ملخص
تنشط الحركة الدبلوماسية بين إسرائيل ولبنان في محاولة أخيرة لتقديم مخارج تجنب البلدين حرباً شاملة
تعكس حركة الوسطاء الدوليين المكوكية بين تل أبيب وبيروت، وجود تبادل رسائل وطروحات بين الجانبين "حزب الله" وإسرائيل، وتحاول هذه الوساطات الدولية نزع فتيل التفجير في الأمتار الأخيرة الفاصلة عن الحرب الكبرى، إذ يبدو أن المطلب الإسرائيلي بإبعاد الحزب عن الحدود إلى ما بعد نهر الليطاني (جنوب) كي يطمئن قلب الإسرائيليين فيعودوا إلى قراهم وبلداتهم المحاذية لـ"الخط الأزرق" وتنفيذ القرار الدولي 1701.
ووفق مجريات الأمور، فإن المعارك "المضبوطة" بين "حزب الله" وإسرائيل ستستمر ضمن حدود عدم الانجرار إلى حرب شاملة مرحلياً إلى حين مشارفة معركة غزة على الانتهاء أو إلى حين التوصل إلى آلية تضمن وجود منطقة عازلة لإسرائيل ووضعها تحت إدارة أممية من خلال قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل" مع ضمان حريتها في التحرك وتنفيذ مهمتها من دون عقبات.
الخروج من المأزق
ووفق المعلومات، هناك عديد من الأفكار التي يتم تبادلها محلياً مع "حزب الله" أو دولياً مع إيران، وكلها تنطلق من مقاربة القرار الدولي 1701 الذي توقفت الأعمال العسكرية بين الحزب وإسرائيل بموجبه عام 2006، وإبعاد القدرة الصاروخية للحزب إلى عمق 30 كيلومتراً، كذلك القوات الخاصة التي تعتبرها إسرائيل أنها خاضت تدريبات تحاكي اقتحام المستوطنات الشمالية بسيناريو شبيه لما قامت به "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويشير بعض التقارير المسربة إلى تبلور أفكار بدأت تحظى بالموافقة الإقليمية، تقضي بانسحاب مقاتلي الحزب وتفكيك المنظومات الصاروخية ومخازن الأسلحة الموجودة جنوب الليطاني، مع إبقاء الحزب على مجموعات تابعة له مجهزة بسلاح دفاعي تقليدي، إضافة إلى نشر نقاط مراقبة بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل".
وتتضمن هذه الأفكار وجود قاعدة عسكرية فرنسية ومواقع حدودية في الجانب اللبناني تضمن تنفيذ تعهدات الحزب من الجانب اللبناني، في حين تنتشر قوات أميركية من الجانب الإسرائيلي لضمان عدم قيام الجيش الإسرائيلي بهجمات غير مبررة تجاه الأراضي اللبنانية.
انتشار الجيش
ووفق تقديرات مصدر عسكري لبناني، فإن الجيش يحتاج إلى نشر نحو 12 ألف جندي في المواقع العسكرية والثكنات المنتشرة في الجنوب واستحداث مواقع إضافية لضمان السيطرة العسكرية على كامل الحدود والعمق الاستراتيجي، كاشفاً عن أن العدد الحالي المنتشر لا يتجاوز أربعة آلاف عسكري، وأنه في حاجة إلى تطويع ما بين ستة وثمانية آلاف عنصر. ويؤكد أن الجيش يستعد لفتح باب التطوع لتعبئة الحاجات الداخلية للبلاد ونشر أعداد على الحدود اللبنانية - السورية، مشيراً إلى أنه في حال طلب من الجيش توسيع وجوده في مناطق جنوب نهر الليطاني فإن الجيش يحتاج لموازنة ضخمة، متسائلاً عن إمكان تأمينها عبر موازنة الحكومة اللبنانية، وموضحاً أن الكلفة تتضمن، إضافة إلى رواتب العسكريين، تجهيز مواقع وثكنات ومعدات لوجيستية وتقنية وآليات عسكرية.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قد حذر "حزب الله" من تصعيد القتال على الحدود، مضيفاً أن ما تفعله إسرائيل في غزة يمكن أن تفعله في بيروت. وقال في مقطع مصور بثته قنوات تلفزيونية إسرائيلية "حزب الله يجر لبنان إلى حرب قد تندلع".
