ملخص
تقارير غير رسمية قدرت خسائر الاقتصاد التونسي جراء الفساد بـ3.25 مليار دولار
أمر القضاء التونسي بالإفراج عن رجل أعمال ووزير سابق في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، بعد أن وجهت إليه تهم استغلال منصب موظف عمومي بهدف الحصول على منفعة شخصية والإضرار بالإدارة العامة، بشرط دفع كفالة ضخمة قدرها 18 مليون دينار (5.86 مليون دولار)، وإنهاء توقيفه قبل أسابيع في امتداد لحملة ايقافات شملت رجال أعمال مرتبطين بعائلة الرئيس الأسبق تحوم حولهم شبهات فساد.
لا يزال رجال أعمال قيد الإيقاف وتعمل شركاتهم الضخمة في مختلف القطاعات، ووصف أحدهم من قبل قاض في اللجنة الوطنية للصلح الجزائي بأنه صاحب أموال فلكية، وهو ما من شأنه أن يسلط الضوء على هذه القضايا وعلاقتها بطرح الرئيس سعيد وهو الصلح الجزائي ووظيفة اللجنة الخاصة به.
كان سعيد أصدر مرسوماً رئاسياً يوم 20 مارس (آذار) 2022 يتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته، بهدف استبدال المسار العقابي للجرائم ذات الطابع الاقتصادي بدفع مبالغ مالية لتعويض الخسائر الناتجة عما أطلق عليه المرسوم "نهب المال العام"، وتساوي هذه المبالغ قيمة الضرر المترتب عن الجريمة الاقتصادية، ويضاف إليها نسبة 10 في المئة عن كل عام مضى على وقوع الضرر، أما توظيف هذه العائدات فيتم برصد 80 في المئة منها لصالح المناطق الفقيرة على أن يقع ترتيبها من الأكثر فقراً إلى الأقل فقراً، أما 20 في المئة المتبقية فهي إسهامات في تمويل الشركات الأهلية بهذه المناطق أو غيرها، وتتمثل هذه الشركات الأهلية التي دعا الرئيس إلى إنشائها في مؤسسات محلية تقود نماذج تنموية عن طريق نشاط اقتصادي انطلاقاً من الجهة الترابية الموجودة بها بقيادة الأهالي.
وصدر منشور في مارس الماضي عن رئاسة الحكومة (عدد 09 لسنة 2023) موجه إلى الوزراء والمديرين العامين بهدف تسهيل مهمة التقصي التي كلفت بها اللجنة الوطنية للصلح الجزائي، يلتمس منهم تمكين اللجنة من الملفات المتعلقة بالجرائم الاقتصادية والمالية وبالأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت عنها منافع غير شرعية والتي أنتجت ضرراً مالياً للدولة والمؤسسات العمومية، ثم إحالة الملفات المتعهدة بها قانوناً والتي لها علاقة بمجالات المال العام وملك الدولة العام والخاص والرشوة وغسل الأموال والضرائب والجمارك والصرف والسوق المالية والمؤسسات المالية.
جرى تسمية أعضاء اللجنة بمقتضى أمر رئاسي، وتكونت من ثمانية أعضاء من بينهم قضاة وممثلون عن وزارة أملاك الدولة ولجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي، يتولون مهامهم مدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
غموض متواصل
ويصبو الرئيس قيس سعيد من خلال هذا المسار الى استرجاع "الأموال المنهوبة" التي قدرها بـ 13.5 مليار دينار (4.39 مليار دولار).
يذكر أن السلطات الرسمية في تونس منذ 2011 لم تقدم أي تقرير رسمي يتضمن تقديرات لحجم الأموال المنهوبة من قبل نظام بن علي وحاشيته، بينما نشرت قائمة تضم 112 شخصاً ضمت أسرة الرئيس الأسبق وبعض وزرائه والمقربين من نظامه ولم تحدد قائمة برجال أعمال فاسدين، لكن في المقابل قدر حجم خسائر الاقتصاد التونسي جراء الفساد حسب تقارير غير رسمية بـ 10 مليار دينار تونسي (3.25 مليار دولار).
عائدات ضئيلة
في المقابل انتهت مدة عمل لجنة الصلح الجزائي في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بعد أن تمتعت بالتمديد ستة أشهر، ولم تقدم حصيلة في حجم الانتظارات، ولم تنشر أرقاماً عن قيمة الأموال التي استرجعت، ما عدا ما صرح به أحد أعضاء اللجنة في إحدى زيارات الرئيس قيس سعيد لمقرها، حول ضخ خمسة ملايين دينار (1.6 مليون دولار) في خزينة الدولة من عائدات الصلح الجزائي، وهو مبلغ ضئيل للغاية وأقل بكثير مما تطمح البلاد إلى استرجاعه. ومع نهاية آجال أشغالها، نفذت حملة إيقافات ضد بعض رجال الأعمال، علماً أن أحدهم انخرط فعلاً في مسار الصلح الجزائي وهو صهر الرئيس الأسبق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس الجمعية التونسية لدعم المحاكمة العادلة، وليد العرفاوي، إن لجنة الصلح الجزائي تلقت 250 طلباً للصلح، لكنها أنهت 40 في المئة منها فقط، وتحصلت خلالها حتى الآن على 35 مليون دينار (11.4 مليون دولار).
ودعا إلى تحسين أساليب التفاوض مع رجال الأعمال الراغبين في الصلح، بتجنب تحديد مبالغ مالية معينة لتنفيذ الصلح وإجبارهم على دفعها.
وذكر الباحث الاقتصادي معز الجودي أن "الصلح الجزائي لن يوفر بالضرورة المقدرات المالية التي ستخرج البلاد من أزمتها بل هو كفيل بأن يتحول إلى عامل سلبي معاكس لسير الاستثمار، بعد أن تسبب في توجس رجال الأعمال الذين لم توجه لهم تهماً في السابق، وهي نتيجة حتمية للخوف ما يهدد بتعكير مناخ الأعمال في ظل أزمة اقتصادية وتراجع نسق الاستثمار.
وأشار الجودي إلى مردودية الصلح ومشروعيته في حال حسن تطبيقه، بينما رأى المحلل المالي وسيم بن حسين أن الصلح الجزائي هو طريقة متبعة في تونس منذ عقود ومكنت الدولة من استرجاع أموال حرمت منها نتيجة تهرب ضريبي أو فساد، وظفرت أجهزة مخصصة لهذه التتبعات بمستحقات الدولة دون اللجوء إلى التتبعات القضائية ما مكن من استفادة جميع الأطراف مادياً ومعنوياً، أما الاختلاف الحاصل فهو في الأسلوب المتبع والذي تطور ليصل الى أروقة المحاكم والسجن لرجال الأعمال الأمر الذي يقدم مؤشرات غير إيجابية عن المناخ العام للأعمال في البلاد، في حين لا تتوفر مؤشرات دقيقة عن قيمة الأموال التي ستترتب عنها وانعكاساتها الإيجابية على خزينة الدولة.