Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتهاكات لا تزال تمثل "قاعدة" في إثيوبيا

عدد المجتمعات المتضررة من النزوح والجوع والتعدي على حقوق الإنسان بسبب الصراع العنيف لا يزال مثيراً للقلق

إحدى التظاهرات الاثيوبية المطالبة بايقاف انتهاكات حقوق الانسان (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

النزاعات المسلحة لا تزال تمثل قاعدة أساسية في التعاطي مع المطالب السياسية

أصدرت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان (EHRC) تقريراً  تضمن مسحاً شاملاً لحالة حقوق الإنسان في إثيوبيا، بمناسبة الذكرى الـ75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

واحتوى التقرير الذي حمل عنوان "من أجل إيجاد حلول مستدامة وسلمية للصراعات المستمرة في إثيوبيا"، توثيقاً موسعاً لمزاعم انتهاكات في أكثر من إقليم، داعياً السلطات على جميع المستويات إلى المشاركة في "عمليات شفافة وشاملة" تضمن حلولاً دائمة ومستدامة للنزاعات العنيفة، ونبه التقرير إلى تداعيات هذه الصراعات، بما في ذلك النزوح والجوع وانتهاكات حقوق الإنسان الأوسع، التي لا تزال تشكل مصدر قلق كبير.

وورد في التقرير أن "عدد المجتمعات المتضررة من النزوح والجوع وانتهاكات حقوق الإنسان بسبب الصراع العنيف لا يزال مثيراً للقلق"، وبينما اعترفت اللجنة ببعض التقدم على المستويين الإقليمي والاتحادي، فقد عبرت عن قلقها إزاء عدد المجتمعات المتضررة من النزاع والنزوح، داعية  الحكومة إلى تعزيز الشراكات مع أصحاب المصلحة لتعزيز مبادرات بناء السلام والعدالة الانتقالية.

العدالة الانتقالية

وبحسب التقرير فإن ذلك يستلزم وضع الصيغة النهائية لمشروع "العدالة الانتقالية" المقترح من حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وأن يرتكز على الضحايا والبدء في عملية الحوار الوطني الشامل، بما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان الدولية.

وشدد على أهمية المشاركة الهادفة للنساء اللاتي عانين بشكل غير متناسب من الانتهاكات، أثناء النزاعات الداخلية التي شهدتها البلاد خلال الأعوام الماضية.

وتضمن التقرير تفاصيل مهمة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، كان معظم ضحاياها من المدنيين في مناطق أمهرة وبينيشانغول غوموز وأوروميا، موثقاً لما قال أنها "هجمات أسفرت عن مقتل مدنيين وتشريد وإيذاء غير المقاتلين وتدمير الممتلكات".

وتشمل الحوادث التي تحققت منها اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان، الاشتباكات العرقية في أمهرة والغارات المسلحة في بنيشانغول غوموز في الـ29 من الشهر الماضي. وأودت الهجمات في أوروميا بحياة عشرات من المدنيين، مع استهداف غير المقاتلين في الغالب في المنازل وأماكن العبادة.

 

 

في المقابل قال رئيس مفوض اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان دانييل بيكيلي "إن القيم الأساسية للإعلان العالمي ينبغي أن توجه جهود حقوق الإنسان في إثيوبيا"، وحث المسؤولين على إعطاء الأولوية للحلول السياسية والعدالة الانتقالية والأحكام التي تسهل العودة الآمنة للنازحين مع تجديد الدعوات للتدخل إلى منع وقوع مزيد من الضحايا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "على رغم تسجيل تقدم ملحوظ على مستوى الكم، فإن الانتهاكات لا تزال تثير قلق اللجنة الحقوقية" مشيراً إلى أن مشروع العدالة الانتقالية المقترح على رغم أهميته، فهو بحاجة إلى إعادة صياغته بما يتناسب والمعايير الدولية، بما في ذلك ضمان عدم إفلات الضالعين في الانتهاكات من العقاب. 

ونوه "أن النزاعات المسلحة لا تزال تمثل قاعدة أساسية في التعاطي مع المطالب السياسية"، مؤكداً أن جهود مفوضيته تنصب على "الدفع لتغيير هذه القاعدة، على أن يصبح الحوار هو القاعدة الرئيسة لحل المشكلات السياسية". 

القاعدة والاستثناء 

بدوره يتفق المتخصص بشؤون إثيوبيا محاري سلمون في حديث لـ"اندبندنت عربية"، مع رؤية المفوضية أن العنف بات يمثل ظاهرة ثابتة في الواقع السياسي الإثيوبي، مشيراً إلى أن الجماعات المسلحة والسلطات الإثيوبية يسهمان بشكل متساو في ترسيخ هذه القاعدة الشاذة.

إذ إن ثمة قناعة ترسخت لدى الجماعات السياسية ذات الخلفية القومية، مفادها بأن مطالبها لن تتحقق إلا عبر السلاح، فيما أن تاريخ تعاطي الأنظمة السياسية المتعاقبة في البلاد مع المطالب القومية، غالباً ما يتصف بالتجاهل إلى حين أن تشكل تلك القوى خطراً على السلطة وعلى الاستقرار السياسي والاجتماعي عبر تشكيلات مسلحة. 

ويضيف سلمون أن الأنظمة الإثيوبية، لم ترس أية قواعد للحوار مع القوى المدنية، وعلى العكس من ذلك، فهي غالباً ما ترضخ للحوار مع الحركات المسلحة التي تحمل ذات المطالب القومية. ويوضح أن ذلك عائد للخلفية الاجتماعية لحكام الهضبة الحبشية والمخزون الفكري والسياسي، الذي لا يعترف بالحوار السلمي مع المختلف سياسياً وفكرياً وإثنياً، مشيراً إلى أن صعود ما كان يعرف بـ"تيار التغيير" للسلطة برئاسة آبي أحمد، مثل فرصة ثمينة لتجاوز هذا الواقع، إلا أنه سرعان ما تراجع  عن وعود التغيير والحوار السلمي، مع اندلاع الحرب قي تيغراي (نوفمبر 2020)، إذ خاض الجيش النظامي المتحالف مع ميليشيات الأمهرة حرباً ضروساً ضد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، خلفت حوالى مليون من الضحايا، بين قتيل ومصاب ونازح . 

ويضيف "على رغم التوصل إلى اتفاق بريتوريا للسلام، إلا أن مقرراتها لا تزال تراوح مكانها، خصوصاً ما يتعلق باجراء تحقيقات حول مزاعم الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، التي يصل بعضها إلى جرائم ضد الانسانية". 

 

 

ويصف المتخصص بالشأن الإثيوبي ذلك الاتفاق باعتباره "صفقة بين طرفين مسلحين لإسكات الرصاص"، فيما لم يتقدم في مسار الاستحقاقات الرئيسية للاتفاق، وأهمها: محاكمة الضالعين في تلك الجرائم، ويعتقد أن الطرفين الحكومي والجبهة معنيان بالتنصل من بعض بنود الاتفاق، لأنهما متورطان بشكل أو آخر في وقوع تلك الانتهاكات، وبالتالي فكلاهما معني بحماية عناصره من المتابعة القضائية، وتحقيق العدالة الناجزة. 

الافلات من العقاب 

في سياق متصل يرى سلمون أن تقرير اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان وثق جزءاً من تلك المزاعم، فيما ظلت المنظمات الحقوقية الدولية تقدم تقارير أكثر شمولاً، عن انتهاكات واسعة تضمنت شهادات لأشخاص عاشوا تجارب قاسية، بما فيها النساء اللاتي تعرضن لانتهاكات جنسية، مرجحاً "وجود اتفاق ثنائي بين طرفي النزاع، على حجب هذا الملف" نظراً إلى تعارضه مع مصالح تقاسم السلطة. 

ويقدم  تجارب الدول الإفريقية في هذا الشأن، أهمها تجربتا جنوب أفريقيا بعد سقوط نظام الأبارتايد، إذ تأسست "لجنة الحقيقة والمصالحة" للوقوف على الانتهاكات، وتجربة رواندا بعد الإبادة الجماعية، إذ أنشأت حوالى 11 ألف محكمة مجتمع (مجلس الحكماء) لمحاكمة المشتبه بهم في القيام بالإبادة الجماعية، قبل الانتقال للنظام الجديد. ويضيف على رغم عما اعترى التجربتين من تحديات وقصور، فإنهما نجحا في تجاوز جروح الماضي. 

وبالمقارنة بين الحالتين وحالة إثيوبيا الراهنة، يقول سلمون "إن السلطات الرسمية في اديس ابابا، ومنذ توقيع اتفاق بريتوريا للسلام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وهي تحاول طي صفحة الحرب، من دون معالجة حقيقة لتداعياتها، ومن دون تحقيقات موسعة للضالعين في الجرائم، مؤكداً أن ذلك يسهم في توسيع احتمالية اندلاع الحرب مرة أخرى. 

فض الاشتباك 

بدوره ثمن الناشط الحقوقي الإثيوبي تامرآت كاسا، جهود اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان، معتبراً "أنها تعمل في ظروف قاسية، وتحت ضغوط قوية من السلطات الرسمية"، مضيفاً "أن التقرير الأخير يضع الملح على جرح الحروب"، ويسهم في تعميق النقاش حول حقيقة الانتهاكات المرتكبة سواء في تيغراي، أو إقليم الأمهرة وأروميا. 

ويرى كاسا أن الحكومة الفيدرالية لا تبذل الجهد الكافي، للكشف عن وقائع ما ظل يجري خلال السنوات الخمس الماضية، بما في ذلك الحرب في تيغراي، ثم الحروب الجارية الآن في إقليمي الأمهرة وأروميا . 

ويقدر كاسا أن هناك ضرورة ملحة لمعالجة هذا الملف، مشيراً إلى أن المعالجة ينبغي أن تبدأ بفض الاشتباك بين ما هو سياسي وجنائي، ففي حين يحق للحكومة توقيع اتفاقات وعقد تسويات حول الملف السياسي، فإن الملف الجنائي لا ينبغي أن يخضع للإملاءات السياسية الداخلية أو الخارجية. 

ويقدر أن ما تحقق من معاهدة بريتوريا، لم يتجاوز واقع إنفاذ بند وقف إطلاق النار، فيما غابت الاستحقاقات الأخرى.  وينوه أن النزاعات المسلحة، لا تزال تسيطر على المشهد السياسي الإثيوبي، مما يعني أن هناك ضحايا جدداً يسقطون كل يوم، كما هو الحال في إقليم الأمهرة.

ويختم كاسا بالقول إن المخرج الوحيد للأزمة الحقوقية في البلاد، يتمثل في انتهاج الحوار بديلاً من البندقية، والسعي إلى إقامة هيئة وطنية للمصالحة، تشارك فيها الجماعات الحقوقية المحلية والدولية، تسهم في كشف الحقائق وتضمن عدم إفلات المتسببين في هذه الأزمات من العقاب، مع ترجيح مبدأ العفو والمصالحة. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير