Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدولار الأميركي ما زال مسيطرا... لكن هناك رابحون وخاسرون

تحذيرات من استمرار تراجع عملات الأسواق الناشئة في ظل نقاط ضعف تتعلق بالتضخم والديون

كل زيادة للدولار بنسبة 10 في المئة تقود إلى تراجعات عنيفة بالناتج المحلي (اندبندنت عربية)

"اقتصادات الأسواق الناشئة تحملت وطأة ارتفاع الدولار لأعلى مستوى له في عقدين، وتضررت بسبب تخارج رؤوس الأموال وارتفاع أسعار الواردات وتشديد الأوضاع المالية"، هكذا علق صندوق النقد الدولي على الأزمة التي شهدتها عملات الأسواق الناشئة خلال الفترة الماضية، وسط توقعات باستمرار صعود الدولار عالمياً مع سيطرته على الحصة الأكبر في احتياطات البنوك المركزية، إضافة إلى تحكمه بشكل مطلق في سوق الاستيراد العالمية.

وأشار صندوق النقد إلى أن ارتفاع الدولار العام الماضي كان له تأثير في الأسواق الناشئة، أكبر منه على الاقتصادات المتقدمة الأصغر، لأسباب من بينها أن أسعار الصرف في المجموعة الأخيرة أكثر مرونة. وأفاد بأنه مقابل كل ارتفاع للدولار بنسبة 10 في المئة نتيجة قوى السوق المالية العالمية، ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لاقتصادات الأسواق الناشئة بنحو 1.9 في المئة بعد عام واحد، ومن المتوقع أن يستمر ذلك لعامين ونصف العام. وأظهر أن التأثير كان أقل بكثير في الاقتصادات المتقدمة، إذ بلغت ذروة خفض الإنتاج 0.6 في المئة بعد ربع واحد من العام، وتلاشت الآثار إلى حد بعيد في غضون عام. وقال إن سعر الصرف الحقيقي للدولار ارتفع 8.3 في المئة في عام 2022 إلى أعلى مستوى له في عقدين في ظل قيام مجلس الاحتياط الاتحادي الأميركي بسلسلة من الزيادات السريعة في رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم إلى جانب ارتفاع أسعار السلع العالمية بسبب الأزمة الأوكرانية.

نقاط ضعف تطارد عملات الأسواق الناشئة

كان استطلاع قد أعدته وكالة "رويترز" قد أشار إلى أن معظم عملات الأسواق الناشئة ستتمسك بمكاسبها في العام المقبل، شريطة أن تحافظ بنوكها المركزية على أسعار الفائدة مرتفعة، مما يعزز من تنافسيتها أمام عملات الدول المتقدمة. ومن المتوقع أن تحافظ معظم العملات التي شملتها الدراسة، بما في ذلك البات التايلاندي والروبية الهندية والراند الجنوب أفريقي، على مكاسبها الحالية بحلول نهاية العام. ومن المتوقع أيضاً أن تظل عملات أميركا اللاتينية قوية إلى حد معقول خلال الأشهر التالية، حيث يحظى الريال البرازيلي بدعم من تحسن الآفاق الاقتصادية والإصلاحات المالية، في حين يستفيد البيزو المكسيكي من تدفقات رأس المال الأجنبي التي تتحول من الصين. وعلى رغم قيام البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة قبل بضعة أسابيع فقط، فمن المرجح أن يرتفع اليوان الصيني بنسبة 3.5 في المئة لتسجل الورقة الأميركية مستوى 7 إيوانات في ستة أشهر.

في الوقت نفسه تتمتع عملات الأسواق الناشئة بالقدرة على الاستمرار في توفير عوائد إجمالية جيدة للمتعاملين عليها في أسواق العملات. ومع سير الاقتصادات المتقدمة على مسار نمو بطيء غير انكماشي، تقترب البنوك المركزية الكبرى من نهاية دورة تشديد سياساتها النقدية، لذا فإن أي تخفيض في أسعار الفائدة في الاقتصادات الناشئة من المرجح أن يكون حكيماً وبطيئاً، بحيث يحافظ على فارق مناسب في أسعار الفائدة مقارنة بمعدلات الفائدة السائدة في الدول المتقدمة. بالتالي، فإن العودة لمعدلات الفائدة الطبيعية يجب أن يسبقها كثير من تدابير الحد من الانكشاف الخارجي وتخفيض الاعتماد على تدفقات الأموال الساخنة من الخارج لصالح جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

فيما شدد تقرير حديث لصندوق النقد الدولي على أن "اقتصادات الأسواق الناشئة والنامية التي كانت تعاني مسبقاً نقاط ضعف مثل ارتفاع التضخم وظروف خارجية غير متوازنة، تعرضت لضغوط أكبر بسبب خفض الدولار، بينما استفادت اقتصادات الدول المصدرة للسلع الأساسية من الزيادة في هذه الأسعار"، حيث يعاني عديد من اقتصادات الأسواق الناشئة عدم توافر الائتمان وتراجع تدفقات رؤوس الأموال وتشديد السياسة النقدية وانخفاض البورصات بصورة أكبر.

وقال الصندوق إن أسعار الصرف الأكثر مرونة في الاقتصادات المتقدمة مكنتها من استيعاب بعض التأثيرات السلبية من طريق خفض قيمة العملة، كما قدمت سياسة التيسير النقدي الدعم في هذا الإطار، بشرط أن تكون هناك توقعات ثابتة للتضخم ولا تتأثر بالصدمات القصيرة المدى للأسعار. وأشار إلى أن "توقعات التضخم الأكثر ثباتاً تقدم الدعم عبر إتاحة مزيد من الحرية في نطاق السياسة النقدية الواجب اتباعها. فيمكن لأي بلد بعد تخفيض قيمة العملة أن يطبق سياسة نقدية أكثر مرونة إذا كانت التوقعات ثابتة. والنتيجة هي خفض مبدئي طفيف في الناتج الحقيقي. وفي المقابل، تميل اقتصادات الأسواق الناشئة التي لديها أنظمة سعر صرف أكثر مرونة إلى التمتع بتعافٍ اقتصادي أسرع بسبب الخفض الكبير في سعر الصرف". وأوصى الصندوق بأن "تتحرك دول الأسواق الناشئة نحو أسعار صرف مرنة من خلال تطوير أسواق مالية محلية تقلل من حساسية الاقتراض لسعر الصرف، وتلتزم تحسين الأطر المالية والنقدية، ومن بينها استقلالية البنوك المركزية، للمساعدة في تثبيت توقعات التضخم وجعلها لا تتأثر بالصدمات القصيرة للأسعار".

7 عوامل تحدد مصير أسعار الصرف

وفيما يعد من الطبيعي أن تشهد العملات، وبخاصة في الأسواق الناشئة بعض التقلبات، لكن هناك 7 عوامل تؤثر بصورة مباشرة في أسعار صرف العملات مقابل الدولار الأميركي، أولها معدلات التضخم، حيث تتسبب التغيرات التي تتعرض لها معدلات التضخم في الدولة في تغير أسعار الصرف. العامل الثاني يتعلق بأسعار الفائدة، حيث إنه إذا طرأ تغيير على أسعار الفائدة، فإن هذا يؤثر في قيمة العملة وسعر صرفها مقابل الدولار. وترتبط أسعار العملات في سوق الفوركس مع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم بصورة واضحة. وفي حالة حدوث زيادة في أسعار الفائدة فإن هذا يؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة لأن أسعار الفائدة المرتفعة تقدم فائدة أعلى للمقرضين، مما يجذب معدلات أعلى من رأس المال الأجنبي، من ثم ترتفع أسعار الصرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتعلق العامل الثالث بالحساب الجاري وميزان المدفوعات، إذ يعكس الحساب الجاري في كل دولة الميزان التجاري وأرباح الاستثمار الأجنبي في تلك الدولة. ويتألف الحساب الجاري من إجمالي عدد المعاملات بما في ذلك الصادرات والواردات والديون وغيرها. وإذا كان هناك عجز في الحساب الجاري فإن هذا يؤدي إلى خفض قيمة العملة. أم العامل الرابع فيتعلق بالدين الحكومي، وفي حالة ارتفاع معدلاتها، فإن هذا معناه تراجع معدلات جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وهذا يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.

