ملخص
شهدت ولاية كولورادو تحولاً سياسياً مهماً خلال العقدين الماضيين من الجمهوريين إلى الديمقراطيين.
من المفارقات المدهشة في الانتخابات الرئاسية الأميركية بالغة التعقيد أن ولاية جبلية تقع جنوب غربي الولايات المتحدة مثل كولورادو، ولا يزيد عدد سكانها على 6 ملايين نسمة من بين 335 مليون أميركي، وليس لها سوى 10 أصوات فقط في المجمع الانتخابي أو ما يسمى بالهيئة الانتخابية المكونة من 538 صوتاً، هي التي ستحدد مصير الرئيس السابق والمرشح الأوفر حظاً للحزب الجمهوري دونالد ترمب.
كل هذا على رغم أن كولورادو ولاية ديمقراطية التوجه، فما الذي جعل لها فجأة صوتاً مدوياً في أرجاء الولايات المتحدة ونفوذاً من شأنه أن يشكل الانتخابات الرئاسية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟
تعد كولورادو من أقل الولايات الأميركية توتراً وأكثرها هدوءاً منذ أن انضمت إلى الاتحاد عام 1876 في الذكرى المئوية الأولى لتأسيس أميركا، إذ تشتهر بمناظرها الطبيعية من جبال روكي والسهول والأنهار والأراضي الصحراوية، وهي ثامن أكبر ولاية في البلاد من حيث المساحة التي تبلغ 100 ألف ميل مربع ينتشر عبرها نحو 5.9 مليون شخص، ولديها احتياطات وفيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي والفحم، فضلاً عن موارد الطاقة المتجددة.
لكن الولاية شهدت خلال العقدين الماضيين تحولاً سياسياً مهماً، فبعد أكثر من 80 عاماً من سيطرة الجمهوريين على المجالس التشريعية في الولاية ومنصب الحاكم، تقلصت صفوفهم إلى ربع الناخبين المسجلين فقط، وأصبحت الولاية التي كانت يوماً حصناً جمهورياً وجزءاً من تحول سياسي أكبر في جميع أنحاء الغرب الأميركي، إلى معقل للديمقراطيين على طول ساحل المحيط الهادئ وعبر صحاري نيفادا وأريزونا، وهذا بدوره أدى إلى إعادة تشكيل السياسة الرئاسية على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة.
ويعود هذا التغير بحسب صحيفة "لوس أنجليس تايمز" لتدفق كثير من الشباب الوافدين من كاليفورنيا وولايات أخرى الذين جذبتهم المناظر الطبيعية الخلابة في الولاية ونمط الحياة وتطور صناعات التكنولوجيا والخدمات المزدهرة أخيراً.
ووجد القادمون الجدد في الحزب الديمقراطي ملجأً لهم لأنهم أصغر سناً وأكثر ثراء وأفضل تعليماً وأكثر ليبرالية، وبمرور الوقت أصبح الديمقراطيون الآن أكثر انسجاماً مع ولاية كولورادو التي تعتبر واحدة من أفضل الولايات تعليماً وليبرالية اجتماعية في البلاد، بينما أصبحت القاعدة الجمهورية في الولاية أكبر سناً وأقل تعليماً وأكثر إنجيلية وأكثر ترمبية.
ولاية زرقاء
ومع دعم 55 في المئة من ناخبي كولورادو للديمقراطيين في مقابل 41 في المئة للجمهوريين أصبحت الولاية زرقاء بامتياز، إذ سيطر الديمقراطيون على المجلس التشريعي للولاية ويتولون أيضاً منصب الحاكم، فيما يمثل ولاية كولورادو في الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة ثمانية أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، خمسة ديمقراطيين وثلاثة جمهوريين.
وخلال الانتخابات الرئاسية الأربعة الأخيرة صوتت الولاية مع الديمقراطيين، بما في ذلك فوز جو بايدن بنسبة تزيد على 13.5 في المئة على خصمه ترمب عام 2020، وكان هذا أكبر هامش فوز ديمقراطي في الانتخابات الرئاسية بالولاية منذ فوز المرشح الديمقراطي ليندون جونسون بـ 23 في المئة على المرشح الجمهوري باري غولدووتر عام 1964.
قرار مذهل
لكن في خضم سلسلة من الدعاوى القانونية التي أخذت مجراها في المحاكم المحلية والعليا في كثير من الولايات الأميركية، كانت المحكمة العليا في كولورادو هي الأولى التي تقضي، عبر قرار أذهل الأميركيين، بحرمان دونالد ترمب من إدراج اسمه ضمن قائمة المرشحين في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عام 2024 في الولاية، لما اعتبرته المحكمة غير مؤهل للمنصب بعد تحريضه على أعمال الشغب التي وقعت في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 في مبنى الكابيتول وخلفت خمسة قتلى وأكثر من 100 إصابة بين صفوف شرطة مبنى الكونغرس.
واستندت المحكمة إلى البند الثالث من التعديل الـ 14 للدستور الأميركي الذي يحظر على الأشخاص الذين شاركوا في تمرد ضد الحكم بعد أدائهم اليمين لدعم الدستور شغل مناصب معينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولأن هذا القرار هو الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة فقد حظي باهتمام واسع من الناحيتين القانونية والسياسية، لأنه يمكن أن يقلب انتخابات 2024 رأساً على عقب، ليس فقط في كولورادو بل أيضاً في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحسب وصف أستاذ القانون بجامعة نوتردام الأميركية ديريك مولر الذي اعتبر أن الحكم الأخير في كولورادو يمكن أن يخلق إغراء مماثلاً في الولايات الأخرى حول قضية التعديل الـ 14، بينما يتسارع الوقت كي يستأنف ترمب القرار أمام المحكمة العليا الأميركية في واشنطن قبل الخامس من يناير المقبل، وهو الموعد النهائي القانوني في كولورادو حتى يظل اسمه قائماً على بطاقة الاقتراع ضمن المرشحين للانتخابات التمهيدية الجمهورية.
أهمية حكم كولورادو
ولا ينطبق حكم المحكمة العليا في كولورادو إلا على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري المقرر إجراؤها في الخامس من مارس (آذار) المقبل، لكنه قد يؤثر في قدرته على خوض الانتخابات العامة، وعلى رغم أن كولورادو ولاية ديمقراطية وبالتالي فمن غير المرجح أن يفوز ترمب هناك بغض النظر عن الحكم، إلا أن التحديات في الولايات الأكثر تنافسية يمكن أن يكون لها تأثير أكبر في انتخابات عام 2024.
وقد يستغرق نظر المحكمة العليا في القضية أسابيع إن لم يكن أشهراً، لكن إذا صدر الحكم فإن القرار قد تكون له تداعيات خطرة على ترمب، وفقاً لأستاذة القانون في جامعة ميشيغان والقاضية السابقة باربارا ماكويد التي تعتقد أن كولورادو لن تكون الولاية الوحيدة التي تقرر استبعاد دونالد ترمب من الاقتراع، بل ستحذو ولايات أخرى حذوها، وهذا من شأنه أن يحدد نتيجة الانتخابات.
إغراء الولايات الأخرى
ومن شأن قرار المحكمة العليا في كولورادو أن يشجع آخرين في الولايات الأخرى على السير في الطريق نفسه لانتزاع اسم ترمب من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وهناك بالفعل كثير من الولايات التي تنظر قضايا مماثلة، بينما أصدرت أربع ولايات حكمها فيها.
وعلى سبيل المثال واجه ترمب تحدياً في ولاية أريزونا المتأرجحة والحاسمة تقدم به المرشح الرئاسي الجمهوري جون كاسترو، لكن قاضي المحكمة الجزئية رفض هذه القضية لعدم الاختصاص الموضوعي، لأن كاسترو يفتقر إلى الأهلية لتقديم دعواه.
وفي ولاية ميشيغان الحاسمة سمحت محكمة الاستئناف بإبقاء اسم ترمب في الانتخابات التمهيدية، ورفضت الطعون المقدمة ضد ترشيحه استناداً إلى التعديل الـ 14 من الدستور، وقضت بدلاً من ذلك بأن الحزب الجمهوري له السيطرة على من يمكنه المشاركة، بغض النظر عما إذا كان المرشحون مؤهلين للمنصب، ومع ذلك استأنفت منظمة ليبرالية الحكم مما يعني أن القضية يمكن أن تذهب إلى المحكمة العليا في ميشيغان.
وبالمثل قضت المحكمة العليا في مينيسوتا بأن الحزب الجمهوري يمكنه أن يقرر أي المرشحين يمكنه المشاركة في الانتخابات التمهيدية، ومع ذلك أشارت المحكمة إلى أنه يمكن للمدعين تقديم طعن منفصل بعد الانتخابات التمهيدية في الـ 13 من أغسطس (آب) المقبل في حال فوز ترمب بالترشح للانتخابات العامة.
ثم في ولاية رود آيلاند الديمقراطية فشلت محاولة إزالة اسم ترمب من الاقتراع التمهيدي للحزب الجمهوري، إذ قرر رئيس المحكمة الجزئية أن المرشح كاسترو لم يثبت أنه منافس مباشر وحالي في الوقت الذي قدم فيه شكواه، وبالتالي لا يمكن إثبات الضرر.
لكن ولايات أخرى أشارت إلى حكم كولورادو كنموذج يحتذى به، ففي ولاية كاليفورنيا كتبت نائبة حاكمها إيليني كونالاكيس رسالة إلى سكرتير عام الولاية طلبت فيها "استكشاف كل خيار قانوني لإزالة ترمب من الاقتراع التمهيدي بالولاية"، مستشهدة بقضية كولورادو.
وكذلك ولاية مين التي تراجع سكرتيرة الولاية قضية لإزالة ترمب من الاقتراع التمهيدي، وكان من المتوقع صدور القرار أمس الجمعة ولكنه أُجل بسبب حكم كولورادو، ويتوقع صدوره الأسبوع المقبل وفقاً لصحيفة "بورتلاند برس هيرالد".
ووفقاً لمجلة "نيوزويك" فقد رفعت دعاوى قضائية مماثلة لقضية كولورادو في ولايات أخرى معظمها ديمقراطية، وهي ألاسكا ونيفادا ونيوجيرسي ونيو مكسيكو ونيويورك وأوريغون وساوث كارولينا وتكساس ووست فرجينيا وويسكنسن ووايومنغ وفيرمونت وفيرجينيا.
تحدي الجمهوريين في كولورادو
غير أن المعركة في كولورادو لم تنته بعد، إذ وجد الحزب الجمهوري في الولاية مخرجاً من الأخطار التي يمكن أن تواجه ترمب، فهدد الحزب بتجاهل الانتخابات التمهيدية الرئاسية إذا لم يكن ترمب موجوداً في بطاقة الاقتراع، إذ تحدد الانتخابات التمهيدية الرئاسية كيفية حصر المندوبين في المؤتمر الوطني للحزب ليصبح المرشح الحاصل على أكبر عدد من المندوبين من كل ولاية هو مرشح الحزب.
وإذا لم يكن مرشح الحزب الجمهوري الأوفر حظاً للفوز موجوداً على بطاقة الاقتراع فسيحدد الجمهوريون في الولاية المندوبين من خلال عقد آلية مختلفة، تعرف باسم المؤتمرات أو التجمعات الحزبية التي تعرف بالإنجليزية باسم "كوكس"، وذلك بدلاً من الانتخابات التمهيدية، وفقاً لرئيس الحزب الجمهوري في كولورادو ديف ويليامز.
وفي حين يحذر مكتب سكرتير ولاية كولورادو المسؤول عن إدارة الانتخابات من معركة قضائية مع الجمهوريين إذا نفذوا تهديدهم، إلا أن المحكمة قد تحسم الأمر للجمهوريين، إذ ينص قانون الولاية على أن الأحزاب السياسية يجب أن تستخدم نتائج الانتخابات لتخصيص أصوات المندوبين بما يتوافق مع قواعد الحزب.
ويحتاج ويليامز إلى إذن من اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري قبل أن يتمكن من تغيير كيفية تحديد المندوبين، لكنه يأمل في أن تلغي المحكمة العليا الأميركية حكم المحكمة العليا للولاية وتجعل التغيير غير ضروري.
هل يبطل قرار كولورادو؟
يكاد يكون من المؤكد أن قرار المحكمة العليا في كولورادو سيستأنف أمام المحكمة العليا الأميركية في واشنطن، وهو ما تعهدت حملة ترمب بالقيام به، وأعرب الرئيس السابق وحلفاؤه عن ثقتهم في أن الحكم المحتمل سيكون لمصلحته بعدما اختار ثلاثة من القضاة المحافظين الستة لتعيينهم في المحكمة العليا خلال إدارته، بموافقة مجلس الشيوخ، لكن إذا قبلت المحكمة العليا في واشنطن النظر في القضية فمن المرجح أن يحدد القرار أهلية ترمب لخوض الانتخابات في جميع الولايات الـ 50.
ويشير عدد من المتخصصين القانونيين إلى أن المحكمة بغالبيتها المحافظة (ستة في مقابل ثلاثة) تجد نفسها الآن في وضع محفوف بالأخطار، نظراً إلى الطبيعة الحساسة للغاية لهذه القضية غير المسبوقة، لأن الرئيس السابق يحظى بدعم هائل في حزبه الجمهوري وتشويه سمعة هائل في الحزب الديمقراطي، ومن الممكن أن يكون للقضية تداعيات كبيرة على نظرة الناس إلى المحكمة.
خيارات كثيرة
وإذا كان كثير من المتخصصين يتوقعون من المحكمة العليا أن تبطل قرار كولورادو بتنحية ترمب إلا أنها ستتطلع إلى القيام بذلك بطريقة أقل ضرراً، بحسب أستاذ القانون في جامعة بوسطن روبرت تساي، الذي يعتقد أن المحكمة ستفكر في الرأي الذي يبدو الأقل ضرراً والذي ينقض حكم المحكمة العليا في كولورادو، بخاصة أن المحكمة لديها عدد من الخيارات القانونية المتاحة.
وربما تنتهي المحكمة العليا إلى إصدار رأي مباشر حول ما إذا كان ينبغي استبعاد ترمب من الترشح لمنصب فيدرالي، وإذا حكم القضاة بذلك ونقضوا قرار محكمة كولورادو فسيتم تطبيق قرارهم في جميع الولايات، وسيعود اسم الرئيس السابق لبطاقات الاقتراع.
ولعل ما يعزز هذا الاحتمال أن هناك بعض الشكوك بين الخبراء القانونيين حول ما الذي يشكل بالضبط تمرداً في التعديل الـ 14 المستخدم لاستبعاد ترمب، بخاصة أن هناك القليل من السوابق القانونية التي يمكن الإشارة إليها خلال 150 عاماً منذ دخول هذا التعديل عقب الحرب الأهلية حيز التنفيذ، لمنع الجنود والسياسيين الكونفيدراليين السابقين الذين خسروا الحرب الأهلية من انتخابهم لمناصب وتشكيل خطر على الاتحاد.
وقد يؤدي عدم إدانة أية محكمة لترمب بأنه قاد أو شارك في تمرد إلى فتح الباب أمام المحكمة العليا لتجد أن قرار كولورادو معيب من الناحية الإجرائية، في نطاق مبدأ قانوني قديم يسمى مبدأ المسألة السياسية، وينص على أنه في غياب حكم قضائي بأن شخصاً ما شارك في تمرد فإن تحديد مسألة الأهلية للمنصب مسألة سياسية يقررها الكونغرس وليس المحاكم.
حجج متباينة
ويمكن للمحكمة العليا أيضاً أن تقرر أن عبارة "مسؤول أو موظف للولايات المتحدة" الذي ينطبق عليه منع تولي منصب، والمشار إليها في التعديل الـ 14 لا تشير إلى الرئاسة، على رغم أنها قد تكون الحجة الأضعف، لأن أي شخص مسؤول في الولايات المتحدة ينطبق على الرئيس الذي يشغل أعلى وأقوى منصب في الحكومة الفيدرالية.
لكن آخرين قالوا إن عدم الإشارة الصريحة لكلمة "الرئيس" في النص الدستوري من المرجح أن تروق لكثير من القضاة المحافظين في المحكمة العليا، كما حدث في المحكمة المحلية في كولورادو التي نظرت القضية للمرة الأولى.
عدم اليقين
ومن المحتمل أيضاً أن تختار المحكمة الحل الأيسر، وهو أن تبطل قرار محكمة كولورادو لأسباب فنية أو لعدم وجود أدلة كافية في كولورادو، مما يعني ترك القضية من دون حل على المدى الطويل، وقد ينتهي الأمر بالمحكمة العليا إلى رفض القضية لأسباب إجرائية مما يسمح باستمرار انتشار قضايا مماثلة في الولايات الأخرى والمحاكم الأدنى، وذلك بحسب أستاذ القانون في جامعة جورج ماسون إيليا سومين.
وإذا فعلوا ذلك فسيكون الثمن هو إمكان استبعاد ترمب في بعض الولايات وليس في جميعها، لكن الحكم المستقبلي للمحكمة العليا في قضية ترمب سيظل على الأرجح في حال من عدم اليقين، نظراً إلى أن قضاة المحكمة العليا في موقف صعب، وإذا تدخلوا وأنقذوا الرئيس فسيبدو الأمر حزبياً، وإذا لم يتدخلوا فمن المحتمل أن تحدث فوضى كبيرة، ولهذا يبدو الأمر وكأنه خسارة في الحالتين.