وأنت تبحث عن التاريخ في زوايا مدينة كانت يوماً محطة تصدير وسفر لكثير من المنتجات الطبيعية اليمنية إلى مختلف دول العالم. في المخا اليمنية كل شيء يستدعيك لأن تجلس معه، قوارب الصيادين الصغيرة، وقهوة البن الشهيرة، وأحياؤها الطينية العتيقة، وإنسانها البسيط المكافح.
وفي رحلة التجوال بين أحيائها البسيطة تستعيد ذاكرتك التاريخ المميز لهذه المدينة ومينائها الشهير، الذي يعطيها شخصيتها ويمكن للعين الخبيرة أن تترجمه إلى دلالات اجتماعية وبيئية واقتصادية وسياسية وعسكرية أيضاً.
تنمية فارقة
في إطار مسعى الحكومة اليمنية الشرعية لتنمية المناطق الخاضعة لسيطرتها، تشهد مدينة المخا في الساحل الغربي لمدينة تعز تنمية فارقة وتطوراً ملحوظاً في قطاعات متعددة منذ نحو أربع سنوات وأكثر، إذ تحولت المدينة الساحلية إلى فاعلية اقتصادية وتوارد لرأس المال البشري خصوصاً بعد إنجاز عدد من المشاريع التنموية الضخمة والعمل على أخرى، منها إعادة تأهيل وتوسيع ميناء المخا ومشروع ربط طريق "تعز - الكدحة - المخا" ومشروع مدينة 2 ديسمبر (الطبية، السكنية). إضافة إلى تشييد مطار المخا من الصفر وحصوله على الكود الدولي رسمياً من منظمة الطيران المدني العالمية "إيكاو" ومشاريع كهرباء وأخرى لتوليد الطاقة النظيفة من خلال توربينات الرياح، فيما لا يزال العمل جارياً على قدم وساق لتنفيذ أخرى.
المخا تقع غرب محافظة تعز على بعد 100 كيلومتر وتتبعها إدارياً، وحالياً تقع تحت سيطرة قوات الشرعية اليمنية "حراس الجمهورية" التابعة للعميد طارق صالح.
هل يعود ميناء المخا إلى الواجهة؟
وتسود حالة من التفاؤل والأمل الأوساط الشعبية والمجتمعية اليمنية بأن تستعيد المدينة دورها الحيوي ومكانتها كمركز اقتصادي وتجاري وسياحي، على رغم المستجدات التي طرأت على المسرح العربي والدولي جراء الحرب الإسرائيلية على غزة وحالة الشد والجذب في البحر الأحمر بعد استهداف الحوثيين "السفن الإسرائيلية أو تلك التي وجهتها إلى الدولة العبرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان فريق هندسي مصري وصل في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى مدينة المخا، في مهمة لمعاينة الميناء وإجراء الدراسات اللازمة لتوسعته وإعادة تشغيله.
ويرى أستاذ التاريخ في جامعة عدن الدكتور جمال الكلدي في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن ميناء المخا يمكن أن يستعيد عافيته ويعود إلى الواجهة كما كان من قبل إذا توافرت الإمكانات وأدرك أهمية الميناء.
وأضاف "وقوعه على خط سير القوافل التجارية، وخلجانه الواسعة المؤهلة لاستقبال السفن التجارية العملاقة، والبيئة المخائية الهادئة والمسالمة تزيد من فرص نجاح المستثمر اليمني والأجنبي".
أما على الصعيد الجغرافي فيحتل ميناء المخا الاستراتيجي أهمية كبيرة، لقربه من ممر الملاحة الدولي بمسافة تقدر بستة كيلومترات. ويعتبر ملتقى يربط بين الثالوث القاري (أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب غربي آسيا).
وفي المخا جنوباً تبدأ سلسلة القمم الجبلية الغربية المسماة "جبال السراة" والممتدة شمالاً حتى جبال حجة في ميدي التي تشرف بدورها على سواحل البحر الأحمر بما طوله 442 كيلومتراً، ناهيك بموقعه المتميز بالنسبة إلى المناطق الجنوبية والوسطى اليمنية.
مدينة الفرص الاستثمارية
من جانبه دعا عبدالسلام القيسي وهو عضو إعلامي لدى قوات الشرعية اليمنية "حراس الجمهورية" جميع رؤوس الأموال إلى اغتنام الفرصة والاستثمار في مدينة الفرص الاستثمارية "المخا".
في السياق، أشار الصحافي اليمني وجدي السالمي إلى "أن المخا تشهد تحولاً مهماً يمهد لتحقيق تطورات غير مسبوقة، وهناك جهود تنموية تعمل بوتيرة متسارعة في قطاعات متعددة، التي تمهد لأن تصبح مدينة المخا مركزاً اقتصادياً وتجارياً وسياحياً".
متناقضات
وكما هي حال المدن في كل مكان تقدم متناقضات لافتة للنظر، فعلى رغم كون المخا حاضرة اقتصادية مهمة تقف على ساحل البحر الأحمر، وتشهد – حالياً - تنمية ملموسة، فإن أجزاء كبيرة منها تعاني في الوقت ذاته إهمالاً كبيراً، ويعيش معظم أبناؤها تحت وطأة الفقر.
وفي وقت سابق تجولت "اندبندنت عربية" في مدينة المخا الاستراتيجية ورصدت بعضاً من معالمها التاريخية ومنها المدينة القديمة التي تشهد أطلالها على مرحلة مزدهرة عاشتها المخا خلال فترات تاريخية متعددة، ويحكي حاضرها عن قصور وإهمال كبيرين رافق المدينة لعقود من الزمن.
ويعتبر جامع الشاذلي من أبرز المعالم التاريخية، وبني في القرن الـ15 الميلادي (التاسع الهجري)، ويمثل المسجد طرازاً متميزاً لفن العمارة الإسلامية.
وإلى جانب هذه المعالم فثمة معالم أخرى فيها إلا أنها مندثرة ودارسة وطي النسيان والإهمال، يشدك الحنين إليها ما دونته مذكرات الرحالة "نيبور" الشهير (الدنماركي الألماني)، في يومياته التي سجلها أثناء زيارته المدينة (1762- 1763)، بقوله إن المخا مدينة مأهولة بالسكان ومسورة وتوجد فيها أبراج للحراسة.
وعلى البحر تطل قلعتان مزودتان بمدافع، وقلعة طيار، وقلعة الشيخ الشاذلي وهو شيخ صوفي، وسور المدينة الذي يضم خمسة أبواب (الشاذلي والعمودي وفجير وصندل والساحل).
خلفية تاريخية عبر العصور
وارتبطت المخا منذ القدم بحضارات اليمن القديمة كالسبئية والمعينية والحميرية وغيرها، ونالت شهرة واسعة في التاريخ القديم وقد عرفت "بمخن" بخط المسند.
أما في العصر الإسلامي فأصبحت المخا مدينة أشعرية بعد مجيء أبي موسى الأشعري إلى اليمن، لنشر الإسلام. وأصبحت تابعة لحكام زبيد خصوصاً الدولتين الزيادية والنجاحية ودولة آل مهدي، ثم للأيوبيين والرسوليين والطاهريين في تعز وكان ميناؤها من أشهر الموانئ في العالم.
وتنافست الإمبراطوريات التجارية العالمية على إيجاد موضع قدم لها في المخا خصوصاً بعد ازدهار تجارة البن، وأصبحت المدينة وميناؤها مقراً لفروع شركات الهند الشرقية الأوروبية المختلفة، حين افتتحت تلك الشركات وكالات تجارية ثابتة لها في المخا وكانت مسؤوليتها تقع مباشرة تحت إدارة الوكالات الرئيسة في سورات وبومباي.
وفي العصر الحديث كانت من أهم المدن والمراكز التجارية على البحر الأحمر بين القرنين الـ16 والـ18 حينما تنافس عليها العثمانيون والإنجليز.
وشكلت المخا ملتقى لمطامع الدول الاستعمارية المختلفة وتعرضت المدينة إلى حملات عسكرية متعددة ومنها حملات البرتغاليين في نهاية القرن الـ11 الميلادي (الخامس الهجري)، التي هدفت إلى السيطرة العسكرية على السواحل اليمنية، واحتلال العثمانيين واستيلائهم عليها عام 1540، وقبل ذلك الأحباش الذين احتلوا اليمن عام 517، واتخذوا من المخا مركزاً ينطلقون منه إلى الداخل اليمني. قبل أن يتمكن الملك ذو نواس الحميري من طردهم من اليمن عام 518، ثم عودتهم إليها مرة ثانية عام 525، بحسب إفادة أستاذ التاريخ جمال الكلدي.