ملخص
يتوقع أن تجذب سوق المال الليبية المدخرات خارج البنوك والمقدرة بأكثر من 10 مليارات دولار تقريباً
أشعلت عودة سوق الأوراق المالية الليبية للتداول بعد تسع سنوات من التجميد الإجباري بسبب الظروف الأمنية والسياسية نقاشات واسعة في شأن أهمية هذه الخطوة، وهل ستشكل رافداً يحفز النمو الاقتصادي في البلاد والنشاط التجاري بعد عقد من الركود والأزمات الكبيرة؟
جلب المال للمصارف
أهم الفوائد التي سيجنيها الاقتصاد الليبي من استئناف نشاط البورصة أو سوق الأوراق المالية، بحسب آراء معظم المحللين الاقتصاديين، هو جلب الأموال المكدسة في المنازل والخزائن الخاصة إلى التداول من جديد، ومن ثم المساهمة في حل أزمة النقص الحاد في النقد المحلي بالبنوك.
المحلل الاقتصادي محمد الصافي سأل "بما أن التقديرات المتطابقة تشير إلى وجود أكثر من 40 مليار دينار ليبي (نحو 8.4 مليار دولار) خارج النظام المصرفي، فهل تنجح سوق الأوراق المالية في جذب جزء منها؟ وهل يمكن كذلك تفعيل الوساطة المالية للبنوك لتساند البورصة؟".
أضاف "من المعروف أن الاستثمار من بين المحركات الأساسية لنمو اقتصاد الدولة وتعزيز الإنتاج المحلي، والشرط الأساس لتحقيقه هو الأموال المتاحة له من قبل الأفراد والمؤسسات"، وأشار إلى "وجود ثلاث آليات لاستخدام المدخرات، وهي النقود في البنوك، والأصول المادية مثل العقارات أو الذهب، والأصول المالية مثل الودائع في المصارف بفوائد وأسهم وسندات، والنوعان الأول والثاني لا ينشئان رأس مال إضافياً يحسن من إنتاجية السلع والخدمات، بينما النوع الثالث هو الوحيد الذي يولد رأس مال إضافياً من خلال استثمار الادخارات في مشاريع إنتاجية".
نتائج كارثية
ورأى الصافي أن غياب التداول المالي في سوق الأوراق المالية في السنوات الماضية كانت نتائجه الاقتصادية كارثية على البلاد "تتبع غالبية الادخارات في ليبيا النوعين الأول والثاني، ولا سيما تخزين النقود في المصارف أو تجميدها في أصول مادية بسبب غياب السوق المالية، هذا التفاوت يؤدي إلى استخدام العقارات بشكل واسع كوسيلة رئيسة للادخار في البلاد، مما يفسر بصورة كبيرة الارتفاع غير المنطقي في أسعار العقارات في ليبيا، إذ تتساوى بعض العقارات في بنغازي وطرابلس أو تتجاوز قيمتها العقارات في مدن مثل لندن، هذا ناتج من جذب العقارات لكل المدخرات المتاحة في البلاد كاستثمار آمن، وهذا يعتبر استهلاكاً وليس استثماراً في محركات الإنتاج المحلي، ولا يخلق قيمة مضافة". وتابع "لذا تحتاج الدول إلى سوق آمنة تربط أصحاب رؤوس الأموال بالتجار وأصحاب المشاريع، وهنا تظهر فكرة سوق الأوراق المالية مما يسمح للشركات بعرض أسهم للاستثمار أو للحكومات والمؤسسات بعرض سندات خزانة، لجذب جزء كبير من المدخرات المختبئة في العقارات أو الخزائن الخاصة".
ضمان الاستقرار الاقتصادي
ويتفق المتخصص الاقتصادي ياسين أبو سريويل مع هذا الطرح، معتبراً أن "سوق الأوراق المالية وسوق المال عبارة عن مؤسسة تتوافر فيها عروض وطلبات التداول لمختلف أشكال الأوراق المالية، ويتم ذلك في سوق منظمة ومركزية من خلال منصة خاصة تسمى سوق الأسهم، لذا فإن استقرار سوق المال هو دليل للاستقرار الاقتصادي لأي دولة، بسبب دورها في حشد المدخرات وتوجيهها في مشاريع أو استثمارات تخدم الاقتصاد الوطني، وتكون ضمانة لنجاح هذه المشروعات والاستثمارات".
وأشار أبو سريويل إلى أن هناك شروطاً وضمانات يجب توافرها حتى تحقق للسوق المالية الأهداف المرسومة لها "سوق الأوراق المالية يمكن من خلالها تحقيق كثير من الأرباح للاقتصاد الوطني إذا ما تم دعمها وسمح لها بالعمل وفق اختصاصاتها من دون أي تدخلات، بالنظر إلى الإمكانات المادية التي يتمتع بها القطاع الخاص الليبي، إذ يؤكد بعض المصادر أن القطاع الخاص الليبي يملك ما يقارب 30 مليار دينار (5.5 مليار دولار تقريباً)، وهي أموال مودعين داخل البنوك الليبية، التي يمكن استغلالها والاستثمار في الأصول المتاحة بصورة أفضل داخل هذه السوق لتصبح أكثر إنتاجية".
وحذر المتخصص الاقتصادي ملاك رؤوس الأموال من استعجال النتائج من الاستثمار في السوق المالية، خصوصاً في ظل ضعف خبرة معظمهم بهذا المجال، قائلاً إن "الاستثمار عملية تحتاج إلى التخطيط والصبر ونتائجه تظهر على المدى الطويل، فالاستثمار في السوق المالية على المدى القصير يمر بتقلبات حادة، والأشخاص الذين يبحثون عن الربح السريع هم في الحقيقة رجال مال وليسوا رجال أعمال غايتهم تكون في الغالب المضاربة، ومعظمهم يخسرون أموالهم، ولذلك سوق المال تحتاج إلى رجال اقتصاد وأعمال".
خطوة طال انتظارها
إعادة دق ناقوس التداول بسوق الأوراق المالية الليبية كانت حدثاً طال انتظاره لكثير من رجال الأعمال الليبيين.
وعبر رجل الأعمال حسني بي عن سعادته بعودة التداول بسوق الأوراق المالية الليبية بعد توقف طويل، وأوضح أن "سوق الأوراق المالية الليبي لها خصوصيات مثل أي سوق آخر، ويحكمها العرض والطلب المحدد للسعر"، وأهم خصائص هذه السوق، بحسب حسني بي، أنها "مركز لبيع وشراء الأسهم والسندات ومركز تثمين الأسهم من خلال التداول الحر، وهو مصدر تمويل للشركات في حال رفع رأس المال، ومركز طرح أسهم شركات قائمة للبيع أو الشراء أو التبادل، يضاف إلى ذلك، كونه مصدر اقتراض من خلال صكوك وسندات بعيداً من الاقتراض أو التمويل التقليدي المعتاد من خلال المصارف التجارية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن "نشرات مصرف ليبيا المركزي تحدد المخزون النقدي خارج المصارف بما لا يقل عن 60 مليار دينار (10.4 مليار دولار تقريباً)، وبحسب تقديراتي الخاصة، هناك ما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار مخزنة بمنازل الليبيين أي ما يعادل 15 مليار دينار تقريباً، كما يوجد مخزون من الذهب يتعدى المتوفر لدى المصرف المركزي ويقدر بنحو 200 طن وقيمته 30 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 150 مليار دينار، أي إن إجمالي الرأسمال السائل وغير الموظف يتعدى 225 مليار دينار (40.3 مليار دولار تقريباً) تبحث عن فرص استثمارية للحفاظ على القيمة الشرائية لها بدلاً من تآكلها بسبب التضخم".
قانون البورصة الليبية
ويصف القانون المؤسس لسوق المال الليبية بأن الأخيرة هيئة عامة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، أنشئت بموجب القانون رقم 11 لسنة 2010 في شأن سوق المال، ويحدد مهمتها في الإشراف والرقابة على الأسواق والأدوات المالية كافة غير المصرفية التي تزاول أعمالاً تجارية.
ولم تعمل هذه السوق إلا أربع سنوات قبل توقفها في يونيو (حزيران) 2014 بسبب الأوضاع الأمنية والانقسام السياسي وأسباب فنية، أبرزها صعوبة انعقاد الجمعيات العمومية للشركات المدرجة في السوق.