بدأ الناخبون في مصر، الأحد، الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى على مدى ثلاثة أيام، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يفوز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي بفترة رئاسية ثالثة.
وسيمنح الفوز السيسي ولاية مدتها ست سنوات تتمثل الأولويات العاجلة خلالها في ترويض التضخم شبه القياسي ومعالجة النقص المزمن في العملة الأجنبية ومنع اتساع رقعة الصراع بين إسرائيل و"حماس" في غزة.
وترددت الأغاني الوطنية بمراكز الاقتراع في القاهرة، حيث انتشرت صور السيسي في الأسابيع التي سبقت الانتخابات. وانتشرت قوات مكافحة الشغب على مداخل ميدان التحرير وسط العاصمة.
واصطف مصريون خارج المراكز التي فتحت أبوابها عند التاسعة صباحاً (07:00 ت غ). وبعد ثلاثة أيام من الاقتراع تختتم الانتخابات عند الساعة 19:00 (ت غ) الثلاثاء، على أن تعلن النتائج الرسمية في الـ18 من ديسمبر (كانون الأول)، مع ضرورة حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة لتجنب إجراء جولة إعادة في أوائل يناير (كانون الثاني).
وأدلى السيسي بصوته في لجنة انتخابية بمدرسة في حي مصر الجديدة بالقاهرة، ولم يدلِ بأي تصريحات للصحافيين.
كما أدلى المرشح حازم عمر بصوته في القاهرة، ودعا المصريين إلى المشاركة بقوة في التصويت "انزلوا... اختاروا، الشعب هو السيد، وإرادتكم لن تتحقق إلا بمشاركتكم".
ويحق لنحو 67 مليون مصري التصويت، بحسب الهيئة الوطنية للانتخابات، من إجمالي عدد السكان البالغ 104 ملايين نسمة.
وتأتي الانتخابات في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة اقتصادية وحرباً على حدودها مع غزة.
3 تحديات في انتخابات محسومة
وفي حي عابدين بوسط القاهرة، تجمع عشرات المصريين من أعمار مختلفة، غالبيتهم من النساء، أمام مدرسة تستخدم مركز اقتراع أحيط بانتشار أمني كبير، بحسب صحافي من وكالة الصحافة الفرنسية.
ورفعت لافتات كتب عليها "اخرج وشارك"، بينما صدحت في المكان أغنيات وطنية.
وقالت سيدة خمسينية قبل الإدلاء بصوتها، "لنكن واقعيين، هذه انتخابات محسومة للسيسي، بسبب عدم معرفة الناس بالمنافسين".
وأضافت "على رغم الغلاء وصعوبة الحياة فإننا بحاجة إلى شخص يستطيع التعامل مع ما يحدث على الحدود مع غزة".
واصطحب الناخب ياسر بسيوني (48 عاماً)، موظف حكومي، ابنته وابنه إلى لجنة انتخابية في مدرسة بحي التجمع الخامس بشرق القاهرة، التي كانت تصدح فيها الأغاني الوطنية عبر مكبرات للصوت، وقال إنه سيعطي صوته للسيسي.
وقال بسيوني "لازم الولاد يفهموا إن الوطنية والمشاركة مهمة. مفيش (لا يوجد) أنسب من الرئيس السيسي في المرحلة الحالية والضغوط الاقتصادية أمر على مستوى العالم، ولازم (لا بد) نصبر ونستحمل عشان نعدي (كي تمر) المرحلة دي".
وقالت صابرين خليفة، عاملة نظافة تبلغ من العمر 40 سنة ولديها خمسة أطفال، إنها ستعطي صوتها للسيسي.
وذكرت في مركز اقتراع بمحافظة الجيزة "هصوت له (السيسي). لكن عايزينه (نريده) يخفض الأسعار والأكل والدوا والإيجار... كلها أسعارها غالية كيلو البصل بـ60 جنيه... ما بناكلش اللحمة إلا في العيد".
وتجري الانتخابات تحت إشراف قضائي، وسيُسمح لمنظمات المجتمع المدني المحلية والأجنبية المعتمدة بمراقبة التصويت.
حالة من اللامبالاة
وتأهل ثلاثة مرشحين لخوض الانتخابات ضد السيسي، هم فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي (يسار وسط)، وعبدالسند يمامة من حزب الوفد الليبرالي العريق الذي بات اليوم هامشياً، وحازم عمر من الحزب الشعبي الجمهوري.
وحثت السلطات ووسائل الإعلام المحلية المصريين على الإدلاء بأصواتهم، على رغم أن بعض الناس قالوا إنهم لم يكونوا على علم بموعد إجراء الانتخابات في الأيام التي سبقت الاقتراع. وقال آخرون إن التصويت "لن يحدث فارقاً يذكر".
ولا تثير هذه الانتخابات حماسة المصريين، بعد أن ألقت الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة المجاور ظلالها على الحملة الانتخابية التي أجريت في نوفمبر (تشرين الثاني).
وقالت آية محمد، (35 سنة)، تعمل في مجال التسويق "كنت أعلم أن هناك انتخابات، ولم يكن لديَّ علم بموعدها، وعرفت به من الدعاية للرئيس عبدالفتاح السيسي في شوارع مصر، لكن لديَّ تجاهها حالة من اللامبالاة".
وبعد إطاحة الشعب المصري في عام 2013 الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، جاء عبدالفتاح السيسي رئيساً للبلاد.
