ملخص
تسعى السلطات التونسية من وراء محاولة تكريس خيار المحاكمات عن بعد إلى تخفيف الضغوط عن قاعات المحاكم
تعكف السلطات في تونس على تكريس سياسة جديدة للعمل القضائي من خلال المحاكمات عن بعد، في وقت تشهد فيه المحاكم اكتظاظاً ووسط متاعب في خصوص نقل المساجين من مراكز توقيفهم بحسب ما ذكرت أوساط قضائية.
وقامت محكمة سوسة (شرق) بتجربة جديدة للمحاكمات عن بعد من خلال ربط قاعة المحكمة بالسجن، الذي يقبع فيه المتهمون، إذ استجوبوا ثم أدلى المحامون بمرافعاتهم قبل أن يعلن القاضي قراراته في حقهم.
وتجارب المحاكمات عن بعد ليست وليدة اللحظة في تونس، إذ أملتها في البداية جائحة كوفيد – 19 التي فرضت على البلاد كما معظم دول العالم حجراً صحياً، لكن السلطات في طريقها لإعادة اعتماد هذه التجربة على أمل تطوير العمل القضائي.
استراتيجية جيدة
وتسعى السلطات التونسية من وراء محاولة تكريس خيار المحاكمات عن بعد، إلى تخفيف الضغوط عن قاعات المحاكم، بحيث لن يكون إجبارياً حضور المتهمين إلا لمن يحاكمون وهم بحالة سراح.
وحاولت السلطات التونسية تهيئة الظروف التقنية والقانونية قبل تبني هذه السياسة على غرار مرسوم أصدرته الحكومة السابقة من أجل السماح للمحاكم بإجراء محاكمات عن بعد، وذلك بعد استشارة النيابة العامة. وقال القاضي بمحكمة سوسة عبدالحكيم بن جمعة، إن "المحاكمات عن بعد هي تجربة رائدة لها كثير من الإيجابيات إذ لا يتكبد السجين عناء التنقل بين السجن والمحكمة".
وأردف بن جمعة وهو أول قاض تونسي يدير محاكمة عن بعد، بحسب ما نقلت عنه إذاعة "موزاييك أف أم" المحلية، أن "هذه الآلية تضمن المحاكمة العادلة التي تشمل حرية التعبير والتحرر من الضغوط، كما يمكن لمحامي المتهم أن يدافع عن موكله سواء من داخل السجن أو من قاعدة المحكمة".
ومن جانبه اعتبر المحامي حازم القصوري أن "هذه السياسة جيدة خصوصاً على مستوى حماية المساجين، فخلال التنقل من السجن إلى المحكمة هناك أخطار كبيرة". وأوضح القصوري أن "هذه المحاكمة هي مثل المحاكمة التقليدية يمكن أن تضمن للسجين أو المتهم البراءة أو الإدانة، وهي خطوة تحسب لعملية تطوير العمل القضائي في تونس الذي كان في السابق رهين البيروقراطية وآليات تقليدية مثل ظروف نقل المساجين"، وشدد على أن "هذه خطوة جيدة يمكن البناء عليها ويمكن أن تمهد لرقمنة شاملة للمحاكم التونسية كافة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتقادات ومخاوف
ولم تضمن سياسة المحاكمات عن بعد حالاً من الإجماع حولها في تونس، إذ انتقد محامون وحقوقيون اللجوء إليها خصوصاً في غياب بنية تحتية ملائمة ومواتية، مما من شأنه أن يضع نجاحها على المحك. وقال المحامي محمد أمين بن سعد إن "البنية التحتية في المحاكم التونسية تفتقد لأبسط الآليات، مجرد الوثائق والأقلام لا نجدها فما بالك بمحاكمات عن بعد التي تتطلب آليات متطورة، لذلك لا أعتقد أن الدولة ستمضي فيها، على رغم التفاؤل الذي أحيط بالمحاكمات التي جرت في ولاية سوسة".
وأبرز بن سعد أن "العدالة في تونس هشة وتعاني مشكلات كبيرة، ناهيك عن أن المحاكمات عن بعد من الكماليات وليس من الضروريات التي تحتاج إليها قصور العدالة في البلاد".
وظل القضاء في تونس طوال السنوات الماضية رهينة للتجاذبات السياسية لاسيما بين "حركة النهضة" الإسلامية وخصومها، بعد تولي القيادي البارز بالحركة نور الدين البحيري حقيبة وزارة العدل في فترة حكم الحزب بين عامي 2011 و 2013 حين عزل عدداً كبيراً من القضاة.
وتكررت التجربة بعد انفراد الرئيس قيس سعيد بمعظم الصلاحيات في عام 2021، إذ حل المجلس الأعلى للقضاء وعزل 57 قاضياً في خطوة أثارت جدلاً وانقسامات واسعة.
وانتقدت "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" آلية المحاكمات عن بعد، إذ قالت نائبة رئيسها نجاة الزموري، إن "هذه التجربة لم تطور، وليس لدى تونس الإمكانات الكافية ولا التجارب ولا المختصين لاعتماد هذه الآلية في التقاضي".
ولفتت الزموري "لجأنا لها في زمن تفشي كوفيد – 19 اضطراراً ولم يكن مختصون فيها، لذلك نحن لدينا مخاوف جدية من أن يقود تعميم هذه التجارب لهضم حق المتهمين أو المتعلق بهم قضايا".
وختمت الناشطة التونسية بالقول "أعتقد أن هناك تسرعاً كبيراً في المراهنة على هذه التجربة من المحاكم التي اعتمدتها، لأن الإنسان الوحيد الذي ستهضم حقوقه هو المتقاضي، ولن يقع ضمان المحاكمة العادلة له لأنها تجربة لم تطور بعد".