ملخص
إحراج لحكومة السوداني وتعقيد لمشهد الميليشيات... هل تشعل "معادلة الردع" الأميركية الأجواء العراقية من جديد؟
تثير الضربات الأميركية الأخيرة على فصائل مسلحة موالية لإيران في العراق عديداً من التساؤلات حول إمكانية أن تتسبب تلك الضربات بإشكالات واسعة في أجواء الميليشيات الداعمة لحكومة محمد شياع السوداني، فضلاً عن احتمالية إثارتها إشكالات بين الحكومة العراقية وواشنطن، مما يعيد إلى الأجواء إمكانية تكرار سيناريو حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبدالمهدي.
وكانت القيادة المركزية الأميركية أعلنت في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) استهدافها خمسة مسلحين في كركوك قالت إنهم كانوا ينوون إطلاق طائرة مسيرة، وقالت في بيان إن "القوات المخصصة لقوة المهام المشتركة عملية العزم الصلب (CJTF-OIR) اشتبكت مع خمسة مسلحين كانوا يستعدون لإطلاق طائرة من دون طيار هجومية في اتجاه واحد".
وتابع البيان إن قواتها "ردت دفاعاً عن النفس باستخدام نظام جوي أميركي مسلح من دون طيار، مما أسفر عن مقتل جميع المسلحين الخمسة وتدمير الطائرة من دون طيار".
تعقيد إضافي
ولعل اللافت في بيان القيادة المركزية هو إشارتها إلى "إخطار قوات الأمن العراقية بالضربة، وتوجهت إلى الموقع، إذ أكدت مقتل المسلحين وتدمير الطائرة من دون طيار".
ويعقد بيان القيادة المركزية الأميركية الذي أشار إلى إخطار الجانب العراقي بالضربات المشهد بالنسبة إلى حكومة السوداني، خصوصاً مع الدعم الكبير الذي تحظى به من قبل غالبية الميليشيات الموالية لإيران.
ويمثل ما يجري على الساحة العراقية اختباراً ربما هو الأصعب على حكومة السوداني، التي لا يزال شكلها ومصيرها غامضاً مع تصاعد الإشكالات الداخلية خلال الشهرين الأخيرين، ولعل ما يبين بصورة واضحة وقوع الحكومة تحت ضغط وحرج كبيرين هو عدم إصدارها أي بيان إزاء الضربات الأميركية الأخيرة، على عكس ما جرى من استهدافات سابقة.
إضافة إلى الحكومة، فضل عديد من الميليشيات الداعمة لها الاكتفاء بالصمت أو إصدار بيانات محدودة إزاء ما جرى، في حين يرى مراقبون أن منسوب التصعيد في بيان ميليشيات "النجباء" يبدو "أقل حدة" مما كان عليه في السابق، مع تغير قواعد الاشتباك الأميركية من خلال توجيهها ضربات عسكرية بعد كل هجمة تقوم بها الفصائل المسلحة على قواعدها.
وكانت حركة "النجباء" شيعت في الرابع من ديسمبر خمسة من عناصرها الذي قتلوا جراء الغارة الأميركية، وتوعدت الميليشيات المسلحة القوات الأميركية "بدفع ثمن باهظ".
معادلة ردع جديدة
ويرى مراقبون أن محاولات تزعم "عنوان المقاومة" الذي يمثل بوابة التحكم في الحراك السياسي والاقتصادي في البلاد خلال السنوات الأخيرة، هي التي تزيد من احتمالات حصول إشكالات واسعة في أروقة حلفاء إيران، خصوصاً مع اعتماد تلك الفصائل على هذا العنوان في الصراع الانتخابي.
ويلفت الكاتب والصحافي العراقي أحمد الزبيدي إلى أن واشنطن تحاول خلال الفترة الأخيرة تطبيق "معادلة ردع جديدة من خلال اعتمادها استراتيجية الرد على كل ضربة تتعرض لها قواعدها في العراق".
وأضاف الزبيدي أن هذا النهج الجديد لدى صانعي القرار في واشنطن "سيزيد من حجم الأزمة داخل معسكر الفصائل الموالية لإيران"، خصوصاً كونها "تتزامن مع الإشكالات الأخيرة بين الفصائل الداعمة لحكومة السوداني التي تحاول صناعة نفوذ أوسع من خلال الانتخابات المحلية المقبلة، وبقية الفصائل التي تستمر في شن عمليات عسكرية ضد الوجود الأميركي".
وأشار الكاتب العراقي إلى أن مناسيب القلق بالنسبة إلى الفصائل المسلحة غير المشتركة بالعمليات العسكرية على الوجود الأميركي "تبدو مرتفعة بصورة كبيرة"، خصوصاً مع سعيها إلى "الحصول على أكبر تمثيل ممكن في الانتخابات المحلية المقبلة بالاعتماد على شعار مقاومة الوجود الأميركي".
ويبدو أن ما يجري خلال الفترة الأخيرة سيزيد من "تعقيد المشهد في معسكر الفصائل الموالية لإيران" بحسب الزبيدي الذي لفت إلى أن زعماء تحالف "نبني" الذي يضم معظم الميليشيات الموالية لإيران "يحاولون قدر الإمكان السيطرة على مستوى الأزمة وعدم السماح بظهور الانشقاقات إلى السطح في الأقل حتى موعد الانتخابات المحلية المقبلة"، مؤكداً أن ما يدفع حكومة السوداني إلى محاولة "تحجيم هجمات الفصائل على القواعد الأميركية" هي المخاوف من "احتمالية تكرار سيناريو حكومة عادل عبدالمهدي".
حرج كبير
ولا يتوقف مسار التساؤلات عند هذا الحد، إذ تفتح الضربات الأخيرة الباب أمام احتمالات عدة خصوصاً ما يتعلق بمسار حكومة السوداني، وما إذا كان سينحاز في لحظة ما بصورة كاملة إلى المعسكر الإيراني ويهدم الاتفاقات الأميركية الإيرانية التي أتت بحكومته في حال توسع جبهة الصراع بين واشنطن والميليشيات الموالية لإيران في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد مراقبون أن منسوب التصعيد بين واشنطن وحلفاء إيران سيبقى في "إطار محدود"، خصوصاً مع عدم رغبة حلفاء إيران القيام بتصعيد واسع قد يدفع واشنطن إلى القيام بما يشبه لحظة يناير (كانون الثاني) 2020، عندما اغتالت القوات الأميركية قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي.
وقال الباحث في الشأن السياسي حميد حبيب إن اللافت في القصف الأميركي الأخير للفصائل المسلحة هو "إعلان السفارة الأميركية أن واشنطن أبلغت حكومة السوداني بالضربات الأخيرة"، مبيناً أن ما جرى تسبب في "إحراج كبير للحكومة سواء داخلياً أو خارجياً".
وأضاف حبيب أن الحكومة العراقية في الوقت الحالي "واقعة تحت ضغط كبير من حيث التزاماتها الدولية أمام البعثات والقوات والمصالح الأجنبية على أرضه من جهة، والتزاماتها أمام الفصائل المسلحة التي أوصلتها إلى السلطة".
ولعل التعقيد الأكبر بالنسبة إلى حكومة السوداني هو الضغوط المحلية من قبل الميليشيات، كما يعبر حبيب، الذي يلفت إلى أن "السوداني واقع خلال الفترة الأخيرة بحرج كبير سواء من قبل الفصائل بقيامها بضربات متجاوزة إرادة حكومته، أو بالرد الأميركي على تلك الفصائل".
ويبدو أن موقف ميليشيات "عصائب أهل الحق" يعد الأكثر غرابة خلال الفترة الأخيرة، بحسب حبيب، الذي أشار إلى أن الميليشيات المسلحة باتت "تنأى بنفسها عن إبداء أي مواقف حاسمة إزاء الضربات الأميركية وتكتفي ببيانات الدعم أو الاستنكار مما يشير بصورة واضحة إلى تغير واضح وجوهري في تفكير وسلوك هذا الفصيل".
وتابع الباحث السياسي أن الفصائل الداخلة في الحكومة باتت "أكثر حذراً خلال السنة الماضية من إعلان مواقف متشددة إزاء الوجود الأميركي"، مبيناً أن سعيها إلى الحصول على "دور سياسي أكبر وقبول دولي" دفعها إلى "ضبط أجنحتها المسلحة والتقليل من أدوارها مقابل الأدوار السياسية"، مشيراً إلى أن ما يجري في العراق حتى الآن "لا يزال في حدوده الدنيا سواء من جانب الفصائل أو الجانب الأميركي".
خلافات تتصاعد
ويعزز تزامن الأزمات الداخلية بين الفصائل مع اقتراب الانتخابات المحلية المقبلة المخاوف من إمكانية أن تنعكس على قوة القوائم الانتخابية للفصائل المسلحة، خصوصاً مع تصاعد الخلافات الداخلية بين تلك الأطراف.
ويأتي القصف الأميركي الأخير بعد أيام قليلة على ظهور خلافات بين حركتي "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" التي بلغت حدوداً غير مسبوقة، بعد أن نشرت ميليشيات "الكتائب" بياناً ضم أسماء الفصائل المشتركة في قصف القواعد الأميركية واستثنت من البيان حركة "العصائب" التي عبرت بدورها عن امتعاضها مما سمته "تغييب دورها الواضح".
ويعتقد متخصص العلوم السياسية هيثم الهيتي أن الانشقاقات في أجواء الفصائل الموالية لإيران "حاضرة منذ فترة"، لكن طهران "لن تسمح بتطور تلك الإشكالات لتصل إلى مرحلة صراع حقيقي".
وأضاف الهيتي أن ما يعزز عدم حصول صراعات واسعة بين الميليشيات "معرفة تلك الأطراف أن الشروع نحو صراعات مباشرة سيمثل نهايتهم"، مردفاً "حتى لو تصاعدت الخلافات لتصل إلى تصادمات عشوائية لكنها لن تصل إلى مرحلة الحرب التي تهدد وجودهم".
وتابع متخصص العلوم السياسية أن ما يجري على الساحة الفصائلية في البلاد هو "تنافس على المصالح الشخصية واختلافات تتعلق بمستوى نفوذ كل فصيل على حساب الدولة العراقية، مدفوعة باقتراب الانتخابات المحلية"، لافتاً إلى أن ما يجري "لن يحرج الحكومة العراقية مطلقاً"، إذ إن حكومة بغداد أصبحت منذ مدة "مجرد دائرة علاقات عامة مهمتها تنسيق السياسة بين واشنطن وطهران".