في نهاية 2022 انعقد مؤتمر "كوب27" في مصر بمدينة شرم الشيخ، وكانت أبرز القضايا المطروحة عليه محاولة التوصل إلى اتفاق حول الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لتأمين عدم تجاوز ارتفاع درجات الحرارة عن 1.5 مئوية، وكذلك توفير موارد مالية أكبر لتمكين الدول النامية بشكل خاص من الانتقال بمعدلات أسرع نحو الطاقة النظيفة من دون أن يؤثر ذلك في خططهم التنموية.
صدر عن هذا المؤتمر قرار تاريخي بإنشاء صندوق لمصلحة الدول النامية والأكثر تضرراً من الانبعاثات البيئية وأضرار المناخ لتمكينها من تجاوز التداعيات المناخية لمعدلات التنمية السريعة في الدول الصناعية والتي تمت من دون مراعاة الآثار البيئية والمناخية، ومن دون أن يحدد المؤتمر حينذاك حجم الإيرادات المطلوبة وآليات تفعيل الصندوق، في حين اعتبرت الصياغات والنتائج الخاصة بالحد من الانبعاثات أقل من الطموحات المستهدفة، أي خرج المؤتمر بنتائج تاريخية من ناحية، وإنما ظلت على رغم ذلك تحديات مستدامة ومتواصلة حدت من التفاؤل المصاحب لإنشاء الصندوق على رغم أنه يعتبر إنجازاً مهماً للغاية وغير مسبوق.
ومنذ أسابيع قليلة انتهى مؤتمر"كوب28" الذي انعقد بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالساحة التي استضافت الـ EXPO الأخير في دبي، ومع استمرار قضايا تخفيض الانبعاثات الضارة بالمناخ والتي تغذي ارتفاع درجات الحرارة، وتأمين التمويل اللازم للتحول نحو البيئة النظيفة على رأس الأولويات.
حقق المؤتمر الجديد خطوات ملموسة نحو بدء تمويل وتفعيل صندوق تجاوز الخسائر والأضرار، وشهد عدداً لا بأس به من الوعود لتوفير تمويل متنامٍ في مصلحة التحول نحو الطاقة النظيفة، بما في ذلك من الدولة المستضيفة في حدود 100 مليون دولار ومثلها من ألمانيا، و17.5 مليون دولار من الولايات المتحدة وغيرها بإجمالي 770.6 مليون دولار.
وأعلنت 130 دولة أنها سترفع من معدلات استخدامها للطاقة المتجددة بنسبة 300 في المئة، كما اتفق وللمرة الأولى على صياغة مهمة حول التحول التدريجي العادل والمنصف عن الوقود الأحفوري بغية إسراع معدلات التقدم نحو هذا الهدف خلال العقد المقبل، فضلاً عن أن بيان المؤتمر أشار إلى استهداف تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 43 في المئة مع حلول 2030 و60 في المئة قبل 2035 وذلك مقارنة بمعدلات عام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر المؤيدون ذلك تقدماً مهماً وتاريخياً، في حين رأى المنتقدون أنها إنجازات أضعف من المأمول وأن الصياغات مليئة بالفجوات التي تسمح للدول بتجنب الالتزام بهذه التعهدات، وفي ما يتعلق بتعزيز القدرة على التحمل وتخفيض وهن التأثر بالتغيير المناخي رأى البعض أن التقدم لا يزال دون المستوى المطلوب، وخصوصاً في ظل الضغوط الشديدة التي تتعرض لها دول نامية عديدة من آثار التغير المناخي وتكلفة التحول نحو استخدام الطاقة النظيفة.
حظيت الزراعة والغذاء على اهتمام كبير خلال مؤتمر "كوب28" وصدر إعلان حول الغذاء وقعت عليه 160 دولة، غير أن المؤتمر لم ينجح في الاتفاق على برنامج عمل مشترك لتنفيذ مقررات "كوب27" حول الزراعة والغذاء ومن ثم فالطموحات ما زالت أكبر من الإنجازات.
