Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصة مخرج مصري تسلل إلى "طالبان" وخرج بفيلم مهم

ابراهيم نشأت: لم أكذب عليهم خلال التصوير رغم خوفي

عناصر طالبان في الفيلم الوثائقي "هوليوود غيت" للمخرج المصري ابراهيم نشأت (ملف الفيلم)

ملخص

ابراهيم نشأت: لم أكذب عليهم خلال التصوير رغم خوفي

مغامرة سينمائية محفوفة بالأخطار والتحديات خاضها المخرج المصري إبراهيم نشأت في أول أفلامه الوثائقية "هوليوود غايت" الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الجونة الأخير بعد عرضه الأول في مهرجان البندقية، ويتناول الآتي: بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام2021، تضع حركة "طالبان" يدها على قاعدة عسكرية أميركية في كابول معروفة باسم "هوليوود غايت" كانت مقراً لوكالة الاستخبارات المركزية، ويكتشف أفراد التنظيم كل ما تركه الأميركيون خلفهم من ذخائر ومعدات عسكرية وآليات يقدر ثمنها بـ 7 مليارات دولار، سرعان ما يوظفها هؤلاء في سبيل بسط سلطتهم.

أسلوب مختبري

الفيلم يتعقب هذا الاكتشاف معايناً التفاصيل بأسلوب مختبري بارد بلا تدخلات سافرة من المخرج، يفهم ولا يبرر، ويسخر ولا يدين، تاركاً للمُشاهد مساحة من التفكير لتكوين رأيه في جماعة متعطشة للسلطة أكثر من تعطشها للمبادئ التي تزعمها. 

"كيف تدرب على خوض مغامرة مماثلة وعلى أي نحو اشتد عوده لمواجهة الطالبان؟"، سؤال كان لا بد من طرحه على إبراهيم نشأت خلال لقاء جمعني به في "مهرجان الجونة" حيث عُرض الفيلم للمرة الأولى على جمهور عربي، يقول "عملتُ في الصحافة طوال 10 أعوام في محطات مثل ’دويتشه فيله‘ و’الجزيرة‘ و’بزنس إنسايدر‘ وغيرها، وذهبت إلى أرض نزاعات وصراعات مما جعلني أكتسب مهارات حصنتني أمام الأخطار، وفي برلين تعرفت على المخرج الكردي طلال ديركي الذي كان أنجز ’عن الآباء والأبناء‘ ومجازفته في إنتاج هذا الفيلم كانت أقوى من مجازفتي في تصويره".

انسحاب الأميركيين من أفغانستان نقطة انطلاق الفيلم، وعلى أثره قرر نشأت الانتقال إلى كابول للتصوير وكان هدفه الأول أن يُري العالم من هي حركة "طالبان" التي تركتها أميركا تمسك زمام الحكم في أفغانستان.

في رأيه أن الأميركيين زعموا أنهم سيأتون بالديمقراطية ويجعلون الوضع أفضل بالنسبة إلى المواطنين الأفغان، لكنهم بعد 20 سنة من الوجود في أفغانستان الذي جعلها تتدمر أكثر فأكثر، غادروها وكانت "طالبان" أصبحت في غضون ذلك أقوى من أي وقت مضى.

اكتشاف تدريجي

هذا كان دافع المخرج في المرحلة الأولى، أن يكشف من هي الحركة الدينية التي سلمت لها أميركا البلاد، ولم يكن ليتخيل أنه سيتناول قضية الأسلحة والمعدات العسكرية والمعدات التي تركتها أميركا خلفها، وحصل هذا تدريجاً خلال التصوير.

"هل هذا يعني أنك وصلت إلى أفغانستان والتطورات الميدانية هي التي جرتك بعد ذلك"؟ يرد قائلاً "كنت كتبتُ سيناريو لشيء لم يحدث وذهبتُ لتصوير شيء مختلف تماماً بعدما تسلمتُ إجازات للتصوير مع قيادات "طالبان" والمتحدثين الرسميين باسمها من مكاتبهم الإعلامية، وذهبتُ من أجل تصوير هذا إلا أن الشخص الذي كان وسيطي اختفى عندما وصلتُ إلى هناك، وما عادت لكل التحضيرات أهمية.

كان لي مترجم اخترته من "طالبان" كي يثقوا بي، وعندما علم أنني سأغادر البلاد لأنه ليس هناك قصة أرويها، اقترح علي أن أرافقه إلى القاعدة العسكرية الأميركية المعروفة باسم "هوليوود غايت"، وفور دخولي فيها عرفتُ أن هذه هي البقعة التي يجب أن أصور فيها". 

لكن شتان بين أن يسمحوا له بالتصوير وأن يستمر في التصوير طوال سبعة أشهر مع الإذن له بدخول أماكن تحمل أسراراً، وهناك ما هو مفاجئ في هذه المبادرة التي أقدمت عليها "طالبان" خصوصاً أن نشأت لا يمتلك أية تجربة سينمائية، فكيف نال ثقتهم إلى هذا الحد؟

يروي قائلاً "الفكرة أنني لم أكذب ولم أقل لهم ما يقوله معظم المخرجين أمام حال مماثلة، وهو إنني سأعكس صورة إيجابية عنهم، ولم أعدهم بشيء من هذا القبيل بل صارحتهم بالحقيقة كما هي وهي إنني سأري ما سأراه، وأبلغتهم أن هذا يتوقف على ما سيسمحون لي بتصويره والمشاهدون هم الحكم في النهاية، وأريتهم صوري مع رؤساء دول وسياسيين من صناع القرار خلال عملي في الصحافة، وشرحت لهم أن الصحافة تختلف عن السينما وأن الصحافة تأخذ مقتطفاً وتبني عليه رواية، أما أنا فسأصور على مدى عام وسأقدم الحقيقة كما هي، ولعل الشيء الوحيد الذي لم يفهموه هو عندما قلتُ لهم أنني سأري الناس ما شاهدته، فالسينما تسمح بأن تضع وجهة نظرك فيها وهذه قوتها، ولعلهم لم يفهموا هذا المستوى من الموضوع لأن السينما أقوى من أن يستغلوها لمصلحة البروباغندا، فقد تركوني أصور لأنهم شعروا بأنني لست كذاباً وأنا فعلاً لم أكذب".

حيز ضيق

يقول نشأت إن صناعة الفيلم كانت بالنسبة إليه تحدياً متواصلاً، وولد بين الحيز الضيق الذي أُعطي كي يصور، فهم لم يسمحوا له بتصوير كل شيء، والهدف الذي كان ذهب من أجله، أي إظهار العالم من هي حركة "طالبان"، وقد عاش صراعاً طوال التصوير وفقد أحياناً الإيمان بجدوى المشروع وشهد انهياراً في حاله النفسية وشعر بأن ما يصوره لا يفيد لشيء، لكونه لا ينقل معاناة الناس بل يحصر اهتمامه بمن صنعوا مآسيهم.

 الفيلم من النوع الذي يترك مُشاهده يكون رأيه الخاص بالتنظيم الذي دمر تمثالي بوذا الأثريين في وادي باميان عام 2001، وتدخل نشأت محدود في الفيلم كمخرج يفرض رأيه ما عدا في تعليقين اثنين في أول الفيلم وآخره، ويقول نشأت إنه ينتمي إلى مدرسة المخرج الوثائقي الأميركي فريدريك وايزمان الذي لا يستخدم أي تعليق صوتي في أفلامه ولا يجري مقابلات مباشرة ويكتشف الواقع خلال التقاط المشاهد لا قبله، ولهذا السبب يعتبر نشأت أنه كانت نقطة سلبية أن يضع تعليقاً صوتياً، ويشرح خياره هذا بالقول "لم يكن هذا الفيلم ممكناً من دون أن أؤكد أنني لست مع ’طالبان‘ كي يطمئن المُشاهد ويتابع 90 دقيقة، وهو على يقين أنه ليس أمام عمل بروباغندي، فكان عليّ أن أعلن موقفي منذ البدء، لكن لفترة طويلة اعتبرتُ التعليق نقطة ضعف، فالسينما الوثائقية بالنسبة إلي هدفها نقل الواقع، وعندما وضعتُ تعليقاً صوتياً إنما ركزتُ على فكرة ما رأيتُ تأكيداً على أن الفيلم وجهة نظري". 

صارحتُ المخرج خلال الحوار بأنني لم أكره عناصر "طالبان" وأنا أشاهدهم، بل ضحكت لأن الفيلم يحمل في باطنه بعض السخرية، وصحيح هو لم يلمع صورتهم لكنه لم يشيطنهم كذلك، وأظهرهم كأناس عاديين بسطاء العقول. يقول "للأسف نحن نعتقد أن الشخص ذا العقل المتبلور يستطيع أن ينجز، أما الذي يملك عقلاً بسيطاً فهو فاشل، وكان هدفي أن أكشف أنهم وعلى رغم عقلهم البسيط نجحوا في تصليح الطائرات المتروكة لهم وانتصروا على الأميركيين، ولديهم قدرة على إعلان الحرب على أية دولة، وعقولهم بسيطة لكن هذا لا يعني أن معاييرنا للتقييم هي الصحيحة، فهم لديهم معايير أخرى، وفي المشهد الذي يتعلمون فيه قيادة الطائرات نسمع المدرس يقول لهم "اضغطوا على الزر الأخضر وستُطلق القذيفة"، وهذا ما يهمهم فهم لا يكترثون بكيفية صناعة الطائرات بل بكيف يستخدمونها لإنهاء مهماتهم". 

ويكمن خطر الأسلحة التي تركها الأميركيون لـ "طالبان" في استخدامهم إياها ضد الأفغان لانهاء أية حالة مقاومة، فخطرها ليس على دولة مثل أميركا بل على دولة مجاورة مثل طاجيكستان، وهذا ما يؤكده نشأت في الحوار.  

لكن ألا يوجد تناقض فظيع في استخدام تكنولوجيا العدو لمحاربة فكره؟ يجيب نشأت أن "الموضوع كله تناقض في تناقض، ففيلمي يكشف أن ما يقولونه عن أنفسهم ليس حقيقتهم وهم يحاولون أن يتحدثوا باسم الإسلام، لكن الفيلم يعري هذا كله ويظهر أن كل هدفهم هو السلطة، ولا يوجد لديهم ما هو أهم من السلطة، وهذه حال غالبية الجماعات الإسلامية، فالفيلم يري كيف أنهم يدّعون شيئاً لأن هذا الشيء هو الذي يلم شملهم، ولكن واقعهم فراغ في فراغ، وفي الختام هم مجموعة من القوميين والوازع القومي عندهم أهم من الوازع الديني".

ثمة مشاهد عدة نرى فيها بعض عناصر "طالبان" يتوجهون بتعليقات في حق المخرج، لكن هو يقول بأنه لم يفهمها لأنه كان طلب إلى المترجم ألا يترجم له كلاماً يتناوله بالسوء، ونسمع أحد هؤلاء يقول عنه "إذا كانت نيته سيئة فسنصفيه"، وهذا يُخرج الفيلم من سياقه ليحملنا إلى مستوى آخر من الحوار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تجنب الخوف

ويروي نشأت "اتفقتُ مع المترجم ألا يترجم لي كلامهم عني، ذلك أنني كنت خفت عندما تحدثوا عني للمرة الأولى وعلمتُ كل الكلام الذي قالوه عني خلال المونتاج، ولو علمتُ خلال التصوير لزاد الخوف عندي، وعندما يقول أحدهم كلاماً في وجهك ثم كلاماً آخر وراء ظهرك فسيقل احترامك له، وهذا يجعل تعاملك معه نابعاً من أحاسيس وليس حيادياً، وقد وددت إلغاء كل المشاعر في داخلي لأنني في الأساس لم أستعن بالكرّه لتصويرهم، ولو فعلتُ ذلك لجاءت النتيجة سيئة جداً وأصبح الفيلم فيلماً آخر، ووضعتُ مشاعري تجاههم جانباً لأن مهمتي اقتضت نقل الواقع لا بتوظيف الكره لفضحهم، ولم تكن نية الفيلم فضحهم بل نقل الحقيقة لبث الوعي عند الناس". 

قيادة "طالبان" لم تشاهد "هوليوود غايت" على حد علم المخرج الذي يبدو أنه انتهت علاقته بالتنظيم مع نهاية التصوير، وكان يتواصل معهم عبر رقم هاتف مزيف ألغاه بعد مغادرته أفغانستان، وما عادت له أي صلة بهم، عام كامل أمضاه نشأت وهو يعمل على تصوير الفيلم، سبعة منها في أفغانستان، وعندما كان يعود لمكان إقامته في برلين بين حين وآخر يخضع لعلاج نفسي، ويروي "كان يصعب عليّ أن أعيش تحت حكم ’طالبان‘ ولا يحق لي أن أتكلم، وفي غالب الأحيان كنت أكتفي بهز رأسي وأحياناً كنت أغادر أفغانستان كي لا أغضب وأرد عليهم، أو عندما كانوا يغضبون مني ويضجرون من حضوري بينهم، وخلال الفترة الأخيرة ضاقوا مني ذرعاً وخصوصاً مولاي منصور، وكان من الممكن أن أنتظر أسبوعاً كاملاً كي أحصل على يوم تصوير معه، أما الناس الذين من حولهم فما عادوا مرتاحين لي، وفي آخر يوم تصوير طلبوا مني أن أحضر إلى مكتب الاستخبارات وأجلب معي كل المواد التي صورتها، وقد غادرت أفغانستان في اليوم نفسه". 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما