ملخص
يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية إن قطاع غزة يعاني أزمة جوع لم تعشها البشرية في العصر الحديث
على رصيف أحد الطرق الرئيسة في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، أشعل هاني أبو القاسم كمية من الحطب ونصب مواقد كبيرة عليها عدد من الأواني الضخمة، وبدأ يطهو الطعام لسد جوع النازحين الذين يوفرون بصعوبة الغذاء لأفراد أسرهم.
قرب قدر ضخم وقف هاني وأخذ يحرك الطعام الذي بدأت رائحة العدس المطبوخ تفوح منه، وما إن اشتم النازحون الذين يعيشون في الخيام رائحة الطعام حتى تجمعوا حول "تكية العدس".
الطعام يكلف الحياة
بالمئات وصل النازحون إلى مكان تحضير الطعام واصطفوا طوابير من أجل الحصول على أي كمية، فجميعهم جائعون ولا يتوافر أي نوع من الطعام لسد رمق أطفالهم.
في الواقع، "بات الحصول على الطعام في قطاع غزة عملاً شاقاً وصعباً، وقد يكلف الشخص حياته"، وهذا ما أكدته الأمم المتحدة، إذ يخيم شبح الجوع على جميع السكان مع استمرار الحرب الإسرائيلية، مما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة.
قبل أيام، أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تحذيراً صارخاً للدول حول عدم كفاية الطعام والمياه في القطاع، وحث العالم على ضرورة التبرع بكميات كبيرة من الغذاء، لكن هذه المساعدات تواجه صعوبة في دخول غزة إذ ما زالت إسرائيل تفرض حصاراً مشدداً.
وفي ظل نقص الغذاء، دشن مطبخ في الشارع يعمل على طهي الطعام وتوزيعه بالمجان لمكافحة الجوع الذي يتفشى بسرعة بين جميع سكان غزة، ومن خلاله يمكن مساعدة النازحين من الشمال إلى الجنوب الذين يعيشون ظروفاً إنسانية قاسية نتيجة الحرب المستعرة.
الأسواق فارغة
يقول هاني "النازحون ضيوف أعزاء، أجبرتهم إسرائيل على هجر منازلهم تاركين وراءهم أموالهم وممتلكاتهم، وهم اليوم يواجهون ظروفاً قاسية بسبب شح المواد الغذائية والسلع وارتفاع جنوني بالأسعار".
تألم هاني كثيراً لحال النازحين وأطلق وعدد من المتطوعين "تكية العدس"، وهي مبادرة خيرية تقوم على طهي الطعام على نار الحطب وسط أزمة حادة في غاز الطهي.
والتكية وصف يطلق على مطبخ يعمل في الأساس على طهي الطعام والوجبات الشعبية المنتشرة بحسب البلد، وتوزيعه بالمجان على الفقراء، وهو أمر تكافلي تطوعي قديم ينتشر في دول عربية عدة.
يضيف هاني أن "الوضع في ظل الحرب تغير كثيراً، إذ نزحت آلاف الأسر من الشمال إلى رفح، ولم يجدوا في الأسواق أي نوع من الطعام، لذلك أصبح الجميع بحاجة للغذاء وكان من الواجب استضافتهم ومساندتهم".
يطلب من الناس المونة
يطبخ هاني بصورة يومية العدس، ويعد الوجبة الأساسية التي يقوم عليها المطبخ الخيري ولذلك يسمى "تكية العدس"، لكنه يشير إلى أنه في بعض الأحيان يعد "اللحوم والرز وبعض أصناف الطعام الأخرى من الحبوب، لكن ذلك يجري بحسب توافر تلك المواد".
يعد هاني آلاف الوجبات الغذائية ويوزع أكثر من 3 آلاف وجبة في اليوم الواحد، ويوضح أنه يعتمد على المواد التموينية التي تتوافر في الأسواق لإطعام النازحين، لكن منذ أسبوع بات الحصول على هذه السلع شحيحاً جداً وأصبح سكان غزة جائعين لدرجة أنهم يتقاسمون رغيف الخبز الواحد.
ولمواجهة قلة المواد الغذائية، اتبع هاني خطة التبرعات، وأخذ يطرق أبواب منازل سكان رفح، ويسألهم إذا كان لديهم أي نوع طعام يمكنه طبخه وتوزيعه على النازحين، ووجد استجابة كبيرة من قبل الناس.
ويلفت هاني إلى أنه على رغم الحصار وقلة الغذاء، إلا أن الأزمة أظهرت الخير والكرم والتعاون لدى أهل غزة، فأصبحت هناك تكيات ومبادرات شبابية عدة تقوم على توفير الطعام اللازم للنازحين وتعتبر ملاذاً حقيقياً يوفر الغذاء للجميع.
تكية للمياه
للتكية أشكال أخرى في غزة، إذ لا يقتصر عملها على توفير الطعام وتوزيعه فحسب، بل أيضاً هناك تكية خاصة بتوزيع المياه بالمجان للنازحين في محافظة رفح.
ويبادر محمد عدوان إلى توزيع ألف ليتر من مياه الشرب يومياً، ويقول "في ظل أزمة المياه الحادة، تمكنت من تشغيل محطة تحلية مياه على الكهرباء التي توفرها الطاقة الشمسية في بيتي، وفي اليوم الواحد ننتج كمية متواضعة وبسيطة لا تتجاوز ألف ليتر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "يجب أن نشعر ببعضنا لتجاوز الأزمة وعدم الانكسار أمام الحرب وجشع التجار، إذ حاولت شراء الكمية نفسها من المياه لكن وجدت قيمتها تتخطى الـ 50 دولاراً، فيما لم يكن ثمنها قبل الحرب يتجاوز التسعة دولارات".
الجوع طاغ
ويقول المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" فيليب لازاريني إن "الجوع يلاحق الجميع في قطاع غزة، وبات النازحون يشعرون بحال من اليأس، والجوع طاغ في رفح، فهناك أعداد متزايدة من الناس لم تأكل منذ ثلاثة أيام، ليس لديهم أي شيء من المواد الغذائية على الإطلاق".
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، فإن قطاع غزة يعاني أزمة جوع لم تعِشها البشرية في العصر الحديث، والمساعدات المحدودة التي تدخل إلى القطاع يتم توزيعها منذ أيام عدة على مدينة رفح فقط، بسبب التوتر الميداني في بقية القطاع وعزل الجيش الإسرائيلي المدن عن بعضها.