أما العامل الخامس فيرتبط بشروط التبادل التجاري، وفيما يتعلق بالحسابات الجارية وميزان المدفوعات، تتمثل شروط التبادل التجاري في نسبة أسعار التصدير إلى أسعار الاستيراد. وتتحسن معدلات التبادل التجاري، أي في حالة ارتفاع معدل أسعار صادراتها بمعدل أكبر من أسعار وارداتها، ومن ثم يرتفع معدل الإيرادات، ويرتفع معدل الطلب على عملة هذه الدولة ويرتفع سعر العملة، بينما يتعلق العامل السادس بالاستقرار السياسي. أما العامل السابع فيرتبط بالركود، وعندما تعاني أية دولة الركود، يكون من المرجح تخفيض سعر الفائدة فيها، مما يقلل من فرص جذب رأس مال أجنبي لهذه الدولة. نتيجة لذلك، تضعف عملتها مقارنة بعملة الدول الأخرى، من ثم تخفض أسعار الصرف.

استمرار سيطرة الدولار الأميركي عالمياً

يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي التمويل مدحت نافع أن الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصدمات الوافدة من الأسواق الأميركية، وارتفاع شهية الأخطار عالمياً، وتأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة، والصدمات المحلية ذات الطبيعة الخاصة، هي المحركات الرئيسة لتحركات أسعار الصرف في الدول الناشئة. ووفق صندوق النقد الدولي، فقد نمت مدخرات الأسر في غالبية الاقتصادات الناشئة في أعقاب تفشي جائحة كورونا، واستخدمت المدخرات المحلية لتمويل العجز الداخلي للحكومات، مما أدى إلى تقليص الحاجة إلى الاقتراض الخارجي في غالبية تلك الدول، كما أدى إلى جانب خفض الاستثمار الخاص إلى إبقاء العجز الخارجي (عجز موازين المدفوعات) تحت السيطرة. وهذا العجز هو السبب الهيكلي الأبرز وراء خفض قيمة العملات الوطنية.

وقد جدت عملات الأسواق الناشئة نفسها في مواجهة جائرة ضد الدولار الأميركي الأقوى نسبياً، والموجات التضخمية الناجمة عن الحرب في أوروبا، وتعافي حركة الطلب في أعقاب عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا. وسواء كانت العملات مربوطة بالدولار الأميركي أم لا، تحاول البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم إبقاء عملاتها الوطنية على المسار الصحيح، من خلال مواكبة ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، والتي تراوح حالياً ما بين 5.25 إلى 5.5 في المئة ارتفاعاً من مستويات قريبة من الصفر خلال العام الماضي.

وإضافة إلى ذلك، فإن تراكم مزيد من الاحتياطات الأجنبية يشكل أسلوباً دفاعياً شائعاً في مواجهة ارتفاع قيمة العملة الأميركية. وتعمل هذه الاحتياطات كحاجز ضد تدفقات رأس المال إلى الخارج، ورغبة الأموال الساخنة في الحصول على أدوات دين مقومة بالدولار، تكون أقل عرضة للأخطار وأعلى عائداً (مثل أذون الخزانة والسندات). تميل هذه التقنية إلى تعزيز الدولار بصورة أكبر، عوضاً عن إضعاف مركزه وسيطرته عالمياً.

وقد ارتفعت حصة معدلات دوران العملات الأجنبية في جميع أسواق العالم، بما في ذلك عملات الأسواق الناشئة، من أقل من اثنين في المئة خلال عام 1995 إلى أكثر من 25 في المئة خلال عام 2019، ونتيجة لذلك، تم تداول عملات الأسواق الناشئة بشكل أوسع، مع إتمام الجانب الأكبر من المعاملات خارج أراضيها، وفي صورة مشتقات (خيارات وعقود مستقبلية). وفي حين تمتعت الاقتصادات الناشئة والنامية المصدرة للسلع الأساسية بشروط تبادل تجاري أفضل، في ظل قوة أكبر للدولار، بدا أن الضغوط على هذه الدول أقل حدة من الضغوط التي تتعرض لها الاقتصادات المتقدمة.

العملات الأقوى والأرخص في العالم

من بين أقوى العملات في عام 2023 أدرجت مجلة "فوربس" الدينار الكويتي والبحريني، يليهما الريال العماني والدينار الأردني في المراكز الأربعة الأولى من هذه القائمة، وجميعها دول نامية، وترتبط عملاتها بالدولار الأميركي بأسعار ثابتة (باستثناء الدينار الكويتي المرتبط بسلة عملات غير معلنة). وتعتبر العملات الأرمينية والألبانية والجورجية والمكسيكية هي الأفضل أداء بين بداية عام 2020 ويونيو 2023. وقد تمكنت تلك العملات من الارتفاع مقابل الدولار الأميركي في نطاق بين 24 و9 في المئة وفق تقديرات "أف دي أي إنتليجنس".

وخلال الأشهر الستة الماضية كان أداء البيزو الكولومبي والمكسيكي، يليهما الريال البرازيلي والزلوتي البولندي، الأفضل بين عملات الأسواق الناشئة، من حيث إجمالي صافي صفقات المناقلة بما يعني الاقتراض بسعر رخيص نسبياً وإعادة الاستثمار في وسيلة ذات عائد أعلى. وعلى رغم جميع الصعوبات فإن عديداً من عملات الأسواق الناشئة ظلت مرنة، ويرجع الفضل في ذلك في الأساس إلى الفوارق في أسعار الفائدة التي سمحت للمستثمرين بالانخراط في تجارة المناقلة.

ويعد الريال الإيراني أرخص عملة في العالم خلال عام 2023، يليه الدونغ الفيتنامي والليون السيراليوني. وتشمل العملات الأخرى التي كان أداؤها سيئاً هذا العام البوليفار الفنزويلي، والليرة اللبنانية، والبيزو الأرجنتيني، والليرة التركية، فقد فقدت تلك العملات ما بين 75 إلى ما يقارب 100 في المئة من قيمتها بين عامي 2020 وحتى يونيو (حزيران) 2023. وإذا أضفنا أسعار الصرف في السوق الموازية، فإن الجنيه المصري والليرة اللبنانية هما من بين أسوأ العملات أداء خلال تلك الفترة.

وبصرف النظر عن حقيقة أن العملة الضعيفة نسبياً تجعل المستهلكين المحليين أكثر فقراً، فإنها يمكن أن تسبب أيضا توترات مع الشركاء التجاريين للدولة. فالحكومة التي تتعمد الإبقاء على عملتها مقومة بسعر صرف أقل مما ينبغي، تحصل على ميزة تنافسية غير متكافئة وغير عادلة، وينتقد شركاؤها التجاريون سعر صرف عملتها، لأنه مقوم بأقل من قيمته عن عمد. وكان هذا دائما هو السبب الأبرز وراء العلاقة النقدية المعقدة بين الولايات المتحدة والصين.

من ناحية أخرى، عندما تتسبب نقاط الضعف الأساسية في الاقتصاد الوطني في خفض قيمة العملة، لا يستطيع أحد التنبؤ بأدنى نقطة قد تصل إليها هذه العملة. من ثم سيستمر التضخم في معاقبة جميع السكان حتى تتم استعادة التوازن. وفى معظم الحالات، يأتي مثل هذا التوازن المطلوب مصحوباً بفاتورة سياسية واجتماعية باهظة.