ملخص
لم تعد حقن "أوزمبيك" متوفرة لمن يحتاج إليها من مرضى السكري في ظل استخدامها العشوائي لمكافحة زيادة الوزن
أصبحت حقن "أوزمبيك" المخصصة أساساً للمساهمة في معالجة مرضى السكري أكثر العلاجات انتشاراً لمكافحة السمنة، ومع زيادة الطلب عليها حصلت الفوضى في المبيع والشراء وأصبح المواطن يلجأ إلى السوق السوداء لتأمينها.
وتؤكد تلك الظاهرة صعوبة محاربة الفساد في لبنان على رغم جهود تبذلها بعض الجهات. وتتكرر هذه الفضائح خصوصاً في مجال الصحة لتظهر أن التلاعب بصحة المواطن بات مستباحاً في ظل غياب الرقابة والمحاسبة. وقضية حقن "أوزمبيك" المغشوشة ليست إلا إحدى نتائج التفلت الحاصل، إذ أثبت وجود 11 إصابة بآثار جانبية على أثر تلقي العلاج المزور، تطلبت إحداها الدخول إلى المستشفى، فباتت قصة جديدة تضاف إلى ملف الأدوية المزورة، خصوصاً أن المواطن بات يلجأ أكثر فأكثر إلى السوق السوداء و"تجار الشنطة" في السنوات الأخيرة وبطريقة عشوائية، في ظل انقطاع الدواء، بحثاً عما ينقصه من عقاقير، مما يعرض صحته وحياته للخطر.
علاج للسكري أولاً
وتعتبر حقن "أوزمبيك" من الأدوية الغالية الثمن التي يزيد فيها مجال الربح بالنسبة إلى التجار الذين لا تعنيهم صحة الناس وتأتي مصالحهم في المرتبة الأولى. وتزيد هذه الخطورة على المواطن نظراً إلى الانتشار الواسع الذي حققته الحقن التي وجدت أولاً كعلاج فاعل لمرضى السكري، قبل أن يظهر لاحقاً دورها الفاعل في معالجة السمنة. فمن تلك اللحظة، أصبحت هذه الحقن أكثر العلاجات رواجاً لمكافحة زيادة الوزن، وزاد استخدامها العشوائي وغير المدروس. وأوضحت طبيبة أمراض الغدد الصم والسكري كارول سعادة أن "علاج أوزمبيك هو من فئة ناهضات الببتيد المشابه للغلوكاغون GLP-1، وتكثر أنواع هذه الفئة من العلاجات. وهي في الواقع متوافرة في لبنان من عام 2010 بعلامات وأسماء مختلفة، تعتبر كلها ممتازة. استطاعت هذه الحقن أن تغير خصوصاً مسار علاج مرض السكري من النوع الثاني، نظراً إلى فاعليتها العالية المثبتة. ووفق التوصيات الأوروبية والأميركية توصف هذه الحقن للمريض المصاب بأمراض في الكلى والقلب أحياناً. لكنها شهدت انتشاراً واسعاً عندما ظهرت فاعليتها في مواجهة السمنة التي تعتبر من الأمراض الخطرة ولا ترتبط بالناحية الجمالية فحسب. وهي في غاية الفاعلية للتخلص من الشحوم على الكبد".
ويوصف علاج "أوزمبيك" لمعالجة السمنة بجرعة أعلى لتكون فاعلة، وتختلف الجرعة أيضاً بحسب ما إذا كان من يعاني السمنة مريض سكري أيضاً. لكن في مقابل فاعلية حقن "أوزمبيك" لا تخف الدكتورة سعادة أن "لها آثاراً جانبية، وإن كان من الممكن السيطرة عليها بإشراف الطبيب، وباتخاذ إجراءات معينة، منها ما يرتبط بطريقة تلقيها في البداية مع اتباع حمية معينة في الوقت ذاته للحد من الآثار الجانبية، إضافة إلى المتابعة النفسية، وإلا فلا تعتبر حقن أوزمبيك علاجاً سحرياً كما يعتقد كثر. وثمة من يتلقون العلاج طوال ثلاث سنوات من دون فائدة في حال عدم المتابعة النفسية، علماً أن العلاج يوصف أيضاً لمن يعانون ارتفاعاً في ضغط الدم ومن يعانون حالة انقطاع النفس أثناء النوم، والنساء اللاتي يعانين متلازمة تكيسات المبيض".
انتشار نتيجته الفوضى
أما الفوضى التي حصلت في أسواق الدواء، لا سيما في مبيع وشراء "أوزمبيك" فسببها الفاعلية المثبتة لتلك الحقن في معالجة السمنة. وبات من يحتاج إليها يعاني فقدانها في السوق، بينما يتلقاها أياً كان بطريقة عشوائية من دون استشارة طبيب، ويخزنها البعض للتخلص من بضعة كيلوغرامات زائدة. واستغل تجار السوق السوداء النقص الحاصل في الأسواق، غير آبهين بصحة الناس، وإذ بهم يضعون الأنسولين في حقن "أوزمبيك" مما يسبب هبوطاً حاداً في السكري يهدد الحياة. علماً أن تزوير حقن "أوزمبيك"، مشكلة واجهتها دول عدة أخيراً ولا تقتصر على لبنان.
وقالت الطبيبة اللبنانية إن "من النتائج الطبيعية لعلاج أوزمبيك خفض الشهية، أما الشعور بالجوع إثر تلقيه فيدل على أن الحقن مغشوشة. وغالباً ما يكون محتوى الحقنة قد استبدل بالأنسولين مما يسبب هذا الشعور بالجوع وعدم القدرة على السيطرة على الشهية. وفي هذه الحال، يلاحظ أيضاً الهبوط الحاد في السكر في الدم والدوار وفقدان الوعي، فيكون الأثر سريعاً ويستدعي دخول المستشفى أحياناً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن لا بد من التمييز بين علاج "أوزمبيك" المغشوش وذاك المهرب. فالعلاج المهرب لا يشكل خطراً على من يتناوله، بل يفتقد الفاعلية. إنما الخطورة هي عندما تكون الحقن مغشوشة وقد تهدد الحياة أحياناً. أما الحالات الـ11 المثبتة فليست الوحيدة التي تعرضت للأذى بسبب حقن "أوزمبيك" المغشوشة، بل هناك عشرات الحالات سابقاً. لكن قد تكون هذه أولى الحالات التي بلغت عما جرى معها.
انطلاقاً من ذلك، لا بد من التشديد على أهمية التوجه إلى صيدلية موثوقة، خصوصاً أن الغش في هذا المجال موجود حتى في بعض الصيدليات، كما أن إشراف الطبيب والحصول على وصفة طبية أساسية تجنباً للمخاطر. وبهذه الطريقة يحصل على العلاج من يحتاج إليه، بدلاً من أن يتناوله أياً كان بطريقة عشوائية ولمجرد التخلص من كيلوغرامات قليلة زائدة كما يحصل حالياً. أما ما يساعد على التمييز بين العلاج الأصلي وذاك المغشوش، فهو وجود ملصق الوكيل الشرعي عليه Mersaco))، والتحقق من عدم وجود تلاعب بتاريخ انتهاء الصلاحية، وأيضاً من أن القلم غير قابل للتمدد، وأن الجرعة بالميلليغرامات.
للوقاية من زيادة بسيطة في الوزن
من جهته أكد وزير الصحة العامة فراس الأبيض في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن "برنامج اليقظة الدوائية الخاص بوزارة الصحة العامة يلعب دوراً أساسياً في مكافحة الفساد والتزوير في مجال الدواء من خلال نظام التتبع، فيمكن للمواطن أن يبلغ عن أعراض معينة أو آثار جانبية ناتجة من دواء، مما يستدعي التحقيق في المشكلة لأنها قد تكون أحياناً من الأعراض الطبيعية للدواء".
