Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هو قائد الجيش الروسي غيراسيموف الذي أصبح كبش فداء بوتين؟

يعد القائد العسكري الأعلى أهم جنرال في بلاده منذ أكثر من 10 سنوات، لكن غزو أوكرانيا - ومحاولة التمرد التي شنتها مجموعة المرتزقة "فاغنر" - أضعفته إلى حد كبير

فاليري غيراسيموف مع فلاديمير بوتين في روستوف على الدون، روسيا في 19 أكتوبر 2023 (عبر رويترز)

وقف فاليري غيراسيموف، ذاك المارد الأشيب والمتجهم الوجه، ينتظر فلاديمير بوتين أمام مدخل مركز القيادة العسكرية في جنوب روسيا، على مسافة 60 ميلاً (100 كيلومتر) من الحدود الشرقية الأوكرانية.

أغلق قبضتي يديه بإحكام وأنزل ذراعيه إلى جانبي جسمه، وكأنه تلميذ ينتظر مدير المدرسة. لقد كان ذلك في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكان رئيس الأركان العامة الروسية، وكبير الرجالات العسكرية في إمرة بوتين، قد عين، في يناير (كانون الثاني) الماضي، في منصب قائد عمليات غزو أوكرانيا.

لا شك في أن هذه الخطوة هي أشبه بإقدام صاحب ناد لكرة القدم على تعيين المدير ككابتن لفريقه في الملعب. وفي حين أن مهام غيراسيموف، منذ تعيينه رئيساً لهيئة الأركان العامة عام 2012، كانت تقوم على تحديد استراتيجيات شاملة، وجد نفسه مضطراً، منذ يناير 2023، إلى التدخل أيضاً في وضع التكتيكات يوماً بيوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الأشهر التسعة التي تلت تعيينه، وبفضل الدفاع القوي الذي أظهرته قوات كييف بمساعدة ودعم من الأسلحة الغربية، لم تحتل القوات الروسية إلا 180 ميلاً مربعاً (289 كيلومتراً مربعاً) من الأراضي الأوكرانية، أي ما يوازي نسبة 0.08 في المئة من أوكرانيا. من ثم تلقى غيراسيموف كثير من الملامة، واتهمه عدد كبير من أصحاب مدونات الحرب القوميين، الذين يسمح لهم انتقاد مسار الحرب، بأنه المسؤول عن عدم تمكن قوة عسكرية كبرى - يفترض أن تكون قد خضعت لتحديثات مكلفة في السنوات الـ15 الماضية - من الاستيلاء على مساحات أكبر من دولة أصغر حجماً في جوارها.

أما الناقدون الغربيون، فاعتبروا الجيش الروسي ساذجاً، وغير مجهز بالشكل المناسب، وارتأوا أن ردود فعله بطيئة، وأن التركيبات القيادية المشبوهة تعرقل تحركاته.

والحال أن مسيرة غيراسيموف، حتى انطلاق الغزو الشامل لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، قد اتسمت بقدرة مذهلة على التأقلم.

فعندما كان طالباً يافعاً في المدرسة الحربية، نجح في تخطي نقصاً كان يعانيه في الحدس الطبيعي، "عبر انقضاضه على قراءة أكوام من الكتب العسكرية من تأليف واضعي نظريات عسكرية روسيين"، وفق ما أكده المحلل السابق في الاستخبارات الأميركية سيث جونز، الذي أدرج سيرة غيراسيموف في كتاب بعنوان "ثلاثة رجال خطرين" Three Dangerous Men. وقد انتهى المطاف بأن يصبح غيراسيموف من ألمع الطلاب [في المدرسة الحربية].

وعندما أصبح قائد دبابة في بولندا عام 1977، كان عمره آنذاك 22 عاماً، وبعد ذلك احتل مكانة بين كبار ضباط المنطقة العسكرية البلطيقية في مطلع التسعينيات في إستونيا، وشاهد المجموعات الغربية المؤيدة للديمقراطية، وهي تسهم في إطاحة النظام السوفياتي. وبالفعل، انهار الاتحاد السوفياتي بالكامل في عام 1991، فكانت نهاية الحرب الباردة، من دون أن تطلق الولايات المتحدة ولا حتى رصاصة. وقد سمح هذا كله "بصقل مهارات غيراسيموف على صعيد استخدام استراتيجيات وتكتيكات الحرب الهجينة، مهارات بدأ يلحظها الآخرون عندما أصبح بارعاً فعلاً فيها"، وفق ما كشف عنه جونز لـ"اندبندنت".

وفي قفزة سريعة إلى عام 2014. فبعد أن أمضى غيراسيموف سنوات على دراسة كيفية استخدام الولايات المتحدة لوسائل الحرب غير التقليدية، بما يشمل العمليات الخفية المؤثرة، لتحقيق أهداف تقليدية، رأيناه يساعد على ضم شبه جزيرة القرم ومصادرتها من أوكرانيا، وقد أشرف، في وقت لاحق من السنة عينها، على مهام "رجال خضر صغار" - يلبسون البزة العسكرية الخضراء الروسية ويحملون أسلحة روسية – بينما قاموا بالاستيلاء على مساحات من منطقتي لوغانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا. والواقع أن هذا اللقب [أي الرجال الخضر الصغار] قد ظهر بعد أن رفضت موسكو الاعتراف بتورطها [في عمليات شرق أوكرانيا] وحاولت الإيحاء بأن هؤلاء [الرجال الصغار الخضر] انتموا إلى مجموعات "دفاع ذاتي" محلية، بيد أن بوتين اعترف لاحقاً بأن جنوداً روسيين شاركوا في عمليات القرم وبأن "خبراء عسكريين" وجدوا في شرق أوكرانيا.

ولا شك في أنها كانت أكبر عملية استيلاء على أرض، أقدمت عليها أية دولة سيادية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

في سياق متصل، قال خبير التاريخ الروسي مارك غاليوتي: "لقد اعتبر بوتين نفسه محاطاً بعدد كبير من الأشخاص الذين وعدوا ولم يفوا، باستثناء رجل واحد كان يحرص على إنجاز المهام الموكلة إليه، وكان بوتين يقدر ذلك فعلاً".

وفي مقال بعنوان "خواطر عن الصراعات العسكرية المستقبلية" Thoughts on Future Military Conflict صدر عام 2018، كتب غيراسيموف مفتخراً: "إن نطاق الصراعات المحتملة شاسع إلى حد كبير".

لكن مساء ذلك اليوم البارد من شهر أكتوبر، وعندما نزل بوتين من سيارة الدفع الرباعي السوداء الكبيرة التي كان يستقلها، لم يكن لدى غيراسيموف ما يفتخر به. فوقف كسير الخاطر، بينما قابله بوتين مستقيماً.

في سياق مواز، كتب محللا الحرب المرموقان مايك كوفمان وروب لي قائلين: "إن غيراسيموف أطلق هجوماً غير مدروساً وسيئ التوقيت في أرجاء [شرق أوكرانيا] في أواخر يناير الماضي"، مضيفين أن "الجيش الروسي، الذي لا يزال في طور التعافي، ليس مؤهلاً لتنظيم عمليات هجومية، بالنظر إلى النواقص والشوائب على صعيد نوعية قواته، وتجهيزاته، وذخائره".

ومن ثم جاءت محاولة التمرد الفاشلة التي أقدم عليها يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة المرتزقة "فاغنر" التي تولت قواتها معظم العمليات الروسية في شرق أوكرانيا، بما يشمل المعركة الطويلة والدامية للاستيلاء على باخموت. والحال أن تلك المدينة اعترت أهمية رمزية كبرى بنظر الطرفين، وتخطت إلى حد كبير أهميتها التكتيكية، بالنظر إلى كثرة الجنود الذين خسروا حياتهم فيها، من الطرفين. ومع أن قوات "فاغنر" رفعت العلم الروسي في باخموت، لكن المعارك عند أطراف المدينة وفي محيطها لا تزال محتدمة.

وقد بقي بريغوجين يتوجه بالكلام إلى غيراسيموف، في فيديوهات غاضبة تزايد فيها استعمال الألفاظ النابية، وتناول فيها ما اعتبره موطن فشل عسكري تكتيكي روسي، وقلة دعم لرجاله. وبالنظر إلى مكانة بريغوجين والعلاقة الطويلة التي كانت تجمعه ببوتين، كان كلامه محرجاً للكرملين. وعندما بدأ بريغوجين تمرده في 23 يونيو (حزيران) الماضي، سارت قواته باتجاه موسكو، من مركز قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية نفسه الذي زاره بوتين لاحقاً في أكتوبر، بيد أن بريغوجين أوقف مساعيه التمردية في نهاية المطاف، على مسافة 125 ميلاً (201 كيلومتراً) من العاصمة، بعد توصله إلى تسوية مع الكرملين. لكن ما حصل شكل أكبر وأهم تحد واجهه بوتين منذ سنوات.

والحال أن بريغوجين، الذي عاد وتوفي في حادثة تحطم طائرة بعد شهرين، قال إن التمرد لم يكن يستهدف بوتين، بقدر ما كان "مسيرة لتحقيق العدالة"، كان الهدف منها إطاحة قادة روسيين منعدمي الكفاءة، حملهم مسؤولية إفساد الحرب في أوكرانيا، وقد شمل هؤلاء القادة غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو.

وفي أعقاب التمرد الفاشل، لم يظهر غيراسيموف علناً لأكثر من أسبوعين، إلى أن نشرت وزارة الدفاع الروسية لقطات عنه، ظهر فيها وهو يتحدث إلى بعض الجنود، علماً أن فترة تواريه عن الأنظار هذه كانت حافلة بالتكهنات حول مصيره.

وخلال الصيف، أطلقت كييف هجوماً مضاداً ضد الجبهات الروسية، وحققت في مطلعه بعض الانتصارات، مستعيدة بعض القرى جنوباً، ووجهت بعض الضربات المهمة على موانئ وقواعد روسية في شبه جزيرة القرم، لكن من دون تسجيل أي تحول نوعي على جبهة القتال الأمامية. ويعزى الأمر جزئياً إلى أن جبهات الدفاع بقيادة غيراسيموف امتلكت وقتاً كافياً لتستعد للقتال، بينما كانت كييف تنتظر وصول وثقة أسلحة جديدة من الغرب.

لكن بقاء روسيا في موقع دفاعي لم يكن ذلك ليروق لبوتين.

ومع ذلك، ظهر الرئيس الروسي مبتسماً في اللقطات المأخوذة عن اجتماعه في أكتوبر الماضي مع غيراسيموف، وقد علقت فوق رأسيهما صورة لبوتين نفسه.

وفي سياق موازٍ، كشف تحديث استخباراتي صادر عن وزارة الدفاع البريطانية أن غيراسيموف قام، في الأشهر القليلة التي تلت ذلك الاجتماع، بإرسال نحو 8 كتائب روسية للمشاركة "عمل هجومي كبير" على بلدة أفدييفكا البالغة الأهمية، التي تقع على الجبهة الأمامية شرقي أوكرانيا. لكن واقع الحال كان يشير، لحظة كتابة هذا المقال، إلى أن الهجوم المذكور أودى بحياة الآلاف، من دون تسجيل أي تغيير يذكر في مواقع الجبهة الأمامية.

باسترجاع مجرى الأحداث أخيراً، سنرى أن لقاء أكتوبر يستدعي طرح سؤالين: لماذا فشل غيراسيموف في أوكرانيا، حيث حقق النجاحات فيما مضى؟ ولماذا يتركه بوتين في منصبه - أقله في الوقت الراهن؟

وقد اعتبر غاليوتي الجواب سهلاً وبسيطاً. فبرأيه، "يشن غيراسيموف هذه الهجمات بغض النظر عما قد ينتج منها من خسائر كارثية في الأرواح، وعن كون هذه العمليات تفتقر إلى الفاعلية في غالب الأحيان، لأن هذا ما يريده بوتين"، مضيفاً أن "ما يريده هذا الأخير هو مواجهة حربية عنيفة وفاعلة".

وأضاف "أعتقد أن غيراسيموف يدرك أن مسيرته مرهونة بالكامل، أولاً وأخيراً، بولائه لبوتين. ولعله يعرف كم أن تصرفاته عقيمة وفارغة، بالقسم الأكبر منها، لكنني أتصور أنه لا يرى أمامه أي خيار غير القيام بما يطلب منه، لأن هذا ما يحصل في ظل الاستبداد الشامل المرتبط بما يفرضه شخص واحد".

من ثم، وفي مقابل جميع الإنجازات التي حققها غيراسيموف، تتصف مسيرته اليوم بولاء أعمى لبوتين، وليس بالمهارة العسكرية.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير