ملخص
يقول مراقبون إن غالبية الأحزاب المصرية "ليس لها تأثير، ولا يعرفها المواطن"... فهل تستفيد من مشهد انتخابات الرئاسة؟
نحو 10 في المئة من أصوات الناخبين المصريين حصل عليها مرشحو الأحزاب الذين نافسوا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي النسبة التي وإن كانت ضئيلة، ولم تشكل تهديداً حقيقاً لفرص الرئيس الحالي، فإن عديداً من المراقبين والحزبيين رأوا فيها "فرصة" لكل الأحزاب المصرية للتحرك شعبياً، سعياً إلى كسب أرضية أكبر قبل نحو عام على انتخابات مجلس النواب.
وفاز السيسي بولاية جديدة في الانتخابات التي جرت أيام الـ10 والـ11 والـ12 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وحصل على أصوات 39.7 مليون مواطن، بنسبة 89 في المئة من الأصوات الصحيحة.
وجاء في المركز الثاني رئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر بـ1.98 مليون صوت بـ4.5 في المئة، ثم رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران بـ1.77 مليون صوت بأربعة في المئة من الأصوات، فيما حل رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة في المركز الرابع والأخير بـ822 ألف صوت بـ1.9 في المئة.
وعلى رغم مجيء المرشح الفائز عبدالفتاح السيسي من خارج الإطار الحزبي وإعلانه في أكثر من مناسبة رفضه تشكيل حزب سياسي خاص به، فإن معظم الأحزاب أعلنت دعمها له في الانتخابات الرئاسية، وعلى رأسها حزب مستقبل وطن، الذي يشغل أكثر من نصف مقاعد الغرفتين التشريعيتين، وكذلك حزب حماة الوطن صاحب 34 مقعداً في مجلسي النواب والشيوخ.
عدد من دون فعالية
يصل عدد الأحزاب المصرية حالياً إلى 87 حزباً، بحسب موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" (جهة حكومية)، بينما يبلغ عددها 104، بحسب تقديرات أخرى، بسبب وجود أحزاب كثيرة تحت التأسيس، فيما يضم مجلس النواب ممثلين لـ13 حزباً فقط، يتصدرهم حزب "مستقبل وطن" بـ316 نائباً، وأقلهم حزب "إرادة جيل" صاحب المقعد الواحد، ويشغل نحو ربع مقاعد البرلمان مستقلون. وبذلك فإن 74 حزباً ليسوا ممثلين في الغرفة التشريعية، إذا ما جرى احتساب التعداد الرسمي للأحزاب.
وتبدي الغالبية العظمى من الأحزاب مواقف مؤيدة للسياسات الحكومية في مجملها، ويبدو التكتل المعارض الأبرز هو "الحركة المدنية الديمقراطية"، التي أسست عام 2017، وتضم في صفوفها 12 حزباً سياسياً وشخصيات عامة، كان من أبرز مواقفها رفض التعديلات الدستورية التي أقرت عام 2019، وسمحت للرئيس السيسي بتمديد فترة حكمه لولاية ثالثة تمتد إلى ست سنوات، بعد أن كان الدستور يمنح رئيس الجمهورية مدتين بحد أقصى ثماني سنوات.
يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدر الدين إلى الاختلاف الكبير بين عاملي الكم والكيف في الحياة الحزبية المصرية، موضحاً "لدينا عدد كبير من الأحزاب، لكن معظمها ليس له تأثير، ولا يعرفها المواطن، إذ تقتصر على مجرد مقر، إضافة إلى ضعف التمثيل الحزبي في البرلمان، بل إن معظم الأحزاب الممثلة برلمانياً لها مقاعد محدودة في مجلسي النواب والشيوخ".
وطالب بدر الدين، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، بضرورة "تنشيط الأحزاب في الفترة المقبلة، بخاصة أن مشاركة ثلاثة رؤساء أحزاب في الانتخابات الرئاسية يعطي زخماً للحياة الحزبية في مصر"، مشدداً على أن قوة أي حزب "تأتي من وجوده في الشارع، والمساهمة بدور في حل مشكلات المواطنين".
مطالب الاندماج
وفي رأي بدر الدين فإن الأحزاب يمكنها تعزيز دورها "عبر اندماجها، خصوصاً المتشابهة في توجهاتها، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة تمثيلها النيابي"، مشيراً إلى أن العدد الكبير من الأحزاب "لا يفيد التجربة السياسية، ولا تمثيل الشعب المصري"، مقترحاً "سن تشريع يضع معايير لتشكيل الحزب السياسي، مثل وجود مقار في المحافظات، وعدم تشابه أفكار ورؤية الحزب مع أي حزب قائم".
وكان من بين المنادين بدمج الأحزاب الرئيس السيسي، الذي تحدث عن الفكرة قبل توليه الحكم، خلال حملته الانتخابية عام 2014، مؤكداً أن الكيانات الحزبية تحتاج إلى الائتلاف مع بعضها، لتأسيس كيانات سياسية لها جمهور على الأرض، وتسهم في خدمة الوطن.
كما كرر السيسي الدعوة لدمج الأحزاب في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017 خلال لقاء مع وسائل الإعلام على هامش منتدى شباب العالم، مشيراً إلى أن الأحزاب كثيرة، ويجب دعوتها إلى الدمج بهدف زيادة قدراتها.
وفي أبريل (نيسان) 2018 جدد الرئيس المصري دعوته إلى دمج الأحزاب، مشدداً على ضرورة التعاون بين رؤساء الأحزاب السياسية، بهدف إحداث تقارب بين الكيانات السياسية، لكن تلك الدعوة "لم تلق استجابة من رؤساء الأحزاب".
إهدار الفرصة
في المقابل يرى عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن الأحزاب "المؤيدة للسلطة أهدرت فرصة الوصول إلى المواطن، وأن يكون لها امتداد في الشارع خلال فترة الانتخابات الرئاسية"، موضحاً "الأحزاب شهدت عملاً منظماً في الحشد، لكنه (شغل فاسد)"، بحسب تعبيره، بتوزيع الرشاوى الانتخابية و"استغلال حاجة الناس" بدلاً من التحدث معهم، مشيراً إلى أن حزبي الوفد والمصري الديمقراطي "لم يشاركا في ذلك".
وأضاف ربيع في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "الأحزاب حالياً يمكنها البناء على مشهد الانتخابات الرئاسية، من خلال تدشين عمل منظم، واستغلال الأصوات التي حصلوا عليها في تلك الانتخابات (نحو 10 في المئة من إجمالي الأصوات)"، مشيراً إلى أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2030 "ستكون فرصة للأحزاب، لأنه من المفترض أنه لن يكون هناك رئيس مرشح".
ووفقاً للتعديلات الدستورية التي أقرت عام 2019، فإن الولاية الجديدة للرئيس السيسي ستكون الأخيرة، وكان ينص الدستور المصري المعدل عام 2014، على أن ولاية رئيس الجمهورية تمتد أربع سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة، لكن فترة الرئاسة جرى تمديدها عام 2019 إلى ست سنوات في تعديلات دستورية، مما أدى إلى تمديد الفترة الرئاسية الثانية حتى مطلع أبريل (نيسان) عام 2024، كما سمحت له بالترشح لولاية ثالثة تستمر حتى عام 2030.
دور الأحزاب
وبعد يوم من إعلان نتائج التصويت، استقبل السيسي في القصر الرئاسي المرشحين الثلاثة الذين نافسوه في الانتخابات، إذ أكد "تقديره لأدائهم السياسي خلال العملية الانتخابية، على النحو الذي يثري التعددية والتنوع في المشهد السياسي والديمقراطي المصري"، كما عرض رؤساء الأحزاب الثلاثة رؤاهم السياسية حول تعزيز التنمية خلال المرحلة المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين الأحزاب التي أعلنت تأييدها السيسي في الانتخابات الرئاسية حزب الجيل الديمقراطي، الذي عقد مؤتمرات جماهيرية دعماً للرئيس المصري، إذ يشير رئيس الحزب ناجي الشهابي إلى أن العضوية التنظيمية في حزب الجيل تضاعفت من خلال تلك المؤتمرات، التي بلغت 12 مؤتمراً حاشداً و25 فاعلية متوسطة الحضور في مختلف المحافظات، التي قدم من خلالها الحزب "خطاباً وطنياً حماسياً، لكنه موضوعياً ومقنعاً، وهو ما انعكس على زيادة طلبات الانضمام إليه"، وفق تصريحات الشهابي لـ"اندبندنت عربية".
وقال رئيس حزب الجيل إن الأحزاب السياسية لعبت دوراً مؤثراً في الانتخابات الرئاسية "وفاق دورها كل التوقعات"، وكانت أحد أهم العوامل المؤثرة في ارتفاع نسب مشاركة الناخبين في التصويت، ووصولها إلى نسبة مشاركة غير مسبوقة في الانتخابات الرئاسية المصرية والأجنبية على السواء، بحسب تعبيره.
وأدلى 44.2 مليون مصري بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، من بين أكثر من 67 مليوناً، بنسبة مشاركة بلغت نحو 67 في المئة، وهي نسبة التصويت الأعلى في تاريخ مصر، بحسب ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات.
الحوار الوطني
وأشار الشهابي إلى أن التفاعل الحزبي مع الانتخابات سينعكس بالإيجاب على استعدادها للانتخابات البرلمانية، موضحاً أن دعوة السيسي إلى عقد الحوار الوطني لعبت دوراً كبيراً في تحريك الحياة الحزبية و"كسر حال الجمود والسكون التي سادتها في العقد الأخير من عمر الدول المصرية"، لافتاً إلى أن المؤتمرات الجماهيرية توضح أن الأحزاب "استعادت دورها السياسي والجماهيري في قيادة الرأي العام وتوجيهه".
وأكد رئيس حزب الجيل أن الحوار الوطني كان وراء "نضج" الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات عبر الحشد الشعبي، كما أن إعلان الدولة التزامها بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني أسهم بشكل كبير في "النضج والمسؤولية الوطنية التي ظهرت عليها الأحزاب السياسية في الانتخابات الرئاسية، بما صاحبها من زخم واسع شهدته الساحة الإعلامية والساحة الشعبية استعادت بها الأحزاب السياسية المصرية مكانتها ودورها القيادي التوجيهي، وبدأت في بناء قواعدها الشعبية".
وكان مقرر المحور السياسي في الحوار الوطني علي الدين هلال قال، في تصريحات صحافية بعد إعلان نتائج الانتخابات، إن المرحلة المقبلة ستشهد تجديد دماء كل المؤسسات في مصر، بداية بالأحزاب السياسية، من خلال انتشارها وتفعيل دورها بشكل أكبر، بعد ما سماه "الظهور المشرف في الانتخابات الرئاسية"، على أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة هي المحك.
تجدد الشارع
من جهته قال النائب الأول لرئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي إيهاب الخراط إن حصول رئيس الحزب فريد زهران على نحو 1.8 مليون صوت في الانتخابات الرئاسية، يعني أنه ربما يمكن مضاعفة ذلك العدد أو أكثر في الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد عامين تقريباً.
وأشار الخراط إلى أن المكتب السياسي للحزب سيعقد اجتماعاً في الـ30 من ديسمبر، لبحث كيفية تقييم حملة الانتخابات الرئاسية، والبناء على ما جرى إنجازه، معتبراً أن الحملة الانتخابية أظهرت أن الشارع يتجدد، ولو أتيحت للأحزاب فرصة الانتشار في الشارع من دون تضييق أمني "ربما تحصل على مساحة معتبرة شعبياً".
وأضاف نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي لـ"اندبندنت عربية" أن الحزب نظم 17 مؤتمراً في الشارع، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات عديدة بأن يجري السماح للحزب بالاحتكاك بالجماهير، موضحاً أنه في بداية الحملة الانتخابية كانت هناك مضايقات طفيفة، لكن جرى حلها سريعاً، كما أتيح للحزب وجود "لا بأس به" في الإعلام والشارع.
واستدرك الخراط أن الحزب لديه أيضاً ملاحظات وتحفظات على بعض الخروق للصمت الانتخابي خلال الانتخابات، سواء في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل، وكذلك تدخل أجهزة الدولة في حشد الناخبين، ونقلهم إلى مراكز الاقتراع. كما أكد تحفظ الحزب على ما تعرض له منافسون آخرون مثل أحمد طنطاوي الذي "منع" من الحصول على التوكيلات التي تؤهله لخوض الانتخابات، وفق الخراط.
مطالب
وحول مطالب الحزب من الدولة لتفعيل دور الأحزاب في العملية السياسية، قال الخراط إنه من اللازم فتح المجال السياسي والإفراج عن السجناء كافة على ذمة قضايا الرأي، الذين لم يثبت قضائياً تورطهم في أعمال عنف، إضافة إلى إلغاء الرقابة الفعلية أو الضمنية على الإعلام، وفك الحظر على المواقع الإلكترونية المعارضة المحجوبة.
وحصل رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريد زهران على نحو 1.8 مليون صوت، وهو ما يعادل ضعف ما حصل عليه رئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، على رغم أن الوفد يعد أعرق وأقدم الأحزاب في مصر والشرق الأوسط، بينما تأسس الحزب المصري الديمقراطي عام 2011.
حال الوفد
وأنشئ الوفد على مبادئ الليبرالية، وتمتع بظهير شعبي كبير منذ انطلاقه مع الزعيم المصري سعد زغلول عام 1923، وحتى قرار حل الأحزاب السياسية عقب ثورة الـ23 من يوليو (تموز) 1952، والتحول من الملكية إلى الجمهورية، ثم أعيد تأسيسه عام 1978 بعد السماح بإعادة الحياة الحزبية، ويمتلك حالياً المركز الثالث في مجلس النواب بـ26 مقعداً، والرابع في مجلس الشيوخ بـ10 مقاعد.
ويرى أستاذ العلوم السياسية إكرام بدر الدين أن ما يجمع حزب الوفد الذي فاز بكل الانتخابات النزيهة قبل 1952 وحزب الوفد حالياً "الاسم فقط"، مضيفاً أن "الوفد حالياً ليس فيه مثقفون وسياسيون مثلما كان الحال سابقاً، بالتالي لا يمكن القول إن الوفد العريق هو من حصل على واحد في المئة فقط من أصوات الانتخابات الرئاسية".
وكان رئيس حزب الوفد أثار الجدل مع إعلانه عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة، ففي أولى تصريحاته عن خوض السباق قال "كلنا مع الرئيس السيسي"، مما أثار سخرية وغضباً من بعض الذين استنكروا تأييده لمن يفترض أن ينافسه.
وكان أبرز هؤلاء الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى، الذي انتقد ترشح يمامة للانتخابات الرئاسية قبل أشهر، واعتبره "تهريجاً سياسياً"، وعبر منصة "إكس" كتب موسى "أين مبررات الترشيح؟ أي أوجه الاختلاف عن السياسات الجارية وحيثيات الاعتراض وخطط تغييرها؟ أما أن تمتدح السياسات والرئيس ثم تترشح ضده فهذا تهريج سياسي يجب أن ينأى الوفد والوفديون عنه، انتخاب رئيس الدولة أمر جاد لا يحتمل الهزل".
ولاقى قرار الترشح اعتراضات داخل الحزب، إذ قدم عضو الهيئة العليا فؤاد بدراوي نفسه مرشحاً أيضاً، وطعن في عملية اختيار يمامة، قائلاً إن الهيئة العليا لم تجتمع لإقرار ذلك الاختيار، إلا أن تلك الخلافات لم تثن رئيس الحزب في النهاية عن التقدم بأوراق ترشحه مدعومة بـ27 تزكية من أعضاء الوفد في مجلس النواب.