Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والانتخابات... النظام أولا (3)

انشقاق داخل المؤسسة الدينية

إجماع قوى النظام والمحافظين على أن رئاسة رفسنجاني تعتبر المرحلة المؤسسة لظهور تيار اليسار الديني (رويترز)

ملخص

تجربة إنشاء حزب السلطة التي تمثلت بـ"الحزب الجمهوري الإسلامي" لم تكن بالمستوى المطلوب

بعد إقصاء الساحة وتنظيفها من القوى السياسية الليبرالية واليسارية والعلمانية، أو القوى غير الإسلامية، كان لا بد من إضفاء نوع جديد من التعددية التي يهدف منها إلى الحفاظ على صورة التعددية في الأفكار والتصورات، وتساعد على تنشيط الحياة السياسية وتعطي صورة مختلفة عن وجود تنافسية سياسية وحزبية داخل مؤسسات النظام والثورة.

وما دام الخلاف سيكون تحت سقف التوجهات الإسلامية والدينية والأيديولوجية للنظام، وما دام المتصارعون والمختلفون يعلنون التزامهم النظام الإسلامي ودولته ويتبعون ولاية الفقيه عن عقيدة وممارسة، فلم يكن مستغرباً أن تشهد التشكلات المنسوبة إلى المؤسسة الدينية أو انشقاق بين توجهين مختلفين حول آليات إدارة الدولة، الذي تمثل بانفصال مجموعة من رجال الدين عن جماعة "رجال الدين المجاهدين" (روحانيت مجاهد)، التي كانت تضم في قياداتها علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني وأحمد جنتي ومهدوي كني ومحمد يزدي، وغيرهم من ذوي التوجهات المحافظة، وتشكيل إطار جديد يحمل اسم جمعية "رجال الدين المناضلين" (روحانيت مبارز)، وضم كلاً من مهدي كروبي ومحمد خاتمي وموسوي خوئينيها وعلي أكبر محتشمي بور وآخرين، وأن يحصل هذا الانشقاق على رضا وتأييد زعيم الثورة، بخاصة أن شخصيات كثيرة من كلا الجناحين كانت تحتل مراكز متقدمة في هرمية الدولة والنظام ومحل ثقته.

وإذا ما كان هذا الانشقاق يمثل أولى بوادر إعادة إنتاج تيار معارض من داخل تشكيلات النظام، فإن تجربة إنشاء حزب السلطة التي تمثلت بـ"الحزب الجمهوري الإسلامي" لم تكن بالمستوى المطلوب، ولم تستمر لأكثر من ثلاث سنوات، وذهب القيمون عليها إلى قرار حل الحزب بخاصة بعد ازدياد حدة الخلافات التي عصفت به وسيطرت بين أقطابه، وعدم قدرتهم على التوصل إلى تسوية أو حلول وسط بينهم، لذلك كان الخيار الذي اتخذه الأمين العام للحزب آنذاك رئيس الجمهورية حينها علي خامنئي التوجه إلى زعيم الثورة بطلب الموافقة على حل الحزب، وكان له ذلك، على رغم استقطاب الحزب غالبية مسؤولي الدولة وأكثر الأحزاب عضوية في التاريخ الإيراني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمكن اعتبار جماعة "رجال الدين المناضلين" أول الإرهاصات السياسية لنشوء تيار اليسار الديني الذي استقطب إلى جانبه أحزاباً إسلامية عريقة وفاعلة في الثورة قبل الانتصار وبعده مثل منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية" في مواجهة اليمين الديني الذي مثلته جماعة "علماء الدين المجاهدين" ومعها الأحزاب الإسلامية المحافظة مثل حزب "المؤتلفة" الإسلامي وحزب "زحمت كشان" (الكادحون)، وهي أحزاب لم تكن حديثة التأسيس، بل يمتد عمرها إلى عقود ما قبل الثورة وتشكيل النظام الجديد.

هذه التعددية في التوجهات السياسية والصراعات كانت تجري في أجواء مسيطر عليها ومضبوطة ما دامت ملتزمة المحددات التي تخدم النظام، مستفيدة من رعاية مباشرة أو غير مباشرة من الزعيم المؤسس الذي كان يمسك بكل خيوط اللعبة والقادر على وضع حد لأي حراك أو تحرك باستخدام الصلاحيات المطلقة التي تمتع بها ليس دستورياً فقط، بل بما يملك من شرعية قيادية للثورة وكاريزما حاسمة تخوله التصدي لأي خطر يراه تهديداً للثورة والنظام.

هذه الأجواء سمحت بعملية انتقال سلسة للقيادة من الزعيم المؤسس الخميني إلى خليفته خامنئي، برعاية وتحت أعين مؤسسة حرس الثورة الذي واجه في تلك المرحلة أول تحد حقيقي للدور المخول له في الحفاظ على الثورة والنظام، بخاصة أن البلاد كانت قد خرجت تواً من حربها مع العراق استمرت ثماني سنوات. وهذه المرحلة الانتقالية، ونتيجة لإدراك عمق الأزمة التي سيواجهها النظام وقيادته الجديدة، يمكن القول إن التعديل الدستوري الذي أضاف صفة "المطلقة" إلى موقع ولاية الفقيه، كانت هذه الإضافة التي تضع المرشد في موقع "فوق الدستور" من باب تعويض خصوصية زعامة وقيادة وكاريزما كان يمتلكها ويتمتع بها المؤسس، وإعطائها للمرشد والقائد الجديد للثورة لتكون السيف الذي يشهره في وجه المعارضين والمختلفين معه في اللحظات الحرجة التي تشكل تهديداً لموقعه ودوره.

والتسوية التي جاءت بالخامنئي إلى موقع القيادة، والدور الذي لعبه رئيس البرلمان هاشمي رفسنجاني في ذلك الوقت، مرت بهدوء، ومن دون أية تعقيدات على رغم وجود بعض الأصوات المعترضة، وقد سبق لهذا الثنائي أن أزاح من طريقه وبسيف الزعيم المؤسس أحد أكثر الأخطار باستبعاد الشيخ حسين علي منتظري عن موقع نائب القائد، هذه التسوية ترافقت مع إعلان بدء مرحلة إعادة الإعمار والبناء والنهوض الاقتصادي والتنمية التي شكلت البرنامج لحكومة رفسنجاني الذي انتقل إلى رئاسة الجمهورية.

هذه التسوية بين المرشد الجديد ورئيس الجمهورية الشريك لم تستمر طويلاً، إذ شهدت الدورة الثانية لرئاسة رفسنجاني بشكل واضح الإرهاصات الأولى لحالة انفتاح في الحياة السياسية بعد مرحلة من التشدد لم يكن رفسنجاني قادراً على الخروج منها بسهولة، إلا أن تشكيل حزب "كوادر البناء" تحت رعايته، الذي كان الهدف منه امتلاك ذراع سياسية تكنوقراطية داعمة لسياساته في إعادة البناء والتصدي للضغوط التي يتعرض لها من الأطراف المعارضة له داخل النظام.

ظهور حزب "كوادر البناء" لم يكن تعبيراً عن وجود نوايا لدى قيادته وأعضائه بالوقوف في الخندق المعارض أو المعادي أو المخالف للنظام ومؤسساته، إلا أن مؤسسة النظام والدولة العميقة التي بدأت تتشكل وتتمدد في المؤسسات ومراكز القرار، رأت في فتح الباب أمام هذه الأصوات المختلفة نسبياً مع توجهات النظام، تشكل مصدر خطر كامن، وقد تؤسس لمرحلة جديدة أكثر تعقيداً وتحمل في طياتها بذوراً لنشوء أحزاب جديدة تحمل خطاباً سياسياً مختلفاً مع الخطاب السياسي للنظام.

من هنا يأتي إجماع قوى النظام والمحافظين على أن رئاسة رفسنجاني تعتبر المرحلة المؤسسة لظهور تيار اليسار الديني، التي مهدت الطريق لوصول محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية بخطاب إصلاحي متعارض مع خطاب جماعة النظام وقواه السياسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل