أفصح رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) جيروم باول خلال المؤتمر الصحافي الذي تلا إبقاء بنكه على مستويات أسعار الفائدة من دون تغيير، عن مستقبل التشديد النقدي على غير العادة، إذ إن خطابه كان واضحاً ومتطابقاً مع مطالب السوق، عكس خطاباته السابقة منذ عام 2021 والتي كان يميل فيها إلى عدم الإفصاح.
وأكد باول على أنهم عازمون على تحقيق الهدفين اللذين ينفذهما "الفيدرالي"، وهما استقرار الأسعار ومرحلة الإشغال الكامل في سوق العمل، مشيراً إلى أن شدد سياسته النقدية، وأن أثر التشديد ظهر في بعض القطاعات الاقتصادية.
وتابع رئيس "الفيدرالي" أن تحركات مجلس الاحتياط خلال الفترة المقبلة ستعتمد على تحليل البيانات وقياس معادلة الأخطار، بعدما ثبت الفائدة مستمراً في خفض حجم الموازنة العمومية للبنك. ولفت إلى أن البيانات الاقتصادية تشير إلى ضعف في نمو الاقتصاد خلال الربع الثالث من العام الحالي، مستدركاً "لكن على رغم ذلك تشير التوقعات إلى أن الاقتصاد ينمو بنحو 2.5 في المئة لكامل عام 2023، مدفوعاً باستمرار قوة إنفاق المستهلكين وقوة الطلب بصورة عامة".
وحول قطاع الإسكان ذكر باول أنه من القطاعات التي تأثرت بارتفاع كلفة تمويل الرهن العقاري بسبب الفائدة المرتفعة، مشيراً إلى أن سوق العمل كانت تخلق 204 آلاف وظيفة كل شهر خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والمشاركة في قوة العمل أيضاً شهدت تحسناً ملحوظاً مع انخفاض طفيف في الأجور وتقلص عدد الوظائف المفتوحة، فالتضخم مستمر في الانخفاض، مستدركاً "لكنه لا يزال أعلى من الهدف الذي يسعى البنك الفيدرالي إلى تحقيقه".
وذكر باول، بوضوح، أن السياسة النقدية المتشددة التي نفذها "الفيدرالي" أثرت سلباً في النشاط الاقتصادي، مقراً بأن معدل الفائدة الآن قريب أو عند أعلى نقطة من مرحلة تشديد السياسة النقدية، ويشير هذا إلى أن "مجلس الاحتياط الفيدرالي" أنهى بالفعل دورة التشديد النقدي التي بدأت قبل عامين.
خفض 75 نقطة أساس العام المقبل
ومنذ الاجتماع السابق لـ"الفيدرالي" في سبتمبر (أيلول) 2023 تبين أن هناك تبايناً بين توقعات أعضاء لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة والمتداولين في أسواق الـ "فيوتشرز"، بعد أن توقعوا أن الفائدة ستنخفض بنحو 100 نقطة أساس خلال 2024، بينما كانت توقعات أعضاء "الفيدرالي" متحفظة قليلاً، إذ يتوقعون خفضاً لا يتجاوز 50 نقطة أساس خلال العام المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الفترة بين سبتمبر الماضي إلى ديسمبر (كانون الأول) 2023 تغيرت الصورة بالنسبة إلى أعضاء "الفيدرالي" ليرفعوا التوقعات إلى 75 نقطة أساس عام 2024 خلال اجتماع الأربعاء الماضي، بعد تثبيت سعر الفائدة من دون تغيير عند مستوى 5.50 في المئة.
وأكد هذا التغيير في توقعات أعضاء اللجنة إضافة إلى تصريحات جيروم باول خلال المؤتمر الصحافي بأن توقعات السوق في شأن اتجاهات أسعار الفائدة لعام 2024 كانت صحيحة، وأن الاقتصاد الأميركي لا يحتاج إلى هذه المستويات المرتفعة من الفائدة التي تقف الآن عند أعلى مستوى لها خلال 22 عاماً.
ويتوقع أعضاء "الفيدرالي" أن تنخفض الفائدة بنهاية عام 2024 إلى مستوى ما بين 4.50 و 4.75 في المئة، مما يعني خفضاً بـ 75 نقطة أساس من المستويات الحالية للفائدة.
تفاعل الأصول المالية مع قرار "الفيدرالي"
في غضون ذلك، ارتفعت الأصول عالية الأخطار بصورة ملحوظة بعد القرار، وبلغ ارتفاع مؤشر "أس أند بي ال" 12 في المئة منذ نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وانخفضت عوائد السندات الأميركية لأجل 10 سنوات 100 نقطة أساس خلال الفترة نفسها، كما خسر مؤشر الدولار نحو ثلاثة في المئة.
وهذه التراجعات في عوائد السندات ومؤشر الدولار متزامنة مع التغيير في توقعات الأسواق في شأن الاتجاهات المستقبلية لسعر الفائدة الأميركية العام المقبل، وقد بدأت في الوضوح بعد نهاية الاجتماع السابق لـ "الفيدرالي الأميركي" خلال سبتمبر 2023، وتأكدت التوقعات بعد التصريحات القوية والتاريخية لـ "الفيدرالي الأميركي" عقب الاجتماع الأخير.