ملخص
على طرفي نقيض يعيش الشعب اللبناني، منهم من قرر الانخراط في يوميات الحرب وآخرون يتمردون ويصممون على إعادة نبض الحياة بإحياء موسم الأعياد
على وقع الحرب المشتعلة بين "حزب الله" وإسرائيل، يعيش اللبنانيون أيامهم على طرفي نقيض، إذ تغوص المناطق الجنوبية في يوميات القتال والقصف ويسيطر مشهد الاستنفار والتشييع ورفع الشعارات في المناطق التي يسيطر عليها الحزب سواء في البقاع أو ضاحية بيروت الجنوبية، بينما على المقلب الآخر فالأمور تختلف جذرياً، إذ قررت شرائح واسعة من اللبنانيين تجاوز هاجس الخوف والقلق من توسع الحرب، وبدأ الناس استعداداتهم لموسم عيدي الميلاد ورأس السنة، رافعين زينة العيد في الشوارع والساحات والمراكز التجارية كما جرت العادة في السنوات السابقة.
وفي وقت باتت فيه القرى الحدودية مع إسرائيل شبه فارغة من سكانها، يخيم عليها ضجيج القصف، تزدحم الشوارع في بيروت ومناطق جبل لبنان والشمال، إذ يخيم ضجيج أغاني الأعياد في المجمعات التجارية ووسط الساحات العامة، إذ تقام قرى ميلادية تستقطب الزوار المحليين من مناطق لبنانية متعددة.
تظاهرة للمغتربين
وعلى عكس كل التوقعات والتقديرات التي كانت تشير منذ بداية الصراع في جنوب لبنان، إلى إلغاء فعاليات الأعياد والموسم السياحي المرتبط بها، فرضت إرادة اللبنانيين الذين يرفضون ما يعتبرونه فرض "ثقافة الموت" على المجتمع، وإمساك "حزب الله" بمفتاح مصيرهم ونمط عيشهم وخياراتهم، فبادروا إلى الإصرار على إحياء موسم الأعياد نظراً إلى أهميتها الاقتصادية من ناحية، وكونها رسالة سياسية عبر رفض ربط مصير اللبنانيين ومصالحهم بأجندات إقليمية ينفذها "حزب الله" وفق تعبير كثير من المنظمين والناشطين.
وانعكست تلك الأجواء ارتياحاً لدى اللبنانيين المغتربين الذين كسروا حاجز الخوف وحجز الآلاف منهم رحلات إلى لبنان لقضاء موسم الأعياد مع عائلاتهم، إذ أكد مصدر في حركة الملاحة بمطار بيروت أنه بعد تقليص الرحلات إلى أدنى مستوياتها خلال الشهرين الماضيين، تمت جدولة 114 رحلة بين الـ15 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري والـ15 من يناير (كانون الثاني) 2024، في مشهد يعكس تظاهرة اغترابية تجاه لبنان، يرى فيها بعضهم رسالة وطنية رافضة لمنطق جر لبنان إلى الحرب.
التوقعات تصطدم بالحرب
ووفق خطة السياحة الشتوية كانت توقعات وزير السياحة وليد نصار قبل حرب غزة وتداعياتها على لبنان تشير إلى توافد نحو 700 ألف سائح إلى لبنان خلال موسم أعياد الميلاد ورأس السنة، مما سيدر نحو 1.5 مليار دولار على الاقتصاد اللبناني. وأشار وزير السياحة حينها إلى أن نسبة اللبنانيين ستكون حوالى 75 في المئة، في حين يشكل القادمون من جنسيات أخرى نسبة 25 في المئة تقريباً، أغلبهم من الأردن ومصر والعراق، ولا تتجاوز نسبة الأوروبيين بينهم 10 في المئة.
في السياق يوضح رئيس نقابة أصحاب الفنادق في لبنان واتحاد النقابات السياحية في لبنان بيار الأشقر أن "المخاوف من توسع الحرب إلى لبنان انعكست سلباً على قطاع الفنادق الذي يعتمد بشكل رئيس على السائح العربي والأجنبي الذي يأتي إلى لبنان عادة، وتعول المؤسسات السياحية على ليلة رأس السنة التي تتم عادة تمضيتها خارج المنزل على عكس عيد الميلاد إذ تكون التجمعات العائلية في المنازل".
ويشير الأشقر إلى أن "معظم المغتربين اللبنانيين يمكثون عادة في منازل يمتلكونها أو عند عائلاتهم"، كاشفاً عن أنه بعدما تصاعدت وتيرة التهديدات باندلاع حرب بين "حزب الله" وإسرائيل ألغيت معظم الحجوزات المسبقة في الفنادق، "إلا أنه لا يزال هناك أمل باستعادة الموسم وعدم تكبد الخسائر في حال استقرت الأمور بشكل نسبي".
فرح "مستفز"
وانتقاداً لظاهرة انقسام اللبنانيين إلى مشهدين متناقضين، يشير مصدر مقرب من "حزب الله" إلى أن "هناك أيادي تحاول افتعال انقسامات داخل المجتمع اللبناني"، إذ برأيه من "المعيب" أن يحتفل بعض اللبنانيين بالأعياد متجاهلين معاناة "شركائهم" في الوطن الذين برأيه يدافعون عن لبنان وأنه "لو لا تضحياتهم لما استطاع بقية اللبنانيين الاحتفال أو العيش بآمن". ويرى المصدر ذاته أنه "لولا تضحيات الحزب سواء بمواجهة (التكفيريين) في سوريا ومعادلة القوة بوجه إسرائيل، لكان لبنان تفكك وانتهى وكانت تتقاسمه فصائل متطرفة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى"، معتبراً أن "هناك تعمداً لإظهار مشهد أن هناك شرائح من المجتمع اللبناني تعيش حياتها بشكل عادي في حين أن بيئة المقاومة تعيش في جو خطر توسع نطاق الحرب مع إسرائيل". وبرأيه فإن "هذه المظاهر تخدم إسرائيل سواء عن قصد أم عن جهل"، مطالباً اللبنانيين بالالتفاف حول "حزب الله" الذي "يخوض معركة حماية لبنان ومنع إسرائيل من انتهاك سيادته" على حد تعبيره.
لبنان لا يريد الحرب
وبرز انتشار لوحات إعلانية على معظم الطرقات اللبنانية الرئيسة تعايد اللبنانيين بمناسبة حلول موسم الأعياد وتحمل شعارات رفض الحرب وتكرار الماضي، لاسيما حرب يوليو (تموز) 2006.
في هذا السياق كشفت مسؤولة التنسيق في حملة "لبنان لا يريد الحرب" هادية عمر أشقر، أن "هذه الحملة ستتوسع لتشمل إقامة مهرجانات ميلادية في مختلف المناطق"، وأن "الرسالة من تنظيم تلك النشاطات هي رفض إدخال كل لبنان في دوامات الحرب التي هو بغنى عنها التي لن تجر إليه إلا الدمار ومزيد من الانهيار الاقتصادي والتهجير"، مشيرة إلى أن "ليس كل الشعب اللبناني من يريد الحرب، بل يريد السلام والاستقرار والازدهار". وأضافت "صحيح أن هناك حرب مشتعلة في الجنوب الذي كنا نتمنى ألا يكون جبهة لأية حرب خارجية مع تضامننا الكامل مع غزة وشعبها ولكن كما نرى اليوم أصبح هناك خراباً في الجنوب لم يعد أهل المناطق الحدودية يستطيعون تحمل أعبائها"، معتبرة أنه "يحق للبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً الاحتفال بالأعياد التي ينتظروها من عام إلى عام، إذ لا يحق لبعضهم الذين لديهم رغبة في إدخال لبنان في حروب المنطقة أن يتحكموا بمصير الشعب اللبناني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكدت مسؤولة التنسيق في حملة "لبنان لا يريد الحرب" أن "الشعب اللبناني بمختلف طوائفه ومناطقه لا يريد الحرب، ويريد أن يحتفل بقدوم العيد وأن ينعم بالطمأنينة فلا أحد يستطيع أن يقرر مصيرهم، والغالبية ترفض العودة للماضي الأليم الذي دفع ثمنه غالياً على جميع الصعد"، مشيرة إلى أن شعار "لبنان لا يريد الحرب" في هذه المرحلة هو ضرورة للتأكيد للجميع بأن اللبنانيين تعبوا من إدخالهم في حروب وتحمل تداعياتها السلبية، وقالت "يكفي بلدنا ما يعانيه من أزمات جعلته يحتل آخر المراتب الاقتصادية عالمياً، وفي حال تعرض لبنان للدمار لن يجد هذه المرة من يساعده في إعادة الإعمار".
وبرأيها فإن إحياء هذه المناسبات وإيصال رسالتها إلى العالم يعكس رسالة إلى الدول المؤثرة مفادها بأن "الشعب اللبناني يريد العيش بسلام وحث المجتمع الدولي على وقف الحرب، وإيصال صرخة أغلبية كبيرة ترغب بالعيش في سلام عادل وشامل".