في الوقت الذي تنعي فيه جمهورية التشيك ضحايا فقدوا حياتهم في أسوأ حادثة إطلاق نار جماعي على الإطلاق، تسعى البلاد بصورة عاجلة إلى فهم الأسباب التي دفعت مطلق النار إلى ارتكاب فعلته الشنيعة.
وأطلق ديفيد كوزاك، وهو طالب تاريخ يبلغ من العمر 24 سنة وكان مدججاً بسبع قطع من الأسلحة، النار على زملائه في الفصل في "جامعة تشارلز" وسط مدينة براغ في الـ 21 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، وتسبب بمقتل 14 شخصاً في الأقل وجرح عشرات آخرين.
واللافت أن مطلق النار لم يكن يؤمن بأية عقيدة متطرفة ولم يكن مرتبطاً بأي تنظيم إرهابي، بل يبدو أن انبهاره الشديد والمرضي بحوادث إطلاق نار سابقة في المدارس كان مصدر إلهامه الوحيد.
وفي الوقت الراهن تحقق سلطات البلاد في سلسلة رسائل مشوبة بالعنف باللغة الروسية، يزعم أن كوزاك نشرها على صفحة "تيليغرام" الخاصة به، ومن بينها رسالة تشير إلى أن مصدر الإلهام ربما كان مستوحى من حادثتي إطلاق نار جماعي سابقتين في روسيا، حصلت الأولى خلال هذا الشهر داخل مدرسة في مدينة بريانسك المحاذية للحدود الأوكرانية، والثانية عام 2021 في قازان عاصمة تتارستان في روسيا.
"لقد ألهمتني ألينا إلى حد كبير".
تلك كانت الرسالة التي نشرها في الـ 10 من ديسمبر الجاري بعد ثلاثة أيام فقط من إقدام تلميذة مدرسية روسية اسمها ألينا أفاناسكينا تبلغ من العمر 14 سنة على إطلاق النار على زملائها داخل الصف.
والحال أن أفاناسكينا قررت في السابع من ديسمبر الجاري اقتحام حرم مدرستها الثانوية في منطقة بريانسك، فحملت بندقية رشاشة تعود لأبيها وأخفت في ملابسها سكيناً، وبعد دخولها إلى فصل علم الأحياء بدأت تطلق النار، فتسببت بقتل أحد زملائها وجرح أربعة آخرين قبل أن تُقدم على الانتحار.
وفي هذا السياق أوردت تقارير إعلامية روسية أن شقيقة أفاناسكينا التوأم كانت في الفصل في تلك اللحظات، وبأن ألينا كانت عرضة للتنمر، وقد اختبرت المشكلات والمعاناة مع زملائها.
وعلى ما يبدو فقد استحوذت أفعال أفاناسكينا على خيال كوزاك إلى حد وصفها بـ "نقطة الغيث الأخير"، وفي هذا الإطار يُزعم أنه كتب على حسابه الشخصي عبر تطبيق المراسلة "تيليغرام"، "لطالما أردت أن أقتل ولطالما تصورت أنني سأصبح شخصاً مختلاً في المستقبل، لكن عندما قام إيلناز بإطلاق النار أدركت أن القتل الجماعي يأتي بفائدة أكبر من جرائم القتل التسلسلي، فجلست وانتظرت وحلمت ورغبت حتى جاءت ألينا لتصبح نقطة الغيث الأخيرة، وكأنها أتت من السماء لتعينني في الوقت المناسب تماماً".
وفي منشوره عبر تطبيق التواصل الاجتماعي أحال كوزاك أيضاً إلى إيلناز غاليافييف، وهو مطلق نار يبلغ من العمر 19 سنة أقدم في مايو (أيار) 2021 على اقتحام مدرسته السابقة في تتارستان الواقعة في الجزء الغربي من روسيا، فقتل تسعة أشخاص وتسبب بجرح 23 غيرهم.
غاليافييف، وفي منشور مخيف قبل ساعات من تنفيذه للهجوم المميت، نشر صورة له على "تيليغرام" وهو يرتدي قناعاً مكتوب عليه كلمة "الله" باللغة الروسية مع التعليق: "اليوم سأقتل عدداً كبيراً من النفايات العضوية ومن ثم سأطلق النار على نفسي".
ولدى وصوله إلى المدرسة استطاع إرداء حارس الأمن الذي تمكن قبل ذلك من إطلاق صفارة الإنذار، ليقتحم بعدها أروقة المدرسة ويقتل مدرسين اثنين وسبعة تلاميذ.
وبعد فشله في فتح الأبواب المقفلة قام بتفجير قنبلة يدوية الصنع، لكن ذخائره سرعان ما نفدت فتسنى اعتقاله في نهاية المطاف.
وحُكم على إيلناز بالسجن المؤبد وبنظام خاص من الأشغال الشاقة بعد أن دين بقتل شخصين أو أكثر.
وبالعودة لكوزاك فيُزعم أن رسائله الأخيرة عبر تطبيق "تيليغرام" تضمنت الآتي، "دعوني أعرّف عن نفسي، أنا ديفيد وأريد القيام بهجوم مسلح على مدرسة وربما سأقدم على الانتحار".
ومع أن دوافعه لشن الهجوم الأخير لا تزال غير واضحة، فقد أُفيد بأن الشرطة كانت تبحث عنه بالفعل وقت حصول الحادثة.
ويسود الظن أن موجة العنف التي ارتكبها كوزاك كانت بدأت قبل ذلك بأسبوع بعد العثور على أب عمره 32 سنة وابنته الرضيعة مقتولين في غابة المتنزه الوطني في كلانوفيتشي على بعد 15 ميلاً (24 كيلومتراً) من مدينة براغ.
وعلى رغم عدم توفر أدلة كافية وصور عبر كاميرات المراقبة، يظهر اسم كوزاك على قائمة المشتبه فيهم مع أن الشرطة لم تستجوبه حتى الآن، وفي هذا الإطار قال رئيس دائرة التحقيق في جرائم القتل في براغ ألس ستراتش، "كانت تنقصنا أيام قليلة لمنع حصول هذه الحادثة المأسوية".
وكانت الشرطة تلقت معلومات في الساعة 12:26 من بعد ظهر الخميس [21 ديسمبر] تفيد بأن كوزاك في حال قد تدفعه إلى الانتحار وبأنه لا يجيب على هاتفه، وبعد ذلك بوقت قصير عثر على جثة والده في هوستون.
والحال أن عناصر الشرطة وبعد أن علموا أن كوزاك سيلقي محاضرة في تمام الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم في موقع قريب من ساحة البلدة القديمة [في براغ]، أعلنوا انطلاق عملية بحث وتحر عنه على نطاق الوطن وقاموا بإخلاء المبنى.
بيد أن كوزاك توجه إلى كلية الفنون في ميدان جان بالاتش حيث شن هجوماً مسلحاً على طلاب وأساتذة، وقد اضطر عدد منهم إلى الاحتماء بحواف النوافذ و تحصين أنفسهم داخل الصفوف.
وبعد أن أدرك كوزاك أنه محاط بعناصر شرطة مسلحين قام بإيذاء نفسه ليُعلن بعد ذلك عن وفاته.
وفي أعقاب الحادثة أعلنت جمهورية التشيك يوم حداد وطني، بينما عمدت المدارس في أرجاء براغ إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية عقب نشر تعليقات مليئة بالكراهية على شبكة الإنترنت.
© The Independent