير، تشارك فيه وزارة الثقافة ضمن فعاليات الدورة الحادية والستين لمعرض دمشق الدولي، التي خصّصت حفلة لتكريم الفنان صباح فخري، وبأصوات نخبة من مطربي حلب، سيؤدون باقة من أغنيات المطرب الكبير بحضوره شخصياً، كما سيتضمن البرنامج حفلاً للمطربة المصرية عفاف راضي، إضافةً إلى عروض سينمائية ومسرحية، وحفلتين لكل من المغنية عبير نعمة وسوزان حداد، جنباً إلى جنب مع الفرقة السيمفونية الوطنية بقيادة المايسترو ميساك بغبودريان.