ملخص
اضطرت "حركة الإنصاف" إلى تغيير قيادتها على الورق بصورة موقتة حتى لا تفقد رمزها الانتخابي خلال الانتخابات العامة المقررة عام 2024.
عقدت "حركة الإنصاف" في باكستان، أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد التي حكمت الدولة عام 2018، انتخابات داخلية عينت فيها زعيماً جديداً للحزب خلفاً لرئيس الوزراء السابق عمران خان الذي يواجه قضايا قانونية عدة قد تؤثر في أهليته للترشح إلى الانتخابات أو قيادة الحزب.
واضطرت "حركة الإنصاف" إلى تغيير قيادتها على الورق بصورة موقتة بعد أن ألغت لجنة الانتخابات الباكستانية الانتخابات الداخلية السابقة للحزب، وأمرت بإعادة إجرائها خلال 20 يوماً، حتى لا تفقد رمزها الانتخابي خلال الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في الثامن من فبراير (شباط) 2024.
وعادة ما تواجه الأحزاب السياسية في باكستان مثل هذه المشكلات عندما تكون معتوبة (مكروهة) من قبل الدولة، إذ تضطر إلى تغيير قيادتها بصورة موقتة لتفادي المآزق القانونية والاستبعاد المحتمل من الانتخابات بصورة كاملة، وهذا ما ذكره جوهر خان الزعيم الجديد لـ "حركة الإنصاف" الذي عبر عن نفسه بأنه خليفة عمران خان، وأن قيادة الحزب أمانة بين يديه إلى حين عودة الزعيم السابق الذي سيظل الزعيم الحقيقي للحزب.
ويرى بعض المتخصصين في الشأن الباكستاني أن عمران خان أصاب في قراره تعيين زعيم جديد للحزب، لأن ذلك سيزيد فرص مشاركته في الانتخابات العامة، إضافة إلى أن مثل هذه القرارات ليست فريدة في التاريخ السياسي للبلاد.
تاريخ التضييق السياسي
ويمتد تاريخ التضييق على الأحزاب السياسية ومنع زعمائها من قيادة الحزب أو الترشح للانتخابات في باكستان إلى عشرات الأعوام، وغالباً ما يكون سبب هذا التضييق المواقف السياسية التي تتبناها الأحزاب والشخصيات المعتوبة، لكن الوسيلة التي تفرض من خلالها القيود عادة ما تكون القضايا القانونية، أو تقع أحياناً حوادث عنف من قبل بعض أفراد الحزب تضفي الشرعية على حملات القمع على الحزب بأكمله.
ويمكن تتبع هذه القيود إلى عام 1975 حين عوقب "حزب الشعب الوطني" بإجراءات صارمة بعد مقتل أحد زعماء "حزب الشعب" وهو حيات شيرباو بانفجار أثناء اجتماع عام، واتهم "حزب الشعب الوطني" بالوقوف وراء هذه الحادثة، واُعتقل رئيسه ولي خان مع بقية قادة الحزب، لتتولى بيغم نسيم ولي خان زعامة الحزب، ويضطر الحزب بعد ذلك إلى تغيير اسمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الفريق الطيار المتقاعد أصغر خان كان مثالاً آخر لقائد سياسي اضطر إلى التخلي عن زعامة حزبه في ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان يترأس أكبر حزب معارض لحكومة ذوالفقار علي بوتو باسم "حركة الاستقلال"، قبل أن يتخلى عن الزعامة عقب انقلاب ضياء الحق على حكومة بوتو، ثم عاد أصغر خان لرئاسة الحزب حتى جرى دمج حزبه مع "حركة الإنصاف" عام 2011.
يذكر أن أصغر خان هو الزعيم السياسي الوحيد في باكستان الذي أسس حزبين سياسيين في حياته، هما "حزب العدالة" أولاً ثم "حركة الاستقلال"، وعلى رغم أنه كان يتمتع بمكانة بارزة في السياسة الباكستانية وخوضه الانتخابات أكثر من مرة، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى البرلمان ولو لمرة واحدة.
قادة الأحزاب خارج البرلمان
وشهدت السياسية الباكستانية تحولاً عندما قام الجنرال الراحل برويز مشرف بالانقلاب على حكومة نواز شريف عام 1999، وبدأ حزبا "الشعب" و"الرابطة الإسلامية" بمواجهة التضييقات والقضايا القانونية، فلجأ بعدها الحزبان إلى تغييرات داخلية في هيكلتهما.
