ملخص
مع تنامي القلق على صحة أليكسي نافالني، توجّه صحيفة "اندبندنت" دعوة لكافة القادة حول العالم كي يمارسوا المزيد من الضغوط على بوتين من أجل إطلاق سراحه.
لم تنجح سنوات من الاعتقال المتكرر في ظل أوضاع تزداد صعوبة داخل السجون في كسر أليكسي نافالني. فلم يتوقف الرجل عن مهاجمة حكم فلاديمير بوتين الاستبدادي من وراء القضبان، وظل بالتالي أبرز معارضي الرئيس داخل روسيا.
لم يُسمع أي خبر عن نافالني طيلة ثلاثة أسابيع هذا الشهر. لم يتمكن فريق محاميه ولا عائلته ولا أصدقاؤه من العثور عليه على رغم عملية بحث شاملة ودقيقة لهيئات النظام الجزائي. وفي الوقت نفسه، زعم المسؤولون من كل أنحاء البلاد، بدءاً من الناطق باسم السيد بوتين ووصولاً إلى سلطات السجون في موسكو والمحافظات النائية، أنهم لا يعرفون شيئاً عن مكان وجوده.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن فيما بدأت مخاوف مناصريه تتفاقم، عاد الرجل ذو الـ47 سنة للظهور فجأة من داخل المستعمرة العقابية الوحشية "آي كاي-6" الواقعة في الدائرة القطبية الشمالية، والمعروفة باسم الذئب القطبي والتي تبعد 1200 ميل إلى شمال شرقي موسكو.
في سلسلة من الرسائل الساخرة جداً التي كتبها في حسابه على منصة "إكس"، أصرّ السيد نافالني أنه بخير، وقارن نفسه ببابا نويل ووصف "كلاب الرعاة الجميلة ذات الفرو المنفوش" التي تحرسه. لم تظهر له أي صورة من مكان اعتقاله الجديد.
وقال إنه نُقل عبر رحلة ملتوية للغاية استمرت 20 يوماً، انطلقت من موسكو وصولاً إلى المستعمرة العقابية في خارب، وهي رحلة تستغرق 40 ساعة تقريباً بالقطار. أما الظروف داخل المعسكر، فقد وصفها سجين سابق في مقابلة أجراها في عام 2018 مع صحيفة "نوفيه إزفيتيا" Novie Izvestiya حين تكلم عن تعرضه للضرب "بهراوة من كل الجوانب" فور وصوله.
لم يكن اختفاء السيد نافالني إجمالاً حدثاً غريباً بالنسبة لمن يعارضون بطش الأقوياء. فمعارضو المجالس العسكرية في أميركا اللاتينية وعصابات الجريمة المنظمة والمجموعات الإرهابية والدكتاتوريون العنيفون حول العالم من بين الأشخاص الذين يُخفون قسراً. وفيما يبقى بعضهم مفقوداً للأبد، يُعثر على آخرين جثثاً هامدة.
ومن الأمثلة على هؤلاء أشخاص مثل بوريس نيمتسوف الذي قُتل بأربع رصاصات أصابت ظهره في موسكو في عام 2014، أثناء تنظيمه تظاهرات ضد الفساد المالي والتدخل الروسي في أوكرانيا. أو في الآونة الأخيرة، يفغيني بريغوجين وكبار قادته الذين فُجّرت طائرتهم في السماء بعد الانقلاب الفاشل الذي قاده مرتزقة "فاغنر".
لكن اختفاء السيد نافالني طوال تلك المدة تحوّل إلى قضية مقلقة جداً في الداخل والخارج.
وفي هذا الإطار، عبّرت ماريانا كاتزاروفا، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في روسيا الاتحادية عن مخاوفها، فقالت "سوف يؤدي استمرار تعرضه لسوء المعاملة وعدم توفير الرعاية الطبية المناسبة له إلى المزيد من الأضرار على صحته وأخطار كبيرة على حياته".
وأضافت كيرا يارميش من أعضاء فريق السيد نافالني "لم يختف أي سجين سابقاً ببساطة لهذه المدة، ولا سيما سجين بهذه الأهمية". قصد الروس الموجودون خارج البلاد سفارات بلدهم للاحتجاج أمامها حيث رفعوا لافتات كُتب عليها "أين نافالني؟".
كما أعربت السيدة يارميش عن اعتقادها بأن قرار نقله إلى بقعة نائية ومقفرة يهدف إلى عزله وجعل حياته أقسى وزيادة صعوبة وصول محاميه وحلفائه إليه. لكن الدعوات لإطلاق سراحه تعلو أكثر.
اشتهر اسم أليكسي نافالني وأصبح الرجل هدفاً للكرملين بعد توجيهه اتهامات بالفساد وإساءة التعامل للسيد بوتين والقيادات المحيطة به. وما قاله هو أن الرئيس "مجنون" وحزبه الحاكم "نصابون ولصوص".
ناشد السيد نافالني الشعب عدم الاكتفاء بالشكوى من الضائقة التي تعصف بروسيا والتحرك: "يقول الجميع إن الفساد منتشر في كل مكان لكنني أعتبر شخصياً أنه من الغريب التفوه بهذا الكلام وعدم محاولة إبعاد الأشخاص المسؤولين عن الفساد".
ومع تلقيه المزيد من الدعم، لم يتردد في استهداف رأس الهرم، فاتّهم السيد بوتين بإدارة نظام "محسوبيات إقطاعية" يقدم مكافآت مذهلة. حقّق فيلم وثائقي قدّمه بعنوان- "قصر بوتين: قصة أكبر رشوة في العالم"- في بناء قصر فخم بتكلفة 1.35 مليار جنيه استرليني زُعم أنه للرئيس في منطقة كراسنودار. نفى الكرملين هذا الزعم لكن الفيديو حصل على أكثر من 110 ملايين مشاهدة حول العالم.
كما لفت السيد نافالني النظر إلى نشاطات الجهاز الأمني ومحنة الروس الذين يقاومون الدولة. وقال "اعتدنا الظلم في روسيا والناس يتعرضون باستمرار للاعتقال غير القانوني". كما توقع العقاب الذي قد ينتظره لاحقاً "أنا في أظلم قسم من اللائحة السوداء".
تعرّض السيد نافالني على مرّ السنوات إلى الاعتداء الجسدي والاعتقال المتكرر والتحقيقات والقضايا الجنائية. كما تعرّض لمحاولة اغتيال في روسيا بغاز الأعصاب السام "نوفيتشوك" منذ ثلاث سنوات نُقل على إثرها إلى ألمانيا في غيبوبة لتلقي العلاج الكفيل بإنقاذ حياته.
وتقول عائلته فضلاً عن محاميه إنه يعاني أثناء سجنه من مرض شديد وغير مشخّص في معدته. وأدّى هذا المرض إضافة إلى الحرمان الذي يتعرض له إجمالاً، لخسارته الكثير من الوزن وفقدانه الوعي أحياناً.
دخل السيد نافالني السجن هذه المرة عند عودته إلى روسيا بعد تلقي العلاج الطبي في ألمانيا عام 2021، على رغم تحذيرات المناصرين والأصدقاء بشأن خطورة عودته. اعتُقل في المطار، ووضع أمام المحكمة، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنتين ونصف كجزء من حكم سابق بالسجن مع وقف التنفيذ لمزاعم ضلوعه بالاحتيال.
لم تكن هذه سوى خطوة موقتة من قبل المدعين العامين الحكوميين. في أغسطس (آب) 2022، صدر بحقّه حكم بالسجن تسع سنوات بعد إدانته بإنفاق التبرعات العامة التي مُنحت لمؤسسة مكافحة الفساد التابعة له على "التطرف والحاجات الخاصة". وفي أغسطس من هذا العام، حُكم عليه بالسجن لمدة 19 عاماً إضافياً بعد توجيه سلسلة من الاتهامات "بالتطرف" إليه. كما أضيف إلى ما سبق اتهامات "بالتخريب" هذه المرة، كان من المفترض توجيهها له في وقت سابق من الشهر الجاري قبل اختفائه.
لكن إن اعتقدت السلطات أن السجن سوف يُسكت السيد نافالني، فقد أخطأت الظن. فهو محامٍ ولديه فريق قانوني مختص يتابع قضيته، وقد رفع دعاوى كثيرة للحصول على الرعاية الطبية المناسبة والتوقف عن وضع أجهزة التنصت داخل الغرف التي يلتقي فيها بالزوار والكفّ عن بثّ خطابات السيد بوتين في زنزانته.
وبمساعدة فريقه القانوني وحلفائه السياسيين، نشر السيد نافالني مقالات وبيانات عن القضايا الراهنة واستمر بكتابة المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
كما أجرى أبرز معتقلي روسيا مقابلات من داخل السجن، شرح فيها الظروف التي واجهها. وفي وصفه للعنف والقمع داخل المستعمرة العقابية، قال لـ"نيويورك تايمز"، "قد يرسم لكم خيالكم رجالاً أشداء مفتولي العضلات على جسمهم أوشام أسنانهم من حديد يخوضون عراكاً بالسكاكين على أفضل سرير قرب النافذة. لكن ما عليكم أن تتخيلوه هو شيء مثل معسكرات الأشغال الصينية حيث يسير الجميع في خطّ واحد وحيث تُعلّق الكاميرات في كل مكان. تسود الرقابة المستمرة وثقافة الوشاية".
في أوقات أخرى، تحدث السيد نافالني عن سوء المعاملة التي تلقاها: "أفهم الآن السبب الذي يجعل الحرمان من النوم إحدى وسائل التعذيب المفضّلة للأجهزة الأمنية الخاصة. فهي لا تترك أثراً ومن المستحيل تحمّلها".
كما اضطر للتعامل مع الأثر المستمر للتسميم بغاز "نوفيتشوك" في ظل شبه انعدام المساعدة الطبية داخل السجن. "بلغ بي الحال درجة أصبح من الصعب معها النهوض من السرير وأنا أتألم كثيراً. عاينني طبيب السجن وأعطاني قرصي مسكّن الألم "آيبوبروفين" من دون أن يخبرني ما هو تشخيصي. إن وضعت ثقلي على رجلي اليمين، أقع فوراً. اعتدت على رجلي اليمين ولا يروق لي أن أفقدها".
على رغم عدة عراقيل، ظلت مؤسسة السيد نافالني نشطة. أخيراً، وضعت لوحات إعلانية في موسكو، والقديس بطرسبرغ، وعدة مدن أخرى تتمنى فيها للجميع رأس سنة سعيداً. كما طُبع على اللوحات "رمز كيو آر" QR code يفتح بعد مسحه موقعاً بعنوان "روسيا بلا بوتين"، يحثّ المواطنين على التصويت لأي مرشح ما عدا السيد بوتين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في مارس (آذار).
تزامن إخطار السيد نافالني بتوجيه اتهامات إضافية له، ثم اختفاؤه، مع إطلاق السيد بوتين حملة ترشّحه لولاية رئاسية خامسة، في ما يعني انتصاره المتوقع في الانتخابات أنه سيسير على درب جوزيف ستالين بعد وجوده في السلطة لـ 30 عاماً.
ومن جانبه، يقول إيفان جادنوفه، رئيس مؤسسة مكافحة الفساد التابعة للسيد نافالني إنه على قناعة بوجود صلة بين ما حصل للسيد نافالني والانتخابات المقبلة. وشرح قائلاً "لا أؤمن بهذا النوع من الصدف: اختفاء أليكسي فيما نحن على وشك الإعلان عن حملتنا الانتخابية قبل يوم من إعلان فلاديمير بوتين نيته الترشح للرئاسة لولاية جديدة غير محدودة. ليست صدفة بل استراتيجية الكرملين".
نفى دميتري بيسكوف، الناطق باسم الرئيس الروسي، ضلوع الكرملين باضطهاد السيد نافالني المستمر، مضيفاً أن الحكومة المركزية "ليست لديها النية ولا القدرة على متابعة مصير المساجين".
بعد الحكم على السيد نافالني في أغسطس الذي أطال أمد سجنه بـ19 عاماً، أمرت المحكمة بنقله إلى مستعمرة جزائية "ذات نظام خاص". تضم البلاد 25 سجناً فيه هذا النوع من المعاملة العقابية الخاصة، تتوزع على مختلف المناطق ابتداءً من الجزء الأوروبي لروسيا ووصولاً إلى الدائرة القطبية الشمالية والشرق الأقصى.
لكن لم تحدث أي عملية انتقال من هذا النوع بحلول شهر ديسمبر. قال السيد نافالني على منصات التواصل إن السبب هو عدم استعداد المحققين للسفر إلى مناطق نائية من أجل رفع الدعاوى ضده.
كان من المفترض أن يلتقي السيد نافالني بفريق الدفاع عنه في السادس من ديسمبر في كوفروف، على بُعد 162 ميلاً إلى شمال شرقي موسكو. انتظر محاموه طيلة ساعات لكنهم مُنعوا من الدخول. وحدث السيناريو نفسه في اليومين التاليين.
كما كان من المفترض أن يشارك السيد نافالني في عدة جلسات استماع في تلك الفترة، للرد على مجموعة الاتهامات الجديدة بحقه. لكن سلطات السجون لم تُحضره. وفي إحدى المحاكم التي كانت مكلفة الاستماع للقضية، في أوكتيابرسكي في منطقة فلاديمير، علّق القاضي جلسات الاستماع إلى حين "تحديد مكان" المدعى عليه.
أشار المحامي فياشسلاف غيمادي الذي يعمل لمصلحة السيد نافالني إلى أنه "ليس في القانون أي أساس يسمح بالتصرف بهذه الطريقة".
وقال "بدل الطلب من هيئة السجون الفيدرالية ضمان حضور المدعي، علّقت المحكمة جلسات الاستماع ببساطة لفترة غير محدودة".
قدمت هيئة السجون الفيدرالية وثيقة لمحامي السيد نافالني تفيد بأن موكّلهم غير موجود في المستعمرة العقابية "آي كاي 6" وهي آخر مكان سجّل اعتقاله فيه. قدّم محامو السيد نافالني طلبات مساعدة لما لا يقل عن 200 مركز احتجاز سابق للمحاكمة في سبيل البحث عنه، بلا فائدة.
لكن يوم الاثنين، كشف الناطق باسمه أنه تم تقفي آثاره وصولاً إلى مستعمرة الذئب القطبي التي تتدنّى فيها درجات الحرارة إلى 28 درجة تحت الصفر على مقياس سلسيوس. تأسست المستعمرة في ستينيات القرن الماضي باعتبارها جزءاً من معسكرات الغولاغ السوفياتية للأشغال الشاقة.
ومن جانبه، قال متحدث باسم الحكومة لـ"اندبندنت"، "أوضحنا موقفنا من أن استمرار سجن أليكسي نافالني على أسس تستند إلى دوافع سياسية دليل إضافي على ازدراء الدولة الروسية لحرية التعبير والتزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. على روسيا أن تطلق سراحه فوراً".
فيما أضاف النائب ديفيد لامي، وزير الخارجية عن حزب العمال في حكومة الظل "إن استمرار سجن أليكسي نافالني أمر غير مبرر أبداً وهو يمثل اعتداء على حقوق الشعب الروسي. يجب إطلاق سراحه فوراً. ويشكل احتجازه رمزاً قاسياً لخوف بوتين من الانتقاد والمعارضة وسط الحرب غير الشرعية والهمجية التي يقودها في أوكرانيا".
© The Independent