حرب مع وقف التنفيذ
ورأى نائب معارض في البرلمان اللبناني أن كل المعطيات والرسائل التي وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين تؤكد أن إسرائيل اتخذت قرار الحرب ضد "حزب الله" مع وقف التنفيذ نتيجة الضغوط الأميركية المستمرة لمنع توسعها إلى لبنان أو تحولها إلى حرب إقليمية. وبرأيه، لولا التدخل الأميركي، لكانت إسرائيل بدأت حرباً واسعة تجاه لبنان منذ الأسابيع الأولى لـ"طوفان الأقصى"، إلا أن أميركا تحاول إيجاد مخارج وسطية عبر المفاوضات غير المعلنة التي تجرى مع إيران بالتنسيق مع وسطاء إقليميين ودوليين. ولفت إلى أن المهلة لبت المساعي الدبلوماسية والطروحات المتعددة التي تنطلق من قاعدة القرار الدولي 1701 ليست مفتوحة وقد لا تتجاوز العام الجديد بأقصى تقدير، مشيراً إلى أن عدم تجاوب إيران و"حزب الله" سيجر البلاد بشكل حتمي إلى حرب شاملة لن تبقى ضمن نطاق الجنوب اللبناني.
"ميني" حرب
وفي السياق، رأى المحلل السياسي علي حمادة أن التصعيد لن يصل إلى حد نشوب حرب مفتوحة على جانبي بين لبنان وإسرائيل، إذ، على رغم أن الخط البياني الصاعد للمناوشات، بدأ يشبه المواجهات، فإنه لن يمر وقت طويل قبل أن يتحول إلى "ميني" حرب. وأشار إلى أن الحزب يلتزم بالقرار الإيراني الذي يفرض عليه حتى الآن عدم التورط في حرب مفتوحة مع إسرائيل، لافتاً إلى أن الحسابات الإسرائيلية قد تتناقض مع الحسابات الإيرانية، ومشيراً إلى أن أخطار تفلت الحسابات الميدانية وارد بأي لحظة، مستنداً إلى المخاوف التي أعلنتها، أكثر من مرة، قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" التي ترى "أن تزايد احتمالات حدوث خطأ بالتقدير قد يؤدي لنزاع أوسع على الحدود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف حمادة أن إسرائيل ترى نفسها بظرف ملائم لتوسيع رقعة الحرب على الجبهة الشمالية، حيث الالتزام الأميركي بالتدخل ضد أي طرف ثالث يواجهها، مما يؤدي إلى تغير قواعد اللعبة مع الحزب، لفرض ترتيبات أمنية تقام بموجبها منطقة عازلة. وبرأيه، في حال تمت معالجة إشكالية الـ13 نقطة الحدودية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل كثمن للمنطقة العازلة التي تتجاوز 30 كيلومتراً عن "الخط الأزرق" الذي تم ترسيمه بموجب القرار الدولي 1701، ستبقى قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبة معلقة، بتقاطع مصالح يحتاج إليه الطرفان، لا سيما "حزب الله" الذي يحتاج إلى شعار "استكمال التحرير" لتبرير وجود سلاحه.
الانفجار الكبير
وأكد النائب السابق مصطفى علوش أن لبنان لم يتخطَ مرحلة الحرب حتى لو انتهت حرب غزة، كون إسرائيل مصممة على تطبق القرار 1701، ولو عبر توسيع الحرب باتجاه لبنان، مضيفاً أن "من الصعب جداً تخطي مرحلة الحرب القائمة"، وأن المرجح دخول لبنان الحرب الشاملة بقرار من إسرائيل وليس "حزب الله". ولفت إلى أن الحزب يدرك أن دخوله في مواجهة كبرى مع إسرائيل، سيستجلب دخولاً فورياً للولايات المتحدة على خط المعارك، مما سيتسبب بتدمير لبنان وإضعاف الحزب بشكل كبير. وبرأيه، لن يتضح مسار الأمور قبل بداية عام 2024، حيث لا يمكن التنبؤ بأي مسار ستسلكه الحرب ومتى موعد الانفجار الكبير، بما أن "حزب الله" لا يزال يمثل قوة إيرانية في لبنان.
مفتاح باب المندب
في المقابل، رأى المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى "اليونيفيل" العميد منير شحادة أن قرار دخول إسرائيل في حرب مفتوحة مع "حزب الله"، سيكون مدمراً للجيش الإسرائيلي، مؤكداً أنه لن تكون هناك منطقة عازلة ولا انسحاب للحزب شمال نهر الليطاني. وكشف عن أن إسرائيل تخشى الصواريخ الذكية والمتطورة التي يمتلكها الحزب، مشدداً على أنه لو كانت إسرائيل قادرة على شن حرب لقامت بذلك منذ اليوم الأول ولم تنتظر طوال المرحلة الماضية، إذ برأيه، إسرائيل تعرف جيداً القدرات العسكرية التي يمتلكها "حزب الله". وأشاد بما يقوم به الحوثيون من تحركات عسكرية، وصفها بأنها "أخطر عمل يمكن أن يؤثر في العالم كله"، إذ استطاعوا تأكيد "وحدة الساحات" من اليمن إلى لبنان إلى العراق، وأكدوا للعالم أنه يمتلكون "مفتاح باب المندب".