وتأتي الأدوية في "طبخات" متعددة، ويمكن أن تكون هناك مشكلة في التصنيع في "طبخة" ما. وعلى أثر التبليغ يمكن الحرص على سحب الدواء المعني من الأسواق في البلد، كما حصل سابقاً مع سحب أدوية معينة. لكن مع علاج "أوزمبيك" هناك مشكلة على مستوى العالم لأن الكميات التي تنتج منه أقل بكثير من حجم الطلب. فدوره لا يقتصر على معالجة السكري بل السمنة أيضاً، وكثر يتناولونه عشوائياً لمجرد التخلص من بضعة كيلوغرامات زائدة. لا بل أكثر بعد، يتناوله البعض للوقاية من زيادة الوزن. والمشكلة في لبنان بأن الأدوية قد تعطى "من دون وصفة طبية". وأضاف الأبيض "بما أن الكميات المتوافرة في الأسواق اللبنانية لم تعد كافية لتلبية الطلب، لجأ بعض الصيادلة إلى تأمين حقن أوزمبيك من مصادر أخرى، وتحولت إلى تجارة، كما وجد محتالون سهولة في تزوير العلاج بكلف متدنية، بينما تتنوع نسبة الخطورة بحسب المنتج البديل الذي يعتمدونه، سواء مع أوزمبيك أو أي دواء آخر. وهنا دور نظام تتبع الدواء، وأهمية الحرص على اللجوء إلى الصيدليات الموثوقة، والتبليغ في حال الشك في شأن دواء ما. وبعد تحقيق وزارة الصحة، والتواصل مع الشركة المنتجة يمكن بلوغ النتيجة المرجوة واتخاذ التدابير اللازمة".
والمطلوب، بحسب وزير الصحة اللبناني، أن "يعتمد الكل على الأدوات الرقمية لمكافحة الفساد والتزوير والتهريب في مجال الدواء، فيما يحارب البعض التحول في هذا الاتجاه".
11 تبليغاً وعشرات الحالات الأخرى
وأوضحت مديرة برنامج جودة الدواء واليقظة الدوائية في وزارة الصحة العامة ريتا كرم أن "المشكلة الأساسية التي نعانيها هي لجوء المريض غالباً إلى مصادر غير موثوقة لتأمين الدواء عندما لا يكون متوافراً. وعلاج أوزمبيك يعد من الأدوية التي يلجأ كثر إلى السوق السوداء لتأمينه. أما الحالات المعنية بالحقن المغشوشة فكان من الممكن الوصول إليها من خلال برنامج اليقظة الدوائية الذي يتتبع الآثار الجانبية التي تسجل للأدوية، إضافة إلى الأدوية المزورة. ومن خلال تطبيق ميدسايفتي MedSafety السهل الاستخدام، ويمكن لأي مواطن في حال الشك بوجود مشكلة في الدواء أن يبلغ عنها من خلاله، إضافة إلى إمكانية الاتصال لتبليغ وزارة الصحة بآثار جانبية أو في حال الاشتباه بوجود أدوية مزورة". وأضافت كرم أنه "في حال التبليغ نقوم بدارسة علمية استناداً إلى معايير منظمة الصحة العالمية، ويجرى تحقيق مع تتبع للآثار الجانبية. لكن في حالة هذه الحقن يصعب معرفة مصدر الدواء ورقم الطبخة، لأن المواطنين الذين بلغوا لم يوفروا بوضوح كل البيانات اللازمة حتى تتخذ الإجراءات وتسحب من السوق، كما يحصل عادة في مثل هذه الحالات بقرار من الوزير لحماية المواطن من الأدوية المغشوشة".
ويبدو أن الأشخاص الذين بلغوا عما حصل معهم كانوا يستخدمون سابقاً الدواء الأصلي وقد لاحظوا تغييراً فيه لفت أنظارهم. ولاحظوا خصوصاً هبوطاً حاداً وغير معتاد في مستوى السكر في الدم، إضافة إلى أن القلم بدا مختلفاً عن ذاك الأصلي المستخدم سابقاً، ولا تطابق بينهما.
وبعد تتبع الحالات وإجراء التحقيقات اللازمة تواصلت وزارة الصحة مع الشركة المنتجة للحقن، وكان من الممكن التأكد من وجود طبخات من العلاج في الأسواق اللبنانية لم تنتجها، مما دفعها إلى سحبها. لذلك تؤكد كرم "ضرورة التبليغ عند الاشتباه بوجود مشكلة فيه. مع الإشارة إلى أن الحقن التي كانت هناك مشكلة فيها ليست من الأدوية المستوردة، ولا من الوكيل كما تبين في التحقيق".