وأثناء حكم مشرف، عندما أعلن عن إجراء الانتخابات عام 2002، شعر "حزب الشعب" بأنه يمكن استبعاده من الانتخابات بسبب إدانة زعيمة الحزب بينظير بوتو التي كانت تعيش في منفى اختياري آنذاك، لذا لجأ إلى استراتيجية فريدة لتجنب المأزق القانوني، وهي إعلان تشكيل حزب سياسي جديد يترأسه أحد قادة "حزب الشعب" الذي لا يواجه قضايا قانونية.
وبالفعل خاض الحزب الجديد الانتخابات في ذلك الوقت، ولم يتعرض للحل بعد عودة بينظير بوتو، بل لا يزال واجهة انتخابية لـ "حزب الشعب" إلى اليوم.
وفي المقابل واجه حزب "الرابطة الإسلامية" بقيادة نواز شريف مصيراً مماثلاً أثناء حكم برويز مشرف، إذ اضطرت عائلة شريف إلى الخروج من البلاد بسبب التضييق السياسي، ولم يبق في باكستان إلا حمزة شهباز ابن أخ نواز شريف، فيما تولى قيادة الحزب في تلك الأثناء السياسي المخضرم جاويد هاشمي الذي بقي في منصب رئاسة الحزب لحين عودة نواز شريف.
وبحلول عام 2016 اضطر نواز شريف مرة أخرى إلى التخلي عن رئاسة الحزب وتولى الزعامة بعده أخوه شهباز شريف الذي أصبح رئيساً للوزراء عام 2021.
وكانت انتخابات عام 2002 الأولى بعد انتهاء حكم ضياء الحق الذي لم يكسب فيه "حزب الرابطة الإسلامية" أو "حزب الشعب"، بل لم يتمكن قادة الحزبين من الترشح للانتخابات والحصول على المقاعد البرلمانية، كما أن نواب الحزبين شكلوا المعارضة في البرلمان الذي يحكمه آنذاك الحزب المفضل لمؤسسات الدولة.
الرئيس العسكري السابق الجنرال برويز مشرف الذي كان له يد كبيرة في استبعاد هذه الجماعات أثناء فترة حكمه، دخل مجال السياسة وشكل حزباً باسم "رابطة مسلمي عموم باكستان" بعد تقاعده وأصبح رئيساً له، لكنه استقال من رئاسة الحزب السياسي لأسباب صحية وسياسية، ليسجل اسمه في قائمة الزعماء الذين تخلوا عن قيادة أحزابهم.
وواجهت الحركة القومية المتحدة مأزقاً مماثلاً بعد خطاب مثير للجدل لقائدها المنفي ألطاف حسين، إذ اضطرت قيادة الجماعة إلى التخلي عن زعيمها وتشكيل جماعة سياسية أخرى لا علاقة لها به.
مقاطعة الانتخابات خطأ لا يغتفر
وأدركت الأحزاب السياسية في باكستان أن مقاطعة الانتخابات ليست حلاً نتيجة التضييق الذي تواجهه، لأن غياب الحزب عن المشهد الانتخابي يكون كارثياً لشعبيته ويصعب عليه استعادة مكانته السياسية بعد ذلك، لذا شارك كل من حزبي "الشعب" و"الرابطة" في انتخابات عام 2002 على رغم التضييق والقضايا التي كانا يواجهانها.
ويعود سبب اختيار زعيم جديد لـ "حزب الإنصاف" اليوم لذلك أيضاً، لأنه لا يريد أن يستبعد من الانتخابات بصورة كاملة، ولا سيما أنه مر بتجربة مريرة عندما قاطع انتخابات عام 2008 وترك المساحة أمام منافسيه.
وأخيراً تلجأ الأحزاب السياسية إلى استراتيجيات مختلفة تشمل تغيير قيادة الحزب أو تشكيل حزب جديد أو التخلي عن زعيم الحزب خلال الفترة التي تكون فيها معتوبة من قبل مؤسسات الدولة، حتى لا تغيب عن المشهد السياسي بصورة كاملة، وتنتظر تغيير الأحوال السياسية أو موقف المؤسسات القوية أو تغيير قيادة الجيش حتى تتمكن مرة أخرى من الانضمام إلى الأنشطة السياسية مرة أخرى.
وتعد "حركة الإنصاف" التي يقودها عمران خان أحدث ضحايا التضييق السياسي، لذا تحاول الجماعة، على رغم تغييب قيادتها، المشاركة السياسية بقدر ما تستطيع، وأن تخوض الانتخابات المقبلة على رمزها السياسي وتحشد أكبر قدر من الدعم الشعبي قبل وأثناء الانتخابات، لتعود مرة أخرى إلى المشاركة الفاعلة في السياسية الباكستانية.
نقلاً عن "اندبندنت أوردو"