وجرت حملة اعتقالات طاولت النشطاء الليبراليين واليساريين والمنتمين إلى تيار الإسلام السياسي، التي تقول جماعات حقوقية إنها أدت إلى سجن عشرات الآلاف.
ويقول السيسي ومؤيدوه إن الحملة كانت ضرورية لتحقيق الاستقرار في مصر ومواجهة التطرف. وقدم السيسي نفسه على أنه حصن للاستقرار مع اندلاع الصراع على حدود مصر في ليبيا، وفي وقت سابق من هذا العام في السودان وغزة.
وفاز السيسي في الدورتين الرئاسيتين السابقتين عامي 2014 و2018 بعد حصوله على 97 في المئة من الأصوات.
وأقرت السلطات المصرية في عام 2019 تعديلات دستورية سمحت بتمديد فترة الولاية الرئاسية إلى ست سنوات بدلاً من أربع سنوات.
وألغت التعديلات شرطاً صريحاً يحظر على أي رئيس الاستمرار في الحكم لأكثر من فترتين رئاسيتين واستبدلته بنص يقول إنه لا يجوز لشخص أن يتولى الرئاسة لأكثر من مدتين رئاسيتين متتاليتين.
وتضمنت التعديلات مادة انتقالية سمحت بتمديد فترة ولاية السيسي الثانية إلى ست سنوات بدلاً من أربع وأتاحت له الترشح لفترة ثالثة وفقاً للقواعد الجديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ظروف ليست مثالية
يقول الناشط السياسي الصحافي خالد داوود إن الانتخابات تأتي "في ظل جو خانق وقمع للحريات والسيطرة التامة (من قبل السلطات) على الإعلام الرسمي والخاص وإصرار الأجهزة الأمنية على منع المعارضة من العمل في الشارع".
وأضاف داوود "لسنا واهمين أن الانتخابات تجري في ظروف مثالية أو تلبي الضمانات التي طالبنا بها لكي تتمتع بالمصداقية والنزاهة".
غير أنه أكد أنه سيشارك ويعطي صوته لفريد زهران "لتصل رسالة واضحة وصريحة للنظام الحالي: إننا نطمح إلى التغيير ونتمسك به، وبعد 10 سنوات من إدارته البلاد أصبحنا في وضع شديد الصعوبة وتدهورت الأوضاع المعيشية للمصريين ونواجه خطر الإفلاس بسبب سياسات النظام الحالي".
ضغوط اقتصادية
لكن الضغوط الاقتصادية أصبحت القضية المهيمنة بالنسبة إلى عدد سكان مصر الذي يتزايد بسرعة، ويبلغ نحو 104 ملايين نسمة، إذ يشكو بعض الناس من أن الحكومة أعطت الأولوية للمشروعات الضخمة المكلفة، بينما تتحمل الدولة مزيداً من الديون ويعاني المواطنون ارتفاع الأسعار.
وتسببت سنوات من الاقتراض بمبالغ كبيرة من الخارج في تراكم ديون خارجية ثقيلة على مصر وفي شح النقد الأجنبي اللازم لشراء السلع الأساسية، وتقول بيانات البنك المركزي إن أقساط الديون المستحقة في عام 2024 هي الأعلى مستوى على الإطلاق عند 42.26 مليار دولار في الأقل.
وأظهرت بيانات لوزارة المالية المصرية أن فاتورة مستحقات الدين المحلي والخارجي لمصر زادت إلى أكثر من المثلين في الربع من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
كذلك لامس التضخم في البلاد 40 في المئة، وفقدت العملة المحلية 50 في المئة من قيمتها، مما أدى إلى انفلات الأسعار، وفاقم من الأوضاع الصعبة للمواطنين إذ يعيش 60 في المئة من سكان مصر حول خط الفقر.
وفي أحدث محاولة لخفض الأسعار، أعلن مجلس الوزراء في أكتوبر (تشرين الأول) عن اتفاق مع منتجي القطاع الخاص وتجار تجزئة على خفض أسعار المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك السكر، بنسبة من 15 إلى 25 في المئة بعد ارتفاع التضخم إلى مستوى قياسي.
لكن تلك الجهود لم تسجل نجاحاً يذكر. وفي غضون أسابيع قفز سعر التجزئة لعديد من السلع الرئيسة، ومنها السكر الذي لامس حاجز الـ55 جنيهاً مصرياً (1.78 دولار) من نحو 35 جنيهاً في أوائل أكتوبر.
ويقول مراقبون إن الانتخابات، التي كان من المتوقع إجراؤها أوائل عام 2024، جرى تقديم موعدها حتى يمكن تنفيذ التغييرات الاقتصادية، بما في ذلك تخفيض قيمة العملة الضعيفة بالفعل بعد التصويت.
وأوضح صندوق النقد الدولي، الخميس الماضي، أنه يجري محادثات مع مصر للاتفاق على تمويل إضافي في إطار برنامج قروض قائم بقيمة 3 مليارات دولار أميركي تم توقيعه في ديسمبر 2022، وذلك بعد أن توقف صرف شرائحه إثر تعثر بسبب تأخر مبيعات أصول الدولة والتحول الموعود نحو سعر صرف أكثر مرونة.
وقال كبير الاقتصاديين في "القاهرة كابيتال" للاستثمارات المالية هاني جنينة، وهو بنك استثماري، "تشير جميع المؤشرات إلى أننا سنتحرك بسرعة كبيرة بعد الانتخابات في ما يتعلق بالمضي قدماً في برنامج الإصلاح الذي حدده صندوق النقد الدولي".