Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أندي سركيس يتحدث عن مسرحيته الصادمة والذكاء الاصطناعي وثقافة الإلغاء

يعتبر أن عمله المقبل قد يحرض على الشغب وكذلك سيعرض اقتباسه لرواية شهيرة في بريطانيا التي تخلت عن المبادئ الديمقراطية لكنه يتحدى ألا يستمتع أي شخص بمايكل جاكسون

الممثل أندي سركيس أثناء مشاركته في إحدى الأنشطة الفنية بمدينة أوستن في ولاية تكساس خلال العام 2023 (ويكيميديا)

ملخص

أندي سركيس ممثل بريطاني اشتهر بأداء شخصية أساس في سلسلة أفلام "سيد الخواتم" التي يظهر خلالها في هيئة كائن خرافي مصنوع بتقنيات المحاكاة الافتراضية، ويتوجس من ثقافة الإلغاء في أميركا ومن عودة ترمب للرئاسة

في ختام محادثتي مع أندي سركيس [الممثل والمخرج والمنتج الإنجليزي من أصل عراقي] اقترب شاب إلى طاولتنا واعتذر من مقاطعته موضحاً أن كل ما أراده أن يلقي التحية.

إنه معجب كبير بسركيس، دافئ ومتواضع ولطيف يبدو الممثل الذي تألق في دور "هوبيت غولوم" الجاحظ العينين في فيلم "لورد أوف ذا رينغز" (سيد الخواتم) The Lord of the Rings، و"سيزر" (قيصر) الشمبانزي في الإطلاق الجديد من فيلم "بلانيت أوف ذا أيبس" (كوكب القردة) Planet of the Apes.

واعترف لاحقاً بصوته الهادر الزاخر بالتضجر، "تمر أيام دونما أن يصادفني مثل هذا الموقف على الإطلاق [اقتراب معجب لمجرد إلقاء تحية] وفي أيام أخرى أمر كثيراً به، بحسب ما تعلمون".

تصبح الأمور مربكة قليلاً وأكثر تعقيداً إذا كان على متن القطار، إذ يؤدي المعجبون به صوت "غولوم" أو يتوقعون منه أن يفعل ذلك، ووفق كلامه "يتسبب هذا الأمر ببعض الازدحام".

وعلى رغم ذلك ما زال يفضل استخدام وسائل النقل العامة في تنقلاته عندما لا يركب دراجته الهوائية، وفي عمر الـ 59 سنة يتمتع الممثل بجسم نحيف ومظهر لائق، ويبدو تفكيره واقعياً إلى حد الذهول حينما تعتاد النظر إليه بوصفه أحد الكائنات الموجودة على الشاشة وحسب، أو في المخيلة.

نجلس في حانة "كريسماسي" غرب لندن، ويرتدي سركيس سترة صوفية سميكة باللون الأزرق الداكن، وقد دس تحتها وشاحاً حريرياً يزينه نقش "بيزلي"، وتحت رأس يكسوه شعر رمادي أشعث يتنقل الممثل سريعاً بين تعابير لاذعة تغطي سحنته وحاجبين يتراقصان فوق عينين زرقاوين كالجليد. وجهه لوحة من تجاعيد وملامح قاسية، وعند أقصى طرفه الجنوبي لحية مدببة لا ينفك يمسحها بيده، إنه رجل وسيم وصحبته أيضاً عظيمة، إنه منفتح وثاقب الفكر وينأى بنفسه عن أي غرور، كما يبدو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نخوض حديثنا هذا وسركيس في الأيام الأخيرة من التدريبات على "أولستر أميركان" Ulster American، وتتولى ثلاث شخصيات رئيسة المسرحية اللاذعة بشدة التي كتب نصها ديفيد أيرلاند، وتدور حوادثها حول التوترات المتصاعدة بين لي (سركيس)، مخرج خجول ضعيف الشخصية إنما يتمتع بالطيبة، وجاي نجم هوليوودي مغرور جداً (وودي هارلسون)، وروث (نجمة "ديري غيرلز" Derry Girls لويزا هارلاند "الاستثنائية والجريئة")، كاتبة مسرحية حسنة الأخلاق توشك على عرض مسرحيتها المشوبة بالعنف عن إيرلندا الشمالية على مسرح "ويست إند".

ويمثّل النص الإيرلندي الفظ والصاخب تارة والفاضح طوراً هجاء قاسياً حول الهوية والعلاقات بين الجنسين والنفاق الليبرالي.

مثلاً أنظر إلى المشهد الأول، ومنذ اللحظة التي يفكر فيها جاي بحقه في استخدام لغة عنصرية تخاطر المسرحية بأن تتخطى الحدود وتجنح نحو الذوق السيئ، ولم يكن من قبيل المصادفة أن عرضها في مهرجان "إدنبرة فرينج" عام 2018، على رغم تقييمها الحسن حرّض على خروج احتجاجات.

ويورد سركيس أثناء تحريكه الحساء في الوعاء أمامه، "لقد صدمتني جرأتها. إنها محفوفة بالأخطار وجعلتني أفكر في المسرحيات التي تسببت في أعمال شغب في الماضي، وآمل أن يحدث الأمر عينه هنا".

وبالتأكيد أن حواراً ينطوي على اغتصاب، ويقدم أحد أفراد العائلة المالكة ما يمكن أن يتسبب في ضجة مهولة أو أقله اشمئزاز الجمهور.

وبحسب سركيس "إذا نظرت إلى لغة هذه المسرحية ستجد كلمات دنيئة، ولكن ذلك لن ينفي الرغبة في الضحك لديك، وإنها منطقة جيدة لجذب الجمهور، لأن الوضع قوامه، بحسب تعبير شخصيتي، أننا نقصد المسرح لهذه الغاية، والمسرح يتحدانا ويستفزنا ويحملنا على التفكير".

ومهما كان الأمر فإن شخصية جاي المتطلبة والمتحذلقة والسامة، لا بد من أن تبدو بالتأكيد قريبة جداً من الحقيقة بالنسبة إلى أي شخص عمل في استوديوهات هوليوود.

ويوضح سركيس أنه التقى أشخاصاً على شاكلة جاي، سواء كمخرج أو كممثل، ويوضح، "عليك ألا تدع ذلك يؤثر في الطاقة الموجودة في المكان".

كيف تفعل ذلك؟ "حسناً عليك أن تؤدي دور أحد الوالدين وتحاول إبقاء الجميع هادئين، وهذا كل شيء وفي الواقع، ولا تسمح لذلك باستفزازك".

وفي المقابل فهذه ليست الطريقة التي تسير بها الأمور عبر الإنترنت، فبحسب سركيس "في المستطاع الحكم بالإلغاء على أي شيء الآن، أي شيء حرفياً، وما أكرهه حقاً يتمثل بالمحاكمة بواسطة وسائل الإعلام، ولقد دمر هذا المنحى حياة كثير من الناس ولا ينبغي السماح به إذ لا بد من استحداث مسار قانوني مناسب، إذ يصار إلى توجيه الاتهامات ويخضع الأشخاص المعنيين للإجراءات القانونية، ولا ينبغي السماح لهذا الوضع بالانتشار لأن ذلك من شأنه أن ينهي حياة أناس كثيرين ويدمرها، وأحياناً نتيجة أفعالهم تأخذ الأمور هذا المجرى، ولكن في الحقيقة أنه بمجرد حدوث ذلك يحسم الأمر ولا مجال للرجوع".

ولكن هل يعتقد سركيس أن الناس قد يحكم عليهم بالإلغاء فعلياً؟ وأخص بالذكر هنا وودي آلن الذي ما زال يصنع الأفلام على رغم من توجيه اتهامات إليه بارتكاب اعتداءات جنسية في حق أطفال، لكنه نفاها بشدة.

وفي اعتقاد سركيس أنه "يلحق هذا الإلغاء الضرر بحياتهم هؤلاء لفترة طويلة، وأعتقد حقاً أن بيت القصيد يتمثل في أنه هل ما زال بوسعنا الاستمتاع بالفن الذي ابتكروه؟".

حسناً، هل تشعر بالمتعة إذ تتابع ذلك الفن؟ وفق كلماته، "أعتقد من دون الخوض في التفاصيل أني لا أريد أن يكون مصيري الإلغاء، ولكن فكر في الأمر على هذا النحو، حينما تبدأ موسيقى مايكل جاكسون تعلو أتحدى أحداً ألا ينقر بقدميه استمتاعاً بها، وإذا كان جسدك لن يسمح لك بإلغائه"، يضحك سركيس ثم يضيف، "لكن نعم، هل يمكن للفن أن يتجاوز الفنان؟ لا أعرف".

لم يسلم سركيس نفسه من المهانة عام 2018 حينما أبدى تعليقه على قرار سكارليت جوهانسون بالموافقة أولاً على أداء دور رجل متحول جنسياً ثم رفضها ذلك في مشروع مقترح لصنع فيلم بعنوان "راغ آند تاغ" Rug & Tug، وذلك بعد ردود فعل لاذعة طالتها.

وفي حديثه إلى مجلة "فارايتي" Variety ذكر سركيس أنه يختلف "بشدة" مع الانتقادات الموجهة إليها. وأضاف، "ينبغي على الممثلين أن يقدروا على تجسيد أية شخصية". وتراه متمسكاً بذلك اليوم على رغم الإقبال المتزايد على "التجربة المعاشة"، إذ من المتوقع أن يكون الممثل على دراية وثيقة بالدور كي يضطلع به. وقد أخبرني، "بغض النظر عن لون بشرتك وطول قامتك أو قصرها أو جنسك، وبغض النظر عن هويتك يتعين عليك أن تكون قادراً على أداء أي شخصية". ويبدو واضحاً الشغف الذي يشعر به سركيس تجاه هذه المسألة، وتصفح رصيده الفني وتعرف السبب بسهولة، إذ أمضى هذا الممثل حياته المهنية في شخصيات بعيدة تماماً من تجربته الشخصية. نعم لقد أدى أدواراً بارزة في "كينغ كونغ" King Kong و"سيد الخواتم"، وكلاهما من صنع مؤسسة "مارفل سينماتيك يونيفرس" Marvel Cinematic Universe (عالم مارفل السينمائي)، وسلسلة "ستار وورز" Star Wars (حرب النجوم).

ولكن ثمة عمق وتنوع حقيقيين في ما يصنعه سركيس، ولننظر إلى أسلوبه الفظ في الفيلم الذي أخرجه مايك لي عام 1997 بعنوان "كارير غيرلز" Career Girls (فتيات عاملات) الذي أمضى من أجله الممثل أربعة أشهر في "بورصة لندن الدولية للعقود الآجلة والخيارات المالية" (عرضت عليه وظيفة دائمة براتب قدره 80 ألف جنيه إسترليني سنوياً يضاف إليها المكافآت).

وكذلك الحال بالنسبة إلى تجسيده شخصية المتشرد (سكوت) في "هاش" Hush (1992) الذي قدمه أبريل دي أنجيليس على مسرح "البلاط الملكي".

وأظهر سركيس التزاماً شديداً في ذلك الدور، إذ أمضى الليالي مفترشاً الشوارع، كذلك شارك في تأسيس شركة الإنتاج المتطورة "إيماجيناريوم" The Imaginarium عام 2012 التي تعتبر الأستوديو الأول في المملكة المتحدة الذي يستخدم تكنولوجيا التقاط حركات الأداء، علماً بأنها تقنية تعمل تسجل حركة جسم الممثل وصوته وتعبيرات وجهه، ثم تستخدم ذلك في ابتكار شخصية رقمية. [ينطبق ذلك على سركيس مثلاً في شخصية العفريت غولوم المصنوعة بالتقنية الافتراضية التي ترسم تعبيراتها وتفاعلاتها بناء على ما تلقتطه من حركات وجه الممثل وجسده بواسطة مجسات إلكترونية توضع عليهما].

وفي حين يؤيد سركيس التساوي في التمثيل يرى أن هذا النوع من المهارة التكنولوجية كوسيلة لتحرير الممثل، على رغم اضطراره إلى ارتداء بدلة مخصصة للمؤثرات التقنية العالية المستوى كي يؤدي أي دور أو أية شخصية على الإطلاق.

وبحسب رأيه فإن "كثيراً من الأفلام العظيمة" في الماضي لم يكن إنتاجها ممكناً أبداً لو مُنع الممثلون من أداء القصص ما لم يكونوا يعتنقون دين شخصياتهم نفسه أو ينتمون إلى ثقافتها. ولم يكن ينبغي لي أن أجسد دور إيان دوري [في فيلم "سكس آند دراغز آند روك آند رول"  Sex & Drugs & Rock & Roll عام 2010] لأنني لا أكابد شلل الأطفال". وكذلك يشير إلى أنه ليس من منطقة "الأرض الوسطى" الخيالية.

ولا ريب في أن مستقبل صناعة الأفلام سيشتمل على الذكاء الاصطناعي، وفق ما أثبتت المعركة ضد الحقوق غير المحدودة لاستخدامه، في إضراب نقابة فناني الإذاعة والتلفزيون الأميركية "ساج أفترا"، في وقت سابق من العام الحالي. يعتقد سركيس أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بإمكانات مذهلة لكنه يعتمد على "من يملكه ومن يديره ومن يتحكم فيه". ولكن سركيس يستمر في الالتزام بتكنولوجيا "التقاط الأداء" التي يصر على أنه كان من شأنها أن الحفاظ على دور الممثل بريندان فريزر الحائز جائزة الأوسكار في فيلم "ذا ويل" The Whale  (الحوت) لكن من دون الاضطرار إلى صرف "10 ساعات في وضع الماكياج". ويشير إلى أن التكنولوجيا تمنحنا أيضاً فرصة لتكرار الوجود المادي الفعلي لشخصيات تاريخية حقيقية من خلال مثلاً جمع "كل قطعة على الإطلاق من الصور المرسومة أو المركبة" عن الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر، سيكون ممكناً إنشاء كيان رقمي يجسده ممثل بعد ذلك. أحب أن أفعل ذلك، يا لها من فرصة لأي ممثل".

وفي تلك اللحظة يحدث أمر غير متوقع. من زاوية عيني بينما تدندن أغنية ليونيل ريتشي "أول نايت لونغ" All Night Long (طوال الليل) في الخلفية ألمح رجلاً يرتدي خفين وجاربين بلون البيج مزينين بنقشات أوراق القنب، إنه يقترب من سركيس وفجأة يصبح أمامي الممثل الأميركي وودي هارلسون، ولف ذراعه حول سركيس والتفت إليّ مجاملاً زميله بكلام لطيف للغاية ثم يغادر. والتقى الثنائي عام 2016 أثناء تمثيلهما في "حرب كوكب القردة"War for the Planet of the Apes، ويتذكر سركيس "توجب علينا أداء بعض المشاهد الطويلة والممتدة وكانت شخصية وودي في الواقع تحتوي على مشهد مونولوغي من سبع صفحات يتواجه فيه "سيزار" والكولونيل ضد بعضهما بعضاً".

وفي "فينوم ليت زير بي كارناج" Venom: Let There Be Carnage ("السم، فلتكن مذبحة") لعام 2021 تولى سركيس كمخرج توجيه هارلسون، وتكرر الأمر مع العمل المقتبس المرتقب من رواية "مزرعة الحيوان" Animal Farm لأورويل المقرر صدوره عام المقبل. وتجسد مسرحية "أولستر أميركان" Ulster American مشروعهما المشترك الرابع، وكان العمل من بنات أفكار هارلسون. "لقد أرسل الفكرة إليّ وأخبرني، ربما لن ترغب في القيام بذلك، ولكن يا لها من مسرحية".

إذاً كيف يبدو هارلسون؟ هل هو حقاً هذا الفيلسوف المتحجر الذي يتجول ويتنقل ويوزع جواهر متلألئة من حِكم وودي [إشارة إلى الممثل والمخرج المعروف وودي آلن؟ يورد سركيس إذ يبتسم بلطف، "إنه شخص متأنق على أفضل نحو ممكن وصريح تماماً في الأوقات جميعها، وشديد التركيز وحاضر وصادق بحق". وربما يكون هارلسون نموذجاً للصدق، لكن لا ينطبق الوصف عينه على حكومتنا، بحسب سركيس. "يبدو أن المبادئ الديمقراطية الأساس قد نالت التجاهل التام خلال الأعوام السبعة الماضية"، وبطبيعة الحال يردنا هذا الكلام إلى الاستفتاء في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016. ومنذ ذلك الحين يتابع الممثل "انهار تقريباً الوفاق حول التواصل الإنساني اللائق والمشترك وانتفت القواعد الآن واعتقدت أن 2003 كان عاماً سيئاً وأني من إرث سيئ الحظ".

عبر تلك الكلمات يشير سركيس إلى اندلاع حرب العراق في 2003 وإلى إرثه العراقي، وعلى رغم أنه نشأ في ضاحية روسيليب في غرب لندن إلا أنه كان يمضي العطلات المدرسية في بغداد مرات كثيرة، وكانت والدته معلمة نصف عراقية للأطفال المعوقين، وكان والده طبيب أمراض نساء عراقي أرمني أقام في الشرق الأوسط وافتتح مستشفى مجانياً، وحكم عليه نظام صدام حسين بالسجن حيث أمضى بين جدرانه فترة وجيزة. ووفق اعتراف سابق منه فقد كان سركيس طفلاً عصبي المزاج ويميل إلى نوبات الغضب، وقد لازمه هذا الغضب، وبعد دراسة الفنون البصرية في "جامعة لانكستر" الإنجليزية انضم إلى "حزب العمال الاشتراكي"، حيث تحدث عن حال الأمة، بما في ذلك العنصرية والبطالة والتاتشرية [نسبة إلى مارغريت تاتشر]. وافتتن أيضاً بالمسرح وفي القريب سيحترف ذلك المجال.

ولم يكن مسار سركيس يسيراً، ولفترة طويلة عمل سركيس ممثلاً بالقطعة [يؤدي أدوار معينة ويتقاضى أجراً عليها لكن من دون توظيف]، وظهر في البرامج التلفزيونية البريطانية مثل "ذا بيل" The Bill، و"كافانا كيز سي" Kavanagh QC، و"ذا دارلينغ بادز أوف ماي" The Darling Buds of May (براعم مايز العزيزة)، ثم تغيرت الأحوال كلها حينما اختاره بيتر جاكسون في فيلم "سيد الخواتم" وأسند إليه في البداية أداء مقطع صوتي، ووضعت تلك الملحمة الحائزة جوائز "أوسكار" عدة، سركيس على الخريطة، إذ شكّل أداءه دور "غوليم" استكشافاً رائعاً للأداء الجسدي، وكذلك فتح له أيضاً المجال أمام عجائب تكنولوجيا "التقاط الحركة".

كانت هذه المرة الأولى التي يرى فيها الجمهور العالمي موهبة سركيس في أداء دور غامض من الناحية الأخلاقية عبر تلك القسمات المطواعة بصورة مثيرة للإعجاب التي تساعده في بث الإنسانية في روح حتى أحقر الأشخاص الأشرار. ومن بين الأفلام الثلاثة يعد الثاني "ذا تو تراورز" The Two Towers الفيلم المفضل لدى سركيس "ليس لمجرد أن "غوليم" ظهر في معظم مشاهده"، وفق ما يوضح، "بل لأنه في وقت عرضه أصاب عبر معركته [الخيالية] "هيلم ديب" Helm’s Deep ، روح العصر وحرب العراق بالنسبة إليّ". وفي المقابل يشتهر تولكين [كاتب "سيد الخواتم" جيه آر آر تولكين] بأنه يحتقر الرمزية، "سيكرهني لقولي ذلك لكنني شعرت أن توقيت الفيلم ينطوي على قوة حقيقية".

أحدث نجاح فيلم "سيد الخواتم" تغييراً محتماً في الساحة السينمائية، مما أفضى إلى بروز امتيازات ذات موازنة ضخمة وامتدادات واسعة ومنتشرة للملكية الفكرية، وظهر سركيس في أكبرها جميعاً، ولا سيما تجسيد دور المرشد الأعلى "سنوك" في "ذا فورس أويكنس" The Force Awakens (القوة تستيقظ)، قبل تمثيله السجين كينو لوي في مشروع آخر من سلسلة "حرب النجوم"، وهو "أندور"  Andorمن "ديزني+". المسلسل من تأليف الكاتب والمخرج المرشح لجائزة "أوسكار" توني غيلروي، الذي تولى فيلم "مايكل كلايتون"Michael Clayton  وأفلام "بورن"Bourne  الشهيرة، والسلسلة عبارة عن تأمل جريء ومتقدم للحياة في ظل نظام قمعي، وبحسب سركيس "أتذكر أني تحدثت إلى توني [غيلروي] ونقل لي إنه يريد الكتابة عن الفاشية، ولكن أي عمل أفضل من عالم "حرب النجوم" لهذا النوع من النصوص؟". ووصفت الممثلة فيونا شو التي تؤدي دور مارفا أندور المسلسل بأنه "عمل رائع وفظ عن عالم ترمب".

أسأل سركيس بعدما أصبح دونالد ترمب المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري مجدداً إذا كانت الانتخابات الأميركية الرئاسية في العام المقبل تثير قلقه، فيقول وضحكة ساخرة تعلو وجهه، "حسناً. فوزه عصي على التصديق، لكننا جميعاً نعرف ما الذي ربما يحدث". ويتابع بعدم شكه في أننا على شفا كارثة أخرى في الولايات المتحدة، ولا أعتقد أن ثمة أي شك فالناس لا يولون انتباههم لذلك، وهذا كل ما في الأمر، فلقد أعرضوا تماماً عن ذلك، وإذا توقفت عن الاهتمام فستتوقف عن التساؤل والشك وتتناول "مزرعة الحيوان" هذه الفكرة. وسيكون عمل سركيس عن رواية جورج أورويل القصيرة الساخرة عام 1947 [مزرعة الحيوانات] فيلمه الرابع كمخرج، بعد الجزء الثاني من فيلم "فينوم" Venom "ماوغلي ليجند أوف ذا جنغيل" (ماوغلي أسطورة الأدغال)، وأول أعماله الإخراجية فيلم "بريث" Breathe (تنفس) عام 2017 الذي يروي السيرة الذاتية لرائد حقوق أصحاب الإعاقات روبن كافنديش.

وبحسب سركيس فإن نسخته من حكاية أورويل المجازية لن تكون "استعادة للحكم الشمولي"، إذ صنعها كما لو أن الروائي يكتبها الآن، وأخبرني سركيس اليوم "يحدونا أمل في أن تصل إلى جمهور واسع جداً من دون كبت المواضيع المظلمة، نريد أن نقدم خلسة السياسة الخاصة بها تحت ستار قصة خيالية عائلية وفق ما تعرف، لكن الرسالة كلها موجودة". وفي هذا الوقت يؤذن "أولستر أميركان" بعودة سركيس للمسرح بعد انقطاع طال 21 سنة.

هل تغير الكثير منذ غيابه؟ وبحسب كلماته فإن "المسرح كشكل فني موجود منذ آلاف السنين وربما لم يشهد تحولات كثيرة، ولكن يبدو واضحاً أنه في ما يتعلق بالسياسة والسياسة الجنسية والهوية وما شابه أن الجماهير قد تغيرت".

