Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام الغرب الأميركي... كل هذا العنف وهذه الفتنة

تدور داخل فضاءات موحشة تغذيها وعورة الجغرافيا وقهر التاريخ وكفاح البشر من أجل المساواة

يمتزج فيها الواقعي بالتخييلي والتاريخي بالأسطوري مما يعني أننا أمام نسيج بصري مركب (مواقع التواصل)

ملخص

لماذا لم تحظ أفلام الـ"ويسترن" بأهمية كبيرة من لدن النقاد؟

حين يفكر المرء في النماذج الفيلمية التي شاهدها في حياته أو التي بقيت ذات أثر كبير في سيرته على مستوى المشاهدة، يستحيل أن لا يجد أحد أفلام الـ"ويسترن" (الغرب الأميركي)، ذلك أن قوة هذا النوع السينمائي كبيرة في متخيل المتلقي، بخاصة تلك الأجيال الأولى التي وجدت نفسها مباشرة في صالات السينما مع هذه الأفلام.

لهذا تعد الـ"ويسترن" أحد أشهر أنواع الأفلام في تاريخ السينما ككل، وتتميز بطابعها السردي العنيف داخل فضاءات موحشة في عمومها، بل إن اتساع الجغرافيا وقهرها في الغرب الأميركي يدفعان السيناريست بصورة غير مباشرة إلى البحث عن نمط سردي رتيب تصبح فيه الأحداث الدرامية بمثابة مفتاح للفيلم.

 

 

وسينما الـ"ويسترن" عبارة عن أفلام مركبة يمتزج فيها الواقعي بالتخييلي والتاريخي بالأسطوري، مما يعني أننا أمام نسيج بصري مركب، من ثم فإن هذا الأمر يدفع الناقد بصورة ضمنية إلى شحذ ذائقته الجمالية وترسانته المفاهيمية لتفسير بعض المشاهد، ابتداءً من الكادر وسبب تمركز الكاميرا على نصف الشخصية، بكل ما توحي به من دلالات القوة وجبروتها تجاه الآخر إلى غير ذلك.

لكن، لم تحظَ أفلام الـ"ويسترن" بأهمية كبرى من لدن النقاد، على رغم أصالة الجيل الأول الذي عاين أفلامها وبواكيرها الأولى خلال ستينيات القرن الـ20 التي طالما اعتبرت الفترة الذهبية لهذه الأفلام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن ابتعاد النقاد عن أفلام من هذا القبيل ليس سهلاً ولا ينبغي التعامل معه على أساس أنه شيء عادي، ذلك أن أفلام الـ"ويسترن" تفرض على الناقد والمشاهد الرقي بتفكيره والغوص عميقاً في بنية صورها من أجل ملامسة جوهر هذه الصور ومدى تجذرها في تاريخ الغرب الأميركي.

عنف التاريخ

تطرح سينما الـ"ويسترن" عديداً من القضايا العلمية ذات العلاقة بين السينما والتاريخ، كونها أفلاماً عبارة عن حكايات وقع معظمها خلال القرن الـ18 في ظل تحولات سياسية واجتماعية شهدتها أميركا. لهذا يبقى مفهوم التاريخ أحد أهم المفاهيم التي يشتغل بها هذا النوع السينمائي. ففي كل فيلم يحضر التاريخ لا بوصفه أكسسواراً، وإنما باعتباره وجوداً مكرساً ومحركاً للأحداث الدرامية، فهو من يقودها وفق خيط سردي رتيب ومنتظم، بل إنه يموقعها داخل الزمان والمكان.

ويتعامل مخرجو الـ"ويسترن" مع التاريخ كبراديغم يدين الواقع ويعري خيباته ومرارته، ذلك أن منطقة الغرب الأميركي وبسبب اتساعها واستقرار غالب الفارين من العدالة والسجن والإعدام فيها، وأيضاً الخارجين عن السلطة الرسمية، فإن غالب موضوعات الـ"ويسترن" لا تخرج عن أسلوب العنف والحركة.

بل إن هناك من يعتبر أساليب عنف الـ"ويسترن" كانت بمثابة مختبر بصري أو مقدمات أولية لتبلور سينما الأكشن في ما بعد داخل ستوديوهات هوليوود. وعلى رغم اختلاف أسلوب العنف الهمجي المتوحش أحياناً والمستخدم داخل فضاءات أفلام الـ"ويسترن" وبين نظيرتها السينمائية الحديث، كما نراها في أفلام سيلفستر ستالون وجيتلي وأرلوند وجاكي شان، يظل العنف السمة البارزة في هذه الأفلام، إذ لا يخلو فيلم واحد من ثيمة العنف الذي يحضر وفق منطلقات بصرية مختلفة، تارة في صيغته المادية المتوحشة، وأخرى بصورة رمزية غالباً ما ينتهي أيضاً بصورة أخرى من العنف.

 

 

منذ بداية ستينيات القرن الماضي ارتأى جملة مخرجين من إيطاليا جعل منطقة الغرب الأميركي بمثابة فضاء أسطوري تنتسج حوله القصص والحكايات، ذلك أن هذه البقعة الجغرافية عرفت عديداً من الأحداث التاريخية التي عرفت بطابعها العنيف، كما تطالعنا في أفلام المخرج الإيطالي سيرغيو ليوني (1929 - 1989)، بل إن الأخير أثر بصورة كبيرة في مجمل أفلام الـ"ويسترن" التي ظهرت لاحقاً.

ففي نظر كثير من مخرجي هوليوود، يعد ليوني مرجعاً سينمائياً كبيراً في الـ"ويسترن"، بل إن كوينتين تارانتينو لا يخفي مدى تأثره بسينما هذا الرجل الذي طور الـ"ويسترن" وجعل فضاء الغرب الأميركي يدخل إلى متخيل الناس ووجدانهم. فأول مرة سيتعرف العالم على شساعة هذا الفضاء الذي سيشغل بحكاياته وصوره متخيلهم اليومي على مستوى المشاهدة، ويقودهم إلى البحث عن صوة حقيقية لهذه البقعة الجغرافية الساحرة بأراضيها وجبالها ووديانها وناسها.

يقول الناقد السينمائي الفلسطيني سليم البيك، "لم يكن انجذاب ليوني للغرب الأميركي نسخاً للنتاج الآتي من هناك، بل كان انبهاراً بالعالم البعيد، العالم الهجين الحديث الذي كان في طور التشكل بعد حرب أهلية طويلة، وذهب بسينماه إلى ذلك العالم ليقدم ثقافته وفنه الإيطاليين، ومبتعداً أكثر فقد جاء بالثقافات الإنسانية إلى هناك من استعارته لمشاهد من فيلم (يوجمبو) للياباني أكيرا كوروساوا إلى شخصيات الروائي الإسباني سيرفانتس الدونكيشوتية إلى أبطال (الإلياذة) اليونانية القديمة لهوميروس، إضافة إلى مجلات الـ(كوميكس) الإيطالية التي تابعها في طفولته".

قهر الجغرافيا

تحظى أفلام الغرب الأميركي بشعبية كبيرة لدى المجتمع هناك. فهم كثيراً ما اعتبروها امتداداً حياً وحقيقياً لنمط حياة تقليدية سابقة على وجودهم، بل إن الأميركيين أنفسهم يرون في هذه البقعة مكاناً لميلاد الأسطورة، لذلك تطالعنا غالب أفلام الـ"ويسترن" وهي تعالج قصصاً تدور حول مجرمين فارين من العدالة، أي إن المخرج يتعمد وضع رعاة البقر الذي ينتمون إلى منظومة اجتماعية قديمة مقابل سلطة جديدة تحاول التحكم في المنطقة وفرض قوانينها وأفكارها.

 

 

يوجه كثير من النقاد والباحثين المشتغلين في حقل التاريخ نقداً لاذعاً إلى الـ"ويسترن" بسبب غياب حقيقة هذه الأحداث التاريخية، متناسين أنهم أمام عمل سينمائي تخييلي لا علاقة له أحياناً بالواقع. فهو إذا كان يتعمد جعل الواقع سنده الفكري من حيث المرجع فإن نمط الكتابة وأسلوبها غالباً ما يجعلان المؤلف ينزع نحو التخييل الذي يعد شرطاً أساساً لميلاد المرجعية الجمالية داخل العمل السينمائي.

يعد فيلم تارانتينو "جانغو الحر" (2012) من بطولة جيمي فوكس وكريستوف والتز وليوناردو دي كابريو، أهم الأفلام التي قدمت الـ"ويسترن" بطريقة متخففة من ثقل الماضي، ذلك أن الفيلم على رغم أنه لا يخرج عن هذا النوع السينمائي، فإنه يقترح مجموعة من الأفكار الجديدة على مستوى الحبكة والسرد لتطوير الأفلام.

في هذا الفيلم أقحم تارانتينو عديداً من الوجوه السينمائية وجعلها تظهر بميسم جمالي آخر بعيداً من الصورة النمطية التي طالما طبعتهم بها استوديوهات هوليوود.

غاص كوينتين في عالم العبيد السود وحاول عبر هذا الفيلم أن يلامس ثقل ماضيهم على حاضر أميركا، لذلك تبدو مشاهد كريستوف والتز وكأنها تدين هذا الحاضر وتنتقد كل الميثولوجيات التي يتستر بها البيض.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما