يستعد المصرفيون العاملون في إدارات أسواق الأسهم في البنوك الاستثمارية الكبرى وشركات الاستشارات المالية لزيادة عمليات الطرح الأولي لأسهم الشركات بما يزيد عائداتهم وأرباحهم.
يرجع هذا التفاؤل الواضح في نشاط أسواق الأسهم والصناديق التي تستثمر في الأسهم إلى إشارات البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى، خصوصاً الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، إلى أن دورة التشديد النقدي انتهت وأنها قد تبدأ في خفض أسعار الفائدة قريباً.
إلا أن هناك بعض الاقتصاديين والمحللين يتحفظون على هذا التفاؤل، خصوصاً أن معظم الطروحات الأولية المنتظرة ستكون لشركات ناشئة تسعى إلى توفير الأموال من أسواق الأسهم مع صعوبة ترتيب زيادة رأسمالها بصورة خاصة من مستثمرين مؤسسين أو صناديق بصورة مباشرة، هذا إضافة إلى أن الزيادة في عدد الطروحات ستكون نتيجة لجوء عدد من الشركات الكبرى المستقرة إلى تقسيم أعمالها وفصل وحدات منها كشركات تابعة تطرح أسهمها في البورصة وتسجل بصورة مستقلة على المؤشرات.
ذلك إضافة إلى أن الأسهم الخاصة وخيارات الأسهم التي تمنح كتعويضات لكبار العاملين في الشركات تنتهي مدتها بعد فترة من سبع إلى 10 سنوات، وهناك كثير منها على وشك ذلك الاستحقاق وتحتاج إلى أن يحولها هؤلاء إلى أسهم عامة، مما يعني طرحها في الأسواق، مع أن ذلك لا يعد طرح أولي للأسهم تقنياً إلا أنه يؤثر في حجم الطلب المتوفر للشراء في الأسواق.
تفاؤل بالعام المقبل
على رغم أن البنوك المركزية الكبرى حول العالم توقفت في الشهر الأخير عن رفع أسعار الفائدة، إلا أن معدلات التضخم وإن بدأت في التباطؤ لكنها تظل أعلى من المستهدف من معظم البنوك المركزية عند نسبة اثنين في المئة، بالتالي يصعب حتى على البنوك المركزية ذاتها، تقدير متى تبدأ في عكس الاتجاه وخفض أسعار الفائدة.
حتى تقديرات السوق بأن يبدأ التيسير النقدي تتباين، من نهاية الربع الأول من العام المقبل 2024 إلى منتصف العام أو خلال النصف الثاني من العام.
إلى ذلك يظل التفاؤل في شأن انتعاش سوق الطروحات الأولية لأسهم الشركات مبرراً، استناداً إلى المقارنة مع العام الحالي في الأقل.
وفي مقابلة مع وكالة "رويترز" قال مدير أسواق الأسهم في بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري ديفيد لودفيغ، "ستكون سوق الطروحات الأولية للسهم العام المقبل 2024 أفضل كثيراً مما كانت عليه هذا العام"، متوقعاً أن "يزيد حجمها ونطاقها باضطراد خلال العام".
يفهم هذا التفاؤل في شأن الطروحات الأولية للأسهم، إذ إنه جاء بعد عام وصف من العاملين في القطاع المالي العالمي بـ"العام الصعب"، إذ يعتبر العام الحالي 2023 ثاني أسوأ عام للطروحات الأولية في أسواق السهم منذ 10 سنوات بعد العام الماضي 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يزد حجم عمليات تبادل الأسهم الكبرى في هذا القطاع عن 532 مليار دولار هذا العام بحسب بيانات شركة "ديلوغيك" وذلك في مقابل نحو تريليون ونصف تريليون دولار في عام 2021، وكان النشاط في عمليات الطرح الأولي للأسهم تحديداً في 2023 الأقل منذ عام 2016.
لم يقتصر الأمر على تراجع حجم ونطاق طروحات الأسهم الأولية هذا العام، بل إن بعض الشركات التي أقدمت على الطرح الأولي وسجلت على مؤشرات البورصات شهدت هبوطاً في أسعار أسهمها عن سعر الطرح الأولي، على غرار شركتي صناعة الرقائق واشباه الموصلات العملاقة "آرم هولدنغ" و"بيركنستوك".
ومما يشجع على التفاؤل بالعام الجديد أن الأسواق تتوقع خفض "الفيدرالي" سعر الفائدة بأكثر من 1.5 في المئة على مدار العام لينتهي بنسبة فائدة أقل من أربعة في المئة.
في غضون ذلك تعزز البيانات الاقتصادية حول التضخم ومعدلات النمو تلك التوقعات، خصوصاً مع التفاؤل بأن أكبر اقتصاد في العالم تفادى الركود بالفعل.
حذر وتحفظ
يظل التفاؤل كما يعبر عنه المصرفيون في بنك "غولدمان ساكس"، أقل بكثير من انتعاش سوق الطروحات الأولية للأسهم في عام 2021 مع الانتعاش عقب أزمة وباء كورونا، وإن كانت الأسواق تتوقع أن يشهد العام المقبل طروحات أولية لأسهم شركات كبرى مثل مجموعة صناعة الأزياء السنغافورية "شاين" بقيمة 90 مليار دولار، التي تستعد لتقديم أوراقها للتسجيل في السوق الأميركية، وفي بورصة "ميلانو" في إيطاليا تشير التوقعات إلى طرح أولي لأسهم شركة "غولدن غوز" بتقييم أولي عند واحد مليار يورو (1.09 مليار دولار).
وهناك حذر وتحفظ لدى عدد من المصرفيين والمحللين من أن العام المقبل، على رغم التفاؤل، قد لا يكون أفضل الأعوام بالنسبة إلى الطروحات الأولية للأسهم، إذ قال الرئيس التنفيذي للبورصة الأوروبية "يورونيكست" ستيفان بوغنا "هناك تفهم عام واعتقاد واضح بأننا الآن، في أسوأ الأحوال، وصلنا إلى توقف الزيادة في أسعار الفائدة، وفي أحسن الأحوال قد نكون على وشك بداية خفض أسعار الفائدة".
هناك أيضاً بعض التحفظ في شأن انتعاش قطاع الطروحات الأولية للأسهم مع احتمال اقدام شركات كبرى على تقسيم أعمالها وطرح أجزاء منها في البورصة، وبالفعل أعلنت مجموعات أوروبية مثل "باير" و"رينو" و"سانوفي" و"فيفندي" خططها لتقسيم أعمالها وفصل بعض الوحدات في شركات جديدة تابعة للمجموعة، لكن رئيس قطاع أسواق السهم في "بنك أوف أميركا" جيمس بالمر، قال "كانت عمليات طرح أسهم وحدات الشركات عاملاً مهماً هذا العام، وستستمر كملمح أساسي في العام المقبل"، مستدركاً "لكن ربما بحجم طروحات أقل مقارنة بهذا العام".
يضاف إلى ذلك أن عدداً من الحكومات تخطط أيضاً للتخلص من أنصبتها في أسهم البنوك وغيرها من المؤسسات المالية التي قدمت لها الدعم في الأزمة المالية العالمية السابقة، مثل بنكي "إيه بي إن أمرو" و"مونتي دي باتشي"، فضلاً عن لجوء عدد من المستثمرين أيضاً إلى الاستمرار في بيع حصصهم من أسهم مجموعات وشركات كبرى كما حدث هذا العام ببيع أسهم شركة "هاينكن" وبورصة لندن.