سألته عما فهمه من كلام الممثلة البريطانية كاثي تايسون التي ذكرت أخيراً أن وصف شخص ما بأنه "موسوم بحركة اليقظة" يبدو لها سيئاً تماماً الآن، على غرار الإهانة العنصرية، فأجاب "أنه وسم يميني بلا ريب". [يطلق تعبير اليقظة woke على نمط من التفكير يشدد على التصدي للتعبيرات المختلفة عن العنصرية بأشكالها كلها، ويشمل ذلك التمييز ضد النساء والأعراق وأصحاب الهويات الجنسية المغايرة وغيرهم]. وبعد مقتل [المواطن الأميركي من أصل أفريقي] جورج فلويد وتحطيم المحتجين تمثال إدوارد كولستون [تاجر رقيق وقد ناصر قوات الكونفدرالية الانفصاليين أثناء الحرب الداخلية الأميركية]، وشارك سركيس في تأسيس منظمة تسمى "معرض التاريخ الحي" Gallery of Living History بالشراكة مع الرئيسة التنفيذية لمسرح "غلوب" والرئيسة في "جامعة كوفنتري" البريطانية مارغريت كاسيلي هايفورد، والمنتج البريطاني جوناثان كافنديش الذي يتشارك معه في إدارة شركة الإنتاج "إيماجيناريوم". ولقد شكلنا هذا الكيان الخيري الذي يدور حول التماثيل المتنازع عليها والخطوات الواجب اتخاذها وأكثر من ذلك، وتتعلق المسألة بالقصص التي لم تحظ بتقديم جيد والطرق المبتكرة والمثيرة للاهتمام لإخراجها إلى الوجود، وفجأة تدرك مدى استحالة الحصول على تمويل لمشروع على هذه الشاكلة الآن بسبب وسمها [بالانتماء إلى حركة] "اليقظة" woke. إنها لا تمنحك أي متنفس لابتكار شيء مفيد حقاً.

أوشكت استراحة الغداء على الانتهاء، والحساء الذي كان يحركه باستمرار لكنه غير قادر على تناوله بسبب تنقلنا جيئة وذهاباً صار الآن بارداً حتماً، وفي ختام حديثنا نتطرق إلى الأسرة. وسركيس متزوج من لورين أشبورن، نجمة مسلسل الدراما الأميركي "بريدجيرتون" Bridgerton ، التي التقى بها عام 1990 حينما تشاركا في إحدى المسرحيات على مسرح "رويال إكستشينج" في مانشستر. أولادهما، روبي وسوني ولويس، جميعهم ممثلون أيضاً ويتوجه إليهم بالحديث، "لا بد من أن يكون في جعبتك مشروع ما دائماً بغض النظر عما إذا كنت تريد العمل من عدمه، اشتغل دائماً على سيناريو، أو فيلم قصير، وأبدع عملاً تمسك فيه أنت بزمام الأمور وأن تكون ممثلاً في بدايتك، يعني أن تقاسي فترات طويلة من دون أداء أي دور، وتتعلق المسألة بالحفاظ على تركيزك في الاتجاه الصحيح والاستمتاع بالحياة بالفعل حينما لا تؤدي دوراً تمثيلياً. كن فضولياً، اذهب وسافر، افعل ما يحلو لك لأن ذلك كله، بحسب ما تعرف، تجربة حياتية في الأساس".

وحينما تسأله عن الشخص الأفضل بينهما في تقديم نصائح خاصة بالتمثيل يرد سركيس، "حسناً إنها لورين على الأرجح لأنها تتوخى الصراحة أكثر، على ما أعتقد، وأفكارها عملية نوعاً ما وتجعل الأمور تتحقق". ويضيف، "كلانا نسجل أشرطة ذاتية برفقتهم" وسيسافرون بعيداً للاحتفال بعيد الميلاد كعائلة لأننا "كنا نعمل بجد"، ولكن دعونا نأمل ألا يطلب أحدهم من سركيس أداء صوت "غولوم".

 

 تُعرض مسرحية "أولستر أميركان" Ulster American في استوديوهات "ريفرسايد" في لندن.

© The Independent

المزيد من سينما