ملخص
يصلح سكان غزة ما أصاب بيوتهم من أضرار ويعودون للسكن فيها: لن نغادر
بيديها أخذت ماهي تجمع الأحجار المتناثرة في صالة بيتها، يساعدها في ذلك أبناؤها الخمسة، إذ همت الأم بتنظيف منزلها المتضرر جزئياً من القصف، وهي تريد إعماره من جديد بشكل مبدئي وموقت لمواصلة العيش فيه حتى انتهاء الحرب.
ترفع ماهي رأسها قليلاً وتنظر إلى الفضاء الواسع في الخارج فتسقط عيناها على ركام منزل مدمر بجانب شقتها السكنية، هنا لا يوجد جدران فجميعها تساقطت بفعل قصف استهدف المنزل المجاور.
الإيواء الأصعب
بسبب ضخامة الانفجار وقوة الغارة الجوية التي دمرت المنزل الملاصق لشقة ماهي، تضرر بيتها جزئياً بحيث لم يعد صالحاً للسكن، وخلافاً لاقتلاع الحيطان من مكانها احترق جزء من الأثاث.
لم تصب ماهي ولا أي من أفراد عائلتها بأذى، فقد أنذر الجيش الإسرائيلي المحيط السكني قبل عملية القصف، وعلى أثر ذلك التحذير أخلت السيدة بيتها لمدة خمسة أيام، ونزحت إلى خيمة في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وهي المدينة التي تعيش فيها من الأساس.
عاشت ماهي أقسى أيام حياتها في خيمة الإيواء. تقول، "لم نجد ماء ولا أغطية شتوية ولا حفاضات أطفال، حتى النظافة انعدمت وانتشرت الأمراض، وفي معسكر الخيام أصيب ابني بالإسهال، باختصار نحن لا نستطيع أن نعيش في هذا الوضع ونستحق الأفضل".
ترميم الحياة
انتقلت ماهي إلى بيتها المدمر وبدأت في تنظيفه، وأطلقت على مهمتها "إعادة تأهيل وإعمار"، فما تقوم به بالفعل يشبه عملية إعادة الإعمار التي يتخوف سكان غزة من أن تأتي متأخرة بعد هذه الحرب التي تبدو بلا نهاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول، "لسنا راغبين في ترك منزلنا بتاتاً لأنه ليس حيطاناً وأبواباً وشبابيك فقط، وإنما حياة وذكريات جميلة تعبنا كثيراً لصنعها".
منهمكة ماهي في عملها بينما تنظف الشبابيك وتلملم زجاج النوافذ المبعثر على الأرض، وتعمل على فرز الملابس التي أحرقت، وتتفقد الحمام الذي أصابه الضرر، والمطبخ التالف، وحتى غرفة النوم تبدو أنها لا تصلح للمبيت. على رغم ذلك تؤكد أنها ستعيد تأهيله وتجعله صالحاً للسكن من جديد.
بإمكانات بسيطة
حاولت بقدر الإمكان تنظيف بيتها من الغبار، وعملت على رفع الحجارة والركام المتناثر، واستغرقت مهمتها ثلاثة أيام، لكنها تشير إلى أنه لا يزال هناك مزيد من الجهد، فالغبار يعود من جديد كل يوم.
اشترت ماهي لفات من قطع النايلون العريض، وعدداً كبيراً من الأشرطة اللاصقة وقطع أخشاب ومسامير، وشرعت في إعادة ترميم منزلها الذي نامت فيه ليلة البارحة على رغم ما أصابه.
على الشبابيك دقت قطعة خشب طويلة، وأخذت تقيس بواسطة "المتر" (أداة قياس) الطول والعرض لتقص النايلون بما يتناسب مع حجم النافذة، وبالفعل جلبت القطعة ولصقتها في مكان الزجاج المكسور.
توضح ماهي أن الجو البارد يدفعها إلى تغطية النوافذ، وتعتقد أن قطع النايلون ستحجب مرور الهواء والرياح إلى داخل البيت، لافتة إلى أنها قامت بتثبيت ألواح أخشاب ثقيلة مكان الجدران التي انتزعت من مكانها.
بعد عملية بحث طويلة، وجدت السيدة في بيتها عبوة دهانات بلون أبيض فاشترت فرشاة وأخذت تدهن مكان الحريق الذي سببته الغارة الإسرائيلية، تشدد على أنها ستعيش في خيمة فوق بيتها حتى لو دمرته الطائرات المقاتلة وحولته إلى ركام مبعثر.
حجم الدمار
بحسب مسؤول المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة، فإن الجيش الإسرائيلي هدم أكثر من 61 في المئة من منازل القطاع حتى اليوم الـ75 للحرب التي لا تزال مستمرة.
ويقول الثوابتة، "دمرت إسرائيل أكثر من 305 آلاف وحدة سكنية في إطار حملتها الواسعة ضد قطاع غزة، وألحقت أضراراً بأكثر من نصف مليون وحدة أخرى".
ويضيف، "استخدمت إسرائيل 52 ألف طن من المتفجرات لإحداث هذا الخراب الذي جعل غزة تتحول إلى مدينة ركام غير صالحة للعيش، وبالفعل يتخوف المواطنون من سيناريو بطء عمليات الإعمار بعد وقف القتال".
ويتوقع الثوابتة أن إعادة إعمار غزة قد تصل كلفتها المبدئية إلى 50 مليار دولار، بسبب فداحة الخسائر وحجم المباني والبنية التحتية الهائلة التي ألحق العدوان الدمار بها.
في كل مكان
ليست ماهي وحدها التي عملت على إعادة إعمار منزلها، فالسيد سفيان قام هو الآخر بمحاولة تأهيل شقته السكنية التي تعرضت لأضرار بسبب قصف قريب من بيته، وقد عمل على إصلاح ما تضرر منها فعلق "حصيرة" مكان الجدار المدمر.
انتشرت ظاهرة إصلاح المنازل والوحدات السكنية المدمرة في جميع أرجاء قطاع غزة، بما في ذلك الشق الشمالي الذي أصابه أكبر قدر من التدمير والتخريب. يقول محمد، وهو أحد الأهالي، "هذه رسالة قوية لإسرائيل بأننا لن نفارق مساكننا، هذه البيوت تعني لنا كثيراً، ولن نتركها، وسنعمل على إعادة إعمارها بشكل جزئي كلما أصابها ضرر حتى تتوقف الحرب ونعود لبنائها من جديد".