تحول مهم يواجه الاقتصاد الصيني مع خفض وكالة "موديز" توقعاتها حول تصنيف الصين الائتماني من "مستقر" إلى "سلبي" على خلفية ارتفاع الديون في ثاني أكبر اقتصاد عالمي.
ويأتي الخفض الجديد بسبب تزايد المؤشرات إلى أن الحكومة والقطاع العام سيوفران دعماً مالياً للسلطات المحلية المتعثرة مالياً ولشركات عامة، مما أثار مخاوف من زيادة القروض من دون أن تؤدي إلى إحداث النمو المنتظر من الحكومة، خصوصاً في القطاع العقاري الذي يواجه أزمة عميقة.
أزمة العقار
ومثل القطاع العقاري لفترة طويلة ربع إجمالي الناتج الداخلي للصين وهو يمثل دعامة لآلاف الشركات والموظفين من ذوي المهارات المحدودة، لكن خلال الأعوام الأخيرة بدأت أزمة حادة تضربه وتؤثر في كل القطاعات الرئيسة بالبلاد.
ولإنعاش القطاع العقاري وتحفيز النشاط، زادت الحكومة من إجراءات الدعم للقطاع خلال الأشهر الأخيرة، لكن النتائج ظلت متواضعة.
وشهد هذا القطاع نمواً كبيراً على مدى عقدين، لكن المتاعب المالية لمجموعات عقارية بارزة مثل "إيفرغراند" و"كانتري غاردن" باتت تعزز عدم ثقة المستثمرين على خلفية مساكن غير مكتملة وانخفاض أسعار المتر المربع.
وتمثل أزمة العقارات عقبة رئيسة أمام النهوض الاقتصادي، إذ تلقي بثقلها على قدرة البلاد على تحقيق هدف النمو لعام 2023 الذي حددته الحكومة بنحو خمسة في المئة.
رد فعل الأسواق
في غضون ذلك تراجعت الأسهم القيادية في الصين إلى أدنى مستوياتها في خمسة أعوام تقريباً وسط مخاوف حيال نمو البلاد بعد انتشار أنباء عن خفض محتمل من قبل "موديز"، مما أدى إلى تراجع المعنويات خلال الجلسة، في حين واصلت أسهم هونغ كونغ خسائرها.
وقال مصدر مطلع لـ"رويترز" إن البنوك الكبرى المملوكة للدولة في الصين التي كانت تدعم عملة اليوان طوال اليوم، كثفت بيع الدولار الأميركي بقوة شديدة بعد بيان "موديز".
كلف التأمين ترتفع
في تلك الأثناء زادت كلفة التأمين على الديون السيادية للصين ضد العجز عن السداد إلى أعلى مستوياتها منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وكانت خطوة "موديز" أول تغيير في تقييمها تجاه الصين منذ أن خفضت تصنيفها بدرجة واحدة إلى "أي1" عام 2017، مشيرة أيضاً إلى توقعات بتباطؤ النمو وارتفاع الديون.
وأكدت الوكالة هذا التصنيف لإصدارات الصين بالعملة المحلية والأجنبية على المدى الطويل، لافتة إلى إن الاقتصاد لا يزال يتمتع بقدرة عالية على استيعاب الصدمات، إلا أنها توقعت أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد إلى أربعة في المئة خلال عامي 2024 و2025 وبمتوسط 3.8 في المئة في الفترة من 2026 إلى 2030.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأتي أرقام "موديز" السلبية قبل مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي الذي من المرتقب أن يكون في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الجاري، إذ يضع المستشارون الحكوميون خلاله هدف النمو لعام 2024 مع تقديرات بمزيد من التحفيز.
إلى ذلك يقول المحللون إن تصنيف "أي1" مرتفع بما فيه الكفاية في منطقة الدرجة الاستثمارية الجيدة، إذ من غير المرجح أن يؤدي خفض "موديز" إلى عمليات بيع قسرية من قبل الصناديق العالمية.
يشار إلى أن وكالتي التصنيف الرئيستين الأخريين، "فيتش" و"ستاندرد أند بورز"، تصنفان الصين عند "أي بلس"، مما يعادل توقعات "موديز" حالياً، وكلتاهما تتمتعان بنظرة مستقبلية مستقرة بعكس "موديز" التي قررت عكسها إلى سلبية.
الحكومة تعترض
في المقابل عبرت وزارة المالية الصينية عن خيبة أملها إزاء قرار "موديز"، قائلة إن "الاقتصاد سيحافظ على انتعاشه واتجاهه الإيجابي" ومضيفة أن "أخطار الممتلكات والحكومات المحلية يمكن السيطرة عليها".
وقللت الوزارة الصينية من مخاوف "موديز" حول آفاق النمو الاقتصادي في البلاد والاستدامة المالية وجوانب أخرى، معتبرة إياها "غير ضرورية".
ويعتقد معظم المحللين بأن نمو الصين يسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدف الحكومة البالغ نحو خمسة في المئة هذا العام، لكن ذلك بالمقارنة مع عام 2022 الذي أضعفه الوباء، كما أن النشاط متفاوت إلى حد كبير.
اقتصاد يكافح للنمو
ويكافح الاقتصاد من أجل تحقيق انتعاش قوي بعد الوباء، إذ أدت الأزمة المتفاقمة في سوق الإسكان والمخاوف في شأن ديون الحكومات المحلية وتباطؤ النمو العالمي والتوترات الجيوسياسية إلى إضعاف الزخم الاقتصادي.
ولم تثبت سلسلة من تدابير دعم السياسات فائدتها إلا بصورة متواضعة، مما زاد الضغوط على السلطات لطرح مزيد من التحفيز.
ويتفق المحللون على نطاق واسع على أن نمو الصين يتراجع عن التوسع السريع الذي شهده خلال العقود الأخيرة، ويعتقد كثيرون بأن بكين في حاجة إلى تحويل نموذجها الاقتصادي من الاعتماد المفرط على الاستثمار المدفوع بالديون إلى نموذج مدفوع بصورة أكبر بطلب المستهلكين.
وفي الأسبوع الماضي، تعهد رئيس البنك المركزي الصيني بان قونغ شنغ بإبقاء السياسة النقدية متكيفة لدعم الاقتصاد، لكنه حث أيضاً على إجراء إصلاحات هيكلية لتقليل الاعتماد على البنية التحتية والعقارات لتحقيق النمو.
مشكلة الديون
وبعد أعوام من الإفراط في الاستثمار وانخفاض عائدات مبيعات الأراضي وارتفاع كلفة مكافحة فيروس كورونا، يقول الاقتصاديون إن البلديات المثقلة بالديون تمثل الآن خطراً كبيراً على الاقتصاد.
ووصل دين الحكومات المحلية إلى 92 تريليون يوان (12.6 تريليون دولار)، أو 76 في المئة من الناتج الاقتصادي للصين في 2022 ارتفاعاً من 62.2 في المئة عام 2019، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كشفت الصين عن خطة لإصدار سندات سيادية بقيمة تريليون يوان (139 مليار دولار) بحلول نهاية العام للمساعدة في دفع النشاط، مما يرفع هدف عجز الموازنة لعام 2023 إلى 3.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالهدف الذي وضعته الحكومة عند ثلاثة في المئة.
ونفذ البنك المركزي خفوضات متواضعة في أسعار الفائدة وضخ مزيداً من الأموال في الاقتصاد خلال الأشهر الأخيرة، لكن مع ذلك كان المستثمرون الأجانب يشعرون بعدم الرضا تجاه الصين طوال العام تقريباً.
وارتفعت تدفقات رأس المال من الصين بصورة حادة إلى 75 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو أكبر رقم شهري منذ عام 2016، وفقاً لتقرير حديث نقلته "رويترز".