يحسب لـ"كوب28" أنه سعى لحث أطراف مجتمعية عدة لا تقتصر على الحكومات لاتخاذ خطوات ملموسة تحقق عائداً اقتصادياً وتغيراً في النظم الحياتية بما يساعد في كبح جماح التأثيرات البيئية والمناخية التي تغذي ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك لتوفير موارد مالية متزايدة لتغطية الحاجات المرتبطة بتنفيذ الأهداف المحددة، وذلك من منطلق أن تحقيق نجاحات أمام هذه التحديات الجسيمة يتطلب مشاركة ومساهمة من مختلف فئات المجتمع ومؤسساته على المستوى الوطني والدولي، باعتبار أن التحديات والحلول تتطلب تعاوناً جماعياً ونظرة شاملة للقضية والتحديات والحلول.
تناول مؤتمر "كوب28" العديد من العناوين الأخرى أنجز حول بعضها وأخفق حول البعض الآخر، وإنما ظلت قضايا الارتفاع الحراري والتمويل على رأس الأولويات، والساحات الرئيسة للتقدم من ناحية، وعدم اعتبار هذا التقدم على مستوى التحديات والطموحات من ناحية أخرى، بل وأعتقد أنها قضايا ستظل على رأس الأولويات العام المقبل أثناء "كوب29" في باكو عاصمة أذربيجان، وكذلك في "كوب30" بالبرازيل عام 2025، والذي سيشهد اهتماماً كبيراً بقضايا الطبيعة وإزالة الغابات الممطرة المنتشرة في البرازيل، خصوصاً بعد أن طرح مبادرة لإنشاء صندوق للحماية الأبدية للغابات الاستوائية الممطرة.
أعتقد أن "كوب28" حقق بالفعل خطوات إيجابية ومفيدة على خريطة التعامل العالمي مع تداعيات التغير المناخي، وهي خطوات هامة إلا أنه من المبالغة القول إن الإنجازات خلال "كوب28" أو من قبله "كوب27" وإجمالي ما تحقق في المؤتمرين كانت كافية للتصدي إلى أخطار التغير المناخي وتداعياته.
وأقول ذلك بصراحة تامة لأن الكثير من الالتزامات والتعهدات التي جاءت في بيانات المؤتمرين غير ملزمة وتعتبر إعلان نوايا، تتأثر صدقيتها بتكرار عدم التزام الدول بالتزامات سابقة، كما من الواجب أيضاً التنويه بأن ما أعلن من تبرعات أو مساهمات في الصناديق البيئية المختلفة لم تصل أو حتى تقترب من المبالغ الضرورية لتمكين الدول من التصدي لهذه المشكلة والتحول نحو البيئة النظيفة، فضلاً عن أن الحاجات تتزايد بمعدلات سريعة سنوياً نظراً لتفاقم المشكلات والاعتبارات الخاصة بالتضخم.
قبل مؤتمر المناخ الأخير بأيام كتبت هنا أن أهم تحدياته الحد من انبعاثات الغاز الحابس للحرارة وتوفير موارد أكبر لتمكين العالم وبخاصة الدول النامية من التحول نحو الطاقة النظيفة، وهو ما شهدناه بالفعل خلال المشاورات المكثفة والمداولات، ومرة أخرى أهنئ الإمارات ومن قبلها مصر على إنجازات مؤتمري "كوب28" و"كوب27"، وإنما أدعوهم وأدعو المجتمع الدولي إلى مواصلة الجهد وتكثيفه، لأن الإنجازات المختلفة منذ مؤتمر باريس لتغير المناخ في 2015 لم تصل بعد إلى مستوى التحديات، وإن كان يحسب للجميع توافر يقين أفضل وأوسع لخطورة التداعيات المرتبطة بالتغيير المناخي وضرورة التصدي لها جماعياً، ومما لا شك فيه الآن أن من أهم الأولويات الدولية في هذا المجال هي الحد من انبعاثات الغازات الحابسة للحرارة وتوفير موارد أعظم لمساعدة الدول النامية في هذا الخصوص.