ملخص
تنفي "حماس" بشدة مزاعم الاعتداء الجنسي أو التشويه من قبل أعضاء جناحها المسلح في السابع من أكتوبر أو بعده.
في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو اليوم الذي شنت فيه حركة "حماس" هجومها، أقام الجيش الإسرائيلي مشرحة موقتة باستخدام حاويات شحن مبردة في قاعدة "الشورى" العسكرية بوسط إسرائيل للتعرف إلى هويات القتلى وإعدادهم للدفن، ومن بين 1200 شخص قتلوا في ذلك اليوم أفادت السلطات بأن 300 في الأقل كانوا من النساء.
قالت شاري مينديز، وهي جندية احتياط عملت لمدة أسبوعين في القاعدة لمساعدة المسعفين في أخذ بصمات الأصابع وتنظيف أجساد المجندات، "أحضرت النساء في كثير من الأحيان بالملابس الداخلية فحسب"، وأضافت أنه "في بعض الأحيان كان عندنا أشخاص. مجرد منطقة جذع. أو جثث تعرضت لتحلل شديد أو لتشوهات. رأيت أعضاء تناسلية لنساء تغطيها دماء كثيفة".
ثيابهن الملطخة
وتحقق الشرطة الإسرائيلية في جرائم جنسية يحتمل أن يكون ارتكبها بعض من بضع مئات من الأشخاص الذين اعتقلتهم بعد هجوم السابع من أكتوبر والهدف الذي تضعه نصب أعينها هو محاكمة كل مشتبه فيه محتجز لديها.
لكن في المشرحة التي كانت مينديز تعمل فيها، دفنت ملابس النساء معهن قبل أن يتمكن محققو الشرطة من فحصها، فبحسب مراسم الدفن اليهودية تتعين معاملة الموتى بكرامة ودفنهم بأسرع ما يمكن. ويتم دفن كل ما يمثل جزءاً من الجسد معه، لذلك تم دفن بعض النساء مع ثيابهن الملطخة بالدماء، وقالت مينديز "مسحنا الدماء من كل شيء".
ويمثل هذا أحد التحديات التي تواجه التحقيق في الجرائم الجنسية المزعومة خلال الهجوم المباغت والأكثر دموية في تاريخ إسرائيل الذي يبلغ 75 سنة.
وفي بعض المواقع احتدمت المعارك لأيام عدة، مما جعل من المستحيل دخولها، وتم جمع بعض الأدلة لكن الشرطة توضح أنها تواجه تحدياً بعد ضياع الفرص لجمع أدلة قابلة للتلف لربط الفظائع بمشتبه فيهم محددين.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي لـ"رويترز" إن الأولوية الأولى في حادثة سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحة هي التعرف إلى الجثث حتى يمكن إبلاغ عائلاتها في أسرع وقت ممكن، ففي الأيام الأولى لم يعرف كثيرون ما إذا كان أقاربهم قتلوا أو جرحوا أو نقلوا إلى غزة.
وأكدت وزارة العدل الإسرائيلية أن "الضحايا تعرضوا للتعذيب والإيذاء الجسدي والاغتصاب والحرق أحياء وتمزيق الأوصال"، فيما تنفي "حماس" بشدة مزاعم الاعتداء الجنسي أو التشويه من قبل أعضاء جناحها المسلح (كتائب عز الدين القسام) في السابع من أكتوبر أو بعده.
فظائع محتملة
رواية مينديز هي واحدة من سبع شهادات حصلت عليها "رويترز" من قبل أوائل من شاركوا في رد الفعل أو آخرين تعاملوا مع جثث القتلى، وتشهد على عنف جنسي مزعوم، وقال هؤلاء الأشخاص إنهم عثروا على نساء شبه عاريات ومقيدات وببطون مبقورة ومجردات من الملابس ومصابات بكدمات، أو مصابات بطلقات نارية في الرأس، أو محترقات في منطقتين بما في ذلك كيبوتس "بيري" وموقع مهرجان موسيقي في الهواء الطلق قرب السياج الحدودي لغزة.
وراجعت "رويترز" صوراً تتطابق مع بعض الأوصاف، أو تشهد على فظائع أخرى محتملة، ومع ذلك لم تتمكن من التحقق بصورة مستقلة من جميع الروايات.
ونفى المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس" طاهر النونو مسؤولية مقاتلي الحركة عن أية اعتداءات جنسية في الهجوم، داعياً إلى تحقيق دولي جدي ومحايد.
وستحقق لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في جرائم الحرب على جانبي الصراع بين إسرائيل و"حماس" في مزاعم العنف الجنسي المنسوبة للحركة وسط انتقادات إسرائيلية لصمت الأمم المتحدة، وتتهم تل أبيب اللجنة بالتحيز وتقول إنها لن تتعاون مع التحقيق.
في القانون الجنائي الإسرائيلي، يشمل العنف الجنسي الاغتصاب، ولكنه يشمل أيضاً الأفعال غير اللائقة والمضايقات والإهانة الجنسية لشخص ما، بما في ذلك الإجبار على التعري وجرائم أخرى، وذكر ثلاثة متخصصين قانونيين إن الإدانة يمكن أن تستند إلى شهادات وأدلة ظرفية حتى من دون أدلة الطب الشرعي.
لكنهم أوضحوا أن من بين العقبات التي تواجه محققي الشرطة حقيقة مقتل كثير من الأشخاص أو إصابتهم بصدمات نفسية.
وقالت مديرة مركز أزمات الاغتصاب في إسرائيل أوريت سوليتزينو إن ما يقدر "ببضع عشرات" من الناجين والشهود طلبوا المساعدة بالفعل، رافضة ذكر اسم أي منهم لحماية خصوصيتهم ومضيفة أن الأمر قد يستغرق أعواماً قبل أن يتقدم الضحية أو الشاهد.
ولا يتحدث كثير من الضحايا المزعومين.
تحلل الجثث
وقالت مديرة الشؤون القانونية في مراكز أزمات الاغتصاب هيلا نيوباتش إن "كل النساء اللاتي قتلن وربما يكن تعرضن للعنف الجنسي لا يستطعن إخبارنا. ربما لم ينجُ الشهود أيضاً".
وفرضت السلطات أمر حظر النشر على التحقيق، لكن رئيسة التحقيق شيلي هاروش ذكرت أمام البرلمان في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) أن لديهم 1500 شهادة من ناجين وقوات الأمن وأوائل المشاركين في رد الفعل وعائلات القتلى حول فظائع بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب وتشويه الأعضاء التناسلية، وتمت مشاركة ما لا يقل عن 12 شهادة من قبل الوكالات الحكومية وأوائل المشاركين في رد الفعل.
في بعض الأحيان، استغرق الأمر أياماً بعد هجوم السابع من أكتوبر للوصول إلى الجثث، وقال رئيس المركز الوطني الإسرائيلي للطب الشرعي تشن كوجل إن تطبيق البروتوكولات العادية لإثبات الاغتصاب من الناحية الجنائية يكاد يكون مستحيلاً عندما تصل الجثث إلى مثل هذه المرحلة من التحلل، مضيفاً أنه "ربما كان ذلك ممكناً لو قمنا بفحصهن خلال الساعات الـ24 الأولى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتظهر بيانات وزارة العدل أنه حتى في الأوقات العادية، يتم إغلاق ما يقارب 80 في المئة من قضايا الجرائم الجنسية في إسرائيل كل عام لأن النيابة العامة لا تصل إليها أدلة كافية، وسوف تستلزم المحاكمة في قضايا السابع من أكتوبر نهجاً مختلفاً.
وقالت أستاذة القانون في كلية "أونو" الأكاديمية دانا بوجاتش "في قضية جنائية يدان متهم معين بإيذاء ضحية محددة، لكن سيتعين عليهم النظر في بنية قانونية مختلفة تماماً في هذه الحال".
وأضافت أن المدعين يمكن أن يعتمدوا على مبدأ قانوني يقوم على المسؤولية المشتركة، وهو مبدأ استخدم في إسرائيل في وقت سابق من هذا العام لإدانة 11 شخصاً بارتكاب أعمال عنف جنسي تتعلق باغتصاب جماعي.
ولتحقيق ذلك، ستكون هناك حاجة إلى إثبات النية والاشتراك في التآمر.
شهادات ووثائق
وتتوالى الشهادات، فقال الحاخام إسرائيل فايس للصحافيين في قاعدة "الشورى" إن بعض الجثث كانت عارية و"ممزقة".
وكتب نحمان ديكستين، وهو متطوع في منظمة "زاكا" للبحث والإنقاذ وكان مشاركاً في الحفل الموسيقي، في شهادة أنه رأى عشرات القتلى من النساء في الملاجئ وكانت "ملابس الجزء العلوي من أجسادهن ممزقة، لكن الجزء الأسفل كان عارياً تماماً".
وقال منتج الحفل رامي شموئيل الذي ساعد في عمليات البحث عن الجثث إنه رأى جثث ثلاث نساء، إحداهن عارية والأخرى عارية من الخصر إلى الأسفل، مضيفاً أنه من الواضح أن إحداهن أصيبت برصاصة في مؤخرة الرأس وأضرمت فيها النار.
وتقول الشرطة إن لديها أكثر من 60 ألف "وثيقة مرئية" تشمل مقاطع فيديو من كاميرات "جو- برو" كانت مع المهاجمين ولقطات من كاميرات المراقبة وصوراً من طائرات مسيّرة.
وتعزز مقاطع فيديو على الإنترنت هذه الادعاءات، ولا يمكن التحقق من صحة بعض المقاطع التي تظهر عنفاً جنسياً، وشاهدت "رويترز" إحداها ويبدو أنها تعود لعام 2021.
لكنها تحققت من مقطعي فيديو آخرين يشيران إلى عنف جنسي ونشرا على وسائل التواصل الاجتماعي خلال يوم واحد من الهجوم، ولم تتمكن من التأكد من هوية أول من نشرهما.
وظهرت في مقطع منهما جثة امرأة نصف عارية كانت في الحفل وهي متدلية على الجزء الخلفي من شاحنة صغيرة جابت غزة، وتعرفت عليها والدتها لاحقاً وقالت إنها شاني لوك التي تعمل في رسم الوشم.
وظهرت في المقطع الآخر امرأة شابة حافية القدمين وهي تسحب من شعرها من صندوق سيارة "فان" في غزة ويدفعها رجل مسلح إلى مقعد السيارة الخلفي وهو يهتف "الله أكبر"، وكانت مقيدة اليدين ويبدو أن سروالها كان ملطخا بالدماء من المؤخرة وكذلك كاحليها وذراعها، ولا تكشف الصورة عما حدث لها.
وأكدت السلطات الإسرائيلية وفاة لوك، وتعتقد بأن المرأة الأخرى التي كشفت والدتها عن هويتها لـ"رويترز"، لا تزال على قيد الحياة ومحتجزة في غزة.
وعرضت الشرطة للصحافيين في الـ14 من نوفمبر الماضي مقطعاً لشاهدة على الهجوم على الحفل قالت فيه إنها رأت مسلحين يغتصبون امرأة بصورة جماعية ويقطعون ثدي أخرى ويلقون به في الشارع، مضيفة أن مسلحاً أطلق النار في وقت لاحق على رأس المرأة وهو يغتصبها وامتنعت الشرطة عن ذكر اسم الشاهدة.
وقالت المتخصصة القانونية نيوباتش إن روايات الشهود وحدها لا يمكن أن تضمن دائماً توجيه الاتهام أو الإدانة، لكنها أوضحت بصورة عامة أن المعلومات التي تم جمعها بالفعل موثوقة بدرجة كافية لتحديد أن أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي ربما ارتكبت.
الجنائية الدولية
إذا ثبت أن الملاحقات القضائية في إسرائيل تمثل تحدياً، فقد أقيمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب، وقالت المحكمة بالفعل إنها تختص قضائياً بالجرائم الوحشية التي ارتكبها الفلسطينيون على أراضٍ إسرائيلية في ذلك اليوم.
ويمكن للمحكمة أن تتدخل إذا كانت الدول غير راغبة أو غير قادرة على محاكمة مواطني أعضائها على ارتكاب جرائم حرب، أو ما إذا كانت الجرائم ارتكبت على أراضي أعضائها، وتقول المحكمة الجنائية الدولية إن مدعيها العام جمع كمية كبيرة من المعلومات والأدلة.
ويؤكد محامون إسرائيليون أن متطلبات الأدلة المتعلقة بالعنف الجنسي في المحكمة الجنائية الدولية أقل صعوبة من تلك الإسرائيلية، فهي لا تحتاج على سبيل المثال إلى الاستماع لأقوال الضحية ولا يشترط في الغالب إثبات عدم موافقة الضحايا بصورة منفصلة إذا ارتكبت هذه الأفعال الوحشية بشكل جماعي.
وقال محاميان إنهما يجهزان أدلة لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية. وأوضحت يائيل فياس جفيرسمان في تل أبيب أنها تجمع أدلة لعائلات 54 ضحية، بينهم ضحايا عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي، ورفضت تقديم تفاصيل لكنها أوضحت أن هناك عدداً قليلاً من الشهود الرئيسين.
وتمثل المحكمة الجنائية الدولية إشكالية لدولة إسرائيل التي لا تعترف بولايتها القضائية على رغم أن الإسرائيليين كأفراد والدولة نفسها يتمتعون بحرية تقديم الأدلة.
وأضافت فياس جفيرسمان أن "هذا يقودنا إلى ما سأسميه المعضلة الإسرائيلية"، في إشارة إلى المكان الذي يمكن فيه الحكم بمثل هذه القضايا، وقالت إن إسرائيل قد تحتجز بعض الجناة لكنها لا تستطيع الوصول إلى المحرضين أو القادة أو المساعدين الذين يمكن للمحكمة الجنائية الدولية تقديمهم إلى المحاكمة.
وتتوقع هي ومحام آخر بأن تلجأ الحكومة الإسرائيلية في نهاية المطاف إلى المحكمة الجنائية الدولية، ورفضت وزارة العدل الإسرائيلية التعليق على ما إذا كانت ستلجأ إلى المحكمة، لكنها أكدت أنها ستواصل الإجراءات القانونية ضد المسؤولين عن هجمات السابع من أكتوبر أينما كانوا.
وقال قائد فريق الدفاع في المحكمة المحامي جيرت جان نوبس، "عادة ما تقول قوات الدفاع الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية إنه ’ليس لدينا أي تعامل مع المحكمة الجنائية الدولية‘".
وأضاف، "لكن هذا يتجاوز أي تصور. أعتقد بأن إسرائيل لها مصلحة في تقديم الأدلة عن أحداث أكتوبر إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية".